Skip to main content

Full text of "رواية كائن لا تحتمل خفته - ميلان كونديرا"

See other formats




ترجمة:.ماري طوق 


5 المركز انثمافي العربي 


القراءة زاد المعرفة:والتفكير ..لتسخير المعرفة 





كائخ لا تحتمل فته . 

* تأليف : ميلان كونديرا. 

* ترجمة: ماري طوق. 

* الطبعة الثانية» 1998 
* الناشر: المركز الثقافي العربي 
* العنوان : 


ت الدار البيضاء/ ه 42 الشارع الملكي (الأحباس) ٠‏ فاكس /305726/ ٠‏ هاتف/ 303339 -307651/. 
7 « 28 شارع 2 مارس » هاتف /271753 -276838/ » ص.ب./ 4006/ درب سيدنا. 
العنوان: 
ل بيروت/ الحمراء - شارع جان دارك - بناية المقدسي - الطابق الثالث. 
ه ص.ب/ 113-5158/ » هاتف/ 6 -343701/ » فاكس /00961-1-343701/. 








.. 


تمه 


ماري طوق 


0 الماكزالثتائ المي 


القسم الأول 
الخفة والثقل 


1 


العَودُ الأبدي فكرة يكتنفها الغموض وبها أربك نيتشه الكثيرين من 
الفلاسفة : أن نتصور أن كل شيء سيتكرر ذات يوم كما عشناه في السابق» 
وأنّ هذا التكرار بالذات سيتكرر بلا نهاية! ماذا تعني هذه الخرافة المجنونة؟ 


تؤكد خرافة العودٍ الأبدي, نلا أن الضياة التي تختفي اليا والتي 
لا ترجع إنما هي أشيه بظل ودون ون ويه "لقا : ومهما تكن هذه الحياة 
فظيعة أو جميلة أو رائعة فإن هذه الفظاعة وهذا الجمال وهذه الروعة لا تعني 
شيئا. هي غير ذات أهمية مثل حرب وقعت في القرن الرابع عشر بين مملكتين 
أفريقيتين فما غيّرت شيئاً في وجه التاريخ, مع أن ثلاثمائة ألف زنجي لاقوا 
فيها حتفهم وفي عذابات تفوق الوصف. فهل كان سيتغير شيء لو أن هذه 
الحرب بين المملكتين الأفريقيتين في القرن الرابع عشر قد تكررت مرات لا 
حصر لها في سياق العود الأبدي؟ 

بلى : كانت ستؤول إلى كتلة متراصفة من الجماجم. وتفاهتها ستكون 
متصلة دون توقف. 

ولو ُدّر للثورة الفرنسية أن تتكرر باستمرار» لكان المؤرخون الفرنسيون 
أقل فخرا بروبسبيير. ولكن. بما أنهم يتحدثون عن شيء لن يرجع ثانية, 
فإن السنوات الدامية تصير مجرّد كلمات ونظريات ومجادلات؛ تصير أكثر 
خفة من الوبر ولا تعود مخيفة. عنائف رق تتاسع بين روستيير الذي لم 
يظهر سوى مرة في التاريخ وروبسبيير الذي يعود بشكل دائم ليقطع رؤوس 
الفرنسيين . 


لتقل إذاً أن فكرة العود الأبدي تحدد أفقاً لا تبدو فيه الأشياء كما 
نعرفها: تظهر لنا من دون الظروف التخفيفية لعرضيتها. هذه الظروف 
التخفيفية تمنعنا في الحقيقة من إصدار حكم معيّن. هل بالإمكان إدانة ما هو 
زائل؟ إن غيوم المغيب البرتقالة تضفي على كل شيء أل الحنين. حتى 
للد 
لالد لي رن 0 0 بزمن طفولتي التي 
عشتها خلال الحرب. كثيرون من أفراد عائلتي لاقوا حتفهم في معسكرات 
اعتقال نازية. ولكن ما أهمية موتهم أمام صورة هتلر التي ذكرتني بزمن غابر 
من حياتي » بزمن لن يعود؟ 

إن هذه المصالحة مع هتلر تفضح عمق الشذوذ الأخلاقي الملاز م لعالم 

مبني أساساً على انعدام العَود. ذلك أن كل شيء في هذا العالم مغتفر سلفا 
ل 

2 

لو قدّر لكل ثانية من خيائنا أن تتكرز مزات: لذ حضر لهاء لكنا معلقين 
على الأبدية مثلما علّق يسوع المسيح على صليبه. هذه الفكرة فظيعة. ففي 
عالم العود الأبدي ٠‏ كل حركة تحمل ثقل مسؤولية لا تطاق .. وهذا ما جعل 
نيتشه يقول: إن فكرة العود الأبدي هي الحمل الأكثر ثقلا . 

إذا كان العود الأبدي عو الحمل الأثقل. يمكن لحيواتنا عندئذ أن تظهر 
ل ل ل 

إن اعمال قلا فاه ان ويشدنا نحو الأرض . 
ولكن لو ألقينا مثلاً نظرة على شعر الحب خلال العصور كلها لرأينا نا أن المرأة 
ترغب في أن تتلقى حمل جسد الذكر. إذاء فالحمل الأكثر ثقلاً هوفى 
الوقت ذاته صورة للاكتمال الحيوي في ذروته. فكلما كان الستمل ثقيلا» 


6 


كانت حياتنا أقرب إلى الأرض, وكانت واقعية أكثر وحقيقية أكثر. 

وبالمقابل» فإن الكائن الإنساني عند الغياب التام للحمل يصير أكثر 
خفة من العواف محدلف] تعدا عن الأرض وعن الكائن الأرضي. يصير شبه 
واقعي وتصبح حركاته حرة ة قدر ما هي تافهة . 

إذاًء ماذا علينا أن نختارء الخفة أم الثقل؟ 


ذاك هو السؤال الذي طرحه بارمينيد على نفسه فى القرن السادس ما 
قبل المسيح . سيب رابة» العالم أكتي إلى أزواع من افلدادة النيررء 
الظلمة؛ السميك - الرقيق؛ الحار ‏ البارد؛ الكائن ‏ اللاكائن. كان يعتبر أن 
أحد قطبي التناقض إيجابي (المضيء, الحارء الرقيق» الكائن) والقطب 
الآخر سلبي . قد يبدو لنا هذا الأعدام إلى إيجابي 5 في نطاق سهولة 
صبيانية باستثناء حالة واحدة: أيُهما هو الإيجابي, الثقل أم الخفة؟ 


كان على حق أ م لا؟ هذا هو السؤال. وشيء راد اكد : : النقيضان الثقيل - 
الخفيف هما ا ا والتباساً بين كل المتناقضات . 


3 
منذ سنوات عديدة وأنا أفكر بتوماس . غير أني رأيته بوضوح للمرة 
الأولى فى ضوء هذه الأفكار. رأيته ذاقنا أمام نافذة شقته وعيناه تحدقان شات 
عبر الجهة الأخحرى من الفناء. إلى حائط المبنى المقابل. ولم يكن يدري 
ماذا عليه أن يفعل. 
كان قد تعرّف إلى تيريزا منذ ثلاثة أسابيع تقريباً في مدينة صغيرة من 
بوهيمياء حيث أمضيا ساعة معاً على الأكتر: اصفل ته إلى المحطة وانتظرت 
معه حتى استقلّ القطار. بعد عشرة أيام جحاءت تزوره في نوا جين مار 
الحب في اليوم نفسه وفي الليل أصابتها نوبة من الحمى فأمضت عنده 
أسبوعاً كاملاً يلازمها الزكام . 


عندئذ أحس بحب لا يفسر نحو هذه الفتاة التي كان يجهلها في 


7 


الواقع. بدت له مثل طفلة وضعت في سلة مطلية بالقطران وثركت في النهر 
ليلتقطها عند ضفة سريره. 

مكثت عنده أسبوعاًء تم بعد أن شفيت رجعت إلى المدينة التي تسكن 
فيها على بعد مئتي كيلومتر من براغ . . هنا تتموضع اللحظة الحاسمة في 
حياة توماس والتي كنت أحدثكم عنها لتوي: إنه واقف أمام النافذة وعيناه 
محدقتان عبر الجهة الأخرى من الفناء. إلى حائط المبنى المقابل ويفكر: 

عليه دعوتها للإقامة في براغ؟ هذه مسؤولية ترعبه. لماذا لا يدعوها 
الآن إليه فتجيئه في الحال لتقدم له حياتها كلها. 

أَوْ هل يجب التخلي عن هذه الفكرة؟ وفي هذه الحالة تبقى تيريزا 
خادمة في مشرب جعة في حي صغير من الريف. وهكذا لا يعود يراها. 

هل يريدها أن توافيه أم لا؟ 

ينظر عبر الفناء» عيناه محدقتان إلى الحائط المقابل ويبحث عن حل . 

يرجع أيضاً وأيضاً إلى صورة المرأة المستلقية على سريره؛ لم تكن 
تذكره بأحد من حياته السابقة. لم تكن لا عشيقة ولا زوجة. بل كانت طفلا 
أخرجه من سلة مطلية بالقطران ووضعه على ضفة سريره. كانت قد غفت. 
جنا أمامها. كان لهائها المحموم متسارعاً وسمع تأوهاً خافتاً. ألصق وجهه 
بوجهها وهمس لها كلمات مؤاسية أثناء نومها. في غضون لحظة بدا له أنها 
تتنفس بهدوء أكثر وأن وجهها يستدير تلقائياً نحو وجهه. كان يشم رائحة 
الحمى الحامزة من شفتيها وكان يتنشقها وكأنه يريد أن يمتلىء بحميم 
جسدها. عندها تصوّر أنها كانت تقيم عنده من سنوات وأنها الآن تحتضر. 
أحسٌ فجأة أنه لا يمكن له أن يعيش بعد موتها. بل سيتمدد قربها ويموت 
معها. وإذ هرت كيانه هذه الرؤية» دفن وجهه في الوسادة قرب وجهها وبقي 
طويلا على هذه الحال. 

الآن. ها هو واقف أمام النافذة يتذكر هذه اللحظة. أكان ذلك غير 
الحب وقد أراد أن يعلن عن نفسه بهذه الطريقة؟ 

ولكن هل كان ذلك الحب فعلل؟ كان متيقناً من أنه كان يرغب في 


8 


الموت إلى جوارهاء وهذا الشعور كان مغالى فيه إلى حد بعيد. فهويراها 
للمرة الثانية في حياته. أم كان بالأحرى ردة فعل هستيرية لرجل أدرك في 
أعماقه عدم قدرته على الحب فراح يلعب, لكنْ لنفسه. ملهاة العشق؟ في 
الوقت ذاته. كان وعيه الباطن مرتخيا إلى درجة أنه اختار لتمثيليته هذه خادمة 
مقهى ريفية يفية مسكينة لم يكن لها عملياً أي حظ في الدخول إلى حياته! 

كان ينظر إلى حيطان الفناء المتسخة من دون أن يفهم إذا كان ما يعانيه 
جنوناً أم حباً. 

كان بإمكان رجل حقيقى في هذه الحالة أن يتصرف على الفور. لذلك 
كان يأخذ على نفسه هذا التردد وحرمان أجمل لحظة في حياته من كل 
معنى , (كان جائياً أمام سرير المرأة الشابة وهو مقتنع بأنه لن يقوى على 
العيش من بعدها) . 

كان يوسع نفسه توبيخاء ولكنه اقتنع في النهاية بأن عدم معرفته لما 
يريده أمر طبيعي جدا. 

لا يمكن للإنسان أبداً أن يدرك ماذا عليه أن يفعلء لأنه لا يملك إلا 
حياة واحدة, لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا إصلاحها في حيوات 
لاد ْ ١‏ 

أيهما هو الأفضل» العيش مع تيريزا أم البقاء وحيدا؟ 

لا توجد أية وسيلة لنتحقق أي قرار ه هو الصحيح » » لأنه لا سبيل لأية 
مقارنة . كل شيء نعيشه دفعة واحدة. د أولى ودون تحضير. مثل ممثل 
يظهر على الخشبة دون أي تمرين سابق. ولكن ما الذي يمكن أن تساويه 
الحياة إذا كان التمرين الأول الحياة نفسها؟ هذا ما يجعل الحياة شبيهة دائما 
بالخطوط الأولى لعملٍ فني ١‏ ولكن حتى كلمة وخطوط أولى» لا تفي 
بالغرض . فهي تبقى دائماً مسودة لشيء ء مال كا اولي الوه ار أما 
الخطوط الأولى التي هي حياتنا فهي خطوطً للاشيء ورسم دون لوحة . 

ردّد توماس المثل الألمانى القائل: مرة ليست في الحسبان. مرة هي 
أبداً. الآ تستطيم العيش إلا حياة واحدة كأنك لم تعش البئة . ْ 


9 


لكن, في ذات يوم وأثناء استراحة بين جراحتين» أبلغته ممرضة أنه 
مطلوب على الهاتف. سمع صوت تيريزا عبر السماعة. كانت تخابره من 
المحطة. سر لذلك. لسوء الحظ كان مشغولاً هذا المساء فلم يدعها لزيارته 
إلا في الغد. ما إن أقفل السماعة حتى ندم لأنه لم يطلب منها أن تأتي في 
الحال. كان الوقت لا يزال يسمح له بإلغاء موعده. تساءل عمًا ستفعله تيريزا 
في براغ طول الساعات الست والثلاثين التي تفصلهما عن لقائهماء فرغب في 
ركوب سيارته والانطلاق بها بحثا عنها في شوارع المدينة . 

وصلت مساء ذلك الغد. كانت تحمل حقيبة ذات حزام طويل . وجدها 
أكثر أناقة من المرة السابقة. كانت قاط كنانا ضحنا: 00000 
لتولستوي. كانت تصرفاتها مرحة وربما صاخبة. وكانت تجهد لتبرهن أن 
مرورها لم يكن إلا من باب الصدفة وحسبء. وبسبب ظروف خاصة: 
فوجودها في براغ كان لدواع مهنية وربما (كانت مزاعمها غامضة جداً) 
للبحث عن وظيفة جديدة. 

بعدهاء وجدا نفسيهما ممدّدين على السرير جساً إلى جدب عناريين 
ومنهكين. كان المساء قد حل . سألها عن مكان إقامتها وأراد اصطحابها في 
السيارة. أجابت بانزعاج بأنها ستفتش عن فندق وأنها وَدَعْثْ حقيبتها في 
المحطة . 

عشية البارحة ليس إلا. كان يخشى أن تأتي لتمنحه حياتها فيما لو دعاها 
للمكوث عنده في براغ . الآن عندما سمعها تقول له بأن حقيبتها كانت في 
المحطة. فكر أنها وضعت حياتها فى هذه الحقيبة وودعتها فى المحطة قبل 
أن قي ناما ْ 1 

صعد إلى جانبها في سيارته المتوقفة أمام البناية» ذهب إلى المحطة 
فأمسك بالحقيبة (كانت ضخمة وثقيلة للغاية) وأتى بها وتيريزا إلى بيته . 


كيف حدث أنه قرر بهذه السرعة في حين أنه كان يتردد ما يقارب 


10 


كان عو انفسنه مذهوقا : كان يتصرت ببخلاف مادثه ...ها قل مرت عثبز 
سنوات على طلاقه من زوجته ا 0 
مثلما يحتفل أناس آخرون بزواجهم . كان قد فهم إذ ذاك أ نه لم يُخلق ليعيش 
في كنف امرأة واحدة أياً تكن هذه المرأةء وأنه غير قادر على أن يكون هو 
تقسة كما إلا انها كان يحرص إذاً كل الحرص على تنسيق نظام حياته 
بشكل لا يمكن معه لأية امرأة ة أن تأتي لتقيم عنده مع حقيبتها. وفوق ذلك» 
فهو لا يملك: إلا سريراً واد . ومع أنه سرير واسع بما فيه الكفاية, فإنه كان 
يؤكد لشريكاته أنه لا يقدر على النوم مع أحد على فراش مشترك. كان 
يُعيدهن جميعهن إلى منازلهن بعد حلول منتصف الليل. من جهة أخرىء 
حين بقيت تيريزا عنده في المرة الأولى بسبب الزكام. لم ينم إلى جوارهاء 
بل أمضى ليلته الأولى على كنبة كبيرة» ولياليه المتتالية في عيادته في 
المستشفى على كرسي طويل كان يستعمله أثناء الخدمة الليلية. 

لكنه في هذه المرة نام قربها. عندما استيقظ في الصباح وجد أن تيريزا 
لا تزال نائمة وهي تمسك بيده. هل بقيا ممسكيّن بأيديهما هكذا طوال 
الليل؟ كان يصعب عليه تصديق هذا الأمر 

كانت تتنفس بعمق أثناء نومها وتمسك بيده (بقوةء لم يكن قادراً على 
الإفلات من قبضتها). وكانت الحقيبة الثقيلة للغاية ملقاة قرب السرير. 

لم يكن يجرؤ على سحب يده من قبضتها لثلا يوقظهاء فاستدار بحذر 
على جنبه ليتمكن من مراقبتها بشكل أفضل 

فزة أخرى فأ قن لفسلده: إن تبريزا طقل وفع في “مثلة"مظلية بالقطران 
ورُميت في مجرى النهر. هل في إمكان المرء أن يترك سلة في داخلها طفل 
تنجرف مع مياه النهر الهادرة؟ لو لم تخرج ابنة فرعون سلة موسى الطفل من 
الماء لما كان العهد القديم ولا كانت معه حضارتنا! في بداية أساطير كثيرة 
هناك أحد ما ينقذ طفلا لقيطا. لو لم يلتقط بوليب أوديب الطفل لما استطاع 
سوفوكل أن يكتب أجمل مسرحياته التراجيدية . 

لم يكن توماس يدرك من قبل أن الاستعارات شيء خطير. لا يمكننا 
أن نمزح مع الإستعارات. فالحب قد يولد من استعارة واحدة. 


11 


5 


كان قد عاش ستتين تقريباً مع زوجته وأنجب منها طفلاً. عهد القاضي 
في حكم الطلاق بالطفل للأم وأجبر توماس على أن يقدم لهما ثلث معاشه. 
إلى جانب ذلك. كفل له بأنه يستطيع رؤية ابنه مرتين في الشهر. 

ولكن كلّما كان يريد رؤية ابنه كانت الأم ُرجىء الموعد. لو أغدق 
عليهما بهدايا فخمة لكان في وسعه طبعاً أن يراه بطريقة أسهل . أدرك إذا أنه 
يفترض به أن يدفع للأم ثمن حب ابنه وأن يدفع سلفاً. كان يتصور نفسه 
ملقناً ابنه أفكاراً متنافية على الأصعدة كافة مع أفكار أمه. وكانت هذه الفكرة 
بالذات تنهكه. منعته الأم ذات يوم الي عو أن يخرج مع ابنه في آخر 
لحظة. فمَرر ألا يعود لرؤيته أبدا: 

على كل حال فما الذي يجبره على التعلق بهذا الطفل دون غيره؟ 
ولا شيء يربطه به غير ليلة طائشة . كان على استعداد لأن يدفع ما عليه من 
مال بأمانة ولكن لا يذهب بأحد الأمر لأن يطلب منهء بإسم مشاعر أبوية غير 
محددة, أن يناضل لاكتساب حقه كأب! 

من البديهي ألا يكوة أحد على استعداد للقبول بهذا المنطق. فوالداه 
بالذات أداناه وأوضحا له بأنه هو توماس» لو رفض الاهتمام بابنه فسيتوقفان 
هما أيضاً عن الاهتمام بابنهما. لذلكء. كانا يستمران في التعاطي مع كنتهما 
بمودة تفاخرية. متبجحين أمام الأقارب بموقفهما النموذجي وبصواب 
أحكانهما 

نجح إذا خلال فترة قصيرة في التخلص من زوجة وابن وأم وأب. ولم 
يتبقّ له مما مضى إلا الخوف من النساء. كان يرغب فيهن إنما كان يخاف 
منهن. بين الخوف والحب وجب عليه أن يجد تسوية ما. تسوية سماها 
«الصداقة الجنسية). كان يؤكد أمام عشيقاته: وحدها العلاقة المجردة من 
العواطف., حيث لا يمكن لأحد من الشريكين أن يدعي أن له حقوقاً على 
حياة الآخر وحريته. يمكنها أن تجلب السعادة للإثنين معا 

وحتى يتم له اليقين بأن الصداقة اج نا المكان أبداً لعدائية 


12 


الحب. فإنه لم يكن يرى عشيقاته الدائمات إلا في فترات متباعدة جداً. كان 
يعتبر أن هذه 2 ويفتخر بها أمام أصدقائه: «علينا اعتماد 
القاعدة الثلاثية . يمكننا أن نرى المرأة نفسها في فترات متقاربة جداً شريطة 
ألا تزيد على ثلاث مرات. أو يمكننا أن نعاشرها لسنوات طويلة لكن شريطة 
أن نترك على الأقل مهلة ثلاثة أسابيع بين اللقاء والآخر». 

كان هذا النظام يمنح توماس إمكانية ألا يقطع علاقاته بعشيقاته 
الدائمات وأن يكون له في الوقت نفسه عشيقات عابرات. لم يكن أحد 
يفهمه . كانت سابينا وحدها من بين جميع صديقاته هي التي تفهمه. كانت 
رسامة. كانت تقول: أحبك كثيراً لأنك بخلاف «الكيتش» تماماً. لا يمكلك 
أن تكون في أي سيناريو لفيلم أميركي أو لفيلم روسي غير حالة مثيرة للقرف. 

والحالة هذه طلب من سابينا أن تساعده في إيجاد عمل ارا 
وحست ما ُلزم القواعد غير المكتوبة للصداقة الجنسية., وعدته بأن تبذل 
جهدها. وفعلا لم تتأخر في إيجاد وظيفة لها في مختبر للصور في إحدى 
المجلات الأسبوعية. لم تكن هذه الوظيفة تتطلب كفاءة معينة, ولكنها 
تمكنت من رفع تيريزا من منزلة الساقية في حانة إلى منزلة موظفة في 
الصحافة. قدّمتها سابينا بنفسها إلى مكتب التحريرء ففكر توماس حينشذ أنه 
لم يجد في حياته صديقة أفضل منها. 

كه 

كانت شرعة الصداقة الجنسية» غير المكتوبة» تستدعي إلغاء الحب 
من حياة توماس. فلو أنه خرق هذا الشرط لوجدت عشيقاته الأخريات 
أنفسهن في وضع دوني رن لذلك. 

فقد دير إذن لتيريزا شقةٌ صغيرة مستأجرة استئجاراً تباعياً حيث نقلت إلى 
هناك حقيبتها الثقيلة . كان راغباً في السهر عليها وفي حمايتها وفي الاغتباط 
بحضورها. لكنه لم يكن يشعر بحاجة تستدعيه لتغيير نمط حياته. ولم يكن 
يريد إلى ذلك. أن يعرف أحد أنها تنام عنده. فالنوم المشترك هو جسم 
الجريمة للحب. 


13 


لم يكن ينام قط مع النساء الأخرينات: كان الأموسيلة عين تدعت 
لرؤيتهن في بيوتهن فباستطاعته الذهاب والحالة هذه ساعة يشاء. ولكن الأمر 
كان أكثر مشقة حين يأتين إلى عنده فيجد نفسه مضطراً لأن يشرح لهن بأنه 
سيرجعهن إلى بيوتهن بعد حلول منتصف الليل. والسبب أنه يعاني من الأرق 
لماص ع مات ا امد و ود 
ولكن السبب الجوهري كان أسوأ من ذلك» ولم يكن يجرؤ على الاعتراف به 
لشريكاته : في اللحظة التي تلي الجنس» كان يشعر برغبة جامحة في البقاء 
وحيداً . كانت تنفره فكرة أن يستيقظ في وقت متأخر من الليل ويجد نفسه 
بالقرب من كائن غريب. كان يمقت النهوض الزوجي عند الصباح ولا يرغب 
ق أن يسمعه أحد وهو يغسل أسنانه في الحمام. ثم وأن إلفة الإفطار 
المزدوج لم تكن تستهويه. 

من أجل ذلك فوجىء للغاية عندما استيقظ ووجد أن تيريزا تشد على 
تدةابقرة! كان ينظن البهنا غير قوعت كثاما ها الى حدقا فاتكعاد 
الساعات التي مرّت وأحس أنه يتنشق منها عطر سعادة غريبة. 


منذ ذلك الحين وكلاهما يغتبط مسبقاً بالنوم سوية. وأميل تقريباً للقول 
بأن الهدف من الجماع بالنسبة لهما لم يكن النشوة بل النعاس الذي يعقبها. 
وهي ‏ خاصة, لم تكن تستطيع أن تنام من دونه. لؤ صدف وبقيت وحيدة في 
شقتها الصغيرة (التي لم تعد إلا مجرد خدعة) كانت غير قادرة على إغماض 
جفن طيلة الليل. أما بين ذراعيه فكانت تغفودائما مهما تكن درجة 
اضطرابها. كان يروي من أجلها بصوت خافت قصصاً يبتدعها أو ترّهات 
وكلمات مضحكة يعيدها بلهجة رتيبة. كانت هذه الكلمات تتحول في 
مخيلتها إلى رؤى مشوشة تأخذ بيدها إلى الحلم الأول. كان يملك تأثيراً 
خارقاً على إغفائها وكانت تغفو في الدقيقة التي يقرر هو أن ينتقيها. 
كانت تمسكه أثناء النوم كما فعلت في أول ليلة: تشد بقوة على 
معصمه أو على إصبع من أصابعه أو على عرقوبه. وكان عليه أن يستعين 
بحيلة ما كي يفلت منها دون أن يوقظها. فيسحب إصبعه (معصمه أو عرقوبه) 
من قبضتها. نما كان يجفلها سمفظ قلية-ذلك أنها كانت تراقبه بانتباه حتى 


14 


أثناء نومه. ال ا 
(بيجاما ملفوفة أو خفاً أو كتابً) فتضغط عليه في الحال وبقوّة كانه قطعة من 
حسده . 


ذات يوم كان يحاول إغفاءها وكانت هي لا تزال في المدخل الأول 
للنوم وتقدر على أن تردٌ على أسئلته. قال لها: ‏ «حسناًء إني ذاهب الآن. - 
سألته : «إلى أين؟». فقال لها بلهجة حازمة -: «إني خارج». -قالت: 
«سأذهب معك» فانتصبت في سريرها. ‏ قال: ولاء لا أريد. إني ذاهب 
للأبد ». ثم خرج من الغرفة إلى المدخل . فنهضت وتبعته إلى الم ردي 
ترفرف بعينيها. كانت عارية تحت قميص 5 قصيرة. وكات :وجوهنا افد من 
دون تعابير ولكن حركاتها نشيطة . خرج من الع إلى الرواق (الرواق 
المشترك للمستأجرين) وأغلق الباب في وجهها. م د 
ل 000 الغ أنه ينوي الذهماب ب إلى | الأبد 0 
000 السرير. 


فكر توشناين: إن مضاجعة امرأة والنوم معها رغبتان ليستا مختلفتين 
قحست يل متباقفهان أيضا. فالحب لا يتجلى بالرغبة في ممارسة الجنس 
(وهذه الرغبة تنطبق على جملة لا تحصى من النساء) ولكن بالرغبة في النوم 
المشترك (وهذه الرغبة لا تخصٌ إلا امرأة واحدة). 


7 


عند منتصف الليل. أخذت تيريزا تنتحب أثناء نومها. فأيقظها توماس 
ولكنها حين رأت وجهه قالت بحقد: «اغرب من وجهي ! اغرب من وجهي !). 
ثم روت له ما رأته في المنام : كانا في مكان ما وبرفقتهما سابيناء في غرفة 
شاسعة عاك ميري ولا الخرية بنط ريط جد مدر . أمرها 
توماس بالبقاء في الزاوية وضاجع سابينا على مرأى منها. كانت تنظر إلى هذا 
المقهد فعنيت: لها عذاباً عاتلا : ثم أخذت تغرز إبراً تحت أظافرها مطفئة ألم 


15 


النفس بألم الجسد. «كان هذا يؤلمني بشكل فظيع). قالت وشدت على 
قبضتيها كما لو أن يديها كانتا فعلاً مئخنتين بالجراح . 

ضمّها بين ذراعيه (كانت ترتجف دون توقف) فغفت شيئاً فشيئاً وهي 
تعانقه . 

وإذ فكر صباح الغد في هذا الحلم تذكر شيئاً. فتح درج مكتبه وأخرج 
حزمة رسائل من سابينا. عثر على المقطع التالي بلحظة: «أرغب في أن 
أضاجعك داخل مُحترفي وكأننا على حلبة مسرح. سيكون هناك أناس حوالينا 
لن يكون لهم الحق في الاقتراب. ولكن لن يتمكنوا من إشاحة بصرهم 
عنا. ..). 

والأسوأ في الأمر أن هذه الرسالة كانت مرفقة بالتاريخ . كانت رسالة 
حديثة العهد مكتوبة بعد انقضاء وقت طويل على وجود تيريزا عند توماس . 

استشاط غضباً: «فتشتٍ في رسائلي!». 

قالت من دون أن تحاول الإنكار: «حسناًء بإمكانك طردي!». 

لكنه لم يطردها. كان يراها هناك» تلتصق بحائط محترف سابينا وهي 
تغرز إبرا تحت أظافرها. فضم أصابعها في يديه وداعبها ثم حملها إلى شفتيه 
وقبلها وكأن آثارا من دم فضلت هناك . 

ولكن ابتداء من هذه اللحظة بدا وكأن كل شيء يتأمر ضده. فلم يكن 
يوم ليمر إلا وتعرف فيه شيئاً جديداً عن مغامراته السرية. 

في بادىء الأمر كان ينفي كل شيء, ولكن حين تكون الأدلة صارخة. 
كان يحاول أن يثبت أن لا تناقض بين حياته كرجل مرتبط بعدة نساء وبين حبه 
لتيريزا! لم يكن منطقيا في ما يقول. فتارة كان ينفي خياناته» ويبررها تارة 
أخرى . 

كان يتصل ذات يوم بصديقة له ليتفق معها على موعد. حين أقفل الخط 
سمع ضجة غريبة في الغرفة المجاورة» ضجة تشبه اصطكاك الأسنان. 

كانت قد جاءت إليه صدفة على غير علم منه. وكانت تمسك في يدها 


16 


زجاجة مهدّىء وتشرب من عنقها فترتجف يدها ويرتطم زجاج القنينة 
نيا 

عن الحناتها كب خرية مللسوثامة العدق همات ف السارقيم 
وأحدثت بقعة كبيرة على السجادة. كانت تتخبط بين ذراعيه محاولة الإفلات 
منه فظل ممسكاً بها هكذا لمدة ربع ساعة. إلى أن هدأت 

كنان يدرك أن الت متسك و تبويسرها لأنينا فينية أصبلا على ل مساراة 


تامة : 


كانا قد ذهبا معاًء ٠‏ قبل اكتشافها لمراسلاته مع سابينا بوقت طويل» إلى 
ملهى برفقة بعض الأصحاب احتفالا بتسلم تيريزا وظيفتها الجديدة . كانت قد 
ا ل 0 وكما أنه لا يهوى الرقص. 
توا إذا ) حد زملائه الجدد في المستشفى أمر تيريزاء كانا ينزلقان بخفة رائعة 
على حلبة الرقص. وبدت له تيريزا أجمل من أي وقت مضى . كان مذهولاً 
عندما رآها تستبق رغبة مراقصها بدقة وانصياع وبأقلّ من ثانية بدت له هذه 
الرقصة وكأنها تؤكد أن إخلاص تيريزا ورغبتها 0 
في خاطر توماس ليسا مرتبطين بالضرورة بشخص توماسء إنما هما على أهبة 
للتجاوب مع نداء أي رجل تصادفه. لم يكن امول عله حل جور بتري 
وهذا الزميل ام عاشقين. كانت هذه السهولة بالذات التي كان 
يستطيع معها أن يتصورهما في مثل هذا الوضع. تجرحه! كان جسد تيريزا 
قابلا تماماً لأن يتصوره مستغرقا في عناق عاطفي مع أي جسد ذكر كان. هذه 
الفكرة عكرت مزاجه. م ا يا من الليل. اعترف لها بأنه 
كان غيران. 


كانت هذه الغيرة غير المبررة والمنبثقة من تصور نظري بحت برهاناً 
00 يعمرؤناءها لاعوطا اا ولكن. والحالة هذى كيف بإمكانه إذا 


أن يستاء منها حين تغار من عشيقاته الموجودات فعاا؟ 


17 


انتة التهازة: كانت تبرينا تنداول جتاهدة ولكن دون أن تسكن حلفم الأ 
تصدق ما يقوله توماس وأن تكون سعيدة كما فعلت حتى الآن. غير أن الغيرة 
المكبوتة في النهار كانت تظهر بشكل أكثر عنفاً في أحلامها التي تنتهي دائماً 
بنحيب لا ينقطع إلا حين يوقظها توماس . 

كانت أحلامها تتكرر على شكل حلقات متنوعة أو مسلسل تلفزيوني. 
لمة يعلم كان يتكرر باستابرار على اميل المدالةء وهو حلم الهررة التي تقفز 
إلى وجهها منشبة مخالبها في جلدها. في الحقفة يمكن شير هد العسدم. 
0 الهرة في اللغة التشيكية كلمة عامية تعني فتاة جميلة . كانت تيريزا إذاً 
1 تشعر أنها مهددة من النساء. كل النساء. فالنساء كلهن عشيقات محتمللات 
لتوماس ولهذا فهي تخاف منهن. 


كان يتم إرسالهاء ضمن إطار سلسلة أخرى من الأحلام إلى الموت. 
أيقظها ذات ليلة وهي تزعق من الذعر فروت له هذا الحلم: كانت هناك بركة 
سباحة كبيرة مسقوفة. كنا نحو العشرين من النساء فقط. كنا تحميضا عاريناك 
وكان علينا أن نسير الواحدة تلو الأخرى حول البركة. كانت هناك سلة كبيرة 
تتدلى من السقف وفي داخلها رجل يرتدي قبعة كبيرة الأطراف تخفي وجهه. 
لكني كنت عارفة أنه أنت. كنت تعطينا الأوامر وتصرخ, وكان علينا أن 
نغني » ونحن نسيرء ونثني ركابناء وحين تنسى امرأة أن تثني ركبتيهاء كنت 
تطلق عليها الرصاص من مسدس فتسقط قتيلة داخل البركة. فتأخذ الأخريات 
في الضحك ثم في الغناء بقوة أكبر. أما أنت فلم تكن تفارقنا لحظة واحدةء 
ما إن تخطىء واحدة ححتى ترديها قتيلة. كانت البركة ملآنة بالجثث العائمة 
على وجه الماء. وأنا كنت أعرف أنني لن أقدر على تنفيذ انثناءتي المقبلة 
وأنك ستقتلني . 

أما السلسلة الثالثة من أحلامها فكانت تروي ما الذي يحدث لها بعد 
موتها. 

كانت ترقد في عربة كبيرة للموتى شبيهة بشاحنة نقل انتشرت حولها 


18 


السيقان. 
كانت تيريزا تزعق: «أنظروا! لست ميتة. ما زلت أحتفظ بحواسي 
كافة ! 
ت تق أيضا لاا ندال شتفظ بحوامنا كليا..“قالت النحيت هادي 


كانت ضحكتهن تشبه تماماً ضحكة أولئك النساء اللواتى لا يزلن على 
قيد. الحياة» اللواتي كن يقلن لها فيما مضى.وبمتمة إن أسنانها ستفسد وإن 
مبيضيها سيّصيبهما المرض وإن التجاعيد ستغزوها. وهذا طبيعي جداً. لأن 
استانهية» عو قد 'فسدت وسيضين أمجاتة المرفن وقند غزتهيع التساعية. 
وها هن يشرحن لها الآنء وهن يضحكن الضحكة ذاتهاء أنها ميتة وأن كل 

فجأة شعرت برغبة في التبويل فصرخت: «لكن بما أني أشعر برغبة في 
التبويل فهاكن الدليل على أنني لسْتٌ ميّئة!». 

ومن جديد ضحكن ملء أشداقهن: «هذا أيضاً طبيعي أن تشعري 
برغبة في التبويل» فحواسك ستبقى كما عهذتها لوقت طويلء كمثل 
الأشخاص الذين بترت لهم أيديهم فيما ينتابهم الشعور بوجودها لوقت 
طويل. نحن أيضاً لم يعد لدينا بول ونشعر مع ذلك برغبة دائمة في التبويل. 

التصقت تيريزا بتوماس بقوة في السرير وهي تقول: «كن جميعهن 
يخاطبنني دون رفع الكلفة وكأنهن يعرفنني منذ الأزل. كأنهن كن صديقاتي . 
أما أنا فكنت خائفة من أن اجبر على البقاء معهن إلى الأبد» . 


9 


جميع اللغات المتحدرة من أصل لاتيني تصوغ كلمة «كومباسيون») أي 
الشفقة انطلاقاً من أداة التصدير «١كوم)‏ مع إضافة الجذر «باسيو» الذي يعنى 
9 0 «عذاب). ٠‏ تترجم هذه الكلمة في اللغات الأحرى. في 0 


أو البولونية أو الألمانية أو السويدية. إلى كلمة مؤلفة من أداة تصدير 


9 


ممائلة ومتبوعة بكلمة «شعور». (إلى سو سيت في التشيكية ؛ أأعناص1وم5/لا 
فى البولونية» ميت - غفول» في الألمانيةة؛ ميد كانسّلا في السويدية). 

كلمة شفقة تعني في اللغات المتحدرة من أصل لاتيني أننا لا نستطيع 
أن نشاهد عذاب الآخر بقلب بارد. وبكلمة أخرى : نشعر بالتعاطف مع من 
يتعذب . هناك كلمة عر يا المعنى نفسه تقريباً وهي الرأفة (في الإنكليزية 
(بيتي ) وفي الإيطالية «بيتيا»» إلخ). وهي توحي أنفنا بشوع من التسامح مع 
الكائن الذي يتألم . أن نشعر بالرأفة تجاه امرأة فهذا يعني أن نكون أوفر حظا 
منها. وأن نحي نزولا حنن 'ميستواها. 

من هنا فإن كلمة شفقة توحي عموماً بالارتياب» وهي تعنى بشعور 

يُعتبر أقل منزلة ولا علاقة له بالحب إطلاقا. أنهي ادا شق بة:فهذا 
يعنى 0 


في إطار اللغات التي تصوغ كلمة شفقة, ليس عن طريق إضافة الجذر 
«وعذاب. ولكن بإضافة كلمة «سنتيمان» أي شعورء تستعمل الكلمة في 
التدين للش قري . لكن يصعب القول إن كانت تحدد شعوراً سيئاً أو وضيعاً. 
فالقوة الخفية الكامنة فى اشتقاق هذه الكلمة تضفي عليها ضوءا آخر وتضمنها 
معنى :أغى :أن لتر بالشفقة ردكو .نيان “فمعى ذلك أن تتمكن من 
مشاطرة الآخر تعاسته. إنما معنى ذلك أيضاً أن نشاطره مطلق شعور آخر: 
الفرح أو القلق أو السعادة أو الألم. هذه الشفقة بالذات (بمعنى سوسيت 
و عأءناتءاوم:1 وميت - غفول وميد كانسلا) تعني إذا القدرة التصوي مين 
التخيل العاطفي وفن التخاطر بين الانفعالات. وهذا الشعور هو الأسمى في 
سلم المشاعر. 

عندما حلمت تيريزا في نومها بأنها تغرز إبرأً تحت أصابعها فضحت 
نفسها وكشفت بذلك لتوماس أنها كانت تفتش في أدراجه سراً . لو أن امرأة 
أخرى تصرفت كذلك لكان توماس امتنع عن التعاطي معها. وبما أن 
تيريزا كانت واعية لهذا الأمر. قالت له: «اطردني». ولكن توماس لم يمتنع 
عن طردها فحسب». بل أمسك يدها وقبّل رؤوس أصابعها . لأنه في هذه 
اللحظة كان يعاني هو أيضاً من الألم الذي ينتابها تحت أظافرهاء كأن 


20 


أعصاب أصابع تيريزا متصلة مباشرة بدماغه هو. 


من لا يملك الأعطية الشيطانية للشفقة (أي مشاطرة الشعور) سيّدين 
تصرف تيريزا ببرودة » لأن حياة الآخر الخاصة شي ء 0 ولأنه يجب ألا 
نفتح الأدراج حيث يحتفظ برسائله الشخصية . ولكن. ويما أن الرأفة أمست 
قدر توماس (أو لعنة حياته). بل اليه إذأ أنه هو نفسه جثا أمام ا 
المفتوح. غير قادر على إشاحة بصره عن عن الجمل المكتوبة بيد سابينا . كان 
يفهم شعور سابينا وهو غير قادر على الحقد عليها فحسب. بل كان حبه لها 
يزداد أكثر فأكثر . 


مع ضرا نى .. حا مولا 0 


كانت تضرفات تيريزا 'تزداد'فنظاظة وتشوشاً ...ها سنتان فد مرتا على 
اكتشافها خياناته. وكل شىء يسير من سي إلى أسوأ. كأن ذلك دون 
خلاص. 


كيف ذلك! ألا يمكنه أن يحسم أمره مع صداقاته الجنسية؟ لا فهذا 
الأمر قد يفتته. . لم تكن لديه القدرة ليتحكم بشهيته للنساء ء الأخريات. 
وحتى لو حصل هذا الأمر فماذا سينفع . لا أحد مثله يعرف أن مغامراته لا 
تشكل أي خطر على تيريزا . فلماذا الإقلاع عنها إذاً؟ كان هذا الافتراض يبدو 
له سخيفاً قدر ما هو سخيف الإقلاع عن الذهاب لحضور مباراة في كرة 
القدم . 


ولكن هل لا يزال في المستطاع الحديثُ عن المتعة؟ كان ما أن يذهب 
لموافاة إحدى عشيقاته حتى يشعر بالعدائية الها معنا غلن أنها المرة 
الأخيرة التي سيراها فيها. كان يرى صورة تيريزا ماثلة أمام عينيه. وكان عليه 
أن يسكر على عجلة كي لا يعود للتفكير فيها. فمنذ أن عرفها وهو غير قادر 
على مضاجعة النساء الأخريات من دون اللجوء إلى الكحول! ولكن لهاثه 
الذي تفوح منه رائحة الكحول كان بمثابة دليل سيط يفسح المجال أمام 
تيريزا لتكتشف خياناته بسهولة أكبر. 


21 


ها قد انغلق الفخ عليه: ما أن يذهب لموافاتهن حتى لا يعود يشعر 
بالرغبة فيهن . ولكن ما أن يمر عليه يوم واحد دونهن, حتى يختلق رقم هاتف 
ليحدّد موعدا مع إحداهن . 
وعندما يكون معها عليه ألا يخشى من افتضاح أمره. كانت ذكرى حياته : 
النموذجية كرجل عازب تطفو أمامه في المحترف مثل ذكرى غابرة من حياته . 

ربما لم يكن يدرك هو نفسه إلى أي حد قد تغير: كان يخاف أن يرجع 
متأخرا إلى البيت لأن تيريزا فى انتظاره. لاحظت سابينا ذات مرة أنه كان 

ثم أخذت تجول المحترف عارية وبمشية متكسرة. ثم توقفت أمام 
لوحة غير مكتملة موضوعة على الحمالة. وأخذت تسترق النظر إلى تومساس 
الذي كان يرتدي ثيابه على عجل . 

ارتدى ثيابه وظلّت إحدى قدميه عارية. فنظر حواليه ثم زحف وأخذ 
يفتش عن شيء ما تحت الطاولة . 

قالت: «حين أنظر إليك» أشعر أنك موشك على التماثل مع موضوع 
لوحاتي الأبدي : التقاء عالمين في عرض مزدوج. فمن خلف هيئة توماس 
الإباحي وجه لا يصدق للعاشق الرومانسي . أو على العكس : من خلال 
صورة تريستان الذي لا يفكر إلا بتيريزا يلوح العالم الجميل المعذور 
للوباحي» . 

اند نتصب توماس وسمع بأذن شاردة كلمات سابينا: 

«سألته : عم تفتفن ؟ 

عن جوربي . 

فتشت معه في الغرفة ثم زحفثٌ وأخذت تبحث تحت الطاولة: 

قالت سابينا: لا يوجد جورب هنا. . من المؤكد أنك نسيت أن 
ترتديه قبل مجيثئك . 


22 


كيف لم أرتده! زعق توماس وهو ينظر إلى ساعته. فلم آتِ بجورب 

ليس هذا بأمر مستبعد. أنت ساهم للغاية منذ فترة. مستعجل دائماً 
وتبظل إلى اممف لسن بالسيشدرت إذا ا بكرن فد نيف فداه 
جوربك». 

عندها قرر أنيرتدي حذاءه حتى بقدم عارية . 

«الجو بارد فى الخارج. قالت سابينا. سأعيرك 1 

وناولّته جورباً أبيض طويلاً مشبكاً على آخر الموضة. 

ا "لق اميت لاعفا لحوونة 
0 ا ل 0 
0 وفي 0 ل 

كان واقعاً في ورطة لا خلاص منها: : ذلك أنه كان موسوماً في نظر 
عشيقاته بالوصمة الشائنة لحبه لتيريزاء وموسوماً في نظر تيريزا بالوصمة 


الشائنة لمغامراته مع عشيقاته . 
11 
تزوجها ليخفف من عذابهاء (صار في إمكانهما أخيراً أن يلغيا عقد 
الإيجار التبعي. فهي لم تسكن في الشقة الصغيرة منذ فترة بعيدة) واقتنى لها 
جرو كلب صعغيرا. 


كانت الأم ستبرتارا تخصض زميلة لتوماس » والأب عسبور أحد الجيران. 
لم يعد أحد منهما راغباً في تربية هجناء صغار. وكان زميله تعذبه فكرة 


قتلها . 


توجب على توماس إذاً اقتناء أحد الجراء عارفاً أن الجراء التى لا 
يقتنيها ستموت. كان يشعر بأنه مشل رئيس جمهورية يقف أمامه أربعة 


23 


محكومين بالإعدام» وهو لا يمكنه أن يعفو إلا عن واحد. وفي النهاية اختار 
أحد الجراء وكان انثى يشبه جسدها جسد أبيها العمتؤووزانتها يدك انها 
السنبرنار. أحذها إلى تيريزا فحملت التوتو وضمته إلى صدرها فبال الحيوان 
فورا على قميصها. 

وجب عليهما بعد ذلك إيجاد اسم للكلبة. كان توماس يرغب في اسم 
يعرف الآخرون من خلاله بأن هذه الكلبة تخص تيريزا دون غيرها. فتذكر 
عندئذ الكتابي الذي كانت تتأبطه حين جاءت إلى براغ دون أن تعلمه. 
واقترح بأن تسمى الكلبة «تولستوي»). 

لكن تيريزا احتجت: 

4 86م عو 

«لا يمكنك أن تدعوها تولستوي فهي انثى . فلندعها بالأحرى آنا 
كارينين) . 

ليس في الإمكان تسميتها آنا كارينين» لأن لا وجود لامرأة تملك 
مثل هذا الفم الفحوك» قال توفامن. فلسمها كاريفين بالأخرىء ابن 
كارينين» هذا ما كنت أتصوره يماما : 

لكن آلا تخل تسميتها كارينين بحياتها الجنسية؟ 

محتمل» قال توماس. أن تصير الكلبة ذات ميول سحاقية إذا ناداها 


والأغرب فى الأمر أن تكهن توماس كان في محله. تتعلق الكلبات 
عادة بصاحبها أكثر مما تتعلق بسيدتها. ولكن حالة كارينين كانت بخلاف 
ذللف قررك أن تعلق تريزا وكان توماس ممتناً لها. . كان يداعب رأسها 
وهو يقول: «أنت على حق يا كارينين. هذا بالضبط ما كنت أنتظره منك. بما 
أنني لن أتوصل إلى ذلك بمفردي وجب عليك أن تساعديني) . 


ذلك بعد مرور عشرة أيام على احتلال الدبابات الروسية لبلاده. كان ذلك في 
آب أغسطس 8 وكان يتصل بتوماس يوميا مدير مستوصف خاص في 


24 


زوريخ كان تعرّف إليه خلال مؤتمر عالمي . كان خائفاً على مصير توماس 
فعرض عليه الذهاب لتولى منصب هناك . 


12 


إذا كان ا ل ل الطبيب 0000 يد 
أخرى. أمضت تيريزا الأيا السبعة الأولى من الاحتلال في حالة من الرعدة 
أشبه بالسعادة. كانت تجول الشوارع وفي يدها آلة التصوير. كانت توزع 
أفلامها على الصحافيين الأجانب الذين يتقاتلون للحصول عليها. . وذات يوم 
أظهرت جسارة فائقة والتقطت حن ب صوره ة لضابط روسي وهو يشهر 
ا 0 فألقي القبض عليها وأمضت ليلة في الحيّ 
الروسي العام . ومع أنهم هددوها بالقتل عادت لتلتقط الصور ف في في الشوارع ما 
إن أطلقوا سراحها. 

لكن كم كانت دهشة توماس كبيرة عندما قالت له إِبَان اليوم العاشر 
للاحتلال: 

عه انج لزنه الذعات إلن سوسرا؟ 

هنا يريدون محاسبتك). 

كه محاسيته . ولكن قولي لي : هل أن نت قادرة على 

بعدما رأيتك مستعدة للتضحية بحياتك من أجل بلادك». أتساءل الآن 
كيف بإمكانك أن تغادريها؟ 

5 «مذ رجع دوبتشك وكل شيء تغير». قالت تيريزا. 


2 


انهلا مها : المرح العام لم يدم إلا فتسرة الأيام السبعة الأولى 
للاحتلال. . ذلك أن الجيش الروسي اقتاد رجال الدولة التشيكيين وكأنهم 
مجرمون. لا أحد كان يعرف أين مكانيق وكان الجميع خائفين على 
مصيرهم. وكان الحقد على الروس يُسكر مثل الكحول. كانت تلك أيام 
العيد المسكر للكراهية. كانت تغطي مدن بوهيميا آلاف الملصقات المرسومة 
باليد والمرفقة بكتابات تهكمية. وقصائد الهجاء ورسوم كاريكاتورية تصور 
بريجنيف وجيشه الذي كان الجميع يهزأون منه كمن يهزأ من فرقة مهرجين 
جهلاء. ولكن لا يمكن لعيد أن يستمر إلى الأبد. فخلال هذا الوقت كان 
الروس قد أرغموا رجال الدولة التشيكيين المخطوفين على توقيع تسوية في 
موسكو. ثم رجع دوبتشك مع هذه التسوية إلى براغ وقرأ خطابه عبر الراديو. 
كانت أيام الاحتجاز الستة قد أضعفته إلى درجة لم يعد يستطيع معها الكلام 
إلا بصعوبة. كان يتأتىء ويستعيد أنفاسه عند منتصفٍ كل جملة مسجلا 
وقفات لا تنتهي تستغرق ما يقارب نصف الدقيقة . 

أنقذت التسوية البلاد مما هو أسوأ: الإعدامات, والنفي بالجملة إلى 
سيبيريا الذي كان يخيف الجميع . ولكق كينا ادا ود تايا و بناطته: 
كان على بوهيميا أن تنحني أمام الغازي وأن تتأتىء إلى الأبد وأن تستعيد 
أنفاسها كما فعل ألكسندر دوبتشك". فالعيد انتهى وتم الدخول في دائرة الذل 
اليومي . 

كانت تيريزا تشرح هذا كله لتوماس وكان يعلم أن ما تقوله صحيح . 
لكن خلف هذه ا ا ص تر لوي روي اسيون يي 
راغبة في ترك براغ : أضحت حياتها هنا تعيسة. 

عاشت أجمل أيام حياتها وهي تلتقط صوراً للجنود الروس في شوارع 
براغء معرضة نفسها للخطر. خلال تلك الأيام فقط انقطع المسلسل 
التلفزيوني لأحلامها وصارت لياليها ناعمة البال. فقد حمل الرسول لها الصفاء 
مع دباباتهم . أما الآن وقد انتهى العيد. عادت تخاف من لياليها وترغب في 
0 أمامها. فبعد أن اكتشفت أنها تستطيع ضمن ظروف معينة أن 


نها أكثر قوة ورضى عن ذاتهاء رغبت في السفر علها تحظى بظروف 
0 هناك . 


26 


«ألا يزعجك أن تكون سابينا هاجرت إلى سويسرا؟». سأل توماس . 

قالت تيريزا: جنيف ليست زوريخ . هناك ستزعجني أقلّ مما كانت 
تزعجني في براغ أنا متأكدة . 

ليس سعيداً من .يرغب في ترك المكان الذي عاش فيه امتثل توما 
لرغبة تيريزا هذه في الهجرة كما يمتثل متهم لحكم المحكمة. فخضع للأمر 
وألفى نفسه فيما بعد بصحبة تيريزا وكارينين في أكبر مدينة من مدن سويسرا. 

13 

ِ ا جديدة وهو في سن 0 

اتصل مرات عديدة بسابينا في جنيف. . من حسن حظها أنها كانت 
تفتتح معرضا هناك قبل ثمانية أيام من الاجتياح الروسي. فاشترى هواة الرسم 
السويسريون جميع لوحاتها بدافع من التعاطف مع بلادها الصغيرة . 

«أصبحت ثرية بفضل الروس!». قالت وهي تقهقه عبر الهاتف. ثم 
دعت توماس لزيارة محترفها الجديد مؤكدة له أنه لا يختلف في شيء عن 
محترفها في براغ . 

كان راغباً بكل طيبة خاطر في الذهاب لرؤيتها ولكنه لم يكن يجد 
ذريعة ليبرر سفره أمام تيريزا. مما دفع بسابينا للمجيء إلى زوريخ . نزلت في 
أحد الفنادق. ذهب توماس لرؤيتها بعد انتهائه من عمله وأنبأها بقدومه من 
مكتب الاستعلامات ثم صعد إلى غرفتها. فتحت له الباب ثم انتصبت أمامه 
على ساقيها الجميلتين الرشيقتين وهي متعرية في سليب وصدرية. كانت 


نضح على :رأشها فبعة وتمعن ل ا ان كر ارتم 


للغاية . فتزع ا ل و 


27 


عندما قفل عائداً من الفندق إلى منزله في زوريخ, (المؤلث منذ فترة 
طويلة بطاولة وكراسٍ وكنبيات وسجادة) فكر وهو مغتبط بأنه يحمل معه نمط 
حياته كما تحمل الحلزونة بيتها. كانت تيريزا وسابينا تؤلفان قطبي حياته. 
قطبين متباعدين ومتناقضين, ومع ذلك. جميلين. 

وبما أنه كان يحمل معه نمط حياته إلى كل مكان كشيء زائدٍ في 
جسده, كانت تيريزا تستمر في رؤية الأحلام نفسها. 

بعد أن مرت على وجودهما في براغ ستة أو سبعة أشهر. وجد عند 

عودته ا ذات مساء. رسالة على الطاولة. كانت تخبره فيها أنها رجعت 
إلى براغ. اس ا 0 . كانت 
0 يضا أنها غير 
قادرة على ذلك. كانت تظن لسذاجتها أن الحياة في الخارج سوف تغيرها. 
إذ تخيّل إليها أنها لن تعود خسيسة بعدما عايشت أيام الاجتياح» بل سوف 
تصبح من الآن فصاعدا ناضجة ومتعقلة وشجاعة . إلا أنها بالغت في تقدير 
نفسها. فاكتشفت لاحقاً أنها بمثابة عبء عليه وهذا بالضبط ما لم تكن ترغب 
فيه. فأرادت استدراك النتائج قبل فوات الأوان. وليسامحها أيضاً لأنها 
اصطحبت كارينين معها. 

تناول حبوباً منوّمة من عيار قوي لكنه لم يغمض له جفن حتى الصباح» 
لحسن الحظ كان يوم سبت وفي إمكانه البقاء في منزله. للمرة الخمسين 
راجع الموقف برمته : لم تعد الحدود بين بوهيميا وبقية دول العالم مفتوحة 
كما كانت إبان الفترة التي سافرا فيها. فلا البرقيات ولا الاتصالات كانت 
لتعيد تيريزاء لأن السلطات لن تسمح لها بالخروج. كان رحيل تيريزا نهائياً 
وكان غير قادرٍ على أن يصدّق. 


14 


كانت فكرة أنه غير قادر على فعل شيء تغرقه في حالة من الذهول 
وتهدّىء من روعه في آن. لا أحد كان يجبره على أن يأخذ قراراً. ولا عاد 


28 


نطاعة إن تام حاتظ الفيى المقابل .وهو يعسبادل إذا كان راغبا ف «الغيقن 
معها أم لا. ذلك أن تيريزا قررت كل شيء بنفسها. 

ذهب ليتناول غداءه في مطعم . كان يشعر أنه حزين . لكن يأسه الأولي 
أخذ يتلاشى أثناء تناوله الوجبة وكأنه قد أعيا وفقد من زخمه. كنا الدكان 
للكابة . كان يستعيد السدوات التي أمضاها برفقتها ويفكر أن قصتهما لا 
يمكنها 0 أفضل . فحن الو خلقكددن ديد لما غدز لهنا أن 
تنتهي بطريقة أخرى. 

ذات يوم جاءت تيريزا لزيارته دون أن تعلمه. وذات يوم رحلت 
بالطريقة نفسها. وصلت مع حقيبة ثقيلة وعادت بحقيبة ثقيلة. 

دفع ثمن الغداء وخرج من المطعم. ؛ ثم ذهب للقيام بجولة في 
00 تزداد حلاوة. 7 وها قد 
اكتشف الآن أن هذه السنوات هي أجمل في الذكرى منها في الواقع 

كنا لتحي وه ون ات و اعبش كل تاكيدةم 0 
وجب عليه دائماً أن يخفي أمراً ما وأن يتكتم. وأن يستدرك. وأن يرفع من 
معنوياتهاء وأن يؤاسيهاء وأن يثبت باستمرار حبه لها وأن يتلقى ملامات 
غيرتها وألمها وأحلامهاء وأن يشعر بالذنب. وأن يبرر نفسه وأن يعتذر. . الآن 
كل التعب تلاشى ولم تبقّ إلا الحلاوة. 

كانت سهرة السبت لا تزال في بدايتها. كان درل سيدا لليرة الأول 
في زوريخ ويتنشق عميقاً عطر حريته . . ها إن المغامرة تترصد له عند زاوية كل 
شارع» وها إن المستقبل يرجع غامضاً من جديد. . كان يعود إلى حياته 
كعازب» هذه الحياة التي كان على يقين من أنه مقدّر لهاء لأنها الحياة 
الوحيدة التي يمكن أن بكرن ذائه حقا فيها, 


عاش سبع سنوات متقيداً بتيريزا وتيريزا لاحقت بنظراتها كل خطوة من 
خطواته. كما لو أنها وثقت قدميه بكرة المحكومين بالإعدام. أما الآن 
فصارت خطوته فجأة أكثر خفة. . كان يحلّق تقريبا في فضاء ء بارمينيد 
السحري : كان يتذوق الطعم العذب لخفة الكائن. 


29 


هل كان راغباً في الاتصال بسابينا في جنيف أو فى مخابرة إحدى نساء 
زوريخ اللواتي تعرف إليهن مؤخرا؟ لا لم تكن لديه أدنى رغبة في ذلك. كان 
فا أن دكرئ تبريرا سوقم قي له الما م سن اكه اند احدة 
الو ا ل جر العو امع بو 
خرى. 


15 





دام هذا الافتتان الغريب الكثيب حتى مساء الأحد. نهار الاثنين تغير 
كل شيء. غزت تيريزا فكره فجأة: كان يحس بما كانت تعانيه وهي تكتب 
رسالتها الوداعية. . أحسٌ كم أن يديها ارتجفتا. كان يراها تجر حقيبتها 
الثقيلة بيد ورسن كلرينين باليد الأخرى. وكان يتخيلها تدير المفتاح في قفل 
الشقة في براغ فيشعر بأسى الوحدة يعصف في وجهها عندما تفتح الباب. 

كان شعوره بالشفقة (لعنة التخاطب العاطفي) خلال هذين اليومين 
من الكابة العذبة» قد سكن. كانت الشفقة تنام كما ينام عامل المنجم يوم 
الأحد بعد أسبوعٍ مضنٍ لكي يتمكن من العودة للعمل في الأعماق نهار 
الاثنين. 


كان توماس يعاني مريضاً في عيادته فإذا به يتخيل تيريزا مكانه. فذكّر 
نفسه: لا تفكر فيها! لا تفكر فيها! قال في نفسه: أنا مريض بالشفقة. جيّد 
إنها فكرت في الذهاب وإنني لن أراها بعد اليوم علي أن أتحرر ليس منها فحسب 
بل من شفقتي أيضاًء ذلك المرض الذي لم يكن ولي عهد به والذي نقل 


2 


إلي جرثومة عصَيّة . 
كان قد أحس يومي السبت والأحد بعذوبة خفة الكائن تأتيه من عمق 


المستقبل . أما يوم الإثنين فاأحسٌ نفسه تحت ثقل حمل لا عهد له به من 
قبل . فالأطنان الحديدية للدبابات الروسية مجتمعة لم تكن شيئا في موازاة 


هذا الحمل . إن ألمنا بالذات ليس بأثقل من الألم الذي نعانيه مع الآخر ومن 
أجل الآخر وفي مكان الآخر؛ ألم يضاعفه الخيال وتربجّعه مئات الأصداء. 


كان ينهر نفسه ويأمرها بألا تمتثل للشفقة. وكانت الشفقة تُصغي إليه 


30 


حانية الرأ س كأنها متهم . كانت الشفقة تعرف بأنها تتجاوز حدودها ولكنها 
ظلّت تعاند سراً. مما حدا توماس بعد خمسة أيام من رحيل تيريزا على إبلاغ 
رئيس العيادة (وهو الشخص ذاته الذي كان يتصل به ينا إلى براغ إنان 
الاجتباح الروسي) بأن عليه أن يعود على وجه السرعة. كان يشعر بالخجل 
غارفا مان المذي بيسن تصرقه خيس وول ولا يعر رغب ألف مرة في أن 
يعترف له بكل شيء وفي أن يحدثه عن تيريزا والرسالة التي تركتها على 
الطاولة . ولكنه لم يفعل. “أو اطبا سوشريا لاايمكنه أن برى:فى تمترف 


تيريزا غير عمل هستيري مغيظ. وتوماس لن يسمح لأحد بأن يسيء الظن 
بتيريزا. 

كان 0 بالفعل. 

هر توماس 5م كتفيه وقال: «ليس من ذلك بذ 

كان ذلك تلميحاً إلى العبارة الموسيقية الأخيرة من رباعية بيتهوفن 
الأخيرة التي تتألف من هاتين الفكرتين: 

ليس عق ذلك بل؟ 

ليس من ذلك بِد. 

ولكي يكون معنى هذه الكلمات واضحاً جلياً دوّن بيتهوفن في مطلع 
العبارة الموسيقية الأخيرة الكلمات التالية: «القرار الموزون بخطورة». 

كان توماس يجد نفسهء. من الآنء» بفضل هذا التلميح إلى بيتهوفن. 
فى جوار تيريزا. فهى كانت أجبرته على شراء أسطوانات لرباعيات بيتهوفن 
وسزناثاتة: 

في أية حال» كان هذا التلميح مؤاتياً أكثر مما تصور. اعد كان 
كوله اجالموشيين . قال له وهويبتسم ابتسامة مشرقة مقلدا بصوته لَعْم 
بيتهوفن : «أليس من ذلك بِذّ؟». 


وقال توماس مرة أخرى: «أجل. ليس من ذلك بِذّ!». 


3 


16 


يكحو ان كيوقة. كته اميد كان يقير التفز فعا إتجانيا . 
فعبارة «القرار الموزون بخطورة» مقرونة بصوت القدر («ليس من ذلك بذ)). 
إذا الثقل والضرورة والقيمة ثلاثة مفاهيم متلازمة جوهرياً: لا شأن إلا لماهو 
ضروريء. ولا قيمة إلا لما له وزن. | 

هذه القناعة نابعة من موسيقى بيتهوقن. ومع أنه من الممكن (إن لم 
يكن على الأرجح) أن تقع مسؤوليتها على شارحي بيتهوفن أكثر مما تقع على 
بيتهوقن نفسه. فإننا جميعاً نشاطرها اليوم : فإن ما يصنع عظمة الإنسان بالنسبة 
لنا هو أن يحمل قدره كما كان أطلس يحمل قبة السماء فوق كتفيه. إن البطل 
البيتهوقنيّ رباع يرفع أثقالاً ميتافيزيقية. 

كان تومامن يسير باتجاه الحدود السويسرية. وفي تصوري أن بيتهوفن 
كان شخصيا بجبينه المقطب وشعره الأشعث, يدير جوقة الإطفائيين المحليين 
عازفاً على شرف وداعه للهجرة لحن سير عنوانه: «ليس من ذلك بذ!). 

ولكنه وجد نفسه. بعد عبوره الحدود التشيكية, وجهاً لوجه أمام رتل 
من الدبابات الروسية. فأوقف سيارته عند مفرق طريق وانتظر مدة نصف 
ساعة إلى أن مرت . 

تمركز جندي دبابة مخيف يرتدي بذلة سوداء وسط مفرق الطرق وأخحذ 
ينظم السير وكأن طرق بوهيميا تخصه هو دون سواه. 

«ليس من ذلك بِذّ!». كان توماس ايردد في نفسه ولكنه لم يلبث أن 
يشك في ذلك : «هل كان الام قير وريا حدقا 4. 

نعم, كان البقاء ة في زوريخ وترك تيريزا لوحدها في براغ أهوا غير 
محتمل . 

ولكن كم من الوقت كان سيمر والشفقة تعذبه؟ الحياة بطولها؟ أم سنة؟ 
أم شهر؟ أم أسبوع واحد؟ 

كيف بإمكانه أن يعرف» كيف بإمكانه أن يتحقق من ذلك؟ 


32 


يمكن لأي طالب خلال قيامه بالتمارين العملية للفيزياء. أن يجري 
بتجارب معيّنة لإثبات صحة الافتراض العلمى . أما الإنسان فلا يملك إلا 
عا ولسة ولا يملك آنه إنكان لانات الاثر دصر التجرية: . للالك) 
فهو لن يعرف أبدا إن كان على حق أم لا عندما يمتثل لشعوره. 

هذا ما كان يفكر فيه وهو يفتح باب الشقة. قفزت كارينين إلى وجهه 
مما سهل لحظة اللقاء. كانت الرغبة في الارتماء بين ذراعي تيريزاء (هذه 
الرغبة التي كانت تعتريه لحظة صعوده إلى السيارة في زوريخ). قد تللاشت 
ماما كانا يقفان متواجهين وسط سهل يغطيه الثلج وكانا يرتجفان من البرد. 


17 


منذ اليوم الأول للاحتلال والطائرات الروسية تحلق طيلة الليل في 
أجواء براغ . كان توماس غير قادر على النوم لأنه فقد التعود على هذه 
الضجة. أخذ يتقلب في جميع الاتجاهات إلى جانب تيريزا المستغرقة في 
النوم. كان يفكر في حديث جرى منذ سنوات تحدثا خلاله عن صديقه 
ز...» حيث صرّحت له آنذاك بذلك: «لو لم ألتتقي بك لوقعت في غرامه 
بالتأكيد» . 

منذ ذلك الحين أغرقت هذه الكلمات توماس في كابة غريبة 0 
فجأة أن الصدفة هي التي جعلت تيريزا تنيّم به هو بدلا من صديقه ز. . 
وأنه يوجد. بمنأى عن حبها المتحقق لتوماس. إمكانات لا حصر لها للوقوع 
في غرام رجال آخرين . 

فى اعتقادنا جميعاً أنه :لا يُعقل لحب حياتنا أن يكون شيقاً ما خقيفاً. 
دون وزن. كلنا نتصور أن حبنا هو قدرنا وأن حياتنا من دونه نه لن تعود حياتنا. 
كما وأننا نقنع امنا كان كيرت ميا ديه النقطت رهمعه الأشعفة 
يعزف من أجل حبنا الكبير لحن : «ليس من ذلك بِذٌ». 

كان نومام ايتدكر تقليق اتزوية فيا تخصن ‏ متديته 1. .متشي أن 
د ل ع ررم الست 5 حجنا بل تستند 
بالأحرى إلى «كان بإمكان هذا أن يحدث تماماً بطريقة مغايرة. . 


350 


لسبع سنوات غلة ل وصدفة) عن وجود حالة خطيرة لالتهاب 
ل لل ل 0 . فاستدعي رئيس القسم 
فى المستشفى التي كان توماس يعمل فيها لمعاينة هذه الحالة على وجه 
السرعة . ولكن» وعلى سبيل «الصدفة». كان رئيس القسم يعاني من ألم 
عرق النساء ولم يكن بإمكانه أن يتحرك. فأرسل توءاس نيابة عنه إلى ذلك 
الى الريفي . . كانت هناك في المدينة خمسة فنادق. ولكن توماس 
نزل وصدفة» في الفندق حيث تعمل تيريزا . وجلس «صدفة)» في مشرب 
الجعة لمضيعة الوقت قبل مجيء القطار. وكانت تيريزا تقوم بعملها «صدفة» 
فقدَّمَتَ «صدفة) المشروب لتوماس. وجبٍ إذا وجود حلقة من صَدَّفٍ ست 
لتدفع بتوماس إلى تيريزا. وكأنه في حال ترك لذاته. لما كان اقتاده شيء 
إليها. 


رجع | إلى بوهيميا من أجلها. إن قراراً بهذه الأهمية يستند إلى علاقة 
حب هي من العَرّضية بحيث أنها لم تكن لتبصر الدور لو لم يصب رئيس 
القسم بعرق النسا منذ سبع سنوات. . وها إن هذه المرأة ة التي هي التجسيد 
المطلق للصدفة» تنام الآن إلى جانبه وتتنفس ملء رئتيها . 


كان الوقت متأخرا أ وبدأ توماس يشعر بألم في معدته. كما يبحصل له 
عادة فى لحظات الضيق . 

تحوّل تنفس تيريزا لمرة أو لمرتين إلى غطيط خفيف. لم يكن توماس 
يشعر بأدنى شعور من الشفقة. شعور واحد فقط: : ضغط في فجوة معدذته. 
ويا عن اله غاد. 


34 


الكسم الثاني 
الروح والجسد 





1 


سيكون ساذجاً من قبل الكاتب أن يجعل القارىء يعتقد أن شخصياته 
وُجدت فعلا . لاء هي لم تخلق من جسد امرأة بل من بضع جمل موحية أو 
0 . توماس مثلا لق من جملة : مرة ليست في الحسبان» مرة 
هي أبداً. أما تيريزا فحْلِقتُ من بضع قرقرات. 

ين ميخت فى المرة الأو عله رشهة توقاسن» أخذت امعاوها تقرقر. 
يجب الا نُقَاجأْ فهي لم تتناول غداءها ولا عشاءها بعد بل اكتفت بسندويش 
تناولته آخر الصبيحة على الرصيف,. قبل أن تصعد إلى القطار. ذلك أن فكرة 
سفرها الجريئة أنستها الأكل. لكن حين لا نهتم بجسدناء نصير عندئذ 
ضحايا له بسهولة. أيّ عذاب في أن تسمع بطنها يتكلم وهي تقابل توماس! 
أوفكت أن حكن ولكن تومناس» لس :التحط غائقينا بع عدر كوا 
واستطاعت بذلك أن تنسى أصوات بطنها. 


لقت كرايدا إذا هن خجالة تفي يشتكل سافز عن ثنائية الجسد والروح» 
تلك الو الإنسانية الأساسية . 


ل 0 أن يعدٌ نفسه ممائلاً لشيء 
مجهول وغريب اسمه الجسد. كان الجسد بمثابة قفصء » في داخله شيء ما 


35 


ينظر ويسمع ويخاف ويفكر ويُدهش . وهذا الشيء» هذه البقية الباقية» هذه 
النتيجة الحاصلة عن الجسد, هو الروح. 

اليوم» كف الجسد بالتأكيد عن أن يكون لغزاً: فالذي يدق في الصدر 
هو القلب كما نعرف. والأنف ليس إلا نهاية القصبة الناتئة عن الجسد التي 
توصل الأوكسجين إلى الرئتين. أما الوجه فهو لوحة الضفة التي ترسو عليها 
أعمال الجسد كلها: الهضم والنظر والسمع والتنفس والتفكير. 

لحظة استطاع الإنسان أن يسمّي أجزاء العئينة ضبان الس لككلة 
أقل. كلنا نعرف أن الروح ما هي إلا نتيجة نشاط المادة السنجابية في 
الدماغ . وأن ثنائية الروح والجسد اختفت خلف عبارات علمية» وهي لم تعد 
اليوم إلا مزاعم عفا عليها الزمن. ومثيرة للسخرية. لكن يكفي أن نحب حتى 
الجنون وأن نسمع مع ذلك أمعاءنا تقرقر فتختفي مقولة وحدة الجسد 
والروح» ويختفي معها ذلك الوهم المثالي للعصر العلمي . 


3 





كانت تحاول أن ترى روحها من خلال جسدها. لذلك كانت تنظر 
ران" الك نفسها فى المرآة. وبما أنها كانت تخاف من أن تباغتها أمها وهي 
في هذا الوضع» فإن هذه النظرات كانت تحمل إذاً طابع آفة سرية . ْ 

لم يكن اعتدادها بنفسها هو الذي يجذبها إلى المرآة» بل دهشتها من 
اكتشافها لذاتها فيها. كانت تنسى أنها أمام لوحة الضفة التي ترسو فيها أعمال 
الجسدء معتبرة أن روحها تنكشف عبر ملامح وجههاء ناسية "أن الأنف هو 
نهاية القصبة التي توصل الهواء إلى الرئتين» لترى فيه تعبيرا صادقا عن 

كانت تتأمل نفسها طويلاً في المرآة. فعا اعينايا اناهرفى 
ملامح أمها مستقرة على وجهها. لذلكء. كانت تواصل بعنادٍ متزايد النظر إلى 
نفسها في المرآة. وهي تركز كل جهودها لتنزع عنها سيماء أمها فيصير الوجه 
صفحة بيضاء لا يتبقى عليها إل ما يخضّها هي . كانت اللحظة التي تستطيع 


36 


السماء اعد ف الغناء. 


4 


لم تكن تشبه أمها من ناحية الشكل فحسب إنما أشعر أحانا انا ساتينا 
أيضاً ليست إلا امتدادا لحياة أمها. كما أن جريان كرة البليارد هو امتداد 


للحركة التي قامت بها ذراع اللاعب. 

متى وأين بدأت هذه الحركة التى تحولت فيما بعد إلى حياة تيريزا؟ 

ا أم تيريزا . كان عمر 
الأم حينها ثلاث أو و أربع سنوات, وكان يقول لها إنها تشبه عذراء رافييل. 
فحفظت هذا التو مطد اه وبدل أن تصغي » وهي على مقاعد الدراسة. 
للأستاذء كانت تتساءل أي رسم بإمكانها أن تشبه . 

عندما صارت في السن التي تؤهلها للزواج. كان لديها تسعة عشاق. 
كانوا يطوقونها جاثين أمامهاء وهي وسط هذه الدائرة مثل أميرة . ولم تكن 
تعرف أيهم تختار: فالأول كان الأجمل والثاني الأرهف والثالث الأكثر ثراء 
والرابع الأقوى بين الرياضيين. والخامس من عائلة محترمة والسادس يروي 
لها ا والسابع جال حول العالمء والثامن عازف كمان» والتاسع الأكثر 


ا بين ابعال 5 كانوا حمتغنا يبحثون بالطريقة نفسهاء وركابهم 


واختارت في النهاية. التاسع ليس لأنه الأكثر رجولة. بل لأنه كان 
يتقصد عدم الانتباه عندما كانت تهمس في أذنه أثناء الجماع: «احترس 
جيداً! احترس جيداً!». لذلك اضطرت للإسراع في الزواج لأنها لم تجد 
طبا تديميا: وهكذا ولدت تيريزا. م 
عديدهم من كل صوب». انحنوا فوق المهد وأخذوا يلثغون. أ 0 
تكن تلثغ . بل كانت تصمت وتفكر بالعشاق الآخرين فتجدهم كلهم أفضل 


37 


من التاسع . كانت أم تيريزا تحب كثيرأًء مثل ابنتهاء النظر إلى المرأة. 
لاحظت ذات يوم وجود تجاعيد حول عينيها ففكرت أن الزواج لا معنى له. 
التقت ذات يوم برجل لم يكن يملك رجولة إطلاقا وكان يجر وراءه عدة 
أعمال احتيال وطلاقيْنَ. وبما أنها لم تعد تحب العشاق المنتفخة ركابهم. 
شعرت إذاً برغبة جامحة لأن تجثو بدورها فسقطت راكعة أمام النصاب وتركث 
زوجها وتيريزا. 


أصبح الأكثر رجولة بين الرجال أنفسهم. كان تعيساً إلى درجة أنه لم 
يعد يبالى بشىء» يقول ما يفكر فيه بصوت عال. وفي كل مكان. فانزعجت 
الشرطة الشيوعية من أفكاره غير الللائقة فاستجوبته وزبجته في السجن. . 
وهكذا طردت تيريزا من البيت الذي جرى ختمه بالشمع الأحمر وانتقلت 
لتعيش مع أمها. 

بعد فترة قصيرة توفي أتعس الرجال في السجن. أما الأم التي لحقت 
بها تيريزا فانتقلت لتعيش مع النصّاب في مدينة صغيرة عند أسفل الجبال. 
كان زوج الأم يعمل موظفا في مكتب والأم بائعة في أحد المخانة:. رزفك 
ثلاثة أولاد أيضا . ثم. نظرت ذات يوم إلى هيئتها في المرأة فاكتشفت أنها 
صارت عجوزا بشعة . 





5 





وإذا أدركت أن كل شيء ضاع من يدهاء أخذت تفتش عن متهم . 
ومتهماً كان الجميمُ: متهم زوجها الأول الرجولي واللامحبوب» فهو لم يطعها 
عندما همست في أذنه بأن ينتبه. ومتهم زوجها الثاني المحبوب والأقل رجولة, 
لأنه اقتادها بعيدا عن براغ إلى مدينة ريفية صغيرة» ولأنه كان يجري وراء 
تنانير النساء إلى درجة أنها عاشت في غيرة متواصلة . حيال زوجيها كانت 
عزلاء. دون سلاح. أما الكائن الوحيد الذي ينتمي إليها دون أن يتمكن من 
لإفلات منهاء والرهينة التي يمكن أن تدفع عن الآخرين كافةء. فكانت 


تيريزا. 
على أية حال؛ ربما كان صحيحاً أنها مسؤولة عما حصل لأمها. فهي 


38 


التقاء أخرق لحيوان منوي من الأكثر رجولة بين الرجال. وبويضة من أجمل 
النساء. بدأت الأم انطلاقاً من هذه الثانية المحتومة التي اسمها تيريزاء 
ماراتون حياتها الفاسدة. 
كانت تردّدُ من غير كلل على مسامع تيريزا بأن كون المرأ بق 
أن عليه أن تضحي بكل شيء واكام الكاتيا م و لوي لبر ار 
امرأة أضاعت كل شيء بسبب ابنتها. كانت تيريزا ‏ 0 
بأن أعظم قيمة في الحياة هي الأمومة. وأن الأمومة هي العضسة المثلى . إذ 
كانت الأم تمثل التضحية بحد ذاتهاء فالابنة والحالة هذه خطأ لا يعوض. 


6 


بطبيعة الحال. لم تكن تيريزا على علم بواقعة تلك الليلة التي همست 
أمها فيها في أذن الرجل الأكثر رجولة :ين الرجالء بأن ينتبه. كان الشعور 
بالذنب الذي أحست به مبهما كالخطيئة الأصلية. وكانت تفعل كل ما في 
وسعها للتكفير عنه. فبعد أن أخرجّتها أمها من المدرسة وهي في سن 
النخاسة عقر عيملت كباقية ‏ وكانك تنطيها كل ذا اسم كانت على 
استعداد للقيام بكل ما يجعلها تستحق حبها. . كانت تهتم بتنظيف البيت 
وتعنى بإخوتها وأخواتها وتمضي طيلة نهار الأحد في الفرك والغسيل. كان 
هذا الأمر يدعو إلى الأسف لأنها كانت الأكثر ذكاءً في صفها. كانت راغبة 
في أن ترتقي ولكن أَنّى لها أن ترتقي في هذه المدينة الصغيرة؟ كانت تغسل 
الثياب واضعة كتاباً قرب المغطس. فيبتل الكتاب من نقاط الماء وهي تقلب 
الصفحات . 


كان الاحتشام فغدويا وال الحترل» فامها تتجول في الشقة وهي في 
اسه اند علي راجيا نا ذون هيدرية: واعيانا ار عارية يماما في أيام 
الصيف . أما زوج والدتها فلم يكن يتجول قط وهوعارٍ تسافا : إلا أنه كان 
يترقب دائماً فرصة وجود تيريزا ذ 0 إلى الحمام . فأقفلت 
على نفسها في ذات يوم بالمفتاح ولكن أمها وبختها قائلة: «من تعتبرين 
نفسك؟ ماذا تعتقدين؟ لن يلتهم لك جمالك!». 


39 


(هذا الموقف يظهر بوضوح أن كراهية الأم لابنتها كانت أقوى من 
غيرتها على زوجها. وبما أن غلطة الابنة لا حدود لها فإنها كانت تشمل أيضاً 
كحقها مثلا في أن تقفل الباب على نفسها في غرفة الحمام ‏ أمر ترفضه الأم 
أكثر مما ترفض الإقرار بنيّة جنسية محتملة يضمرها الزوج لتيريزا) . 

كانت الأم تتجول. ذات يوم شتائي ‏ عارية والغرفة مضاءة. فهرعت 
تيريزا لإنزال الستارة لكى لا يرى أحد أمها من البناية المقابلة. فسمعتها 
تضحك خلف ظهرها. في اليوم التالي» جاءت بعض الصديقات لزيارة 
أمها: جارتها وصاحبتها في المخزن؛ ومعلمة الحي. وامرأتان أو ثلاث كن 
يأتين بانتظام . جاءت تيريزا لتجلس معهن لحظة وبرفقتها ابن إحدى هؤلاء 
النسوة وهو صبي في السادسة عشرة من عمره. 

فاغتنمت الأم الفرصة لتروي لصديقاتها كيف أرادت تيريزا أن تحافظ 
على الإحتشام . كانت تضحك وجميع النساء كن يقهقهن. ثم قالت الأم : 
«تيريزا لا تريد أن تعترف بأن الجسد الإنساني يبول ويضرط». كانت تيريزا 
تحمر خجلاء لكن أمها تابعت مع ذلك: «وما الضرر في ذلك؟». وردت 
بنفسها على سؤالها فأفلتت للحال بضع ضرطات طنانة. فانفجرت النساء 


7 


تتمخط الأم بصوت عال وتروي أمام الناس تفاصيل من حياتها 
الجنسية وتعرض طاقم أسنانها. وهي تتفنن في سحبه بضربة لسان واحدة 
وببراعة لافتة فتترك الفك الأعلى يسقط فوق الأسنان السفلى وهي تبتسم ملء 
فمهاء فيصبح وجهها مقشعرًاً مثل جلد دجاجة . 

ليس تصرفها برّمته إلا ضربة واحدة عنيفة ترمي بها شبابها وجمالها. 
حين كان العشاق التسعة يتحلقون جاثين أمامها. كانت تحرص على عريها 
كل الحرص. وكانت تقيس قيمة جسدها بمعيار حشمتها. إذا كانت قد 
أضحت فاعقة الآن: قدا لأنها ريد أن ندل مكارا عظيها على خياتها 


40 


السابقة. وأن تصرح بأعلى صوتها قائلة إن الشباب والجمال اللذين غالت في 
تقديرهما لآ يساويان شينا في الحقيقة . 


تبدو لي تيريزا | إذا وكأنها امتداد لهذه الحركة التي قذفت بها أمها حياتها 
كا مرأة جميلة. يعدا 


(وإذا رأ ينا أن لتيريزا نفسها حركات عصبية وأن تصرفاتها تفتقر إلى 
التواني اك فيجب ألا أقاها: فهذه الضربة العنيفة لأمهاء والمدمرة لذاتها 
هي هي تيريزا). 


8 


تطالب أم تيريزا بأن تنضّف ويعاقب المتهم. تصر على أن تبقى ابنتها 
معها في عالم الفحشء حيث الشباب والجمال لا يساويان شيئاء وحيث 
العالم مجرد معسكر اعتقال كبير للأجساد المتشابهة وحيث الأرواح متوارية. 


الآن. يمكننا ننا أن نفهم بشكل أفضل آفة تيريزا السرية ونظراتها المتكررة 
أمام المرآة, فالأمر هو بمثابة ضراع مع أمها ورغنة في ألا تكون جسدا كباقي 
الأجساد. بل في أن ترى طاقم النفس يتدفق من قلب السفيئة ليستقر على 

صفحة وجهها. لم يكن الأمر سهلا فالروح كانت تختبىء في قعر الأحشاء 
حزينة وخائفة وحجلة من أن تظهر نفسها. 

كانت على هذه الحال عندما التقثت بتوماس للمرة الأولى . كانت 
التي كانت تحملها فوق الصينية. . وكانت روحها هناك في جوف معدتها أو 
في البنكرياس . في هذه اللحظة سمعت توماس يناديها. كان هذا النداء ذا 
شأن فهو صادر عن شخص لايعرف أمها ولا السكارى الذين تسمع كل يوم 
تعليقاتهم الفاحشة الرخيصة. كان وضعه كغريب يرفعه فوق الآخرين. 

وثمة شيء آخر: كان هناك كتاب متفوح على الطاولة. . وفي هذا 
المقهي لم يكن لأحد من قبل كتاب مفتوح على الطاولة. كان هذا الكتاب 
بالنسبة لتيريزا علامة على وجود أخوة سرية. فهي لم تكن تملك» في مقابلة 


41 


عالم التفاهة الذي يحيط بهاء إلا سلااحاً واحداً + الكتب التي تستغيرها من 
مكتبة النلة وختموض الزواناهت كانت تقر أكذاياً منهاء ابتداءً بفيلدنغ 
وانتهاءً بتوماس مان. كانت هذه الروايات تمنحها فرصة للهروب الخيالي» 
وتقتلعها من حياة لم تكن تعطيها أي شعور بالاكتفاء. لكنها كانت أيضاً تعني 
لها بصفتها أدوات : كانت تحب أن تتنزه وهي تتأبط كتبا . كانت تميّزها عن 
الاحرين مثلما كانت العصا تميّز المتأنق في القرن الفائت. 

(المقارنة بين الكتاب وعصا مام نع ل ا 0 
التي تميّز المتانق كانت تجعل منه شخصاً عصريا و «على الموضة». أ 
الكتاب الذي يميّز تيريزا عن النسناء الأخريات فيجعلها خارج زمانها. كانت 
طبعاً أكثر شباباً من أن تفهم ما هو «قديم الزي) في شخصيتها. كانت تجد 
المراهقين الذين يتنزهون حولها حاملين ترانزستورات زاعقة» بلهاء. ولم يكن 
يخطر في بالها أنهم عصريون). 

إداّء الرجل الذي كان يناديها غريب وعضو في أخوة سرية. كان يتكلم 
بلهجة مؤدبة فأحست تيريزا عندئذ أن روحها تندفع إلى السطح عبر شرايينها 
كلها وأوعيتها الشعرية ومسامهاء لكي تتم له رؤيتها. 


شعر توماس. بعد رجوعه من زوريح إلى براغ بضيق حين فكر أن 
لقاءه بتريزا كان حصيلة صدف بيه بعيدة االاحتمال. 

لكن. خلافاً لذلك أفلا تقاس أهمية حدث؛» وكثرة معانيه بارتباطه بأكبر 
عدد ممكن من الصدف؟ 

وحدها الصدفة يمكن أن تكون ذات مغرى . فما يحدث بالضرورة» ما 
هو متوقع ويتكرن وما شف أشنا أبكم. وحدها الصدفة ناطقة. نسعى لأن 
نقرأ فيها كما يقرأ الغجريون في الرسوم التي يخطها ثفل القهوة في مقر 
الفنجان. 

كان وجود توماس . بالنسية لتيريزاء في مشرب الجعة حيث تعمل. 


42 


تجسيداً مطلقاً للصدفة. كان جالساً وحده أمام طاولة وكتاب مفتوح. ثم رفع 
عينيه ناحيتها وابتسم : «واحد كونياك». 

كانت الموسيقى » فى هذه اللحظة بالذات. تعزف عبر الراديو. ذهبت 
تيريزا لاحضار كأس كونياك عن طاولة الشرب. وأدارت زر الراديو لتزيد من 
قوة الصوت فهي تعرف أن هذه الموسيقى لبيتهوفن, الذي تعرفت إليه يوم 
أتى رباعي موسيقي من براغ للقيام بجولة في المدينة الصغيرة. ذهبت تيريزا 
(التي كانت تتوق «للإرتقاء» كما نعلم) إلى الحفلة الموسيقية حيث كانت 
الصالة خالية» وهي وحنذها مع الصيدلي وزوجته. كان هناك رباعيٌ من 
الموسيقيين على حلبة المسرح وثلاثي من المستمعين في الصالة. ولكن 
الموسيقيين كانوا لطفاء للغاية فلم يلغوا الحفلة بل عزفوا لهم وحدهم. طيلة 
السهرة». الرباعيات الثلاث الأخيرة لبيتهوقن . 

دعا الصيدلي الموسيقيين إلى العشاء بعد انتهاء الحفلة. ثم توسل إلى 
المستمعة المجهولة أن تنضم إليهم . منذ ذلك الحين صار بيتهوقن بالنسبة لها 
صورة عن «الجانب الآخر» من العالم . والآنء وفيما كانت راجعة لتقدم 
لتوماس كأس الكونياك التى تناولتها عن طاولة الشرب» حاولت جاهدة القراءة 
في هذه الصدفة: كيف اتفق أنها سمعت موسيقى بيتهوقن في اللحظة نفسها 
التي استعدت فيها لتقديم الكونياك إلى هذا الغريب الذي أعجبها؟ 

للصدفة وحدها مثل هذا السحرء لا الضرورة. وكي يكون حبنا غير 
قابل للنسيان» يجب أن تجتمع الصدف من اللحظة الأولى مثلما اجتمعت 
العصافير فوق كتفي القديس فرنسيس الأسيزي . 

10 


ناداها ليدفع الحساب. ثم أغلق الكتاب (هذه العلامة المميزة على 
وجود أخوّة سرية) فرغبت في معرفة ماذا كان يقرأ . 

سألها: هل يمكنك أن تسجلي الثمن على ورقة. حسابي في الفندق؟ 

بالتأكيد. ما هو رقم غرفتك؟ 


43 


دلّها على مفتاح معلّق في نهاية لوحة خشبية تحمل الرقم ستة مكتوباً 
باللوق الأحجهر. 

قالت: «غريب. أنت تقيم في الغرفة رقم ستة». 

فسألها: «وما الغريب في الأمر؟». 

تذكرت أن البناية التي كانت تقيم فيها مع أهلها في براغ قبل 
طلاقهماء كانت تحمل الرقم ستة. ركه الما نيا الم (ولا يمكننا 
إلا أن تحن بعد نيا : «أنت في الغرفة رقم ستة. وأد ناأنهي عملي في 
الساعة السادسة)». 

قال الغريب: وأنا سأصعد فى قطار الساعة السابعة. 

لم تدر ماذا تقول. مدّت له ورقة الحساب ليوّقع عليها وحملتها إلى 
بكب الاستيال: عندما أنهت عملها كان قد ترك الطاولة. فهل فهم قصدها 
الحى؟ اعت انها كرثرة عن خروجها من المطجود 

في الجهة المقابلة» وسط المدينة الصغيرة المتسخة. كانت هناك 
حديقة صغيرة كثيبة» شكلت لها دائماً جزيرة جمال صغيرة: مرجة وأربع 
شجرات حور ومقاعد وصفصافة باكية وجنبات فرسيثية” . 

كن جالي] علن مقع يمك شه زؤية كدحل مغديت الجعةة انك 
تجلس على المقعد ذاته مساء البارحة وهي تحمل كتابا فوق ركبتيها! فهمت 
حينئذ (كانت عصافير الصدفة تتجمع على كتفيها) أن هذا الغريب مقدر لها. 
ناداها ثم دعاها للجلوس قربه. (فأحست تيريزا أن طاقم النفس يندفع ليجتاح 
جسر جسدها). رافقته بعد ذلك إلى المحطة., وقبل أن يغادر أعطاها بطاقة 
دعوة ورقم هاتفه: «فيما لو أتيت صدفة إلى براغ. . ( 


(#) (كقتطانا1015) نوع من الشجر. 


44 


11 

ولكن, أكثر من بطاقة الدعوة هذه التي أعطاها إياها في آخر لحظة. 
إن ما شجع تيريزا على الذهاب من بيتها وتغيير حياتها هو نداء الصدف 
(الكتاب. بيتهوقن, الرقم ستة. المقعد الأصفر في الحديقة الصغيرة) . ربما 
هذه الصدف القليلة (والتى هى على كل حال بسيطة وعادية وجديرة فعلا بهذه 
المدينة التافهة) هي التى حرّكت حبها وصارت مصدر الطاقة التي سترتوي 
منه حتى النهاية. 0 

إن حيائنا البومة مققخة بالمينرف وتحديدا 7اللقاء اك العرضيية بيخ 
الناس والأحداث» أي ما نسميه المصادفات: والمصادفة هي لحظة يقع 
حدثان غير متوقعين في الوقت نفسه فيتلاقيان: توماس يظهر في مشرب الجعة 
لحظة تعزف موسيقى لبيتهوقن عبر الراديو. في أغلب الأحيان تمر مصادفات 
كثيرة دون أن نلاحظها إطلاقاً. فلو أن 0 في الزاوية جلس أمام الطاولة 
مكان توماسء لما كانت تيريزا لاحظت أن الراديو يعزف موسيقى لبيتهوفن 
رمع أن ادقي بيتهوفن واللحام فيد افك مصادفة غريبة). لكن الحب 
المبرعم عزز في داخلها الشعور بالجمال وهي أبداً لن تنسى هذه الموسيقى . 
وفي كل مرة ستسمعها ستنفعل » وسيكون كل منايجدت حواليها في هده 
اللحقلة .محاظا جيالة هذه الموشسيتن هيا 

في مطلع الرواية التي كانت تتأبطها تيريزا يوم جاءت إلى براغ. تلتقي 
آنا | بفرونسكي في ظروف غريبة. كانا واقفين على رصيف المحطة عندما 

سقط أحدهم تحت القطار. وفي نهاية الرواية آنا هي التي تلقى بنفسها تحت 
القطار. قد تبدو هذه الحركة المنوازية حيث يظهر الحافز نفسه في مطلع 
الرواية وفي نهايتها. منسوجة «على منوال الأقاصيص». العم أقبلٌ بذلك. 
لكن شريطة ألا تعني «على منوال الأقاصيص» شيئاً «مختلقأ» و «ومصطنعاً» 
و«من دون حياة». ذلك أن الحياة الإنسانية مركبة على هذا النحو تماماً. 


فهي مركبة مثل مقطوعة موسيقية. فالإنسان. بدافع من إحساسه 
بالجمال» يحول الحدث العرضي (موسيقى بيتهوقن أو الموت في المحطة) 
إلى لازمة تسجل في الحال في مقطوعة حياته. وهو يرجع إليها ويكررها 


45 


دكا أن تمي حينها لك رو 0 ل 


والموت. هذا الحافز الذي لاد ينسى لاقترانه ببداية الحب. كان يجذبها فى 
لحظات اليأس» بجماله القائم . فالإنسان ينسج حياته على غير علم مله 527 
لقوانين الجمال حتى في لحظات اليأس الأكثر قتامة. 


لا يمكن إذاً أن يأخذ] أحد على رواية افقتانها بالاتفاق الغامض 
للصدف. (مفلا. تلاقي فرونسكي وآنا والرصيف والموت اولاني بيتهوفن 
وتوماس وتيريزا وكأس الكونياك). لكن يمكن أن يؤخذ بحقٌ يعلى الإنسان 
حين يعمي عينيه عن هذه الصدف فيحرم بالتالي حياته من بُعدٌ الجمال. 


12 





اي عار ادي سمو عاو اي كتفيهاء أخذت تيريزا 
عطلة أسبوع دون أن تعلم أمهالء وصعدت في القطار. دخلت مراراً إلى 
المرحاض لكي ترى نفسها في المرآة» لكي تتوسل إلى روحها بآلا تبرح ثانية 
واحدة جسر جسدها في هذا اليوم المصيري من حياتها. وإذا كانت تنظر إلى 
نفسها هكذاء اعتراها الخوف: كانت تشعر أن حلقها ملتهب. . أتراها 
ستصاب بالمرض في هذا اليوم المقدر؟ 

ولكن لا وسيلة للتراجع م ام أرسل 
ام ا 0 كأن أمها كانت هناك داخل بطنها 
ماك للقيد. عليه لغاءها 


حسبت أول الأمر أنه سيرميها في الخارج بسبب هذه الأصوات غير 
اللائقة. غير أنه نه أخذها بين ذراعيه . كانت ممتنة له لأنه غير مبال, بقرقراتها. 
فقبلته بشغف متزايد وعيناها تغشاهما الضبابة . ثم بعد دقيقة بالكاد مارسا 
الحب. كانت تصرخ خلال المضاجعة. فحمى الزكام قد اعترتها ونهاية 
القصبة التي تنقل الهواء إلى الرئتين كانت حمراء ومسدودة. 


ثم رجعت في المرة الثانية مع حقيبة حيث كدّست حوائجها كلهاء وقد 


46 


قررت آلآ ترجع أبداً إلى المدينة الصغيرة. لم يدعُها إلى زيارته إلا مساء 
الغد. فأمضت الليلة في فندق رخيص . عند الصباح, ودعت حقيبتها في 
مكتب الاستعلامات في المحطة, ثم تسكعت طيلة النهار في شوارع براغ 
وهي تتأبط «آنا كارينين». وعند المساء قرعت وفتح لها. لم تتخل غن 
الكتاب وكأنه بطاقة دخولها إلى عالم توماس. كانت عارفة أنها لا تملك جواز 
مرور آخر إلا هذه التذكرة التعيسة» وكان هذا يدفعها إلى البكاء. ولكي 
تتحاشى البكاء. أخذت تثرثر وتتكلم بصوت عال وتضحك. ولكن. وكما 
ف المرة الأولى. ما إن تجاوزت العتبة حتى ضمها بين ذراعيه ومارسا 
الحب. فغرقت في ضباب لا يمكن من خلاله رؤية شيء. بل سماع 
صراخها فقط. 


13 


لم يكن صراخها لهاثا ولم يكن تأوّهاء بل صراخ حقيقي. كانت 
تصرخ بصوت عال 0 درجة أن توماس أبعد رأسه عن وجهها وكأن صوتها 
الزاعق سيئقب طبلة أذنه ل ل ب 
التعبئة القصوى للحواس: نراقب الآخر بانتباه بالغ ونسمع أدنى أصواته . 
لكن صراخ تيريزا كان بخلاف ذلكء, يريد أن يرهق الحواس ويمنعها من 
الرؤية والسمع. كانت المثالية الساذجة لحبها هي التي تزعق في داخيلها 
راغبة في إلغاء كل التناقضات». وفي إلغاء ثنائية الروح والجسد. وحتى في 
إلغاء الزمن. 


أكانت عيناها مغمضتين؟ لاء لكنهما كانتا جامدتين لا تنظران إلى 
شيء» شاخصتين إلى فراغ السقف . واحيانا كانت تدذير رأسها تارة إلى هذا 
الميل وتارة أخرى إلى ذاك . 

عندما هدأ صراخهاء نامت قرب توماس وأمسكت بيده طوال الليل. 

منذ كانت في الثامنة وهي تغفو جامعة يديها ومتخيلة أنها تمسك الرجل 
الذي تحبه.ء رجل خياتينا: كان مفهوماً إذا أن تشد بهذا العزم على يد توماس 


017 


أثناء نومها: فهي كانت تتهيأ لهذا الأمر منذ الطفولة وتتمرن عليه. 
14 


يفترض بفتاة شابة تقدّم البيرة للسكارى. عوضاً عن «أن ترتقي»» 
وتمضي أيام الآحاد في غسل الثياب المتسخة لإخوتها وأخواتها. يفترض بها 
ل 0 
الذين يذهبون إلى الجامعة ويتثاءبون أمام الكتب. فتيريزا قر سم 
وتعرف الكثير عن الحياة دون أن تعي ذلك. إذ ليس ما يميّز العصامي عن 
ذلك الذي يتابع دراسته. سعة الاطلاع. ولكن مستويات مختلفة من الحيوية 
والثقة بالنفس. كان الحماس الذي أكبّت به على الحياة عند قدومها إلى 
سراغء: ضارباً وهشاً في آن: كانك تختى من أن يجرؤ احا على أن يقول 
لها: «لستِ في مكانك هناء ارجعي من حيث أتيتٍ!». كان إقبالها على 
الحياة يدود بكليته | إلى خيط واحد: إلى صوت توماس الذي جعل روح 
تيريزا المنكفئة بخجل, 0 

صحيح أنها وجدت وظيفة في مختبر الصور ولكنها كانت غير قادرة 
على الاكتفاء بها. ا 0 أعارتها سابينا صديقة 
توماس كتباً تحوي دراسات وافية عن الصور الشهيرة. ثم وافتها إلى مقهى 
وشرحت لها أمام كتب مفتوحة الأهمية التي تنطوي عليها هذه الصور. وكانت 
تيريزا تصغى إليها بانتباه صامت. شبيه بالانتباه الذي ناكرا ها تصادقة الأستاذ 
على وجه أحد التلامذة. . 


وهكذا فهمت تيريزا بفضل سابينا القرابة التي تجمع التصوير بالرسم . 
فصارت تجبر توماس على مرافقتها في الذهاب إلى كل المعارض وقد 
نجحت خلال فترة قصيرة في نشر صورها الخاصة بها في المجلة وتركت 
المختبر لتنتقل للعمل بين المصوّرين المحترفين للمجلة . 

ذهبا في ذلك المساء إلى أحد الملاهي برفقة بعض الأصحاب 
للاحتفال بترقيتها. ورقصوا فاغتمٌ توماس. وحين ألحّت عليه ليقول لها ما به 


48 


امبو لهناة أثناء العودة في الطريق. أنه كان غيوراً لأنه رآها ترقص مع زميله. 

وهنا جعلتك تغار؟). رددت هذه العبارة عشرات المرات وكأنه كان 
يعلمها بأنها نالت جائزة نوبل ورفضت أن تصدق. 

طوقته بذراعيها وشرعت ترقص معه في الغرفة. إنما رقصتها لم تكن 
تشبه بشيء الرقصة المتمدنة التي أذتها على حلبة الملهى قبل قليلء لا بل 
كانث تشية رقص اتتعيية وياية القن من مججفوعة اقفيوات غريية »كانت اتبزيرا 
ترفع ساقيها عاليا ثم تقوم يقعزات عالية خرقاء وهي تجره في فى أنحاء الغرفة 
الأربعة. 

ولكن. للأسف. ما لبثت أن أصابتها الغيرة بدورها بعد فترة قصيرة. 
أما غيرتها فلم تكن هالنسبة لتوماس بمثابة جائزة نوبل» ولكن حملا لم يستطع 


التحرر منه إلا قبل سنة أو سنتين من وفاته . 
15 


كانت تسير عارية حول بركة السباحة. وسط موكب النساء الأخريات 
العاريات. وكان توماس واقفا داخل سلة معلقة في السقف. كتان يزعقى 


ترا إياهن على الغناء وثني الركاب . وما إن تقوم امرأة ة بخطوة خاطئة حتى 
يرديها قتيلة بطلقة من مسدسه. 


أرغب مرة أخرى في الرجوع إلى هذا الحلم : لم يبدأ الرعب لحظة 
أطلق توماس الرصاصة الأولى. إنما الحلم كأن رفيا ند اليدابة ١‏ أن تمصن 
عارية وسط النساء العاريات كان بالنسبة لتيريزا الصورة الأكثر بدائية للرعب. 
فهي لما كانت تقيم مع والدتهاء كانت تمنعها من أن تقفل باب الحمام 
بالمفتاح , وتقول لها: : جسدك لا يتميز بشيء عن الأجساد الأحرى. لذلك لا 
حق لك في الاحتشام ولا داعي لتخفي شيئا موجودا بمليارات النماذج. 
وبالطريقة عينها. فجميع الأجساد كانت متشابهة. ضمن عالم أمهاء وتسير 
في صف منتظم . الواحد تلو الآخر. منذ الطفولة كان العري يمثل لتيريزا 
علامة التماثل الإجباري لمعسكر الاعتقال. علامة الذل. 


49 


ثمة شيء آخر مرعب في بداية حلمها: كان على جميع النساء ء أن 
يغنين! لم تكن إذا أجسادهن متشابهة فقط ورخيصة بالتساوي. ومجرد آلات 
صوتية ة خالية من الروح. إنما كانت النساء؛. إلى ذلك. مغتبطات بأنفسهن! 
كان ذلك هو التضامن المتهلل لمن هن دون روح. كن سعيدات فهن أنزلن 
عن أكتافهن حمل الروح, تلك الصورة الخداعة للتفرد. وذلك الكبرياء 
المضحك. وها قد أصبحن جميعهن متشابهات. كانت تيريزا تشاركهن -الغناء 
لكن من غير شعور بالغبطة. كانت تغني لأنها كانت خائفة من أن تقتلها 
النساء لو أنها لم تغنّ. 

ولكن ما معنى أن توماس كان يطلق عليهن الرصاص من مسدسه 
فيرديهن قتيلات ويسقطن الواحدة تلو الأخرى في البركة؟ 

النساء المغتبطات, لكونهن يتشابهن تماماً ولا يتمايزن بشيء فيما 
بينهن» كن في الحقيقة يحتفلن بموتهن المقبل الذي سيجعل تشابههن 
مطلقا. ولم تكن فرقعة الطلقة النارية إلا الخاتمة السعيدة لمشيهن الجنائزي . 
كن يضحكن متهللات لكل طلقة مسدس., ثم يتصاعد غناؤهن بقوة أكبر حين 
تنزلق إحدى الجثث ببطء في الماء. 

ولماذا كان توماس بالذات هو الذي يطلق النار؟ ولماذا أيضماً كان يريد 
أذ يطين" الثان على تبريز |؟ 

لأنه هو الذي أرسلها إلى هناك وسط أولئتك النساء. هذا ما كان الحلم 
يريد أن يقوله لتومامن» لآن ثيريزا لا تعرف أن تقول ذلك بنفسها . لقذ حناءت 
0 أمها حيث جميع الأجساد متساوية . جاءت لتعيش 
معه آملة أن يصبح جسدها فريدا وغير قابل للاستبدال. لكن. ها هو بدوره 
يرسم بنفسه الإشارة التي تساويها بالأخحريات: فهر كان يقلي حمينيا 
بالطريقة نفسها ويغدق عليهن المداعبات ذاتها ولم يكن هناك فرق واحدء ولا 
فرق» أي فرق بين جسد تيريزا والأجساد الأخرى. كان قد أعادها إلى العالم 
الذي ظنت أنها أفلتت منه أرسلها لتسير عارية في ركب النساء العاريات. 


30 


16 


كانت ترى بالتناوب ثلاث دفعات من الأحلام: كانت الدفعة الأولى 
حيث تعاقبها الهررة ابشراسة. .تعر عما كانت تعانيه وهي على قيد الحياة. 
والدفعة الثانية التي 0 متعددة شتى بشأن إعدامها. أما الدفعة الثالثة 
فكانت تحكي عن حياتها في العالم الآخر. حيث يصبح الذل حالة أبدية. 

لم تكن هذه الأحلام. بحاجة إلى عل رموزهاء فهي توجه اانا افيا 
إلى توماس, واضحاً إلى درجة أن توماس لم يعد له من حيلة سوى الصمت 
ومداعبة تيريزا وهو مطأطأ الرأس 

زد على ذلك أن هذه الأحلام» إلى فصاحتهاء كانت جميلة. لقد 
أغفل فرويد هذا الجانب في نظريته عن الأحلام . فالحلم ليس فقط بلاغاً 
(بلاغا مرموزا عند الاقتضاء) بل هو أيضاً نشاط جمالي ولعبة للخيال. وهذه 
اللعبة هي بحد ذاتها قيمة. فالحلم هو البرهان على أن التخيل وتصور ما 
ليس له وجود. هوإحدى الحاجات الأساسية للإنسان» وهنا يكمن أصل 
الخطر الخادع الكامن في الحلم . فلو أن الحلم ميات : لأمكننا نسيانه 
بسهولة. لذلك؛. كانت تيريزا ترجع باستمرار إلى أحلامها وتعيدها في 
مخيلتها وتختلق منها أساطير. أمَا توماس فكان يعيش في كنف السحر 
المنؤم. سحر الجمال الأليم لأحلام تيريزا. 

في ذات يوم, قال لها فيما كانا جالسين أمام طاولة 9 جد 
الحانات : له 00 0 0 ا ين تبغين 


كان النهار مشرقا وكان العقل والإرادة قد أمسكا الدفة من جديد. 
كانث نقطة من النبيذ الأحمر تسيل ببطء على حافة الكأس فيما تيريزا تقول: 
«ليس في استطاعتي حيلة . 0 أغبرف أيضاً 
أن خياناتك لا تحمل أي طابع مأساوي 

كانت تنظر إليه بحب ولكن يتملكها الخوف من المساء الآتي» الخوف 


51 


من أحلامهاء فحياتها مقسومة إلى شطرين» والليل والنهار يتزاحمان للتأثير 
عليها. 
17 

من يبغي «الارتقاء» باستمرار. عليه أن يستعد يوماً للإصابة بالدوار. 
لكن ما هو لدو أهو الخوف من السقوط؟ ولكن لماذا نصاب بالدوار على 
شرفة السطح حتى ولو كانت مزودة بدرابزين متين؟ ذلك أن الدوار شيء 
مختلف عن الخوف من السقوط. إنه صوت الفراغ ينادينا من الأسفل 
فيجذبنا ويفتننا. إنه الرغبة فى السقوط التي نقاومها فيما بعد وقد أصابنا 
الذعر. ١‏ 1 

موكب النساء العاريات حول البركة» الجثث المغتبطة بموت تيريزا في 
عربة الموتى» كل ذلك يؤلف الهاوية التي ترعبها والتي هربت منها ذات مرة 
ولكنها تجذبها في آن بطريقة غامضة. كان هذا هو دوارها. كانت تسمع نداء 
عذباً للغاية (فرحاً تقريباً) يدعوها للتخلي عن القدر والروح» يدعوها للتضامن 
مع من هن دون روح. وكانت». في لحظات الضعف, ترغب في التجاوب 
معه والعودة إلى أمها. كانت ترغب في أن تعيد طاقم النفس من على جسر 
جسدها إلى مكانه. وأن تنزل للجلوس وسط صديقات أمهاء وتضحك إن 
أفلتت الواحدة منهن أو الأخرى ضراطاً رناناً» وأن تمشي عارية في ركبهن» 
حول البركة وهي تغني . 


168 





كانت تيريزا على خلاف مع أمها قبل رحيلها عن العائلة, هذا 
صحيح . لكن لا ننسى أنها كانت تحب أمها مع ذلك حا يائساً. كانت على 
استعداد لفعل أي شيء من أجلهاء لو أنها فقط طلبت ذلك منها بلهجة 
الحب. وعدم سماعها لهذه اللهجة هو الذي أمدّها بالقوة للرحيل. 

ولقد فهمت الأم أن عدائيتها لم تعد تنفع مع ابنتهاء فأرسلت لها 


52 


رسائل مجرية للدموع. حيث كانت تشتكي من زوجها ورب عملها وصحتها 

وأطفالها. وتقول إن تيريزا هي الكائن الوحيد الذي تبقن لها في هذا الوجود. 
خيل إلى تيريزا أنها سمعت في آخر الأمر لهجة الحب الأمومي التي كانت 
عا ييه صر اساي لمر كان هلم النرقية 


تزداد كلما أ حست أنها ضعيفة. فخيانات توماس كانت تكشف لها في الحال 
عجزها. ومن هذا الشعور بالعجز يولد الدوارء» هذه الرغبة الهائلة في 
السقوط. 


خابرتها الأم وقالت لها إنها تعاني من السرطان ولم يتبق لها غير أشهر 
قليلة تعيشها. فتحول اليأس الذي كانت تغرقها فيه خيانات توماس. على إثر 
هذا الخبرء إلى تمرد. كانت تلوم نفسها لأنها خانت أمها في سبيل رجل لا 
يحبها. كانت على استعداد لنسيان ما عانته من أمهاء ومستعدة الآن لتفهمها 
ولو كانت أمها شريرة في السابق» فهذا فقط لأنها كانت تعيسة للغاية . 
أخبرت توماس عن مرض أمهاء ثم أعلمته أنها ستأخذ عطلة أسبوع 
لتذهنة لرؤينها.. وقالت ذلك بلهجة متحدية. 
وكما لو أن توماس قد حزر بأن الدوار هو الذي يشدٌ تيريزا الآن إلى 
أمهاء فهولم يوافق إذا على هذه الرحلة. اتصل بمستوصف المدينة 
الصغيرة. لأنْ سجلات الفحوص السرطانية في بوهيميا مفصلة بشكل وافٍ. 
الو 
أذعنت 000 تذهب لرؤية أمها, ولكنها في اليوم نفسه سقطت 
أرضاً في الشارع . ضارت مشيتها متعثرة تسقط كل يوم تقريباًء ترتطمء. تفلت 
الشيء الذي تمسكه. من يدها. كانت تشعر برغبة لا تقاوم في السقوطء 
وتعيش في دوار مستديم . 
ذلك الذي يسقط يقول: «انتشلني !). وبصبر ودأب كان توماس 


19 
سكيون هناك أناس حوالينا ولن يكون لهم الحق في الاقتراب مناء لكنهم لن 
يستطيعوا مع ذلك إشاحة أبصارهم عنا. . ( 
مع مرور الوقت. أخحذت القساوة الأولية لهذه الصورة تبهتا» وبدأت 
تثيرها . مرّات عديدة كانت تهمس بهذا 0 لتوماس أثناء المضاجعة. 
عليها خياناته : له 


سيرجع جسدها فريدا ولا 'مثيل له بين الأجساد. وسيصير جسدها وكأنه 
شخص توماس بالذات وابلائل له ومعاونه. 


تعانقا. وهمست له: «سأعريهن لك وأغسلهن في المغطس وأهيئهن 
لك ...6 "كانت ترغب في أن يتحولا إلى مخلوقين مزدوجي الجنس» 
تصير أجساد النساء لعبتهما المشتركة . 


20 
أن تصير شخصه الثاني في حياته المزدحمة بالنساء! لم يكن توماس 
راغباً في أن يفهم ذلك. لكنها لم تكن تستطيع التخلص من هذه الفكرة, 
فحاولت التقرب من سابيناء وعرضت عليها أن تأخذ لها صورا. 


دَعَتها سابينا إلى محترفها وتعرفت تيريزا أخيراً على الغرفة الفسيحة 
التي ينتصب السرير الواسع المربع في وسطها وكأنه منصة . 


«كم هو معيب أنك لم تأت إلى زيارتي بعد!)» قالت سابينا وهي تريها 
اللوحات المصطفة قرب الحائط . ثم أخرجت لوحة قديمة كانت رسمتها وهي 
لا تزال طالبة. وكانت تمثل ساحة تعمير لمصاهر الحديد. رسمتها عندما كان 
معهد الفنون الجميلة يصر على الالتزام بالواقعية الأكثر صرامة (فالفن 
اللاواقعي كان يعتبر بمثابة محاولة لتدمير الاشتراكية). وكانت سابيناء بدافع 


54 


من ميلها الرياضيّ للرهان. تحاول جاهدة في أن تكون أشدٍ صرامة من 
أساتذتها. كانت طريقتها في ان المتملر مل اللرفيقة عقن + 
مما يجعل لوحاتها شبيهة بالصور الملونة . 

هده اللوحة باللذات ‏ امدقت ليون بهالهيى سنال لاه اتج ووقهنا 
فى البداية غضبت ولكن هذه اللطخة أحذت تعجبنى ويخيّل للناظر بأنها 
صدذع.. كأن بساح العمين لم تعر سناعة تيدر واقحية:إلما ديكون عتيق 
متصدع يعطي عن بعد وَهم الحقيقة. ثم بدأت ألهو بهذا الصدع وأوسعه 
وأتخيل ما يمكن أن يرى من خلاله. ا ل 0 
الأولى التي سميتها «ديكورات» . منالبديهي أن أنه لم يكن يفترض بأحد أن 
يراها. الا لطردت من المعهد . نرى في المقدمة. ضمن هذه اللوحات» 
غالما واقغيا تقاما : أما في الخلف, كما على قماشة خلفية ممزّقة لديكور 
مسرحي » فنرى شيعا ما مختلفاًء كينا عامقا أو تجويدياء: 

توقفت عن الكلام ثم أضافت: «في المقدمة الكذب المحسوس وفي 
الخلف الحقيقة التي لا يدرك كنهها) . 

كانت تيريزا تصغى إليها بانتباه غريب يشبه ذلك الانتباه الذي 2 
يتسنى لأستاذ أن بادت: على وجه أحد التلامذة. واستنتجت أن جميع 
لوحات سابيناء لوحاتها السابقة ولوحاتها الحالية. تتحدث في الواقع عن 
الشيء نفسه باستمرار. فكلّها تعبر عن التلاقي المتزامن بين موضوعين أو بين 
عالمين, وكأنها صور طالعة من عرض مزدوج. في المقدمة منظر ماء وفي 
الخلف يتراءى بشفافية» مصباح سرير أو يد طالعة من طبيعة نموذجية ميتة 
مؤلفة من تفاح وجوز وشجرة ميلاد مضاءة . 

شعرت فجأة بالإعجاب حيال سابينا. وكما أن الفنانة كانت متوددة 
للغاية» أخذ هذا الإعجاب, الذي لا تشوبه الخشية أو الحذرء. يتحول إلى 
استلطاف . 

لوهلة تدزيت أنه أت لتاتكد ضورا لبانبباء 'قاقتضى أن تلكرها هابينا 
تذلكا, افتاحك ينظرها عن :اللوساك قرات السرير نتيا كتنضة وسط 
الغرفة . 


55 


21 


كانت هناك قرب السرير طاولة وعلى هذه الطاولة قاعدة على شكل 
رأسء تشبه تلك التى يستعين بها المزيّنون لعرض الشعور المستعارة. قاعدة 
سابينا لا تحمل باروكة بل قبعة. قالت سابينا وهي تبتسم: «هذه القبعة ورثتها 
عن جدي). 

لم تر تيريزا مثل هذه القبعات السوداء والمستديرة الصلبة من قبل» إلا 
في السينما. كان شارلى شابلن يرتدي دائما واحدة تشبهها. ابتسمت بدورها 
وأمسكت القبعة, ثم تفحصتها طويلا وقالت: «هل ترغبين في أن أصورك 
وأنت ترتدينها؟) . 

أجابت سابينا مطلقة ضحكة صاخبة. ألقت تيريزا القبّعة جانباً ثم 
قبضت على «كاميرتها») وشرعت تلتقط الصور. 

عارية؟ قالت سابينا. 

انعم . قالت تيريزا مرددة اقتراحها بلهجة حازمة . 

يجدر بنا أن نشرب والحالة هذه». قالت سابينا: ثم ذهبت لتفتح 

كانت تيريزا تشعر بشىء من الانقباض. كانت صامتة فيما سابينا تجول 
الغرفة وهي تمسك الكأس بيدها وتتحدث عن جدها الذي كان مختاراً لمدينة 
صغيرة في الريف. لم تكن سابينا تعرفه . كل ما تبقى من ذكراه هذه القبعة 
وهذه الصورة حيث نرى وجهاء واقفين على منصة. وأحد هؤلاء الوجهاء كان 
جد سابينا . لا أحد يعرف بالضبط ماذا كانوا يفعلون هناك. 0 
يشاركون في احتفال أو يشتوق نضا عذكارن لوجيه ما كان يلبس هو أيضا 
قبعة فى مناسيات احتفالية . 

تكلمت سابينا بإسهاب عن القبعة وعن جدها. ثم. بعد أن أفرغت 
كأسها الثالثة. قالت: «انتظريني دقيقة» واختفت في غرفة الحمام . 


56 


22 


كانت آلة التصوير تقوم مقام عينٍ آلية لتيريزا تراقب من خلالها عشيقة 
توماس » وأنهيا مقام حجاب تستر به وجهها. 


استغرقت سابينا وقتا طويلا لتقرر خلع مئزرهاء إذ كان الموقف أصعب 
مما تصورت . ثم 0 اقتربت من تيريزا وقالت: «الآن 
جاء دورك لأصورك أ نت. اخلعي ثيابك) . 

كانت هذه الكلمات «اخلعي ثيابك» والتي سمعتها ران من فم 
توماس, محفورة في ذاكرتها. والآن ها هي عشيقة توماس توجه هذا الأمر 
للزوجة. وهكذا فإن المرأتين تربط بينهما الجملة السحرية نفسها. . كانت 
تلك طريقة توماس في ا 
تافه: ليس عن طريق المداعبات أو اللمسات أو الإطراء أو الرجاء. بل من 
خلال أمر ينطق به بختة وارتجالاً لكن بلهجة حازمة ومستبدة وبعيدة ولم يكن 
عندها ليَمْسَ قط المرأة التي يتوجه إليها. وحتى لتيريزاء كان يقول مرارا 
وبالنبرة نفسها بالضبط: «اخلعي ثيابك!»). وعلى الرغم من أنه كان يسر ذلك 
بنبرة رقيقة هامسة. فإن هذه الكلمات كانت ا وكانت تمعرذاها أنها 
مهتاجة لمجرد الإذعان لها. بيد أنها كانت تسمع لتوها هذه الكلمات نفسها. 
ال ع اسح ند عر ا اا و 
لشخص غريب إنما هو جنون مطبق. . وهذا الجنون يزداد حلاوة نظراً إلى أن 
الأمر صادر ليس عن رجل» بل من امرأة. 

انتشلت سابينا الآلة من يدي تيريزا فخلعت تيريزا ثيابها. كانت تقف 
عارية وعزلاء. عزلاء تماماً لأنها جردت من الآلة التى استعملتها لتحجب 
وويك والتي كانت تشهرها نحو سابينا وكأنها سلاج. الآن كانت تحت 
رحمة عشيقة توماس. وكان هذا الإذعان الجميل يسكرها. ليت هذه 
اللحظات التي تقف فيها عارية أمام سابينا لا تنتهي أبداً! . 


537 


في اعتقادي أن سابينا أيضاً شعرت بسحر الموقف الغريب» حين رأت 
أمامها زوجة عشيقها منقادة وخجلة بطريقة عجيبة. ضغطت على المسيّب 
مرتين أو ثلاثا. ثم. وقد ارتعبت من هذا السحرء ضحكت بأعلى صوتها 
لتبدده ف في أقصر مهلة. 
وضحكت تيريزا أيضاً. ثم ارتدتا ثيابهما من جديد. 


23 


ارتكبت جميع الجرائم السابقة في الأمبراطورية الروسية في حمى 

ظلمة من الكتمان ‏ فنفْيُ نصف مليون من سكان «لتوانيا» وقتل مئات الآلاف 

من البولوتيين :وصفئ" الحر في «كريميه». كل هذه الجرائم بقيت في الذاكرة 

من دون صور تقيم الدايل على وقوعهاء فبقيت إذا :2 متعذر إثباته وسيتم 
إظهارها عاجلا أم آجلٌ وكأنها محض اختلاق. 


أما اجتياح تشيكوسلوفاكيا فى سنة 14748 »فهو بخلاف ذلك,.قد جرى 
تصويره ونقله إلى السيتفاء وهو موجود في دوائر الوثائق في العالم أجمع . 

استغلٌ المصورون التشيكيون الفرصة التي أعطيت لهم وقاموا بالعمل 
الوحيد الذي كان بإمكانهم القيام به: : الاحتفاظ بصورة الاغتصاب للمستقبل 
البعيك . أمضت تيريزا الأيام السسبعة تلك في شوارع براغ وهي تلط ضيورا 
لجنودٍ وضباط من الروس في أوضاع مشبوهة مختلفة. ولم يكن الروس 
مستعدين لمثل هذا الأمر. فالتعليمات التي انو موقا واضحة وهي تعنى 
بالطريقة التي عليهم أن يتبعوها فيما لو أطلق عليهم الرصاص أو فذقا 
بالحجارة. ولكن لم يعلمهم أحد من قبل كيفية التصرف حيال الكاميرا. 


قامت تيريزا بالتقاط مئات الأفلام من الصور. وزغت تضفها تقزيا غلى 
صحافيين أجانب في شكل بكرات للتظهير (كانت الحدود لا تزال مفتوحة 
والصحافيون يتوافدون من الخارج؛ لذهاب وأياب على الأقل. وكانوا 
يأخذون بامتنانٍ أدنى الوثائق. تنشر العديد من ا في مختلف المجللات 
الأجنبية» وهي عبارة عن صور دبابات» وقبضات متوعدة. ومبانٍ مدمرة, 


55 


وموتى مغطين بعلم دام مثلث الألوان. وشباب منطلقين بأقصى سرعتهم 
ملوحين للدبابات بالأعلام التشيكية المرفوعة في نهاية عصى طويلة» وفتيات 
2 00 صباهن مرتديات تنانير قصيرة جدا وهن يقبلن المارة المجهولين 

عين الجنود الروس التعساء والمتعطشين للجنس. فالاجتياح الروسي» 
0 لم يكن مامة فحسب. لاتحي لبر 
لأحد أبدا أن يفهم هناءته الغريبة 


شبحتة 


أخذت معها إلى سويسرا خمسين صورة وأظهرتها بنفسها بعناية وفن 
فائقين. ثم ذهبت تعرضها على مجلة واسعة الانتشار. استقبلها رئيس 
التحرير بالترحاب (كان التشيكيون يحملون كلهم فوق رؤوسهم هالة الشقاءء 
0 ذلك يؤثر في قلوب السويسريين الطيبين). ثم دعاها 0 
كنبة. 5 تفحص الصور وأبدى إعجابه بها وقال أن لا حظ لها في أن تنشر 
(«على الرغم من أنها جميلة)) فالحدث قد أضحى بعيداً جدا الآن. 

اعترضت تيريزا: «ولكن في براغ لم ينته شيء بعد». حاولت أن 
توضح في لغة ألمانية رديئة أن هناك في بلدها المحتل كانت تنشأء في .هذا 
0 بالذات وبالرغم 0 لع تجمعات عمالية داخل ا 1 
0 ون الف ل لل عن يل 1 ليك اعد 
يهتم! . 

أحس رئيس 0 . دخلت الا ا 3-0 
للعراة» . 

خشي رئيس التحرير اللبق من أن تجد هذه التشيكية التي كانت تصور 
الدبابات» صوره ة لأناس عراة تفياما على شاطىء» شيعا مستهجنا. فأزاح 
الملف هيدا بحت بعحافة الطاولة وسارع يقول إلى القادمة الجديدة: «وأعرّفك 
على زميلة من براغ . أحضرت لي صوراً رائعة». 


539 


صافحت المرأة تيريزا وأخحذت الصور. 

«خلال هذا الوقت. أنظري إلى صوري». 

اكتفا روا على الملت واعر سمه الور 

قال رئيس التحرير لتيريزا بلهجة يشوبها الذنب: «إنها متناقضة تماماً 
مع صورك. أنت». 

أجابت تيريزا: سبل على العكين ؟ شليا نمام 

لم يفهم أحد ما تعنيه هذه الجملة. وأنا أيضاً وجدْتُ صعوبة في أن 
أفسر ما كانت تريد تيريزا أن تقوله عندما قارنت شاطثاً للعراة بالاجتياح 


الروسي . أخذت تقل الصور وتوقفت طويلا عند صورة فيها عائلة مؤلفة من 
أربعة أشخاص : الأم عارية تماما منحنية فوق أولادها وثدياها الضخمان 


يتدليان مثل ضروع عنزة أو بقرة. وفى الخلف الأب منحني أي إلى الأمام 
وخصيتاه شبيهتان بضرعين منمنمين . 

«ألا تعجبك الصور؟ سأل رئيس التحرير) . 

«إنها مصورة بشكل جيد» . 

«أعتقد أن الفكرة تصدمهاء. قالت المصوّرة. ما أن نراك حتى 
نخمّن مسبقا أنك لم تذهبي إلى شاطىء للعراة. 

بالطبع لا قالت تيريزا. 

وابتسم رئيس التحرير: نعرف في الحال من أي بلد أنت. غريب كم 
هي متزمتة البلدان الشيوعية!). 

أضافت المصورة بتحبّب أمومي : «أجساد عارية. ولكن هذا أمر طبيعى 
جدا! وكل ما هو طبيعي جميل !). 

تذكرت تيريزا أمها وهي تتجول في الشقة عارية. كانت تسمع الآن 


الضحكة التي واكبتها حين هرعت لتنزل الستائر خائفة من أن يرى أحد أمها 
وهي عارية تماماً. 


60 


25 
دعت المصورة تيريزا لشرب فنجان قهوة في الحانة. 

ح :وصورك مكيزة دا للاهتمام . لاحظت أنك تصورين الجسد الأنثوي 
لعب د مار قا اعرف ا بهؤلاء الفتيات اللواتي صورتهن في 
أوضاع مثيرة ! . 

العشاق الذين يتبادلون القبل أمام الدبابات الروسية؟ 


أجل . بإمكانك أن تصبحي مصورة لافتة للموضة. يفترض بك»ء 
بالطبع ان تتعارتي بجع عارضة .“وين الأفضل أذ كود يتلاقة تلك من ثم 
6 بالتقاط 0 0 أحد المكاديع ومن ليمي أ 
صحافي مسؤول عن زاوية وحديقتك»). اه صور 
لصبيريات وورودء وأشياء من هذا القبيل. 

موشكرا حدية ‏ قالك وري سيدق رين اتيت ان النرأة الجالنيتة 
قبالتها مفعمة بالنوايا الطيبة . 

ثم فكرت لتوها: لكن لماذا علي أن أصور صبّاراً؟ كانت تنفرها فكرة 
أن تبدأ من جديد ما قامّت به في براغ آنفاً: أن تناضل من أجل وظيفة وفى 
سبيل كل صورة منشورة. فهى لم تكن قط في حياتها طموحة بدافع التباهي . 
كل ما كانت ترغب فيه مفاده أن تفلت من عالم أمها. أجلء اكتشفت ذلك 
فجأة بوضصوح تام : صحيح أنها فارسة غبلها كمصدررة بكار الحماس». 
ولكن كان بإمكانها أن توظف هذا الحماس نفسه في أي عمل آخر. فمهنة 
التصوير لم تكن إلا وسيلة «لترتقي» وتعيش في كنف توماس . 

ثم قالت: «أتعرفين. زوجي طبيب وبإمكانه أن يعيلني. لا 

حتاج إلى مهنة التصوير» . 


أنحنانت المصورة : «لست أفهم كيف تقدرين على التخلي عن مهنة 
لتصوير بعدما حققت ضَورًا جميلة كهذه!)». 


61 


توماس بل كانت التقطتها مدفوعة بالشغف. ليس شغف التصوير بل شغف 
الحقد. وتلك الحالة لن تتكرر ثانية: على أية حال. هذه الصور التى 
التقطتها بشغف لم يكن أحد ليقبل بنشرهاء لأنها لم تعد معاصرة. وحذه 
الصبار معاصر باستمرارء والصبّار لا يثير اهتمامها. 

قالت: «هذا لطف منك. لكنى أفضل البقاء فى المنزل. لست بحاجة 
إلى العمل»). 

قالت المصورة: «لكن هل يرضيك أن تبقي في المنزل؟». 

«أفضل ذلك على تصوير الصبار». قالت تيريزا . 

قالت المصورة : «حتى ولو قمت بتصوير الصبار. فهذه حياتك أنت. أما 
إذا كنت تعيشين فقط لزوجك فهذه ليست حياتك) . 

أحسشت تيريزا فجأة بالانزعاج : «حياتي هي زوجي .ء لا الصبار» . 

أحذت المصورة تتكلم بشيء من الاحتداد: «هل تريدين بذلك أن 
تفهميني بأنك سعيدة؟». 

قالت تيزيزا وأيقاً بانزعاج): «لكني سعيدة. بالطبع !». 

قالت المصوّرة: «عندما تتفوه امرأة بهذه الكلمات فهي حتماً. . .». 

فأكملتها تيريزا: «تريدين القول: عنما تحدودا جداً». 

تمالكت المصورة نفسها ثم قالت: «لاء لم أقصد أن أقول محدودة بل 
عتيقة) . 

قالت تيريزا بهيئة حالمة معك حق. «هذا ما يقوله عني زوجي 
بالضبط) . 


62 


26 


ولكن توماس كان يمضي أياماً بطولها في العيادة» 00 
تبقى لوحدها في البيت. لحسن الحظ أن هناك كارينين وبإمكانها أن 
00000000 كانت تجلس.» حين تعود إلى البيت» أمام كتاب 
لتعليم اللغة الألمانية أ و الفرنسية. ولكنها كانت مصابة بالكرب وغير قادرة 
على التركيز. كانت تفكر مراراً في الخطاب الذي ألقاه دوبتشك عبر الراديو 
لدى رجوعه من موسكو. لم تكن تتذكر أي كلمة قالها بالتحديد ولكن لهجته 
المتأتتة كانت تطن في أذنيها. كانت تفكر في الذي حدث له. كان أوقفه 
ل 0 ثم اختطفوه ه واحتجزوه طيلة أربعة أيام في 
مكان ما في جبال أوكرانياء وأفهموه هناك أنهم سيقتلونه كما قتلوا قبل اثنتي ْ 
عشرة سنة نظيره البلغاري إيمري ناجي . بعدها نقلوه إلى موسكو وأمروه دان 
يستحم ويحلق لحيته ويرتدي ثيابه ويضع ربطة عنق. ثم عادوا وأعلموه أن 
مصيره لم يعد بين يدي فصيلة الإعدام وأجبروه على أن يعتبر نفسه من جديد 
رئيسا للبلاد وأجلسوه أمام طاولة قبالة بريجنيف وأرغموه على التفاوض . 

رجع مذلولاً وتحدث إلى شعب مذلول. كان مذلولاً إلى درجة لم 
يستطع معها الكلام . وتيريزا لن تنسى » ما عاشت. وقفاته الثقيلة في منتصف 
الجمل . أكان منهوك القوى؟ أم مريضاً؟ هل أعطوه مخدرات؟ أم هل كان 
يائساً؟ | إذا لم يبق شيء من دوبتشك فستبقى تلك الفترات الطويلة الفظيعة 
ات ١‏ ب ا معي سي لع را اسه 
بأجهزة الراديو. ففي فترات الصمت هذه يكمن كل الذعر الذي نزل 
بالبلاد. 

كان ذلك في اليوم السابع للاحتلال. سمعت هذا الخطاب من غرفة 
التحرير لمجلة أصبحت في تلك الأيام الناطقة باسم المقاومة.. في ذلك 
الوقت. كان كل الذين في الغرفة يستمعون إلى دوبتشك,. يحتقرونه 
ويحقدون عليه لأنه قبل بالتسوية. ويشعرون أنهم مذلولون لإذلاله. وأن 
ضعفه كان يهينهم . 

الآن وهي تفكر في تلك اللحظات في زوريخ. لم تكن تشعر بأي 


63 


احتقار لدوبتشك . ثم إن كلمة ضعف لم يعد لها وقع الجناية ٍ كلنا ضعفاء 
في مواجهة قوة أعظم منا. حتى ولو كنا نملك جسداً مفتولاً مل جسد 
دوبتشك . أخذ هذا الضعف. الذي كان يبدو لها فيما مضى منفراً وغير 
محتمل» هذا الضعف الذي جعلها تغادر البلاد. يُغويها فجأة. كانت قد 
بدأت تفهم أنها تنتمي إلى الضعفاء. إلى معسكر الضعفاء. إلى بلد 
الضعفاء. ويفترض بها أن تكون وفية لهم. لا لشيء إلا لمجرد أنهم ضعفاء 
ولأنهم يستعيدونت أنفاسهم 0 أواسط الجمل . 

كان هذا الضعف يغويها كما قد أغواها الدوار من قبل. يغويها لأنها 
كانت تشعر أنها هي أيضاً ضعيفة . فهي من جديد تتاكلها الغيرة» ومن جديد 
يداها تأخذان بالارتجاف, تنبّه توماس للأمر وقام بحركته المألوفة: أمسك 
يديها وأخذ يضغط بأصابعه ليهدىء من ارتجافها. فأفلتت منه. 

«ما بالك؟ 


ا 

ماذا تريدين أن أفعل من أجلك؟ 

أريدأن تصير عجوزاء أن تكون أكبر بعشر سنوات, أكبر بعشرين 
سنة!). 

وكانت تريد أن تقول: أنه أذ غمبى فعيفا فعيفاً فقدر ها أنا 


: ل 


27 


لم تكن كارينين قد استحسنت مطلقاً الرحيل إلى سويسراء فهي كانت 
تكره التغيير. فالزمن. بالنسبة لكلبة؛ لا يجري ضمن خط مستقيم» ولا يؤدي 
مساره تبعاً لحركة متواصلة نحو الأمام. ومتقدمة أكثر فأكثر. ومنتقلة من شيء 
إلى آخرء بل يرسم حركة دائرية تشبه حركة عقارب الساعة, إذ أن عقارب 
الساعة لا تتقدم بجنون إلى الأمام إنما تدور بشكل دائري على مر الأيام على 
ميناء الساعة ووفقا للمسار ذاته. كان يكفيهما في براغ أن يشتريا كنبة جديدة 


64 


أو أن يغيّرا مكان إناء الزهور, حتى تحتج كارينين على ذلك. فإحساسها 
بالزمن كان يختل عندئذ. وهذا ما يحصل للعقارب تماماً فيما لو غيّرنا 
باستمرار الأرقام الموجودة على ميناء الساعة . 

لكن كارينين مع ذلك نجحت في أن ترد نظام الوقت القديم والطقوس 
القديمة إلى نصابها في الشقة في زوريخ . كانت كل صباح تلج إلى غرفتهاء 
كُما كانت تفعل في براغ وتفتتح نهارهما بقفزة على السريرء ثم ترافق 
بعدها تيريزا ,في أولى جولاتها الشرائية الصباحية. وتفرض »2 كما كانت تفعل 
في براغ . نزهتها اليومية. 

كانت كارينين ساعة حياتهما. وكانت تيريزا تفكر في لحظات اليأس أن 
عليها أن تصمد من أجل هذه الكلبة لأنها أضعف منها وأضعف ربما من 
دوبتشك ومن وطنها المهجور. 

كانتا راجعتين من النزهة حين رن الهاتف. رفعت السّمّاعة وسألت من 
المتكلم . 

كان هناك صوت 0 ة تتكلم بالألمانية وتسأل عن توماس. كان صوتها 
لجوج رحبل إلى تيريزا أن نبرة احتقار تشوبه. وعندما قالت لها إن توماس 
خرج ولا تعرف متى سيرجع , انفجرت المرأة بالضحك في الخط المقابل ثم 
أقفلت السماعة'دون أن تستاذن. 

ا 0 نذا آله علق أهمية على ذلك . فريما هذه 
المرأة ة ممرضة في المستشفى أو مريضة أو سكرتيرة» لا فرق. ومع ذلك 
احست أنها مضطربة وغير قادرة على التركيز. فهمت أنها خسرت القوة 
القليلة الباقية لها عندما كانت في براغ وأنها باتت عاجزة عن احتمال هذا 
الحادث الذي هو تافه على كل حال. 

من يعش في الغربة يمش في فضاء خاو فوق الأرض مجرداً من شبكة 
الرعاية التي تحيط بها ا ” 
وزملاؤه وأصدقاؤه. وحيث يستطيع أن يتواصل مع الآخرين دون جهد. في 
اللغة التي يعرفها منذ الصغر. صحيح أن تيريزا كانت في براغ تابعة لتوماس . 


65 


لكن بقلبها فقط. أما هنا فهى تابعة له فى كل شىء. ماذا سيصير بحالها فيما 
لوتركها؟ ل عليها أن مضي :ها فش من بحياتها خائفة من أن ير كيا؟ 

كانت تقول في نفسها إن لقاءهما كان مبنياً على الخطأ نذ البداية. 
فكتاب «آنا كارينين» الذي كانت تتأبطه في ذلك اليوم كان هوية مزيفة 
استخدمتها لتخدع توماس. لقد أوجد كلاهماء لحار تع ليم 
حتى ولو كانا متحابين. كانا متحابين. صحيح. وذاك هو البرهان على أن 
الخطأ ليس صادراً عنهما ولا عن تصرفاتهما ولا عن مشاعرهما القابلة للتغير 
إنما هو نتيجة لتنافر طباعهماء فهو كان قويا وهي ضعيفة. كانت تشية 
دوبتشك الذي يسجل وقفة تستمر نصف دقيقة» في منتصف الجملة: كانت 
تشبه بلدها الذي يتأتىء ويستعيد أنفاسه ولا يقدر على الكلام . 


ولكن. يجدر بالضعيف أن يتعلم كيف يكون قوياً» ويرحل عندما يصير 
القوى أضعف من أن يستطيع إيذاء الضعيف . 

هذا ما كانت تقوله في نفسها. ثم دفنت وجهها في شعر كارينين قائلة : 
«يجب ألا تغضبي مني يا كارينين. إذ سيكون علينا أن نغيّر مكان إقامتنا مرة 
أخرى بعد). 


28 


كانت تتجمع في إحدى زوايا المقصورة. حقيبتها موضوعة فوق 
رأسهاء وكارينين متكورة عند قدميها. أخذت تفكر في طاهي مشرب الجعة 
حيث كانت تعمل عندما كانت تقيم عند والدتها. لم يكن يفوت فرصة إلا 
ليضربها على قفاهاء وكان اقترح عليها أكثر من مرة وأمام الجميع بأن 
تضاجعه . كان أمرا غرييا أن تفكر فيه هو بالتحديد مع أنه يمثل لها كل ما 
تكرهه. ولكنها تتملكها الآن فكرة واحدة مفادها أن تلتقيه وتقول له: «كنت 
تقول إنك ترغب في مضاجعتي . حسناً! ها أنذا». 

كانت تنوي فعل شيء ما يمنعها من الرجوع إلى الوراء. كانت تنوي 
تدمير ماضي سنواتها السبع الأخيرة دفعة واحدة. فالدذوار رجع يراودها مثل 


66 


رغبة مسكرة. رغبة في السقوط لا تقاوم . 

يمكنني القول ريّما إن الاصابة بالدوار تعنى أن يكون المرء سكران من 
ضعفه الخاص. ع ا لسار لاد 
فيه. ينتشى بضعفه الخاص فيرغب في أن يكون أكثر ضعفاء يرغب في 
0 ا أعين الآخرين في وسط الشارع». يرغب في أن يقع أرفه 

كانت نُقنع نفسها آلآ تبقى في براغ وألا تعود للعمل كمصورة بل أن 
ترجع إلى المدينة الصغيرة التي اجتثها صوت توماس منها. 
0 وهكذا كانت تؤجل يجان اضر 
توماس فجأة فى الشقة بعد خمسة أيام . كانت كارينين تقفز إلى وجهه مجنبة 


إياهما ضرورة الكلام ‏ لوقت طويل . 
ثم اقتربا مئل عاشقين لم يتعانقا بعد. 
شَالك:: «هل كل شيء على ما يرام؟ 
العم. 
اهز نحت إلى الات 
اتصلت بهم. 
ماذا قالوا؟ 
ماذا؟). 


لم ُجب. كانت غير قادرة على أن تقول له إنه هو من كانت تنتظره . 


67 


29 


فلنعذ إلى اللحظة التى.سبق لنا أن عرفناها: كان توفاس يائشاً ومعدته 
تؤلمه. ولم ينم إلا في ساعة متأخرة. 

بعد وقت قليل أفاقت تيريزا (كانت الطائرات الروسية تحلّق في سماء 
براغ ء فيصعب النوم وسط هذه الضجة) . وهذا أول ما فكرت فيه: : رجع من 
ال ل ل ا الآنا فصساغذا أن يود عو المسؤول عه 

ول هذه المسؤولية فوق طاقتها. 

ثم تذكرت : البارحة. عندما ظهر على باب الشقة » ماهي إلا لحظات 

قليلة وَدفث ساعة كنيسة في براغ تمام الساعة السادسة وفي المرة الأولى 
التي التقيا فيها. ٠»‏ أنهت خدمتها في الساعة السادسة . كانت تراه أمامها اليا 
على مقعد أصفر عندما سمعت دق الأجراس 

لا لبين: هذا تطيراء إنما هو حس الجمال وقد حرّرها فجأة من قلقها 
وأمدّها برغبة جديدة للعيش . مرة أخرى كانت عصافير الصدفة تحط فوق 
كتفيها أكانك يكن فرجة فرسا له خد لها ران تتبيفه يس إلى حالهاء 


68 


القسم الثالث 
الكلمات غبر المفهومة 


جنيف مدينة فوارات وبرك. وحتى اليوم. لآ نزال نرى في الحدائق 
العامة. الأكشاك حيث كانت تعزف الجوقات الموسيقية قديما. : حت أن 
الجامعة تختفي بين الأشجار. كان فرانز وخارجا نج دين :الجامعة وفك التهى 
لتوه من إعطاء محاضرته الصباحية. كان رذاذ الماء المتدفق من الدوارات 
ينساب فوق المرجة وكان مزاج فرانز رائقاً. فهو سيذهب مباشرة من الجامعة 
إلى عند صديقته التي تسكن على بعد بضعة شوارع من هنا. 

كان يمر بهلاغانا ولك دائماً عقعه نيقي لأخرعا ل بعس عاقها, 
على افتراض أنه ضاجعها فى المحترف, فالأمر سيغدو حينئذ بمثابة انتقال 
من امرأة إلى أخرى في اليوم ذاته. أي انتقال من الزوجة إلى العشيقة» ومن 
العشيقة إلى الزوجة. وبما أن الرجال والنساء ينامون فى جنيف على الطريقة 
الفرنسية في سرير واحدء فإن الأمر يغدو والحالة عل بمثابة انتقال في 
ساعات قليلة من سرير امرأة إلى سرير امرأة حر وحسب رأيه. كان هذا 
مهيناً للعشيقة والزوجة على حدٍ سواء. ومهيناً له هو بالذات في الواقع 

00 
اهكان يذل قمتازي :هته في أن يجد لها فسحة مستقلة في حياته» مملكة 
نفام لذ نطالة: كان يدععى كثيراً لإلقاء محاضرات في جامعات أجنبية. وكان 
الآن يقبل الدعوات كلها متلهفاً. . وبما أنها لم تكن متوفرة بالشكل اللآزم 
فإنه كان يكملها بمؤتمرات وندوات وهمية لكي يبرر أسفاره أمام زوجته. أما 
صديقته التي كان يمكنها أن تتصرف بوقتها كما يحلو لهاء فكانت تصطحبه 


690 


فى أسفاره. وهكذا عرّفها خلال فترة قصيرة من الزمن على عدة مدن أوروبية 
ومدينة أميركية . 

قال: 

«فى غضون عشرة أيام يمكننا الذهاب إلى باليرماء هذا إذا كنت غير 
معارضة) . 

لد وأنقل كيو كاده تاتف اناو الحتائه تسخين لرسة غير 
منجزة . 

حاول فرانز أن يمازحها: «كيف يستطيع المرء أن يعيش وهو لا يعرف 
باليرما؟) . 

قالت: أعرف باليرما. 

سألها بلهجة تشوبها الغيرة: ماذا؟ 

أرسلّت لى صديقة بطاقة بريدية من هناك فألصقتها على حائط 
الحَمَام . ألم تلاحظها؟ 

ثم أضافت: اصغ إلى حكاية هذا الشاعر الذي عاش في بداية 
القرن. كان عجوزا للغاية وكان سكرتيره يقوم بتنزيهه. وذات يوم قال له: 
«ارفغ رأسك يا سيدي وانظرء هذه أول طائرة تحلق فوق المدينة! . 

فأجاب السيد سكرتيره دون أن يرفع عينيه : : «أستطيع أن أ 

داع أ انف نان نهنا أستطيع أن أتخيل باليرما. 0 
نفسها والسيارات نفسها نفسها الموجودة فى المدن كافة. أما في محترفي » ٠‏ فعلى 
الأقل اللوحات دائما مختلفة . 

اغتمّ فرانز. كان اعتاد إلى حدٍ بعيد على هذا الرابط بين حياته 
العاطفية والأسفار التي عزم علن العام بها: وفلنذهب إلى باليرما). بلاغ 
جنسي يه . والجواب: فض جنيف) 2 له يمكنه أن يعني بالنسبة له إلا 
شيا وانهد) : لم تعد صديقته راغبة به. 


كيف يستطيع أن يبرر انعدام الثقة بالنفس هذا فى حضرة عشيقته؟ 


7 


ليس هناك ما يدعوه للشك في نفسه على هذا النحو! وهي. لا هوء التي 
مهدت لاكتساب صداقته بعد وقت قليل من لقائهما. فهو رجل وسيم وفي 
أوج مهنته العلمية. ويهابه زملاؤه حتى بسبب التفوق والعناد اللذين يظهرهما 
في خلال مجادلاته مع الاختصاصيين . لماذا إذا كان يعيد على نفسه كل يوم 
أن صديقته ستتركه؟ 

لا أملك إلا تفسيراً واحداً: لم يكن الحب بنالقة كل إتداذا لحيالة 
الخلينة إنمّا هو تقيشى لها كان الح اليسة لنارغة ف الامتبلام لية 
الآخر الطيبة ورأفته. فمن يمنح نفسه للآخر بالطريقة التي يهب فيها الجندي 
نفسهء عليه أن يرمي مسبقاً كل أسلحته. وإذ يرى نفسه أعزل لا يمكنه عندئذ 
الامتناع عن التساؤل متى ستقع الضربة القاضية. يمكنني أن أقول إذا إن 
العنن بالئسة لقرانج عو اتنظان مسعديم للغيربة القاضية.. 

وفيما هو مستسلم لقلقهة وضعت هبديقنه ريعتهنا جانا وغادرت 
الغرفة . رجعت بعد قليل وفي يدها زجاجة نبيذ. ثم فتحتها وصبّت كأسين. 


شعر بحمل ثقيل ينزاح عن صدره. فالكلمات: «أفضل جنيف» لم 
ل ل ل . كانت 

تعنى أنها سئمت من أن تقتصر لقاءاتهما الحميمة على إقامات وجيزة في مدن 

رفعت كأسها وأفرغته دفعة واحدة. ورفع فرانز كأسه وشرب بدوره. 
كان شعوره بالرضى يشتد بالطبع لاستنتاجه بأن رفضها بالذهاب إلى باليرما 
هو في الواقع دعوة إلى الحب. لكنه من ثم شعر بشيء من الأسى : ذلك أن 
صديقته أخذت القرار بانتهاك قانون النقاء الذي كان ضمنه لعلاقتهما. فهي 
لم تكن تدرك الجهود المضنية التي كان يبذلها في سبيل أن يحمي حبهما من 
التفاهة, ولكي يعزله تماماً عن العش الزوجي . 


كان امتناعه عن مضاجعة عشيقته في جنيف قصاصاً فرضه على نفسه 


ليعاقبها جزاء زواجه من واحدة ا وهو كان يتعامل مع هذا الوضع وكأنه 
خطيئة أو عاهة . أما فيما يخص حياته العاطفية مع زوجته. فلا شىء هناك 


71 


يستحق الذكر عملياً. باستثناء أنهما كانا ينامان معاً في السريرء وكل واحد 
منهما يوقظ الآخر بشخيره. وأنهما كانا يتنشقان نتانة جسديهما المشتركة. 
بالطبع كان يفضل النوم لوحده ولكن السرير المشترك يبقى رمز الزواج. 
والرموز كما نعرف لا تمس . 

كان كلّما يندس في الفراش قرب زوجته. يفكر في عشيقته ويتخيلها 
تندس قربه في السرير مكان زوجته. كانت الفكرة في كل مرة تُحجله فيحاول 
أن يباعد بين السزير الذي ينام فيه مع زوجته. وبين السرير الذي يضاجع فيه 


0 


نكيت اندها كاب اشن من العيد: شربت جرعة. ثم. دون أن تقول 
كلمة وبلا مبالاة غريبة. وكأن فرانز لم يكن موجوداًء نزعت قميصها ببطء. 
ا ا ا فن التمثيل» ويفترض به 

أن يظير: قن كما لكان ويد ولا أحد يراه. 

ان و امارد , (وكأنها تذكرت فجأة أن هناك أحد 

كانت هذه النظرة 0 هناك قواعد لعب تنتظم 
ميا ا بين العشاق دون أن يعوها. ولكنها تؤثر فيهم مثل سلطة القانون. 
وعليهم ألا يخرقوها. أما تلك النظرة ة التي شخصت بها إليه فكانت متفلّتة من 
هذه القواعد. ولم يكن هناك أي شيء مشترك بينها وبين النظرات أو 
ااا ل 00 الم ار 


اله علج النظرة . 


خلعت تنورتها. ثم أمسكت بيده ودارت به باتجاه مرأة كبيرة مسئدة 
إلى الحائط.ى على بعد خطوات قليلة ثم من دون أن تفلت يده أخحذت 
تنظر إلى المرأ ة النظرة الشاخصة المتسائلة ذاتهاء تارة إليها وتارة أخحرى إليه . 

إلى جانب المرآة. الى الأرض. كانت هناك قبعة قديمة معلقة فوق 
دكة تحمل راسنا تماد : انحنت فأمسكت القبعة ثم أدخلتها في رأسهاء 


72 


فتغيرت الصورة للحال في المرأة: كانت هناك صورهة ة لامرأ ة في ثيابها 
الداخلية» جميلة, لا تطال. لا مبالية وعلى رأسها قبعة غير لائقة إطلاقاً. . 
وكانت تمسك بيدها رجلا يرتدي بذلة رمادية ويضع ربطة عنق. 


تعجب مرة ثانية من أنه أساء فهم عشيقته. لم تتعرٌ من أجل أن تغريه 
بل لكي تتشيطن معه ولكي تلعب تمثيلية حميمة مرتجلة لهما وحدهما. 
فابتسم ابتسامة تفهم وامتثال. 

كان يعتقد أنها ستبتسم له هي أيضاً ولكن توقعه خاب. فهي لم تكن 
تترك يده بل كانت تجول بنظرها فيه وفي القبعة في المرأة. 

تجاوزت مدة التمثيلية المرتجلة الحدود. كان فرانز يجد أن هذه 
الملهاة (التي كان يقر بأنها ساحرة على كل حال) قد طالت أكثر من اللازم . 
فأمسك القبعة الرجالية بين إصبعيه وانتزعها عن رأس سابينا وهو يبتسم. ثم 
علقها فوق القاعدة. . كان الأمر كمن يمحو شاربين رسمهما ولد عفريت على 
صورة مريم العذراء. 5 


بقيت جامدة لبضع ثوانٍ تتأمل نفسها في المرآة. ثم غمر فرائز جسدها 
بقبللات رقيقة . وطلب منها مرة أخرى أن تصحبه إلى باليرما في رحلة تدوم 
عشرة أيام. فوعدته هذه المرة دون مواربة بالذهاب,. وعلى هذا غادر. 


عاد إليه مزاجه الجيّد ثانية. كانت جنيف التي لعنها طيلة حياته على 
أنها مديئة الضجرء تبدو له الآن جميلة وحافلة بالو ام قار ثم التفت ونظر 
إلى طاقة المحترف الزجاجية . 

كانت هذه آخر أسابيع الربيع وكان الطقس حارًاً. وكانت النوافذ 
مسدلة ستائرها. إن ارات حديقة رتنع رقا ادر وين لكب 
الأورثوذوكسية شبيهة بكرات ذهبية التقطتها قوى خفيّة قبل تلاطمها وأثبتتها في 
الفضاء. كان هذا المشهد جميلاً. . نظر فرانز إلى الرصيف ليستقل مركبآ يقله 
إلى الجانب الآخر من البحيرة, إلى الضفة اليمنى حيث كان يقيم. 


/3 


2 





بقيت سابينا وحيدة. انتصبت من جديد. وهى لا تزال فى ثيابها 
الداخلية. أمام المرأة. اعتمرت القبعة من جديد وَتَطرت إلى يا لين 
كانت متعجبة من أن تكون اللحظة الضائعة ذاتها تلاحقها بعد كل هذه 
السنوات. 

عا إن سئوات قدمات غتدما جما "ترفاس إلبها وأسي سعد القنعة 
اعتمرها وأخذ يتأمل نفسه في المرآة الكبيرة التى كانت مستندة آنذاك إلى 
حائط شقة سابينا الصغيرة في براغ. كان يريد أن يرى كيف ستكون هيئته 
فيما لو كان مختار مدينة ريفية صغيرة خلال القرن الفائت. ثم وعندما 
ا وضع القبعة على رأسها. كانا واقفين 
أمام المرآة (كانا يقفان دائما هكذا عندما كانت تخلع ثيابها) يسترقان النظر 
إلى صورتهما. كانت في ثيابها الداخلية وكانت تعتمر القبعة. ثم انتبهت 
فجأة إلى أن هذه اللوحة تثير كليهما. 


ثرى كيف كان هذا ممكناً؟ قبل ذلك بقليل كانت القبعة التي تضعها 
على رأسها تهم بأن تكون مجرد مزحة. ماذا! ألا تفصل المضحك عن المثير 
غير خطوة واحدة؟ 

نعم . . لأول وهلة حين نظرت إلى نفسها في المرآة. وجدت الأمر 
مضحكا . ولكن فيما بعد. ضاع الضحك في الإثارة: فالقبعة لم تعد إثارة 
هزلية بل صارت تعنىي العنف. العنف الذي يماس على سابينا وينال من 
قيمتها كامرأة. كانت ترى نفسها عارية الساقين في سليب شفاف تظهر من 
خلاله العانة. كانت الملابس الداخلية تؤكد عاخن مهد انوثتهاء أما القبعة 
الرجالية التي من لباد سميك فتنفي تلك الأنوثة وتغصبها وتهزأ منها. كان 
توماس واقفا إلى جانبها بكامل ثيابه. وهذا يعني أن خلاصة ما كانا يشاهدانه 
ليس النكتة ؛ (إذ كان بإمكانه أن يكون هو ايصاً في 'ثيابة النداخلية ومعتمراً 

قبعة رجالية) بل الذل. وهي كانت تعرض هذا الذلّ بتحدٍ وفخر بدل أن 
ترفضه . وكأنها سمحت لنفسها بأن تغتصب بطوع إرادتها وأمام الملأ. ثم 


74 


وت دل حرجت القبعة تحت الطاولة . كان جسداهما يتلويان فوق السجادة أمام 
المرآة. 

فلنرجع مرة أخرى إلى هذه القبعة : 

تزكل قري كانه بهو المح اراك باجتسي مال يضهارا 
لمدينة صغيرة في بوهيمياء أثناء القرن الماضي . 

وثانياًء كانت تذكاراً من والد سابينا. فبعد أن استأثئر أخوها بميراث 
والديها على أثر جنازة والدهاء كابرت سابينا ورفضت بإصرار أن تدافع عن 
حقوقهاء ولكنّها قالت بلهجة ساخرة إنها ستحتفظ بالقبعة الرجالية على أنها 
الإارث الوحيد الذي بقي لها من والدها. 


نضا ا 0 لم يكن اف 
استطاعتهاء حين هاجرت, أن تحمل الشيء الكثير» 7 ؛ لكي تحمل معها 
كد الشيء ء المزعج والباطل استعماله. وجب عليها إذا أن تتخلى عن حوائج 
ارق أكثر منفعة . 

وتعاشناء كانت القيعة الرجالية فل «ضارت فى الخارج رابطاً عاطفياً. 
وهي حين ذهبت للقاء توماس في زوريخ أخذتها معهاء ثم اعتمرتها عندما 
فتحت له باب غرفتها في الفندق. وعندئذ حصل شيء غير متوقع. لم تعد 
القبعة مضحكة ولا مثيرة بل ضارت ذكرى من الماضي.. وكان كلاهما منفعلا 
فمارسا الحب كما لم يفعلا في أي وقت كان: : لم يكن هناك مكان للألاعيب 
الماجنة» ولا كان لقاؤهما امتدادا لألاعيبهما الجنسية حين كانا يتخيلان كل 
مرة نزوة ةَ جديدة, إنما كان تكثيفاً للوقت ونشيداً لذكرى ماضيهما المشترك» 
تكثيفاً عاطفياً لحكاية غير عاطفية توشك أن تتلاشى في البعيد. 

كانت القبعة تصير إذاً لازمة موسيقية في المقطوعة التي هي حياة 
سابينا. كانت هذه اللازمة تتكرر دائماً نذا أحلة في كل مرة معنى جديداً. 
وكانت هذه المعاني تمر كلها عبر القبعة الرجالية كما يمر الماء في مجرى 


15 


النهر. وأستطيع القول إن مجرى النهر هذا مشابه لمجرى نهر هيراقليط: «إننا 
3 اشم رتيل في النهر نفسه». كانت سابينا ترى أن القبعة الرجالية مجرى 
نهر يسيل فيه كل مرة نهر آخرء نهر «لغوي آخرهء حيث يثير الشيء نفسه كل 

مرة معنى جديداء ولكن هذا المعنى الجديد كان يرجع (مثل صدىٌّ أو موكب 
أصداء) كل المعاني السابقة. . فتظنْ حينها كل تجربة جديدة معيوشة بإيقاع 
أكثر غنى . . وفي زوريخء في غرفة الفندق. كانا منفعلين عند رؤية القبعة. 
ومارسا الحب وقتها وهما على حافة م ذلك أن هذا الشيء ء الأسود لم 
يكن فقط ذكرى لألاعيبهم الجنسية بل كان أبة يكنا أثر ا تركهوالك سانيا وجدهيا 
اللذان عاقنا في أزمنة لا سياراك فبها ولا طائرأت: 

ربما في المستطاع الآن أن نفهم بشكل أفضل الهاوية التي تفصل بين 
سابينا وفرانر: صحيح أنه كان يصغي إليها بانتباه كلي :وهي تحدثه عن 
حياتهاء وكانت هي أيضا تصغي إليه بالانتباه نفسه. وصحيح أنهما كانا 
يفهمان المعنى الموضوعي للكلمات التي يتفوهان بهاء ولكن من دون أن 
يسمعا خرير النهر اللغوي المتدفق عبر هذه الكلمات. 

لذلك فإن فرانز ز أحسٌ». حين وضعت سابينا القبعة فوق رأسهاء بأنه 
منزعج كأن أحداً يتحدث إليه في لغة يجهلها. لم يكن يجد هذا التصرف 
متنا أو عاطف] » بل كان فقط تصرفاً غير مفهوم. وغياب معناه أمر يربكه . 

طالما أن الناس لا يزالون في سن الشباب. وطالما أن مقطوعة حياتهم 
الموسيقية لا تزال في أنغامها الأولى. فإن بإمكانهم والحالة هذه تأليفها سوية 
وتبادل بعض اللوازم فيما بينهم (مثل توماس وسابينا اللذين تبادلا لازمة القبعة 
الرجالية) . ولكن حين يلتقون بعضهم ببعض في سن ناضج ٠»‏ فإن مقطوعاتهم 
الموسيقية تكون قد قاربت على النهاية. وكل كلمة وكل شيء في كل واحدة 
منها تعني شيئاً مختلفاً في المقطوعة الأخرى. 

لو استعدت كل الممرات اللغوية بين سابينا وفرانز, فإن لائحة 
الكلذات عي الماهوية مع لك قاموت) قيهما. فلنكتفٍ إذاً بمعجم صغير. 


76 


3 
معجم صغير للكلمات غير المفهومة (الجزء الأول) 
امرأة: 
أن تكون سابينا امرأة فهذا وضع لم تختره بنفسها اونا عراس العا من 
اختيار لا يمكن اعتباره لا استحقاقاً ولا فشلً. وسابينا تفكر أنه يفترض بناء 
حيال وضع فرض عليناء 0 .كما ونجدى ليا أيقيا أن 
احتجاجها على كونها امرأة أو الاعتزاز بذلك أمران سخيفان بالقدر ذاته. 
قال فرانز في أحد لقاءاتهما الأولى وبنبرة مميزة : «سابيناء أنتٍ امرأة». لم 
تكن فاهمة لماذا بشرها بذلك على هذا النحو الاحتفالي وكأن كريستوف 
كولومبوس يبشر لتوه باكتشاف أحد سواحل أميركا. ولكنها فهمت فيما بعد أن 
كلمة «امرأة» التي تلفظها بفصاحة مميّزة لم تكن تعبر بالنسبة له عن صفة تميز 
أحد جنسى الصنف البشري» وإنما كانت تمثل «قيمة». إذ ليست كل النساء 
جديرات بأن يدعين (نساء) . 
لكن إذا كانت سابينا هي «المرأة» بالنسبة لفرانز فما هو حال ماري - كلود 
زوجته الفعلية؟ لتشرين اسنة خلت: (كانا يعرفان بعضهما خينذاك ميل أشهر 
قليلة) هددَنْه بأنها ستنتحر لو هو تركهاء فوجد فرانز نفسه مفتوناً بهذا التهديد. 
لم تكن ماري كلود من النوع الذي يعجبهء ولكن حبها كان يبدو له سامياً. 
ا ل ا 
بانخفاض كبير. ا 
وهكذا انحنى ادا حتى الأرض فتزوجها. ومع أنها لم تعد تظهر 
إطلاقاً حدة الشعور التي أظهرتها حين هددته بالانتحار. فإن هذا 0 
حياً في ضميره ومفاده : : ألا يؤذي ماري كلود مهما كان وأن يحترم المرأة فيها 


غريب أمر هذه الجملة. . لم يكن يقول في نفسه إن عليه احترام ماري 
كلود بل: احترام المرأة في ماري - كلود. 
ولكن» إذا كانت ماري - كلود هي نفسها امرأة. فمن هي إذا تلك المرأة 


2-95 


الأخرى التي تختبىء فيها والتي يجب عليه أن يحترمها؟ أو تكون هذه الفكرة 
الأفلاطونية عن المرأة؟ 

ا بل كانت هذه المرأة أمه . لم يكن ليخطر بباله قط أن يقول مثلاً إنه 
يحترم المرأة في أمه. فهو كان يعبد أمه بحد ذاتها وليس بسبب امرأة في 
داخلها. كانت الفكرة الأفلاطونية عن المرأة وأمه شيعا واحدة متلازما. 


كان في الثانية عشرة من عمره تقريباً عندما تخلى والده عن أمه فوجدت 
نفسها بغتة لوحدها. 0 ز يشك في أن أمراً خطيراً قد حدث. ولكن أمه 
كانت تخفي المأساة خلف خلف أحاديث حيادية ومتزنة خشية أن تصدمه. فى ذلك 
اليوم بالذات, لاحظ فرانزء عندما غادرا المنزل للقيام بنزهة في المدينة» أن 
أمه كانت ترتدي فردي حذاء مختلفتين. اضطرب للأمر ورغب في أن يلفت 
نظرها لذلك ولكنه خشي أن يجرحها في الوقت نفسه. جال مع أمه ساعتين في 
الشوارع وهو غير قادر على إشاحة بصره عن قدميها. وإذ ذاك بدأ يفهم ما معنى 
العذاب . 
الوفاء والخيانة : 


كان قد أحبّها منذ الطفولة وحتى اللحظة التي رافقها فيها إلى القبر. 
وأحبّها أيضاً فى ذكرياته. من هنا كان يستقي فكرة أن الوفاء هو فضيلة 
الفضائل . فالوقاء يجعل .حياتنا متماسكة.. ولولاه لكانت تبعثرت .إلى آلاف 
الانطباعات العابرة. 

كان فرانز يحدّث سابينا مراراً عن والدته وربّما عن قصد., دون أن يعي 
ذلك: كان يقصد ريّما أن تغوي قدرته على الوفاء سابينا فيكون هذا وسيلة 
لتحعلها. تعلق نه .. 

ولكن., ما كان يغوي سابينا اليس الوفاء بل الخيانة. كانت كلمة «وفاء» 
تذكرها بأبيها الذي كان 5 وفيا متزمتاً» يرسم أيام الآحاد. من أجل متعته 
فقط. الشمس الغاربة فوق الغابات وباقات من الورود في إناء. بفضله. 

بتدات بالرسم وهي لم تزل صغيرة جداً .. عندما بلغت سن الرابعة عشرة 
اعم و 0 فذُّعر أبوها ومنعها من الخروج بمفردها 


78 


لسنة كاملة. وفي ذات يوم رَنه 00 لبيعكاسو فضحك منها بصوت عال . 
ولكن. إذا كانت لا قبلك الحق فى أن عدت ميا فق هدل منتهاء » فلها الحق 
على الأقل في أن تحب التكعيبية . وميك إلى برام ابعل خضوله لعلو سهات 
البكالوريا وهي مرتاحة لشعورها بأن بإمكانها أخيرا أن تخون منزلها. 

الخيانة. منذ طفولتنا والوالد ومعلم المدرسة يكرران على مسامعنا بأنها 
افظع شيء في الوجود. ولكن ما معنى أن نخون؟ أن نخون هو أن نخرج عن 
الصف لنسير في المجهول. وسابينا لم تعرف ما هو أجمل من السير في 
المجهول. 

التحقت بمعهد الفنون الجميلة ولكن لم يكن مسموحاً لها بأن ترسم 
على طريقة بيكاسو. كان يُفْرَض عليها آنذاك أن تطبق بجدٌ ما كان يسمى 
بالواقعية الاشتراكية» وكان الطلاب في معهد الفنون الجميلة يقومون بإجراء 
رسوم شخصية لرؤساء الدول الشيوعية. كانت رغبتها إذا في أن تخون والدها 
قد بقيت غير مرتوية والسبب أن الشيوعية كانت مجرد أب آخر. صارم ومحدود 
مثل أبيهاء ويمنع الحب (كان زمن التزمت هو السائد آنذاك) وبيكاسو. تزوجت 
في براغ ممثلا قليل الذكاء. ولكنها تزوجته فقط لأن صيته كان ذائعاً كواحد 
غريب الأطوارء ولأن أبويها (أباها والشيوعية) كانا يعتبرانه غير مقبول. 

ثم توفيت أمها. في اليوم التالي. بعد رجوعها إلى براغ وصلتها برقية : 
ايض أنورها "عدوا او أمها: 

أخذها الندم: أي خطأ فادح في أن يرسم والدها وروداً في إناء وفي ألا 
يحب بيكاسو؟ ول ع الو سو و 0 
عمرهاء بتر أمراذهما؟ وألا يتمكن من العيش دون زوجته هل هذا أمر يدعو 
إلى المهزلة؟ 

ومن جديدء رجعت فريسة للرغبة في الخيانة: أن تخون خيانتها 
بالذات . فأعلمت زوجها (الذي لم تعد ترى فيه ذلك الرجل غريب الأطوار بل 
السكير المزعج) أنها ستتركه . 

لكن إذ كنا نخون «ب» الذي خنا من أجله «!» فهذا لا يعني أننا 


70 


سنتصالح مع « !أ ». فحياة الرسامة المطلقة لا تشبه حياة والديها اللذين خانتهما. 
إن الخيانة الأولى لا يمكن إصلاحها وهي تثير عن طريق النتائج المتوالدة خيانات 
أخرى حيث تبعدنا كل واحدة منها أكثر فأكثر عن نقطة الخيانة الأولى. 


الموسيقى بالنسبة لفرانز هي الفن الأكثر قرباً من الجمال الديونيسي 
الذي يقدّس النشوة. يمكن لرواية أو للوحة أن تدوخنا ول بصعوية . أما مع 
السمفونية التاسعة لبيتهوقن, أو مع السوناتة المؤلفة من آلتيّ بيانو وآلات النقر 
لبارتوك. أو مع أغنية للبيتلزء » فإن النشوة تعترينا. من جهة أخرى فإن فرانز لا 
يفرّق بين الموسيقى العظيمة والموسيقى اللحقيفة .قينا الفرس كير لد خييا 
وبالياًء فهو يحب موسيقى الروك وموزار على حد سواء. 

الموسيقى بالنسبة له محرّرة: إذ تحرره من الوحدة والانعزال ومن غبار 
المكتبات. وتفتح في داخل جسله أبواباً لتخرج النفس وتتآخى مع الآخرين 
كما أنه يحب الرقص إلى جانب ذلك ويشعر بالأسى لأن سابينا لا تشاركه هذا 
الولع . 

ها إنهما يتناولان العشاء سوية في المطعم. ومكبرات الصوت ترافق 
مأددتهما بموسيقى صاخبة موقعة. 

قالت سابينا: أية حلقة مفرغة. الناس يصابون بالصمم لأنهم يضعون 
الموسيقى عالية وبازدياد. وبما أنهم مصابون بالصمم فإنه لا يتبقى لهم والحالة 
هذه إلا أن يرفعوا من قوة الصوت بعد. 

سألها فرانز: ألا تحبين الموسيقى؟ 

لاء قالت سابينا. ثم أضافت: «ربما لو عشت في زمن آخر. . ( 
وفكرت في عصر جان سيباستيان باخ حين كانت الموسيقى أشبه بوردة متفتحة 
وسط سهل شاسع يكسوه ثلج الصمت. 

فالضجيج يلاحقها تحت قناع الموسيقى مذ كانت صغيرة. وحين كانت 
طالبة فى معهد الفنون الجميلة». كان عليها أن تمضى عطلات كاملة في «ورشة 
الشبيبة» كما كانت ساي آنذاك. كان الشياب 0 في مقمات جماعية 


80 


ميتتلون ذاه امعداقق للكديل ' كانق سك انث السنوكها منت بزسيقن زاهلة 
من الساعة اللخامسة صباحاً إلى الساغة التاسعة .. وكانتت عندئد تجتاحها رغبة 
في البكاء. ولكن الموسيقى كانت فرحة ولا يمكن الإفلات منها في أي مكان. 
لا في المرحاض ولا تحت الغطاء في السرير. كانت الموسيقى مثل رهط 
اليد ا تلت لخدي ْ 


كانت تعتقد وقتها أن العالم الشيوعي هو العالم الوحيد الذي تسوده 
بربرية الموسيقى هذه. ولكنها الآن. في الخارج, ها إنها تستنتج أن تحول 
الموسيقى إلى ضجيج بات سيرورة كوكبية تدخل الإنسانية في الطور التاريخي 
للقبح الشامل. فالطابع الشامل للقبح يعلن عن نفسه عبر القبح السمعي 
الموجود فى كل مكان: السيارات والدراجات والقيثارات الكهربائية والمطارق 
الهوائية لامكيرات الصوت والصفارات. ولن يتأخر القبح المنظور عن الظهور 
في كل مكان ليلحق بالقبح السمعي . 

بعد أن تعشيا صعدا إلى غرفتهما ومارسا الحب. ثم بدأت الأفكار 
تختلط في رأس فرانز وهو على عتبة النعاس. كان يتذكر الموسيقى الصاخية 
في المطعم ويفكر: «وللضجة حسناتها . فمعها لا يمكننا أن نميّز الكلمات» فهو 
مذ كان صغيراً لايني يتكلم ويكتب ويعطي دروساً وفلن . حب وفيت عد 
عبارات ويصححهاء إلى درجة لا يعرف 5 من الكلمات يعود صحيحا في 
النهاية. فيتلاشى معناها ويفقد من محتواه. ولا يبقى منها إلا فضلات 
وذراوات, إلا غبار ور رمال يعوم داخل دماغه ويجعله يشعر بالصداع الذي كان 
مركا ارما زر قه ب عدها تجاه و عه عامصة التقاوم تروبسا بردي 
هائلة. في سماع ضجيج مطلق وصخب جميل وفرح يكتنف كل شيء ويُغرق 
ويخنق كل شيءء فيختفي إلى الأبد الألم والغرور وتفاهة الكلمات. 
فالموسيقى هي نفي للجمل فاقيا - كلمة! كان راغباً في أن يبقى مع سابينا 
فى عناق طويل. ون أن سعيت :واللاء داقظ حاية تصيلة 1و4 “الديعة قاط 
بالجلبة الفاجرة للموسيقى. وعلى هذا الصخب الوهمي السعيد استغرق في 
النوم . 


لج 


الضوء والظلمة : 

الحياة بالنسبة لسابينا تعني الرؤية. والرؤية يحدّها حدّان: الضوء الباهر 
فالحدود القصوى ترسم الفاصل الذي تختفى من بعده الحياة. ثم وأن الشغخف 
بالتطرف سواء في الفن أو في السياسة رغبة مقنعة في الموت. 

أما كلمة «ضوء» فهي لا توحي لفرانز بمنظر يضيئه النهار بعذوبة وإنما 
توحي بمصدر الطاقة بحد ذاته : : أي المان أو ع أو الكشاف وتذكره 


وتجذبه الظلمة كما يجذبه الضوء على عدا شواء: في أيامنا هذه يعتبر 
إطفاء الضوء أذة سمائعة لحن تفيضا شرا الشييكة هو يعرف ذلك ويترك 
قو | ميقا مقا قو ف سيره . ولكنه لحظة يلج سابينا يخمض عينيه مع ذلك . 
والظلمة التي يراها حينئذ ظلمة كلْيّة من دون صور أو رؤى, ظلمة لا متناهية ولا 
حدود لها. هذه الظلمة هي اللانهاية التي يحملها كل منا في أعماقه. (نعم , 
من يفتش عن اللانهاية ما عليه إلا أن يغمض عينيه). 

ولحظة يشعر فرانز بالنشوة تنتشر في حنايا جسدهء يتلوى ويذوب في 
اللانهاية في ظلمة كيانه ليصير هو نفسه اللانهاية . لكن كلما كبر الإنسان 
داخل ظلمته الداخلية. كلما تقلصت هيئته الخارجية شرع مده العية 
ليس إلا فضالة ذاته. وهذا أمر مزعج للرؤية. وسابينا لا تريد أن تنظر إليه 
نيا بن تسح عينها اتاؤرها .ر كنها لا مدر عله لمطليقة باد اشدهزن 
اللانهاية, بل هي فقط التنافر مع ما تراه. كما وأنها إنكار لما هو مرئي ورفض 
للرؤية. 


أقنعت سابينا نفسها أخيراً بالذهاب لحضور اجتماع يقيمه أبناء بلادها. 
مرةً أخرى. كان الجدال يدور حول معرفة ما إذا كان يفترض بهم أن يحملوا 
السلاح لمقاتلة الروس أم لا..من البذبهي أن الجميع كان يطالب هناء في 


82 


حي 'اليطترا: بيحرت القعالة: «ولكن ناي" افدافك قائلة عردو إدا! 
وقاتلوا!). 

كان بجدويها أن تقول هذا عا إن عاذ عر راق سعدا تعد 
المزيّن يشهر سبّابته الطويلة في وجهها: ولا تتكلمي هكذا . جميعكم مسؤولون 
عما حصل . وأفك أيضاء ماذا كنت تفعلين في بلادك ضد النظام الشيوعي ؟ 
أكنت ترسمين. هل هذا هو كل شيء؟». 

يعتبر تفتيش المواطنين ومراقبتهم من النشاطات الاجتماعية الأساسية 
والدائمة في البلدان الشيوعية. فلكي ينال رسام حقه في إقامة معرض أو مواطنْ 
على تأشيرة لقضاء عطلته على الشاطىء. أو لكي تتم الموافقة على انضمام 
لاعب كرة إلى الفريق الوطني. يجب أن تجتمع أصلا كل أنواع التقارير 
والشهادات التي تخصهم. (شهادة الناطور وزملاء العمل والشرطة وخلية 
الحزب ولجنة التأميم) وهذه التصاريح يجمعها فيما بعد ويقيّمها ويراجعها 
موظفون معدّون لهذه المهمة. أما ما يقال في هذه التصاريح فلا علاقة له البتة 
بموهبة المواطن في الرسم أو في لعب الكرة, ولا علاقة له بما إذا كانت تسمح 
له حالته الصحية بقضاء عطلة على الشاطىء. هناك أمر واحد يهم وهو ما 
يسمّى «بالخلفية السياسية للمواطن» (أي ماذا يقول المواطن. بماذا يفكرء 
كيف 200 هل يشارك في الاجتماعات أو في التظاهرات في الأول من 
إيار). وبما أن كل شيء (الحياة اليومية والترقية والعطلات) مرتبط بالطريقة 
التي يقيمون فيها سلوك المواطن» فإن الجميع مضطرون إذاّء (من أجل اللعب 

مع الفريق الوطني أو للتمكن من إقامة معرض, أو لقضاء عطلة على شاطىء 

5 للتصرف بطريقة تجعل علاماتهم حسنة. 


الرمادي تلم يكن به في أي حال أن يدب باه بده بكر الم ار أو أن 


عه ا يه شيء 5 مفاده أن 0 كانوا مقاوميه لكايه . 


يلنيين» في الطليعة أم في المؤخرة. جديين أم مخادعين . تجاه النظام 
الشيوعي . 


583 


بما أنها كانت رسّامة فهي تعرف إذاً مراقبة الوجوه وتعرف أيضاً مذ كانت 
في براغ . سيماءً الناس الذي هم مولعوه بمراقبة الآخرين وتقييمهم . فأولئك 
الناس تكون سبابتهم أطول قليااٌ ف الوسطى , ويشهرونها دائما في وجه 
محدثيهم . على أية حال. الرئيس نوقوتني مثلاء الذي حكم بوهيميا طيلة أربع 
عشرة سنة وحتى 8 : كان لديه تماما الشعر الرمادي نفسه المجعد عند 
المزين. وبإمكانه أن يعترٌ بأنه يملك السبابة الأكثر طولا ب بين سكان أورويا 
أجمعين . 
عندما سمع المهاجر المحنك من فم هذه الفنانة» التي لم ير قط لوحاتها 
نأك فوطي لت اريس لسري اح دسو و ل د 
اعد موا كريد ثم المسي' فيا اراد وقول فقا فلم يغلي بن لكر قا في 
الصمت. صمت الجميع معه. فما كان من سابينا إلا أن نهضت وغادرت. 

كانت سابينا تشعر بالانزعاج» ولكن حين أصبحت على الرصيف. قالت 
في نفسها: ما الذي كان برها ف الواقم على بمعا شيرة تشيكيين؟ ما الذي 
يجمعها بهم؟ منظر؟ لو طلب منهم أن يقولوا بماذا تذكرهم بوهيمياء ٠‏ فإن هذه 
الكلمة ستثير في ذاكرتهم صورا مشتتة لا جامع فيما بينها. 

أهي الثقافة إذاً» ولكن أية ثقافة؟ الموسيقى؟ دوقراك وياناسك؟ ربما. 
ولكن ماذا لو أن تشيكياً واحداً لا يجب الموسيقى؟ ؟ تصير الهوية التشيكية دفعة 


واحدة شيئاً باطلا . 
د 00 حان هيور! 0 2-00 


بالإججماع 1 ومجد 2 الذي حاف فيه هيوز بسبب أنه 06 
ومن ثم مجد الرماد الذي صاره. وهكذاء فإن ماهية الروح التشيكية.» فكرت 
سابينا. كانت متمثلة في الرماد. لا أكثر. وهؤلاء الناس لا يجمعهم سوى شيء 
واحد: هزيمتهم والملامات التي يوجهها واحدهم للآخر. 

كانت تسير بعجل وأفكارها بالذات تجعلها أكثر اضطراباً من اختلافها مع 
المهاجرين. كانت تعرف أن أفكارها مجحفة بحقهم. ويجدر بها الاعتراف بأن 
هناك تشيكيين مختلفين عن ذلك الشخص ذي السبابة المفرطة في الطول. ثم 


84 


ان الصمت المزعج الذي عقب الكلمات التي وجهتها له. لم يكن يعني أن 
الجميع يعيبون سلوكها. إنما كانوا بالأحرى مذهولين نتيجة هذا الظهور 
المباغت للحقد وهذا اللاتفهم الذي يقع الجميع ضحيته في الهجرة. ولكن 
ا ا و 5 
وبائسين؟ 

سبق لنا أن عرفنا الجواب: حين خانت أباها انكشفت لها الحياة فجأة 
مثل طريق طويلة من الخيانات. حيث كل خيانة تجذبها كأنها آفة أو انتصار. 
فهي لم تكن تريد البقاء في الصفٌ ولن تبقى فيه! لن تبقى إلى ما لا نهاية في 
الصف بمعية الناس ذاتهم والكلمات ذاتها! لذلك. فإن إجحافها هي بالذات 
يئيرها إلى أقصى الحدود. ثم وأن سابينا لا تجد هذه الإثارة القصوى أمرا 
ييا لا بل على العكس فهي تشعر بأنها دروت انتسنارا وأن أحدا ما غير 


مرئي يصفق لما. 

ولكن النشوة أخلت بعد قليل المكان للقلق : سيكون عليها الوصول ذات 
يوم إلى نهاية هذه الطريق! سيكون عليها أن تنتهي يوماً من كل هذه الخيانات! 
وأن تتوقف نهائياً! 

كان المساء قد حل وكانت تمشي بعجلة على رصيف المحئة. كان 
قطار أمستردام على أهبة الرحيل . بحثت عن قافلتها وقادها مفتش بشوش الوجه 
إلى المقصورة فنتحت الباب ورأت فرائز جالساً على سرير لا يزال غطاؤه 
فوا . نهض لاستقبالها فضمته بين ذراعيها وغمرته بالقبلات. 

كا ب بم ل ا ده ا 

بي إلى جوارك» استعبدني » كن قوياً» . ولكنها لا تستطيع ولا تعرف أن 

تتلفظ 00 هذه الكلمات 

عندما أفلت عناقه. قالت فقط: «كم أنا سعيدة لأني بقربك!). 


لم تكن تستطيع أن تقول أكثر من ذلك نظراً لتكتمها الطبيعي . 


055 


معجم صغير للكلمات غير المفهومة (تابع) 


في إيطاليا أو في فرنساء بالإمكان إيجاد الحل بسهولة. فحين يجبرك 
أهلك على الذهاب نه الكنيسة تنتقم منهم بانضمامك إلى أحد الأحزاب» 
(الحزب الشيوعي أو التروتسكوي أو الماويء. إلخ). أما والد سابينا فقد 
أرسلها أول الأمر إلى الكنيسة ثم خاف فيما بعد وأجبرها على الالتحاق 
بالشبيبة الشيوعية . 

لم تكن قادرة. حين سارت في موكب الأول من أيار. على السير 
بخطىّ موزونة. مع أنَّ الفتاة التي خلفها كانت تناديها وتدوس فيد | عا 
كاحلها. ركان علي ان دن تمل بكر عي المت لطن 
تفتح فماً أخرس . فلاحظ زملاؤها هذا الأمر ووشوا بها. مذ كانت صغيرة إذا 
وهي تأنف كل أنواع المواكب. 

تابع فرائز دراساته في باريس. وبما أنه كان متفوّقاً بشكل استثنائي 
فإنه» مذ كان فى سن العشرين». وهو يضمن مهنة علمية أكيدة. وكان يعرف 
ميد ذلك الحين أله سيفن حياته بين جدران المكتب:فن 'الجامعة والمكانت 
العانة وفاعين ارخامه لالقاء البجا راسي كان بعتن هده الفكرة 
بالاختناق. لذلك كان يرغب في الخروج من حياته كما يخرج المرء من بيته 
للذهاب إلى الشارع . 

كان يسكن في باريس وكان يذهب تلقائياً إلى التظاهرات. كان يسَر 
حين يذهب للاحتفال بشيء ماء وللمطالبة بشيء ماء ولمعارضة شيء ما. 
وحين لا يكون وفخيلنا بل في الخارج بمعيّة الآخرين. كانت السواكب 
المتدفقة على جادة سان جرمان أو الوافدة من الجمهورية باتجاه البابيل» 
تسحر لبّه. فالجماهير التي تتقدم هاتفة بالشعارات هي صورة عن اوروبا 
وتاريخها. فأورويا هي مسيرة كبرى. مسيرة من ثورة إلى ثورة» من نضال 
إلى نضال. ودائماً باتجاه الأمام . 


586 


لمانو سس ان خب عر الف بطري ار ا ا ا 
حياته كانت غير حقيقية بين أوراق الكتب. وكان يتوق إلى الحياة الحقيقية 
وإلى السير جنباً إلى جنب في ركاب رجال آخرين ونساء أخريات. كان يتوق 
إلى صخبهم . لم يكن يدرك أن ما يعتبره غير حقيقي (أي انكبابه على العمل 
في عزلة المكتبات) كان هو حياته الحقيقية. بينما المواكب التي كان يعتبرها 
هي الحقيقة كانت مجرد مشهد أو رقصة أو عيد. وبكلمة أخرى: حلم. 


كانت سابينا تسكن وهي لا تزل طالبة في مدينة جامعية . وكان الجميع 
نجبرين في الأول من أيار على الذهاب باكرا إلى نقاط تجمع الموكب. 
ولكي لا يتغيب أحد من الطلبة كان هناك طلاب مناضلون ومأجورون 
يتحققون عما إذا كان المبنى خالياً. كانت تذهب للاختباء فى المراحيض ولا 
ترجع إلى غرفتها إلا حين يمر وقت طويل على انطلاق الجميع؛ حينها كان 
يسود صمت لم تشهد له مثيلاً.. كانت تضلها من بعيد موسيقى المسيرة: 
كانت مثل حلزونة مختبئة داخل صدفتها ويصلها من بعيد ارتداد أمواج العالم 
المعادى . . 


بعد أن تركت بوهيميا بسنة أو سنتين» عاد شرورها في اريس في 
يوم الاحتفال بالذكرى 00 للاجتياح. كانت تُقام تظاهرة للاحتجاج في 
ذلك اليوم. ولم تستطع أن تمنع نفسها من المشاركة فيها. كان هناك شبان 
فرنسيون يرفعون قبضاتهم زاعقين بشعارات ضد الأمبريالية السوقياتية. ٠‏ ومع 
أن هذه الشعارات كانت عي إلا أنها اكتشفت بدهشة أنها غير قادرة على 
الهتاف مع الآخرين. لم تستطع البقاء وسط الموكب إلا لدقائق معدودة: 

أعلمت بعض الأصدقاء الفرنسيين بهذه التجربة فتعجبوا منها قائلين: 
«ألا ترغبين إذاً في 0 بلادك؟». كانت تود أن تقول لهم إن 
الشيوعية والفاشية وكل أنواع الاحتلالات تخفي في طياتها سرًاً أكثر خطورة 
وشمولية. وصورة هذا لمر كفن في مواكب الناس الماشين في صفوف 
وهم يرفعون قبضاتهم هاتفين بالمقاطع اللفظية نفسها وعلى نسق واحد. 
لكنها كانت تعرف أنها لا تستطيع أن تشرح لهم ذلك. فأحسّت بالانزعاج 
وغيّرت مجرى الحديث. 


57 


حمال نيويورك : 


كانا يمشيان منذ ساعات طويلة فى نيويورك. . كان المشهد يتغير إثر 
كل خطوة يقومان بها وكأنهما يتبعان شعاباً متعرجة وسط منظر ساحر في أحد 
الال مه غنات سل زاكنا كن ورجكل الررصيفة دوعن مقرحة منه ( تين 
جميلة تتئاءب وهي مستندة إلى شجرة» ورجل يرتدي بذلة سوداء يؤشر بيديه 
لبون قز ميد غدل موة كان السام ينات عن فيسياها برعه تجلين 
حولها بِنَاؤون يتناولون غداءهم. وكانت سلالم معدنية ترتقي واجهات بيوت 
قرميدية حمراء قبيحة؛ وهذه البيوت كانت من البشاعة إلى حد أنها صارت 
جميلة . على مقربة منها تنتصب ناطحة سحاب زجاجية وخلفها ناطحة 
سحاب أخرى في أعلاها قصر عربي صغير مزدان بالأبراج والقناطر والأعمدة 
المذهبة. ٠‏ 

كانت تفكر في لوحاتها: هناك أيضاً ثمة أشياء تتجاور مع أن لا علاقة 
لبعضها ببعض: من الأمام مصاهر حديد في طور البناء وفي خلفية اللوحة 
مصباح.. وفي لوحة أخرى مصباح آخر كُمّته “» القديمة التي من الزجاج 
المرسوم تتشظى إلى جزيئات صغيرة تعلو مشهد مستنقعات حزين. 

قال فرانز: «كان للجمال الأوروبي على الدوام طنابع تعمدي. . وكان 
هناك فى أصله دائما مقصد جمالى وخطة ذات نفس طويل . . فاقتضى بناء 
كاتدرائية ارك بن عضو اران على أساس هذه الخطة. ونا طويلة . 
أهااطيال تويز رك فطتلف تان :إن جماق عير تقفدىء كنا دون آنا سيد 
الإنسان التفكير به كمثل مغارة من الماء المتحجر. فهو مؤلف من أشكال 
قبيحة بحد ذاتها ولكن تجاورها صدفة ودون أي تصميم مسبق وبشكل غير 
مرتقب يجعلها تتألق فجأة بشاعرية ساحرة» . 

قالت سابينا: «تقول الجمال غير التعمدي. صحيح. . ويمكننا أن 
نضيففُ أيضاً الجمال عن غير قصد. فقبل أن يختفي الجمال نهائياً عن وجه 
الأرض» سيبقى موجودا لبعض الوقتث إنما عن غير قصد. فالجمال عن غير 


[فية (مسهوز- نوطة) غطاء المصباح أو غلافه . 


858 


قصد هو آخر مرحلة من تاريخ الجمال»). 

كانت تفكر في لوحتها الأولى التي تعد ناجحة فعلا وحيث سال طلاء 
أحمر عن غير قصد فوقها. نعم. كانت لوحاتها مرسومة وفقا للجمال غير 
التعمدذي. وكانت نيويورك الجزء الخفي والحقيقي من لوحاتها. 

قال فرانز ز: «ريما جمال نيويورك غير التعمدي هو أكثر غنى وتنوها 
بكثير من الجمال المفرط في الصرامة والذي فإنت ينا خط | اد ولكن 
حجان نوزرك يودا قانا عل اعفان الأوروبي . إنه عالم غريب»). 

كيف؟ أيوجد شىء ما يتفقان فى الرأي بشأنه؟ 

لا. هنا أيضاً الأمر مختلف. فغرابة الجمال النيويوركي تجذب سابينا 
بجنون . بينما هي تسحر فرانز وترعبه في آن وتثير فيه الحنين إلى أوروبا. 
وطن سابيئا : 


تتفهم سابينا تحفظ فرانز حيال أميركا. فهو مثال حي لأوروبا: أمه 
أصلها من قيينا وأبوه فرنسي. أما هو فسويسري . 

فرائز معجب بوطن سابينا. وهو حين تحدثه عنها وعن أصدقائها في 
بوهيمياء وحين يسمع بكلمات سجون ومداهمات ودبابات في الشوارع 
وهجرة ومناشير وأدب ممنوع ومعارض ممنوعة, يشعر برغبة غامضة مفعمة 
بالحنين . : 

ويّسرٌ لسابينا: «كتب عنى أحد الفلاسفة مرةً». فقال إن كل ما أقوله ليس 
إل تلبات ينها عن آنه بزاهين: ووقفى دياني أكاد أكون سخراط 
الهائل»)؛ فشعرت عندها بأنه بالغ في إهانتي ورددت عليه بغضب . تخيّلي أن 
هذه الحادثة التافهة هي الحادثة الأخطر التي شاهدتها في حياتي! وأن حياتي 
أدركت بها أقصى حد ممكن من إمكاناتها المأسوية! يعيش كل منا نحن 
الإثنين في مستويات مختلفة. دخلتٍ إلى حياتي كما دخل غوليقر إلى مملكة 
الأقزام . 

سابينا تحتج قائلة إن الصراعات والفواجع والتاتني لاتق قينا الح 


89 


ولا قيمة لهاء وهي لا تستحق الاحترام أو الإعجاب. فكل ما يمكن للجميع 
أن يحسد فرانز عليه هو العمل الذي يتمكن من إنجازه في سلام . 

نمراك الرجرامية قائة والناتى قم التمعيعات السسورف السير يماغة 
إلى الأغمال اليدوية بل يكرسون أنفسهم للنشاط الذهني. لذلك فإن 
الجامعات في ازدياد مطرد والطلاب أيضاً. ولكي يحظوا بشهاداتهم. عليهم 
أن يختاروا مواضيع لإجازاتهم. وهناك عدد غير محدود من المواضيع 
فبالإمكان معالجة كل ما يخطر فى الأذهان. وها هي أكداس الورق المسود 
تملأ الدوائر التي صارت أككر خرنا مره المقابر لأن لا أحد يأتي إليها ولا حتى 
في عيد جميع القديسين. وهكذا فإن الثقافة تغرق في بحر من الكتب وفي 
وابل من الجمل. وفي جنون الكمية . صدقيني» إن كتاباً واحدا ممنوعاً في 
بلدك القديم لأهم بكثير من مليارات الكلمات التي تقذف بها جامعاتنا» . 

في هذا الاتجاه بالذات يمكن أن يُفهُم ضعف فرانز حيال كل أنواع 
الثورات. فهو في السابق تعاطف مع كوبا ثم مع الصين. ثم اشمأزت نفسه 
من فظاعة نظاميهما وخلص للاقتناع بمرارة بأنه لم يتبقَ له إلا هذا المحيط 

من الحروف التي لا قيمة لها ولا علاقة لها بالحياة. أصبح مدرّسا في جامعة 

جنيف (حيث لا تظاهرات) ونْشر بنوع من التفاني (كان يعيش في عزلة دون 
نساء ولا مواكب) عدة أعمال علمية لاقت الكثير من النجاج. وفي ذات يوم 
انبئقت سابينا مثل ظهور عجيب . كانت آتية من البلاد التي ذبلت فيها الأوهام 
الثورية منذ وقت طويل. ولكن التي بقي منها أكثر ما كان يعجبه في الشورات 
وهو: الحياة التي تعاش فوق السلم العظيم للخطر والشجاعة والموت 
المهدّد. كانت سابينا تعيد له الثقة بعظمة المصير الإنسانى. كانت جميلة 
بقدر ما تتراءى خلف قامتها مأساة بلادها الأليمة. ْ 

للأسف. سابينا لا تحب هذه المأساة. وكلمات سجون ومداهمات 
وكتب ممنوعة واحتلال ودبابات هي بالنسبة لها كلمات بشعة مجردة من أية 
حلاوة رومنطيقية. أما الكلمة الوحيدة التي لا تزال تطن في أذنيها مثشل ذكرى 
حنين لبلادها هي كلمة مقبرة. ّ 


00 


المقبرة: 
المقابر فى بوهيميا تشبه الحدائق. والأضرحة هناك يكسوها العشب 

والأزهاز 'الفاقغة الآلوان : والاتضات الوضيعة تختفى وسظ: اخضراز الأوراق: 
عند المساءء تكتظ المقبرة بشموع مر مضاءة . شن للمرء أن الموتى 
بقيمون حفلة راقصة طفولية. نعم. جدله رمف طفر يا لأن الموتى أبرياء 
كالأطفال. مهما تكن الحياة أليمة. ففي المقبرة يخم السلام على الدوام, 
حتى خلال الحرب في عهد هتلر وفي عهد ستالين. ٠‏ وفي ظل الاحتلالات. 
وحين كانت تشعر أنها حزينة. كانث شرك :سيارتها وتنطلق فيهنا:يعيذا عن 

براغ لتتنزه ه في إحدى مقابرها المفضلة. كانت هذه المقابر الريفية على خلفية 
تلال مائلة إلى الزرقة» جميلة وكأنها مُهود. 


أما فرانز فهو يجد أن المقابر مزيلة قذرة من العظام والحصى . 


«لن أصعد أبداً في سيارة بعد اليوم . يخالجني خوف عظيم من أن 
اناك بحادث سيارة ! حتى ولو لم تكن الضرية قاضية. فإن الصدمة التي 
تعقبها ترافقنا حتى نهاية أيامنا!»» كان النحات يقول ذلك وهو ممسك بطريقة 
لا إرادية بسّابته التى أوشك أن يقتطعها أثناء نحته الخشبء والتي نجح 
الأطباء فى إنقاذها بفضل معجزة. 

كانت ماري كلد رعق بلهتجة 'مسنتوفية للأضرل:ولبنن ضحيحا ما 
تقولا و ال يد 00 
ل بطريقة 5 تصل الليل بالنهار» . 

كان الجميع ينظرون إليها بدهشة ملأتها بالسرور عياناً. امتزج انقياض 
فرانز (الذي كان يتذكر أن زوجته كانت محبطة للغاية إثر هذا الحادث ولا 
تتوقف عن النحيب) بشيء من من الإعجاب (فموهبة ماري كلود هذه في أن 
تبدّل صورة معاناتها تنم عن حيوية جديرة بالإحترام) . 


0901 


ثم أردفت : «هناك في المستشفى كات متف الكتب إلى فشتين : 
الكتب النهارية والكتب الليلية . وهذا صحيح . واكاك كه انها رركي خرن 
لا يمكن قراءتها إلا في الليل». 

كان الجميع ينظرون إليها بدهشة يعتريها الإعجاب. وحده النحات 
الذي كان يمسك إصبعه قد تقبّض وجهه من ذكرى أليمة 

التفتت ماري كلود ناحيته : «ضمن أي مجموعة تضع ستاندال؟). 

لم يكن النحات مصغياً فرفع كتفيه بانزعاج. ثم قال ناقد فّي. كان 
على مقربة منه. إن قراءة ستاندال هي حسب رأيه قراءة نهارية. 

أومأت ماري - كلود برأسها معلنة بصوتها الزاعق 0000# 
لاولاء ثم لا. أنت لست محقاً! ستاندال كاتب ليلي» . 

كان فرانز يتابع النقاش عن الفن الليلي والنهاري من بعيد. وكان لا 
.مغل باله إلا اللحظة التى ستدخل فيها سابينا. كانا قد فكرا سوية لبضعة 
امنا إذا كان فجي آم لأ أن هل رسابينا الدعرة إلى تعيلة كرك اتعيدها 
.آري - كلود على شرف جميع الرسامين والنحاتين الذين عرضوا في صالتها 
الخاصة ات مر ل وهي تتحاشى رؤية زوجته. 
5 افحي إن هوكنا كوت لقنا كر 
وأقل إثارة للشبهة 

وبما أنه كان يسترق نظرات خاطفة إلى المدخلء تنّه إلى أن صوت 
'بنته ماري - آنء التي تبلغ ثماني عشرة سنة. يخطب بإطناب ودون توقف في 
عمق الصالون. ترك المجموعة التي تترأسها زوجته لينضم إلى الحلقة التي 
تتزعمها ابنته. حيث كان هناك شخص جالس على الأرض والآخرون واقفين 
بينما ماري آن جالسة على الأرض. كان فرائز متأكداً من أن ماري كلود. 
الموجودة في الناحية المقابلة من الصالون. ستجلس عمًا قريب على السمجادة 
بدورها. فالجلوس على الأرض أمام المدعوين كان يعتبر آنذاك تصرفا يؤكد 
على أن المرء طبيعي يتصرف على سجيته وتقدمي واجتماعي وباريسي. 
وكانت ماري كلود مشغوفة كثيراً بالجلوس على الأرض وفي كل الأمكنة 


02 


0 ' ار ال ا ا 

سألت ماري آن الرجل الذي كانت تجلس أمامه: «ماذا تفءل ؛ 
هذه الأيام يا آلان؟)» : 

فأراد آلان الساذج والشريف أن يجيب بدقة على ابنة صاحبة الصالة. 
وأخذ يشرح لها طريقته الجديدة في الرسم والتي تجمع بين التصوير والرسم 
بالزيت. ما كاد يلفظ ثلاث جمل حتى أطلقت ماري - آن صفيرا. لكن 
الرسام كان مركز الذهن فلم يسمع صفيرها وتابع يتكلم ببطء. 

همس فرانز: «هل في استطاعتك أن تقولي لي لماذا تصفرين؟ . 

«لأنني أكره التحدث في السياسة». أجابت ماري _ كلود بصوت عال . 

شأن الانتخابات الفرنسية المقبلة. فسألتهما ماري آن التي كانت تشعر أنها 
معنية بإدارة الأحاديث عما إذا كان في استطاعتها الذهاب في الأسبوع 00 
إلى المسترح يحت هدم فرقة إيطالية أوبرا لروسيني . فيما الان الرسام لا 
يزال مصرا على إيجاد عبارات أكثر دقة لكي يشرح طريقته الجديدة في 
الرسم ؛ وكان فرانز خجلا من انهه فقال“ ليا ليسكتها يانه فيج حتى. المنوت 
حين يذهب لمشاهدة الأوبرا. 

قالت ماري آن وهي تربت على بطن أبيها دون أن تحاول النهوضص: 
«أنت لا تفهم شيئاً. المغني الرئيسي. جميل جدا! يا إلهي كم هو جميل! 
رأيته مرتين ومنذ ذلك الوقت وأنا متيمة به) . 

كان فرانز يتحقق من أن ابنته تشبه أمها بشكل لا يرقى إلى الشك. 
بر ا اسن اموه 
3 أو بمغنٍ أو بكاتب أو برجل سياسي .» وحتى أنها ليث 0 8 
دراجات . جلي أن هذا الأسلوب في الكلام هو الأسلوب المتبع في مآدب 
العشاء في المدينة والحفلات» لكنه كان يتذكر أعتينانا "أنه :مذ عشبرين 


01 


عاماً. قالت له فيما يخصّه الكلام ذاته وهددته إلى ذلك بالانتحار. 

في هذه اللحظة بالذات. دخلت سابينا. رأتها ماري كلود فتقدمت 
لاستقبالها. كانت ابنته تتابع حديئها عن روسيق» ولكن فبرائز كان آذانا 
صاغية فقط لما تقوله المرأتان فيما بينهما. بعد بضع جمل مؤدبة مرحبةء 
أمسكت ماري - كلود بالعقد الخزفي الذي كانت تضعه سابينا حول عنقها 
وقالت بصوت عال, جداً: «ما هذا الذي تضعينه! إنه مرعب!. 

بكترت هلم الله انكام تراد 0 
العكس» يُفترض بالضحكة العالية التي واكبتها أن تؤكد على الفور أن 
استهجان ماري - كلود للعقد لا يخيّر شيئاً في صداقتها للرسامة . ' ولكن هذه 
الجملة لم تكن تندرج مع ذلك في سياق اللهجة التي تخاطب بها ماري - 
كلود الآخرين عادة . 

فته بنفسي ) ١‏ قالت سابينا. 

«أجده مضا صراحة». كررت ماري - كلود بصوت عال . «ما كان 
يجدر بك أن ترتديه. 

كان فرائز يعرف أن زوجته لا يهمها إطلاقاً أن تكون حلية ما قبيحة أم 
جميلة . كان قبيحاً ما كانت ترغب في رؤيته قبيحاء وجميلا ما كانت تود أن 

تراه جميلا . لذلك. كانت حلى صديقاتها جميلة عن سابق تصور. ربما كان 
ل ا 
زمن بعيد طبيعتها الثانية . ْ 

لماذا قررت إذاً أن تجد الحلية التي صنعتها سابينا بنفسها قبيحة؟ 

كان الأمر ينجلى فجأة لفرانز: إذا كانت ماري كلود قد صرحت بأن 
اراي لشي ند تلانها زرده عبن الماع سيا باك تقول ذلك 

في العام الفائت» لم يكن عرض سابينا ناجحاً بما فيه الكفاية ولم تكن 
ماري - كلود تهتم البتة بكسب ود سابينا. بل خلافا لذلك, كان لسابينا جميع 
الدوافع التي تدعوها لاكتساب ود ماري كلود. ومع ذلك فإن تصرفها لم 
0 الأمر. 


لو 


نعم بدأ فرانز يفهم ذلك بوضوح كلي : اغتنمت ماري - كلود الفرصة 
لتؤكد لسابينا (وللآخرين) ما هو ميزان القوى الحقيقي الذي يحدد علاقتهما. 


7 
معجم صغير للكلمات غير المفهومة (خاتمة) 
كئيسة أمستردام القديمة : 


من جهة, هناك البيوت التي ثُرى من خلف نوافذها الكبيرة في الطوابق 
السفلية والشبيهة بواجهات المخازن؛ غرف العاهرات الصغيرة. ها هن 
جالسات في ملابسهن الداخلية لصقى الزجاج على كنبات صغيرة مزدانة 
بالوسائد. وكأنهن قطط ضخمة ضجرة. 

وفي الجهة الأخرى من الشارع كنيسة غوطية هائلة تعود إلى القرن 
الرابع عشر وبين عالم الكاهرات وعالم المؤمنين تمتد. مشل نهر فاصل بين 
مملكتين» رائحة بول نفاذة. 

من الداخلء لم يبق من الفن الغوطي غير الجدران العالية العارية 
والأعمدة والقبة والنوافذ. لا وجود لِلّوحة أو لتمائثيل في أي مكان. والكنيسة 
خاوية مثل قاعة تمارين رياضية. كل ما نراه فيها عبارة عن صفوفٍ من 
الكراسي في الوسط تشكل مربّعاً حول منصة منمئمة تتتصب فوقها طاولة 
الواعظ المكرق وخلف الكراسى ثمة مقصورات خشبية وهى حجيرات معدّة 
للعائلات الثرية . ْ ْ 

الكراسي والحجيرات الخشبية موضوعة هنا دون أدنى اهتمام بالشكل 
الهندسى للجدران ونسق الأعمدة, وكأنها بذلك تريد أن تعبر عن لامبالاتها 
وعن احتقارها لفن العمارة الغوطي. قرون مرّت الآن على تحويل الإيمان 
الكلفاني الكنيسة إلى مجرد سقيفة بسيطة لا وظيفة لها غير حماية المصلين 
المؤمنين من الثلج والمطر. 

كان فرانز مسحوراً: فهذه الصالة الهائلة قد عبرتها المسيرة العظيمة 
للتاريخ . 


95 


كانت سابينا تتذكر أن جميع قصور بوهيميا قد تأممت بعد الانقلاب 
الشيوعي وتحولت إلى مراكز تدريب وإلى مؤسسات للعجزة, وإلى زرائب 
ايها -تامث ززيازة اعد هذة الزراتكة كانت هتاه عايب لفاك يق 
إلى جدران الجصٌ. والأبقار التى كانت معلّقة فيها تنظر حالمة عبر النوافذ 
إلى حديقة القصر حيث كانت رول دجاجات . 

قال فرانز: «هنا الفراغ يسحرني . نكدّس المذابح والتماثيل والصور 
والكراسي والكنبات والسجاجيد والكتب. ثم يأتي وقت البهجة الجماعية 
المحررة فيتم تكنيس كل هذا كما تكنس الفضلات عن الطاولة. . هل في 
استطاعتك أن تتخيلي مكنسة هرقل التي كنست هذه الكنيسة؟». 

أشارت سابينا إلى حجيرة خشبية : «كان الفقراء يبقون واقفين والأثرياء 
جالسين في حجيراتهم . لكن هناك شيء يجمغ مع ذلك بين صاحب 
المصرف والفقير وهو: مقت الجمال». 

و]اخوة ا ننتناك؟ قال درانة وقلافكر قساه يتحرض هده عورا ترق 
زوجته. فكر بتفاهة الأحاديث التي لا تنتهي . بتفاهة الثقافة وتفاهة الفن. 

عندما كانت تلميذة؛ كانت تعمل في «ورشة الشباب». وكانت روحها قد 
تشبعت سم الأبواقٍ الممتهجة المتدفقة دون توقف من مكبرات الصوت.». 
فانطلقت ذات يوم اكد راكة على دزا و ا 
داخل غابة؛ ثم توقفت في مدينة صغيرة مجهولة ضائعة وسط التلال. 
الدرّاجة إلى حائط الكنيسة ودخلت: كانوا يحتفلون لساعتهم 0 كان 
النظام الشيوعي انذاك يغتطية الدي وكات أفلية الناين سحاقى التذهات 
إلى الكنائس . كان هناك بضعة عواجز جالسين على المقاعد لا يهابود 
النظام بل يهابون الموت فقط 

كان الكاهن يتلفظ جملة بصوت رخيم فيرددها الجمع وراءه سوية. 
كانت الجمل عبارة عن طلبات حيث تتكرر الكلمات ذاتها مثل سائح لا 
يمكنه إشاحة بصره عن منظر. ومثل رجل لا يستطيع الاستئذان بالانصراف 
أبداً . جلست على مقعدٍ في الخلف كانت تعفن عيديهنا أحبانا لا لشتوء إلا 
لسماع موسيقى هذه الكلمات, ثم تفتحهما من جديد فترى فوقها القبة 


06 


المطلية بالأزرق التي تزينها نجوم ذهبية كبيرة. فاستسلمَتٌ للسحر. 

ما صادفته في هذه الكنيسة على غير موعد لم يكن الله بل الجمال. 
كانت تعرف جيداً في الوقت نفسه أن هذه الكنيسة وهذه الطلبات لم تكن 
جميلة بحدّ ذاتها وإنما هي جميلة بالمقارنة مع تجاورها اللآمادي مع «ورشة 
الشباب) حيث كانت تمضى أيامها فى خضم الأغانى الصاخحبة. كان القداس 
جميلا لأنه بدا لها فجأة وبطريقة خفية وكأنه عالم جرت خيانته . 

أدركت منذ ذلك الحين أن الجمال هو عالم جرت خيانته ولا تمكن 
مصادفته إلا حين ينساه مضطهدوه عن غير قصد في مكان ما. . كان الجمال 
يختبى ء خلف «ديكورات» موكب الأول من أيار. ولكي يتم العثور عليه. 
يجب تمزيق قماشة «الديكور). 

قال فرائز: «إنها المرة الأولى التي أقع فيها تحت تأثير سحر كنيسة». 
لم تكن البروتستانتينية أو التقشف هما اللذان يثيران حماسه, إنما 7 
عايض 5 ا 
0 00000 0 الوال ز ل والندوات اك التافهة 
والكلمات التافهة. بدا له فراغ النساحة الشاسعة لكنيسة أمستردام وكأنه 
صوزة" الحتافه.اليشامن . 


القوة: 

كانت سابينا تلهو بذراعي فرانز في سرير من أسرة الفنادق العديدة التي 
كانا يتضاجعان فيها. وتقول: «عجيب» 0 أن عضلاتك مفتولة!). 
اب لوح ا مات الوح ل امير 
الأرض . كان يقول لسابينا في الوقت نفسه. 

(لا خوف عليك, أستطيع الدفاع عنك في كل الظروف. كنت بطال 
في الجودو من زمان». 


217 


نجح في رفع ذراعه عمودياً وهو يحمل الكرسي . . ثم قالت له سابينا: 
(إيسعدني أن أراك قويا إل هذا الحد!)ع». 

ولكنها أضافت في سرّها ما مفاده: فرائز قوي ولكن قوته موجهة فقط 
نحو الخارج . أما مع الناس الذين يعيش بينهم » ؛ مع أولئك الذين يحبهم فهو 
ضعيف . ضعف فرانز يسمى الطيبة. فرانز ليس على استعداد إطلاقا لأن 
يوجه أوامر لسابينا + فهو ل بامرهًا أيذا + كما كان 0 
بأن تضع المرآة على الأرض وأن تجول فوقها عارية تماماً . . ليس لأن الشهو 
تنقصه بل لأنه لا يقوى على إعطاء 00 
العنف. 


ا 

ألقى فرانز الكرسي وجلسن مستديراً ناحية سَابيا ثم قال: 

اولس أخيرا لا يروقن أن أكون قرياء. ولكن يهاذا سكن أن تفع 
عضلات كهذه في جنيف؟ أحملها معي وكأنها زينة. كأنها ريشات 

مانت برا حا اط : نكا رها "الكل اذا مر اجتفووجة كان ريه 
إعطاءها الأوامر ؟ من هو ذلك الذي سيرغب في التحكم بها؟ وكم من الوقت 
اب دقائق! من هناء فإن أيّا من الرجال لا يناسبها. 

قالت: «ولماذا لا تستعمل قوتك ضدي من وقت لآخر؟ 

قال فرائز برقّة: لآن الحب يعني أن نتخلى عن القوة». 

ففهمت سابينا أمرين: الأول أن هذه الجملة كانت جميلة وصحيحة. 


والثاني أنه يوشك مع هذه الجملة أن يتجرد من صلاحيته فى حياتها 
الجنسية . 


العيش فى الحقيقة : 

م لم يعد 
فرانز يتذكر أين بالضبط. ولكن هذه العبارة تسحره . فما معنى أن نعيش في 
الحقيقة؟ ثمة تعريف سلبي سهل: معناه ألآ نكذب وألا نُخفي وألا نتكتم . 
وهوء مذ تعرّف إلى سابيناء يعيش في الكذب . فَنَارةَ يحكي لزوجته عن 
ؤتمر في انستر وام » وتارة أخرى عن محاضرات في مدريد لا أساس لها من 
الصحة انها كناكم من اله بر سا يان كران حير أن 
يكذب وأن يتخفى أمر ممتع لمجرد أنه لم يفعل يفعل ذلك من قبل. ٠‏ فهو يشعر 
ده سس ظر كه لدوةة كبا دما تر و الأول فى اعيقه أخيرا أن تعره كل 
الذفات إلن المدرسة: ا 

أما العيش في الحقيقة وعدم الكذب على أنفسنا أو على الآخرين, 
بالنسية لسابيناء فأمر غير ممكن. إلا إذا عشنا بعيدا عن الناس. فما أن يكون 
هناك شاهد على أعمالنا حتى نتأقلم طوعاً أو كرها مع النواظر التي تراقبناء 
جلاانعنوة أ ش يما يشوم بي عت . ا يون د 
بجمهور. فهذا ب يعني أن نعيش في الكذب. سابينا تكره الأدب الذي يكشف 
فيه اكات غك بحياتة الخاصة أو عن حياة أصدقائه الخاصة. . وتفكر سابينا 
أن ذلك الذي يفقد حياته الخاصة يفقد كل شيء. وأن من يتخلى عنها 
كامل إراديه» إننا عو مينخ + لذلك :فاق سازينا لا يؤلمها أن يكتون عليها :أن 
نُخفي حبّها. بل على العكس. هذه هي وسيلتها الوحيدة لكي تعيش في 
الحقيقة . 

أما فرانز فهو متأكد أن أصل - جميع أنواع الكذب يكمن في الفصل بين 
الحياة الخاصة والحياة العامة: حين يكون المرء شخصا في حياته الخاصة 
وشخصاً آخر في حياته العامة . فالعيش في الحقيقة, بالنسية لفرانزء هو إلغاء 
الفاصل بين الخاص والعام . وهو يتذكر في هذه المناسبة تلقائياً جملة 
لبروتون يقول فيها إنه كان يود أن يعيش «في منزل من زجاج»» حيث لاا شيء 
خفيّ وكل شيء مُشْرّع للأنظار كلها . 

عندما سمع زوجته تقول لسابينا: «يا للحلية المريعة!). فهم عندئذ أنه 


90 


بات من المستحيل العيش فى الكذب. وأنه كان عليه منذ تلك اللحظة أن 
يبادر للدفاع عن سابينا. وإذا لم يكن قد فعل ذلك. فهذا فقط لأنه خاف من 

غداة اليوم التالي بعد الحفلة. كان يفترض به الذهاب لقضاء يومين في 
روما. كانت الكلمات: «يا للحلية المريعة!» تطنّ من دون توقف في أذنيه 
وبدت له زوجته في إطار وجهة نظر مختلفة. لم تعد كما كان يراها دائماً. إن 
عدائيتها المنيعة والصاخبة والديناميكية أزاحت عنه ثقل الطيبة الذي كان 
أمستردام. فأحس بالحماس الغريب والغامض الذي يثيره فيه هذا الفراغ, 
يتدفق فى أعماقه . 

كان يجهز حقيبته عندما دخلت ماري - كلود إلى الغرفة. أخذت تتحدث 
عن مدعوي البارحة. مصدّقة بحماس بعض الآراء التي سمعتها. ومدينة 
بفظاظة بعضها الآخر. 

شخص فرانز إليها طويلاً. ثم قال: «ليست هناك محاضرة في روما». 

لم تكن تفهم: «ولماذا تذهب إلى هناك إذاً؟ . : 

فأردف: «لدي سق عسسفية فتك د تسعة أشهر . لا أريد أن أراها فى لخديف 
لذلك أسافر بكثرة. فكرت أنه من المستحسن أن أخبرك بذلك)». 

حين تفوه بالكلمات الأولى أحس بالخوف وغادرته شجاعته الأولى . 
كلماته . 

بعد لحظة قليلة سمعها تقول: «نعم. أنا أيضاً أعتقد أنه من 
المستحسن أن تخبرني بذلك». 

كانت نبرة كلماتها حازمة. رفع عينيه ناحيتها: لم تكن ماري كلود 
منهارة قط. بل كانت لا تزال تشبه المرأة التي كانت تقول بصوت زاعق: «يا 
للحلية المريعة!). 


100 


0 تابعت قائلة : «بما أنك تملك الشجاعة لإعلامي بأنك تخونني منذ 

سعة أشهرء هل تستطيع أن تقول لي أيضاً مع مَنْ؟». 

كان يدّعي دائماً أنه لا يُفترض به أن يؤذي ماري كلود وأن عليه 
احترام المرأة فيها. ولكن ما الذي صار بحال المرأة في ماري كلود؟ وبطريقة 
أخرى. أين أصبحت صورة الأم التي كانت تربطه بزوجته؟ صورة أمَّه أمَه 
الحزينة المجروحة التي الاك كرد عيذاء مله + غادرّت ماري - 
دلود. وربما لم تغادرها لأنها لم تكن موجودة فيها أصللً. فهم كل هذا نتيجة 
هجمة مباغتة للكراهية . 

فقال: ليس هناك ما يدعو لأخفي عليك. 

بما أن خيانته أمر لا يجرحهاء. فسيجرحها بالطبع أن تعرف من هي 
غريمتها. لفظ اسم سابينا وهو ينظر مباشرة إلى عينيها. 

بعد وقات قليل ؤافى سابينا إلى المنطان: كان: كلما علت الطائرةة 

يشعر أنه يصير أكثر خفة . كان يقول في نفسه إنه في نهاية الشهر التاسع. ها 
الو و 


8 


كان الأمر في نظر سابينا كما لو أن فرانز يقتحم باب حياتها الخاصة 
عنوة., فترى من الشقٌ رأس ماري - كلود ورأس ماري - آن ورأس الرسام الآن 
ورأس النحات الذي كان يمسك بإصبعه طيلة الوقت. ورؤوس جميع الناس 
الذين تعرفهم في جنيف. كانت تصبح رغماً عنها غريمة امرأة لا تعني لها 
شيئاً إطلاقا . . ففرانز ز سيبادر إلى الطلاق وهي ستأخذ مكانها إأى جانبه على 
سرير زوجي كبير. وستكون محط أنظار الجميع من قريب أو من بعيد. 
وبدل أن تكون سابينا»ء ستكون مرغمة على قكل دررسانية وإيجاد الطريقة 
المناسبة للعبة. وهكذا. فإن الحب الذي صار علايا سيزداد وزتا اليصير 
جملا تقيلاً. "كانت تانيتا الصكرد الشكير بذلك» تررس حت تقل سلفا . 

كانا يتناولان العشاء في أحد مطاعم روما ويشربان الخمرة» وكانت 
سابينا قليلة الكلام . 


101 


فسأل فرانز: «هل صحيح أنك لست غاضبة مني؟2». فأكدت له أنها 
ليست غاضية منه . كانت أفكارها مشوشة تماما ولا تعرف بعد ما إذا كان عليها 
أن تهثل للأمر أم لا. كانت تفكر في لقائهما في عربة النوم لقطار أمستردام . 
شعرت في ذلك المساء برغبة في الارتماء عند قدميه والتوسل إليه ليستبقيها 
قربه حتى ولو اضطره الأمر لاستعمال القوقه وال يدعها نحل 'أيدا. 

كانت راغبة ذلك المساء في أن تنهي حساباتها نهائياً مع هذا السفر 
الطويل من خيانة إلى خيانة. كانت ترغب في التوقف. 


الآنء ها هي تحاول أن تتمثل في ذهنها وبأقصى حدة ممكنة. رغبتها 
السابقة. أن تستعيدها وتتقوى بهاء ولكن عبثاً. كان الشعور بالضيق أقوى من 
كل شئم: 

كانا متوجهين إلى الفندق وسط عجقة المساء. وكان الإيطاليون حولهما 
ترقعرن وياعتوة /زيشوروة باناتيام :' يسيك إنهيا كانا يستطيعان المشي يجنا 
إلى جنب صامتيّن فلا يسمعا صمتهما. 

بعدهاء أمضت سابينا وقتاً طويلاً في الحمام وهي تهتم بنفسها. وكان 
فرانز أثناء ذلك ينتظرها تحت غطاء السرير الزوجي الواسع. وكان هناك 
كالعادة مصباح صغير مضاء. 

عين رجيت من غرنة الحمام + اطنات الوه هذه هى المرة الأولى 
التي تتصرف فيها على هذا النحو. كان يُفترض بفرانز د أن مركاتب لينذا 
التصرف ولكنه لم ينتبه لأن الضوء لا يثير اهتمامه. فهو. كما رأيناء يبقي 
عينيه مغمضتين أثناء المجماعة . 

ولهذا السبب بالذات» ولأنه كان يغمض عينيه. أطفأت سابينا الضوء. 
فهي ليس لديها أدنى رغبة في رؤية أجفانه المطبقة ولو لثانية واحدة. العيون. 
كما يقول المثل. هي نوافذ النفس . وهي كانت تشعر أن جسد فرائزء الذي 
يتخبط فوقها وهو مغمض العينين» بيك 3و0 راوح : . كان شبيها بحيوان صغير 

لا يزال غير قادر على الرؤية فيرسل أصواتاً مستعطفة لأنه عطشان . كان فرانئز 

بعضلاته المفتولة يشبه أثناء الجماع جروا ضخما يرضع من ثدييها. وهذا 


]02 


صحيح . كانت حلمتها الآن في فمه وكأنه يهم بأن يرضع! كانت تفكر أن 
فرانز زناضج في الأسفل ورضيع في الأعلى, وأنها تضاجع رضيعاء » مما 
جعلها توشك أن تشعر بالتقزز. لاء هي لا تريد بعد اليوم أن تراه يتخبط 
بائسا فوقها ولن تمد له بعد الآن ثديها كما تمد كلبة ثديها لصغيرها. اليوم. 
هذه آخر مرة. إنها المرة الأخيرة التي لا.رجوع فيها! 

كان جلياً أنها تعرف أن قرارها ظلم خالص, وأن فرائز هو أفضل رجل 
رد فهو ذكي ويفهم لوحانها وطيْب وشريف وجميل . ولكنها كانت كلما 
وت هذه الصفات», تعنف رغبتها في أن تنكث بهذا الذكاء وهذه الطيبة 
وهذه القوة الخرقاء. 

أحبّته في هذه الليلة بحمية أكثر توقداً من أي وقت مضى. كا 
تستثيرها فكرة المرة الأخيرة . ا قن عد د بن كر جلابه 
هناء » كانت تسمع بوق الخيانة الذهبي صادحاً في البعيد. وكانت عارفة أنها 
غير قادرة على مقاومة هذا الصوت. بدا لها أن ثمة مسافة أخرى شاسعة من 
الحرية مشرعة أمامهاء وأن اتساع هذه المسافة يثيرها. وفي أثناء ذلك. كانت 
تعشق فرانز بجنون وبوحشيةء كما لم تعشقه من قبل . 

كان فرانز يشهق فوق جسدها وهو متأكد من أنه فهم كل شيء: فسابينا 
كانت صامتة أثناء العشاء ولم تفصح له عن رأيها بقراره. ولكنها الآن تعطيه 
الجواب: ها هي تفصح له عن فرحتها وشغفها وموافقتها ورغبتها في أن 
تعيش معه إلى الأبد. 

كان يلوح له أنه فارس يخيل في فراغ رائع , في فراغ دون زوجة ودون 
ولد ودون بيت. فراغ رائع كان كسْه بكسة فرقل . فراغ رائع سيملؤه بحبه. 

كان يمتطي أحدهما الآخر ويخيّلان باتجاه مسافات يحلمان بها. كان 
كلاهما منتشياً من خيانة تحرّره. كان فرانز يمتطي سابينا ويخون زوجتهء 
وسابينا تمتطي فرانز وتخون فرانز 


113 


9 

لعشرين سنة خلت» كان يرى أمه في زوجته أشبه بكائن ه ضعيف تجدر 
حمايته . . وهذه الفكرة كانت عميقة التجذر في كيانه حتى يستطيع التخلص 
منها في يومين. كان الندم يتآكله عندما رجع إلى المنول: ريما أضيبت: شرية 
عصبية بعد رحيله. ربما سيجدها مثقلة بالأحزان. ثم أدار المفتاح داحل 
القفل بخجل وولج إلى غرفته. حرص آلآ يحدث ضجة ثم أرهف السمع: 
نعم كانت فى البيت. بعد تردد قليل» ذهب ليقول لها صباح الخير كعادته . 

رفعت حاجبيها وهي تصطنع الدهشة : «أرى أنك عدت إلى هنا؟) . 

رغعب في أن يجيبها (بدهشة صادقة): «وأين تريدين أن أذهب؟). 
ولكنه صمت . 

ثم أضافت: «لكي يكون كل شيء واضحاً بيشاء: لا أرى انعا في أن 
تقيم عندها منذ الآن». 

عندما باح لها بكل شيء يوم رحيله, ؛ لم تكن لديه خطة معينة. كان 
ل ل 
الأذيّة التي قد يسبّبها لها. لم يكن يعلم أنها ستصر بعناد بارد على أن يرحل . 

شعر بأنه خائب مع أن هذا التصرف كان يسهّل له الأمور. كان تخريضاً 
الطوعي بزواج أحادي خابل للذهن. وها إنه يستنتج الآن وفي نهاية 
العشرين سنة أن مراعاته كلها كانت غير مجدية., وأنه قد امتنع عن النساء 
بسبب سوء تفاهم ! 

ذهب توا بعد أعطائه المحاضرة في الجامعة في فترة بعد الظهرء إلى 
سابينا. كان فى نيته أن يطلب منها السماح له بقضاء الليلة عندها. قرع 
الجرس ولكن أحدا لم يفتح. فذهب لانتظارها في المقهى المقابل وعيناه 
مسمرتان على مدخل البناية . 

مرت ساعات ولم يكن يدري ماذا يفعل. كان قد نام طيلة حياته في 


104 


سرير واحد إلى جوار ماري كلود. لو رجع الآن. أيفترض به أن يتمدد قربها 
دما كان يفعل من قبل؟ يمكنه بالتأكيد أن ينام على الأريكة في الغرفة 
المجاورة. ولكن ألن يكون هذا التصرف استعراضيا جدا؟ ألن ترى زوجته 
فيه 2 عن العداء؟ كان على استعداد لأن يبقى صديقاً مع زوجته! ولكن 
أن يذهب للنوم: بجانبها فهذا أمر مستحيل . كان يسمع من الآن أسئلتها 
المستهزئة : كيف؟ ألا تفضل البقاء في سرير سابينا؟ فآثر عندها أن يقضي 
الليلة في أحد الفنادق . 

رجع صباح اليوم التالي يدق على باب سابينا طوال النهارء ودائماً دون 
جدوى. 

في اليوم القالك ذمن وبال الشاطورة ولكنها لم كن غرفت سكا 

فأرسلته إلى مالكة المحترف. اتصل بها وعلم أن سابينا رحلت أول البارحة 
مسددة إيجار الأشهر الثلاثة المقبلة كما كانت تنص ورقة الإيجار. 

حاول لأيام عدة أن يضبط سابينا في البيت. إلى أن وجد ذات يوم باب 
الشقة مفتوحاً. كان هناك ثلاثة رجال في ثياب زرقاء ينقلون الأناث 
واللوحات ليضعوها في شاحنة كبيرة متوقفة أمام المنزل. 

سألهم أين سينقلون الآثاث . 

أجابوا أنه من المحظّر عليهم بتاتاً أن يُخبروا أحداً عن العنوان. كان 
يهم بأن يدس في جيوبهم بعض الأوراق المالية ليكشفوا له عن السرء سا 
وجد نفسه عاجزا . كان الحزن يشله تماماً فلا يفهم شيئا ولا يستطيع أن 
يصرح بما في نيته . كان يعرف فقط أنه كان يتوقع حدوث هذه اللحظة مد 
تعرّف إلى سابينا. وها فد داك ماكان يجب أن يحدث» وفزاتير لا يوذ 
الدفاع عن نفسه . 


وجد شقة صغيرة في المدينة القديمة. ثم مر بمنزله السابق. بعد أن 
تأكد من أن زوجته وماري ا غير موجودتثين هناك وأخحذ بعض الثياب 
والكتب الضرورية. ولك عرفن عن ال ركم معدا قفا يكن أنسيء 
إلى ماري كلود. 


105 


لمحها ذات يوم خلف زجاج صالة للشاي . كانت برفقة سيدتين. كان 
وجهها الذي حفرت فيه من زمان إيماءاتها المفرطة تجاعيد لا حصر لهاء 
55 بالحيوية . كانت السيدتان تستمعان إليها ولا تتوقفان عن الضحك . 
2000 نز أن يمتنع عن التفكير بأنه هو موضوع حديثها. فمن المؤقد 
أنها عرفت أن سابينا اختفت من جنيف لحظة قرر الذهاب للعيش معها. إنها 
حكاية مُضحكة بالفعل! وهو لا يمكنه أن يُفاجأ والحالة هذه بأن يكون 
المند كه ات ري 

عاد إلى مسكنه الجديد حيث يستطيع أن يسمع جرس كاتدرائية مار 
بطرس . جرى تسليمه في هذا اليوم بالذات طاولة من أحد المخازن. ل 
عندها ماري كلود وصديقاتها. ونسي لوهلة سابينا أيضاً كان متمرورا هرد أنه 
اختار الطاولة بنفسه . . منذ عشرين سنة وهو يعيش وسط أثاث لم يختره 
بنفسه. فماري - كلود كانت تهتم بهذه الأمور وحدها. ها إنه يتخلص من 
كوه عا عيفر ان اليك الأولى. لصو رجت اهيا : وفي الغعد سيأتي 
النجار فيوصيه على المكتبة التي كان أمضى عدة أسابيع في تصميم شكلها 
وحجمها ومكانها. 

يا للعجب. أدرك فجأة أنه لم يكن تعيساً. كان حضور سابينا الجسدي 
أقل أهمية مما تصوّر . فالأهم منه هو الأثر الذهبي. الأثر السحري الذي 
تركته في حياته والذي لا يستطيع أحد بعد اليوم حرمانه منه . كما وأنها قد 
تسنى لهاء قبل أن تختفي من أفقه. أن تدس في يده مكنسة هرقل فيكنس 
بها من حياته كل ما لم يكن يحبه. إن هذه السعادة المباغتة وهذا الانشراح 
وهذه الغبطة التي تمده بها حريته وحياته الجديدة. هذا هو الحاضر الذي 
تركته له سابينا. 


على أية حال. ألم يكن قد فضّل دائماً اللاواقعي على الواقعي. فكما 
أنه كان يشعر بالارتياح في المواكب. (والتي هي . كما قلت. ليست سوى مشهد 
أو حلم) أكثر مما يحس بذلك من وراء المنبر حيث يلقي المحاضرات. 
كذلك. أحس أنه أكثر سعادة مع سابينا المتحولة إلى إلهة غير مرئية. مما 
كان مع سابينا عندما كانا يجولان العالم معاً وهو خائف على حبّه مع كل 


106 


حطوة مانا كل مهيا ب الجر المباغتة للرجل الذي يعيش وحده. وزنلقة 
بهالة الاغراء. صارت النساء تجده جدانا وها إن إحدى طالباته تقع في 
غرامه . 

وهكذا بغتةق وفى فترة وجيزة للغاية. تحذلن ديكور حياته كله. كان 
بسكن في شقة بورجوازية كبيرة مع خادمة وابنة وزوجة. أما الآن فهو يجد 
نمسه في شقة صغيرة مفروشة فى المدينة القديمة» وصديقته الشابة تأتي 
لقضاء الليل عنيده كل مساء تقريباً! فهما ليسا بحاجة للذهاب إلى فنادق 
العالم كله لكي يضاجعها. بل بإمكانه أن يفعل ذلك في شقته الخاصة وعلى 
سريره الخاص وبحضور كتبه ومنفضته الموضوعة على طاولة الجرير» 

لماك ييه و١‏ لإيجه راكيها كر مره مله كلسي كانت معجبة 
بفرائز كإعجاب فرائز بسابينا من قبل قبل. ولم يكن الأمر غير ممتع . وإذا كان 
بإمكانه ربما أن يعتبر استبداله سابينا بطالبة ترتدي نظارات بمثابة انحطاط 
صغير» فإن طيبته مع ذلك» كانت تحرص على أن يستقبلها بسرور ويشعر 
حيالها بمحبة أبوية لم يستطع إشباعها من قبل. فماري - كلود لم تكن 
تتصرف على أنها ابنته ولكن على أنها ماري كلود ثانية . 

ذات يوم ذهب لرؤية زوجته وقال لها إنه راغب في الزواج من جد.يد. 

هزّت ماري - كلود رأسها أن لا. 

وولكن إذا تطلقناء ان يتغير ادن #اولن اتتخسري شيثا. فسأترك لك كل 
شىء!). 

قبالت: 

9 المال لا أحدية له بالتسبة لي : 

ما الذي يهمك إذاً؟ 

لحني 

قال فرائز متعجياً : الحب؟ 

أطلقت ماري - كلود ابتسامة : «الحب صراع وسأقاتل وقتاً طويلاً. حتى 
النهاية . 


107 


الحب صراع؟ ليست لي أدنى رغبة في القتال». قال فرانز وخرج. 
10 
ولكنها لم تكن تنوصل قط لأن تشفى من كآبتها. ولو أن أحداً سألها عما 
أصابها لما استطاعت أن تعبّر عن ذلك بكلمات. 
يمكن اختصار مأساة حياة «باستعارة» الثقل. نقول مشلا إن حملاً قد 
سقط فوق أكتافنا. فنحمل هذا الحمل . نتحمله أو لا نتحمله ونتصارع 
معه. وفي النهاية إما أن نخسر وإما أن نربح . ولكن ما الذي حدث مع سابينا 
بالضبط؟ لا شيء. افترقت عن رجل لأنها كانت راغبة في الافتراق عنه. هل 
لاحقها بعد ذلك؟ هل حاول الانتقام؟ لا. فمأساتها ليست مأساة الثقل إنما 
مأساة الخفة . والحمل الذي سقط فوقها لم يكن حملاً بل كان خفة الكائن 
التي لا تطاق. 
حتى الآن؛ كانت لحظات الخيانة تملؤها نشوة وفرحاً خصوصاً لدى 
التفكير بأن طريقا جديدة ستمتد أمامهاء وأن في آخر هذا الطريق 00 
خيانة جديدة . ولكن ما الذي سيحدث لو أنَ هذا السفر انتهى؟ يمكن لنا أن 
تكو اهلك وزونا رحبا ووطناء او لا لا 0 
لنخونهم أو زوج.أوحبٌ أو وطن؟ 
كانت سابينا تشعر بالفراغ يحيط بها. أيكون هذا الفراغ بالذات هو 
الهدف من خياناتها مجتمعة؟ 
من البديهي أنها لا تعي هذه الحقيقة, وهذا شيء مفهوم : فالهدف 
الذي نلاحقه محجوب عنا دائماً. . حين ترغب فتاة شابة في الزواج فهي 
ترغب في شيء تجهله تماماً. والشاب الذي يركض وراء المجد لا يملك 
أدنى فكرة عن المجد. لذلك » فإن الشيء ء الذي يعطي معنى لتصرفاتنا شيء 
وله تمان سابينا أيضاً تجهل ما هو الهدف من رغبتها في الخيانة. أيكون 
الهدف منها الوصول إلى الخفة غير المحتملة للكائن؟ منذ رحيلها عن جنيف 
ثلاث سنوات مضت على إقامتها في باريس عندما تلقت رسالة من 


]08 


بوهيميا. رسالة من ابن توماس. كان قد سمعهم يتحدثون عنها فاستدل على 
عنوانها وقرر أن يكتب لها رسالة بصفتها «الصديقة الجك يه عند مر ا 
وأخبرها عن موت تيريزا وتوماس . . كان يقول فى رسالته إنهما عاشا سنواتهما 
الأخيرة في قرية حيث كان يعمل توماس كسائق شاحنة. كانا يذهبان في 
أغلب الأحيان إلى المدينة المجاورة ويقضيان الليلة هناك في فلدق ير 
كان في الطرقات تلالا ومنعطفات كثيرة فسقطت الشاحنة في الوادي وغثر 
على جثتيهما مهشمتين تماماً. واكتشفت الشرطة أن الفرامل كانت في حالة 
سيئة للغاية . 

لم تكن حالها لتستقيم إثر هذا الخبرء فهو الخيط الأخير الذي يربطها 
بالماضي ء وقد انقطع . 

تبعاً لعادتها القديمة» حاولت أن تخفف عن نفسها بالقيام في جولة إلى 
إحدى المقابر. كانت المقبرة الأقرب مقبرة مونبارناس . والمقبرة تتألف من 
بيوت حجرية هزيلة ومن مصليات منمنمة قائمة وسط القبور. لم تكن سابينا 
تفهم لماذا يرغب الموتى في أن يُقام فوقهم ما يُشبه القصور. هذه المقبرة 

هي الغرور ممثلا في حجر. فبدل أن يكون مكان المفتان أكثر تعمل بعيد 
لوتفيك كاله كد حمافة عزنا عابرا رهم بعلن فيلو الجياة . كائرا ترصن 
أهميتهم من خلال الأنصاب. لم يكن أولئك الراقدون هنا آباءً أو أخوة أو 
أبناء أو جدّات بل وجهاء وموظفين في الحكومة واناقياً ذوي ألقاب ورتب 
شرف. حتى أن أي موظفٍ في البريد كان يعرض أمام الملأ رتبته ودرجته 
ووضعه الاجتماعي - أي قيمته. بتفاخر. 

لاحظت وهي تمشي في أحد ممرات المقبرة أنه كان يتم دفن أحدهم 
بعيدا قليلاً من هنا. كان رئيس التشريفات يحمل أزهارا ملء ذراعيه ويوزعها 
على الأقارب والأصحاب: زهرة لكل واحد منهم. مذ زهرة لسا متا 
فانضمت إلى موكب الجنازة. كان يجب الطواف حول أنصاب عدة لوصول 
3 الحفرة التي نزعت عنها شاهدة القبر. انحنت فوقها. كانت الحفرة عميقة 

. أفلتت الزهرة. رسمت الزهرة دوائر صغيرة ثم سقطت فوق النعش. , 
0 العمق في بوهيميا. فالقبور في باريس عميقة قدر ما هي 
البيوت عالية. استرعى نظرها الحجر الذي ينتظر على حدة إلى جانب 


109 


الحفرة فتلا ها :هذا اللحكر رضاء قنادت مترعة: إلى اليك 

فكرت النهار بطوله بهذا الحجر. لماذا يرعبها إلى هذا الحد؟ 

فكرت بهذا الجواب : (إذا كانوا يقفلون القبر بحجرء فهذا لثلا يتمكن 
الميت من الخروج أبدا». 

ولكن في جميع الأحوال؛ لن يتمكن الميت من الخروج من قبره! 
أكان راقدا تحت التراب الصلصالي أم تحت حجر فالأمران سيان! 

لاء الأمران ليسا سيّان: إذا كنا نقفل القبر بحجر فهذا لأننا لا نرغب 
في رجوع الفيك الحجر الثقيل يقول له: «إبقّ حيث أنت!)». 

تذكرت سابينا قبر أبيها. . فوق النعش تراب صلصالي وفوق هذا 
التراب تنبت أزهار. كما وتمد شجرة قيقب جذورها إلى العين. يمكن إذأ 
أن نتصور أن الميت يخرج من قبره عبر هذه الجذور وهذه الأزهار. فلو كان 
أبوها مغطى بحجر لما كانت تمكنت من التحدث إليه بعد موته. ولما أمكنها 
قط أن تسمع صوته وهو يغفر لها عبر أوراق الأشجار. 

لكن. ماذا يمكنه أن يشبه القبر حيث يرقد توماس وتيريزا؟ 

مرة أخرى عاوؤت التفكير فيهماء' كانا يتهبان أحبانا إن الجدينة 
المجاورة ويقضيان الليل في الفندق. هرّها هذا المقطع من الرسالة لأنه كان 
شاهداً على أنهما كانا سعيدين. كانت ترى ثانية توماس وكأنه طالع من 
إحدى لوحاتها: في المقدمة ور ارم مرسوم بيد رسام 
ساذج. ومن أحد شقوق هذا الديكور يلوح ل“: لنا تريستان. لكن توماس مات 
يا وليس بصفته دون جوان. والدا سابينا توفيا في الأسبوع 
نفسهء أما توماس وتيريزا ففي اللحظة ذاتها. شعرت فجأة برغبة في أن تكون 
مع فرائز. 

عندما حدثته عن نزهاتها إلى المقابر. أصيب بالغثيان ويه المقابر 
بمزبلة من العظام والحصى . . في ذلك اليوم. امتدت بينهما هاوية من 
انعدام التفاهم . . ولكنها الآن فقط في مقبرة مونبارناس فهمت ما كان يعنيه ع 
وشعرت بالأسف لأنها لم تكن صبورة. لو بقيا معاً فترة أطولء لريّما كانا 
شرعا شيئا فشيئاً في فهم الكلمات التي ينطقّان بهاء ولريما أخحذت مفرداتهما 
تقترب بحياء وبطء مثل عاشقيّن خجولين للغاية. ولربما بدأت موسيقى كل 


110 


«نهما تنصهر في موسيقى الآخر. ولكن الأوان قد فات. 

أجلء الأوان قد فات. وسابينا تعرف أنها لن تبقى في باريس بل 
ستذهب أبعدء أبعد بكثير. فهي لو ماتت هناء سيقفلون القبر عليها بحجر. 
وهكة وكزة لذ تحتطلييا امرأة لا تعرقت الراقية ولا يريد أنيوقفها حداف 
سعيها . 

11 

كان جميع أصدقاء فرانز على علم بما جرى له مع ماري كلود» 
وعلى علم أيضاً بما يجري له مع طالبته صاحبة النظارة الكبيرة. لكن وحدها 
قصة سابينا بقيت خافية على الجميع. كان فرانز ز مخطنا حين اعتقد أن 
ماري كلود تتحدث عنه أمام صديقاتها. والسبب أن سابينا جميلة وماري - 
0 

لم يسبق له أن طلب منها أية لوحة أو رسم أو حتى صورة شخصية 
لخوفه من أن يفضح أمره. وبذلك. اختفت من حياته دون اننتفرك انرا 
أمضى معها أجمل سنة في حياته ولكن لم يتب منها أي دليل محسوس. 

كان يشعر برغبة متزايدة في أن يبقى مخلصا لها. 

حين يكونان لوحدهما في الغرفة» ترفع صويعة القابة احيانا راشها 
عن كتابها وتنظر إليه نظرة مستجوبة: «بماذا تفكر؟». 

فرانز جالس فى الكنبة وعيناه مسمرتان فى السقف. ومهما يكن جوابه. 
فو ناكد رفك في سابينا.: ٠‏ 

حين ينشر دراسة في مجلة علمية. تكون صديقته أول من يقرأها 
وترغب في مناقشته بخصوصها. أما هو فيفكر في ما ستقوله سابينا عن هذا 
البحث. فكل ما يفعله يفعله من أجل سابينا وبالطريقة التي ترضي سابينا. 

إلهاالهيانة بريلة للثاية ومعدة على مقناس افرانة الذي لا عادر إطلانا 
على الإساءة إلى الطالبة صاحية النظارة . 

إذا كان يُنمّي عبادة سابينا فهذا دين أكثر منه حب. على أية حال. لقد 
جاء في لاهوث هذا الدين أن ترسِل سابينا عشيقته الشابة : فبين حبه الأرضي 
وحبه ما فوق الأرضي يسود وئام تام . وبالمقارنة مع حبه ما فوق الأرضي 
الذي يتضمن بالضرورة (بسبب أنه ما فوق أرضي) جانبا كبيرا من الغموض 


111 


والاستغلاق (فلنتذكر بهذا الخصوص معجم الكلمات غير المفهومة. وتلك 
اللائحة الطويلة من تباين وجهات النظر!) فإن حبه الأرض يستند إلى تفاهم 

الفاللة اكز كر كتير م تايان لاعن جتانينا لا عرال !فى ازلجناة 
وهي ُدخل فيها كل اللوازم الموسيقية التي استعارتها من فرانزء وبعرفان 
جميل. فكما أن فتييوة كز اتنا ز الكبرى نقطة جوهرية في إيمانها. كذلك 
الموسيقى بالنسية لهآ كما بالنسبة له نشوة ديونيسية. :وهما يذهبان رار إلى 
الرقص» يعيشان في الحقيقة ولا شيء مما يفعلانه خافٍ على أحد. وهما 
حعناة الاكسات رد الأفتدقاء وداه والطاكت والمجويلى ساف 
ويشربان ويثرثران معهم بمودة كلية. كما وينطلقان معاً مرات عديدة للذهاب 
بنزهة إلى جبال الألب. ينحني فرانز إلى الأمام فتقفز الفتاة فوق ظهره ويجري 
بها عبر الحقول ملقياً بصوت عالٍ قصيدة ألمانية طويلة كانت أمه قد علّمته 
إباها عيدها كات اضغيرا, تفج غندها الحيية بالضحك وتتعلق برقبته مبدية 
إعجابها بمأبضيه وكتفيه ورئتيه . 

لكن الشيء الوحيد الذي لا يفهمه هو هذا التعاطف الخاصء الذي 
نقدة فرانز في داخله, مع جميع البلدان الرازحة تحت وطأة رياه في 
الذكرى السنوية للاجتياح الروسي. للك نع و اي ا 
بالمناسبة. كان هناك قليل من الناس في الصالة. وكان الخطيب رمادي 
الشعر مجعده عند المزين. كان يقرأ خطاباً طويلاً وينجح في ] ن يجعل خونة 
المتحمسين الآتين إلى سماعه يضجرون. يتكلم الفرنسية دون خطأ ولكن 
بلكنة شنيعة. وهو من وقت لآخر يشهر سبّابته ليؤكد على فكرته. كما لو أنه 
يريد تهديد الناس الجالسين في الصالة . 

الطالبة صاحبة النظارة جالسة إلى جانب فرانز وهي تكتم تثاؤباً. فيما 
فرانز يبتسم بطريقة بلهاء. عيناه شاخصتان إلى الرجل ذي الشعر الرمادي 
والذي يجده لطيفاً بسبابته العجيبة . يقول في نفسه إن هذا الرجل وسيط 
سري, ملاك ينقل الرسائل بينه وبين إلهته. فيغمض عينيه ويحلم . يغمض 
عينيه كما أغمضهما في السابق على جسد سابينا في خمسة عشر فندقاً في 
أوروبا وفندق من أميركا. 


القسم الرابع 
الروح والجسد 


مع شيا تي .. على مودد 


ميك سريواإلن الف دو البداعة النراتجادة والنسقت عا عا + 
فتوجهت إلى غرفة الحمام. ثم ارتدت البيجاما وارتمت على السرير إلى 
جانب توماس. كان نائما. ل ل ل 
اشتمت عند شعره رائحة غريبة . فدسّت منخريها هناك طويلاء تستنشقه مشل 
كلب. وفهمت أخيراً: إنها رائحة لشي رائحة فرج امرأة. 
عند الشباعنة البنادسة »رون المدةي كان هذا وعد امصفاظ كارن 
فهي تصحو دائماً قبلهما بوقت طويل من غير أن تجرؤ على إزعاجهما. كانت 
تنتظر بصبر رنين المنبه الذي يعطيها الحق في أن تقفز على السرير لتركل 
جسديهما وتداعبهما بخطمها . . حاولا في البداية أن يمنعاها عن ذلك 
فطرداها عن السريرء. ولكن الكلبة كانت أكثر عناداً من صاحبيها وفرضت في 
النهاية حقوقها. على أية حال استنتجت تيريزا مؤخرا بأن دعوة كارينين 
لافتتاح النهار. أمر ممتع. لحظة الاستيقاظ بالنسبة لكارينين سعادة خالصة: 
فهي تتعجب بسذاجة بلهاء من أنها لا تزال في هذا العالم فنّسر لذلك 
صراحة . أما تيريزا فتستيقظ غصباً عنها راغبة في إطالة الليل» وفي ألا تفتح 
. الآن. كانت كارينين تنتظر في المدخل وعيناها تنظران إلى المشجب 
حيث كان طوقها ومقودها معلقين. وضعت تيريزا الطوق حول رقبتهاء وذهبتا 
لشراء الحاجيات. اشترت حليباً وخبزاً وزبدة وكالعادة فطيرة لكارينين. في 
طريق العودة. كانت كارينين تنطنط حولها والفطيرة في فمها. لا شك في أنها 


]13 


كانت تنظر حولها بفخر وسرور لأنها تلفت انتباه الآخرين فيشيرون إليها 
بالبنان . 

في البيت» بقيت مترقبة عند عتبة الغرفة والفطيرة ة في فمهاء انتظرت أن 
يلاحظ توماس وجودها فيقرفص بادثاً بالنباح وهقظاهراً بأنه سيأخذ الفطيرة 
ظبار: كان ونا العقهد دجون يزيا ! كان احتعات عضيما عض القفة لد 
حبين :نات إلى أنتحيء كارضن تف الطارلنة وتلتهم بلج البصز 
فطيرتها . 

ولكنها عبثاً اتتظرت هذه المرة الاحتفال الصباحي . كان هناك جهاز 
ترانزستور موضوع على الطاولة. وتوماس يستمع . 


2 


كان الراديورينث 6 خاصاً 0 التشيكيين . ا 
اوجرن ليرجع إلى بلاده, ويزعق 7 هناك. كان بيات يتضمن ترئرات 
تافهة مطعمة من وقت لآخر بكلمات نابية عن النظام المحتل. ويتضمن أيضا 
جملا يتناوب فيها المهاجرون وصف بعضهم بأنهم أغبياء ومخادعون. كان 
البرنامج يشدد على هذه المقاطع بالذات . لأنه كان يجب الإثبات أن أولئكك 
الناس يتكلمون بالسوء ليس عن الاتحاد السوقياتي فحسب (فهذا الأمر لا 
يشجبه أحد من سكان 00 بل اديه أنقنا 0 دون تردد ويشبعولن 
المساء: ل لي 00 تسلمع تند معروفة ومحترمة 0 
جملها بكلمات مثل «إنهم يجعلونني أتغوط). فنشعر بالخيبة رغماً عنا. 

5 وها إنهم يستهلون ببروشازكا!). قال توماس دون أن يتوقف عن 
الاصغاء. 


ارو ا ل ا ار عد او ا 
ثور. بدأ بانتقاد الوضع في بلاده جهاراً قبل 1178 بوقت طويل . كان أحد 


114 


رجال ربع براغ ار ا ٠‏ ربيع براغء ذلك 0 ادح بوم 
كلها صيحة لبجم 0 ريني ولكن كلما كان رك نكاما كان 
حلقات بث أحاديث خاصة لبروشازكاء 0 أرما ل سن لأ في 
ا نر 
أدنى حركة يقومون بهاأ. كان لورفا عار ان مانام دائماً بمبالغاته 
وشتائمه . وها فلا مان دن الإمكان سماع هذه الشتائم في سلسلة حلقات عبر 
الإذاعة . عُبِيَتَ الشرطة السرية. التي نسقت مقاطع هذا البرنامج ‏ بالتشديد 

على المقطع الذي يسخر فيه الروائى من أصدقائه من دوبتشك مثلا. 
وبالرغم من أن الناس لا يفوتون فرصة إلا يشتمون فيها أصدقاءهم. فإنهم مع 
ذلك كانوا ساخطين على بروشازكا الذي يعبدونه أكثر مما كانوا ساخطين على 
الشرطة السرية التي يكرهونها! 
ولكنها فقط في بلادنا تبث تسجيلاتها عبر الإذاعة! شيء عجيب!). 

قالت تيريزا: «ليس إلى الحد الذي تتصور! عندما كنت فى الرابعة 
عشرة من عمري., كنت أكتب يومياتي. وكنت أخاف من أن يقرأها أحد. 
نخباتها في العلية, إلى أن عثرت عليها أمي ذ فى النهاية. وذات يوم »2 ع5 

نحتسى الشورباء أثناء الغداء. ادر خت ومن حبيهنا ركالق: «اسمعوني جيدا 

كلكم!) ثم أخحذت تقرأ يصوت عال . وعند كل جملة تتلوى من فرط 
ا وقهقه معها الجميع ناسين متابعة الأكل». 


3 


كان يحاول دائماً إقناعها في أن تتركه يتناول إفطاره بمفرده. وأن تبقى 
نائمة» ولكنها كانت تعارضص. فتوماس كان يعمل من الساعة السابعة حتى 
الرابعة» وهي من الساعة الرابعة حتى منتصف الليل. وإذا لم يتناولا الإفطار 


15 


سوية. فمعنى هذا أنهما لن يستطيعا التحدث إلى بعضهما حتى يوم الأحد. 
كانت تنهض إذا حين ينهضء ثم حين يذهب تعود لتندس في السرير وتغفو. 

ولكنها كانت خائفة. في ذلك النهار بالذات. من أن تعود للنوم ثانية . 
فهي تريد الذهاب عند الساعة العاشرة إلى حمامات السونا في جزيرة صوفيا. 
كان هناك الكثير من الهواة والقليل من الأمكنة. ولم يكن في المستطاء 
الحعتول على ؟مكان: [لأايتفين' افيد الحطين لظ كاك أفينة المتدون 
زوجة أستاذ مطرود من الجامعة» والأستاذ صديق لمريض قديم عند توماس. 
تكلّم توماس مع المريض ثم تكلّم المريض مع الأستاذء والأستاذ مع زوجته 
فحصلت تيريزا أخيراً على مكان محجوز لها مرة في الأسبوع . 

ذهبت سيراً على الأقدام تحاشياً للقطارات المزدحمة دوماً حيث يتدافع 
الناس ملتصقين بعضهم ببعض بعدائيّة. ويدوس. بعضهم أقدام البعض 
ويتنازعون أزرار المعاطف ويتبادلون الشتائم . 

كانت السماء تمطر رذاذاً. فأخبذ المارّة يسرعون الخطى رافعين فوق 
رؤوسهم مظلاتهم المفتوحة. وفجأة بدأوا يتدافعون على الأرصفة. كانت 
قبب المظلات تتصادم . كان الرجال مؤدبين لدى مرورهم قرب تيريزا فيرفعون 
مظلاتهم عاليا ليفسحوا لها المجال. امنا السام فل يكن يدق فيل اتملة: 
بل كن ينظرن أمامهن بوجوه قاسية. وينتظرن أن تعترف كل واحدة منهن 
للأخرى 0 الأضعف فترضخ . كان لقاء المظلات يتحول إلى امتحان 
للقوى. في. أول الأمرء كانت تيريزا تحيد عن الطريق. ولكن حين فهمت أن 
أدبها لم يكن يقابل بالمثل» تسلّحت بمظلتها مثل الأخريات . مرات عديدة 
اصطدمت مظلتها بعنف بمظلة قادمة في اتجاهها ولكن أيَاً من النساء لم تكن 
تعتذر. كان يجري كل ذلك وسط الصمت. لمرتين أو ثلاث. سمعت فقط: 
«عاهرة !») أو دتفة!». 

كان هناك بين النساء المسلحات صبايا وناضجات. ولكن الصبايا كن 
الأكثر ضراوة في القتال. كانت تيريزا تتذكر أيام الاجتياح» حين كانت الفتيات 
يرتدين تنانير قصيرة ويرحن ويجئن رافعات علم بلادهن على عصيّ. كان 
تصرفهن هذا أشبه بمداهمة جنسية للجنود الروس المجهزين لعدة سنوات من 


116 


العفة. لا بد أنهم كانوا يخالون أنفسهم في براغ موجودين على كوكب 
اخترعه كاتب خيال علمي » على كوكب مسكون بنساء ء أنيقات فوق العادة 
ويعبرن عن احتقارهن عارضات سيقاناً طويلة رشيقة لم تشهد روسيا بأكملها 
لها مثيلا منذ ما يربو غلى خمسة أو ستة قرون. 

خلال تلك الأيام, النقطك عورا ل تحضى ليؤلاة النيناة الكباناتة» 
على خلفية من الدبابات. كم كانت معجبة بهن آنذاك! ولكنها اليوم» ترى 
هؤلاء النساء بالذات يتقدمن للقائها مشاكسات وشريرات. كن يرفعن مظلة 
بدل العلم ويحملنها بالتفاخر نفسه. كن على تعدا لآن يحابهن 'جيشنا 
احنيا والعظلة التي ترفض الإفساح للمرورء بالضراوة ذاتها. 


4 


بلغت ساحة «المدينة القديمة» حيث تنتصب كاتدرائية «ثيْن) الصارمة 
والنبرت البازوكية المنظية وفنا لمريهات عقر ساون كان شق المديية: 
الذي يعود إلى القرن الرابع عشر والذي كان يحتل في الماضي يها كيرا 
من البناحة ع كيدها منذ سبعة وعشرين عاماً . إن فرصوفيا ودريسد وكولونيا 
وبودابست وبرلين» كل هذه المدن تغيرت معالمها بشكل مريع أثناء الحرب 
الأخيرة. ولكن سكانها أعادوا بناءها وترميم الأحياء التاريخية بشغف وعناية 
فائقة. كانت هذه المدن تثير في سكان براغ عقد نقص . فالمبنى التاريخي 
الوحيد الذي هدمته الحرب في مدينتهم هو فندق المدينة 0 هذا. لذلك 
9 الاحتفاظ إلى الأبد بأنقاضه خائفين من أن يلومهم أي بولوني أ و ألماني 
على أنهم لم يعانوا بما فيه الكفاية. أمام هذه الخرب الشهيرة التي يفترض 
بها أن تبقى إلى الأبد شاهد اتهام ضد الحرب, كانت ترتفع منصة مصنوعة 
من العوارض الحديدية ومبنية من أجل التظاهرة التي اقتاد إليها الحزب 
الشيوعي في الأمس شعب براغ أ و سيقتاده عدا 


كانت تيريزا تنظر إلى فندق المدينة المتهدم فذكرها هذا المشهد فجأة 
بأمها: رغبتها الشاذة فى أن القاحي ل ب وفي أن تتباهى 
بقباحتها وتلوح ببؤسها وتكشف عن جدعة يدها المبتورة وتجبر الجميع على 


117 


النظر إليها. . كان كل شيء في هذه الأيام الأخيرة يذكرها بأمهاء فكأنٌ العالم 
الأمومي الذي أفلتت منه من عشرات السنين يلحق بها ويطوقها من جميع 
الجهات. من أجل هذا تحدثت أثناء الإفطار عن أمها التي قرأت يومياتها 
تلعائلة فالفحرت' الأخيرة بالشحك رعماعنها. كذلك» حين يُذاع حديث بين 
الأصحاب أمام كأس نبيذ على الملأ عبر الراديوى فهذا لا يعني إلا شيئا 
واحداً: العالم يتحول إلى معسكر اعتقال. 

كانت تيريزا تستعمل هذه العبارة منذ طفولتها لتعبّر عمًا كانت تعني لها 
الحياة بين العائلة. فمعسكر الاعتقال هو عالم حيث نعيش باستمرار الواحد 
فوق الآخرى لياذ وتهارا. أما أعمال القساوة والعنف فترتدي طائغاً اويا (وغير 
ضروري البتّة). ذلك أن معسكر الاعتقال هو التصفية النهائية للحياة 
الخاصة. فبروشازكاء الذي لم يكن في مأمن حتى وهو في بيته يتحدث إلى 
صديقه أمام كأس من النبيذ كان يعيش (من غير أن يرتاب للأمر وهنا يكمن 
خطؤه الفادح!) في معسكر اعتقال. وتيريزا أيضاً كانت تعيش في معسكر 
اعتقال عندما كانت تقيم عند أمها. وهي منذ ذلك الحين تعرف أن معسكر 
الاعتقال ليس شيئا استثنائيا ولا يفترض به أن يفاجئناء إنما هو معطى بديهي 
وأساسي , إنه شيء نأتي معه إلى العالم دون أن نتمكن من التخلصص منه, إلا 
إذا استعنا بالحد الأقصى من قوانا كلها. 


كانت النساء جالسات على ثلاثة مقاعد متدرجة وهن ملتصقات 
بعضهنْ ببعض إلى حد التلامس . ثمة امرأة في الثلاثين من عمرهاء جميلة 
الوجه للغاية» كانت تتصبب عرقاً إلى جانب تيريزا. كان ثدياها الضخمان 
الهائلان يتدليان في أسفل كتفيها ويهتزان لدى أدنى حركة تقوم بها. عندما 
نهضت.» لاحظت تيريزرا أن ودفييا :أيه كا ناا وي مد 0 
علاقة لهما بوجهها. 

ربما هذه المرأة أيضاً تقضي ساعات طوالاً أمام المرآة وهي تتأمل 
جسدها محاولة أن ترى روحها تشف من خلاله. كما تحاول تيريزا منذ 


16 


الطفولة. . من المؤكد أنها هي أيضاً اعتقدت في الماضي», لحماقتهاء أن 
جسدها يمكن أن يكون شعار النسب لروحها. ا 0 


الروح التي تشبه مشجباً بأربعة جيوب؟ 

نهضت تيريزا لتغتسل نحت المرشة . ثم خرجت لتتنشّق الهواء . كانت 

تراك تمطر رذاذاً . . كانت على زورق تجسير مرمي على بُعد بضعة أمتار 

مربعة من الفلتافاء خلف ألواح خشبية عالية تحمي السيدات عن أبصار 
ا عندما حنت رأسهاء رأت فوق صفحة الماء. وجه المرأة التي كانت 
تفكر فيها منذ قليل . 

كانت المرأة تبتسم لها. كان أنفها دقيقاً وعيناها كستنائيتين واسعتين 
ونظراتها طفولية . 

كانت ترتقي السلم فظهر تحت وجهها العذب خرجاها اللذان يرتجان 
ويقذفان حولهما فقاقيع ماء باردة. 


ذهيت لارتداء ثيابها . كانت أمام مرآة كبيرة . 


0 
لة: لم اا جب ماسب له د لم خلس منه ل مغل 
3 0 ال 0 
0 كاملا 1 0 للنظر ولا 00 
تبرزان من قبة نهديها . ولونهما بالكاد سيكون متمايزا عن لون بشرتها. . 
يخيّل إليها ل 
يقوم برسوم فاحشة للمعوزين. 


(#) السواد حول حلمة الندي . 


119 


قوع سر يكنا سائلة عن يندت نينا لوطال افوا سليكر 
في كل يوم؟ كم سيستغرق الوقت حتى يصبح وجهها غير معروف؟ 

وماذا لو شرع كل جزء من جسدها في الكبر أو ة فى الصِغر إلى درجة 
نفقده معها كل شه تبريزاء هل سنظل يحي نفسها؟ تقل سشقى تريزا؟ 

بالتأكيد . فحتى لو افترضنا أن تيريزا لم تعد تشبه تيريزا بة بشىء» فإِن 
روحها في الداخل ستبقى مع ذلك هي هي دائماً وليس بإمكانها إلا أن تتأمل 
برعب ما يحدث للجسد. 

لكن عندهاء أي صلة تعود تربط تيريزا بجسدها؟ هل سيكون لجسدها 
حق ما باسم تيريزا؟ وإذا لم يكن له هذا الحق. “فإلن من يشب إذا هذا 
الااسم؟ إلى مجرد شيء غير جسدي وغير مادي . ٠‏ 

(هذه هي الأسئلة ذاتها التي تجول في رأس تيريزا منذ الصغر. ذ 
لأن الأسئلة الهامة حقاً همي تلك التي يصوغها طفل. وحدها الأسئلة الساذجة 
هي الأسئلة الهامة فعلً. تلك الأسئلة 00 إن سؤالاً دون 
جواب حاجز لا طرقات بعده. وبطريقة أخرى: الأسئلة التي تبقى دون 
جواب هي التي تشير إلى حدود الإمكانات الإنسانية» وهي التي ترسم حدود 
وجودنا) . 

تيريزا جامدة ومفتونة أمام المرآة. تنظر إلى جسدها وكأنه غريب عنها 
ومُقَرر مع ذلك لها هي دون غيرها. وهو ينفرها إذ لا يملك القدرة لأن يصير 
الجسد الرحكة ف بعاة فوياض» لقد خيّبها هذا العين وعتانهنا ليله 
بكاملهاء اكرت عن أن تشتمٌ عبر شعر توماس رائحة حميمة لامرأة ة أخرى. 

شعرت فجأة برغبة في أن تصرف هذا الجسد كما يصرف المرء 
خادمه. فى ي آلا تكون مع توماس إلا بالروح وأن تطرد الجسد بعيدأ كي 
فشر ها تتصرف سائر الأجساد الأنشوية مع الأجساد الذكورية! بما أن 
جسدها غير قادر على أن يصير الجسد الوحيد لتوماس. وبما أنه خسر بالتالي 
المعركة الكبرى في حياة تريراء: إذا! فليذهت بعيدا هذا الحسد! : 


]20 


7 


رجعث إلى المنزل ثم تناولت غداءها واقفة في المطبخ دون شهية. 
نحو الساعة الثالثة والنصف. وضعت المقود لكارينين وتوجهت إلى الفندق 
الموجود في حي من الضواحي حيث تعمل . عندما سرّحوها من عملها في المجلة. 
وجدت لها عمال آخر. ساقية في حانة.» حدث ذلك بعد رجوعها من زوريخ 
بأشهر قليلة. والسبب أنهم لم يغفروا لها قيامها بالتقاط صور للدبابات 
الروسية خلال الأيام السبعة. حظيت بوظيفتها الجديدة بمساعدة بعض 
الأصدقاء وهم أناس كانوا خسروا عملهم في الوقت نفسه فالتجأوا إلى الحانة 
مثلها. كان هناك عند صندوق المحاسبة أستاذ سابق فى اللاهوث. وفى غرفة 
الامعتا شين عابو ْ ْ 
السابق كخادمة مقهى في الريف, كانت ترتعب لمرأى بطات سيقان زميلاتها 
المكسرة بالدوالى.ه كان هنذا" المرقن يميت عتميم النعالة اللراتي يمضيق 
حياتهن ماشيات أو راكضات أو واقفات وفي أيديهن أحمال ثقيلة. أما العمل 
هنا فكان أقل إجهاداً من عملها السابق في الريف. قبل شروعها في الخدمة, 
كان ينبغى عليها أن تحمل بضعة صناديق ثقيلة من البيرة والمياه المعدنية. 
ولكنها كانت تقضي بقية الوقت واقفة وراء طاولة الشرب تسكب الكحول 
للزبائن. أو تنظف بين الحين والآخمر الأقداح في مجلى صغير موجود في 
عمق الحانة. وكانت كارينين تبقى مضطجعة بأناة عند قدميها طيلة وقت 
الخدمة . 

كان قد خل مخضت اليل عنسدما أنهت سناباتها واحذت المبال إلى 
مدير الفندق. ثم ذهبت لتودع السفير الذي كان يخدم أثناء الليل. كان هناك 
خلف طاولة الشرب الطويلة في غرفة الاستقبال باب يؤدي إلى غرفة صغيرة 
ع سكع للد ان متف د لتاقن عي كانت هناك على الجدران 
صور مبروزة: حيث نرى السفتن دالهنا وسط أناس يبتسمون للكاميراء أو 
يصافحونهء أو يجلسونه قربه ليوقعوا على شيء ما. وفي صورة موضوعة في 
الواجهة. نرى قرب وجهه وجه جون. ف. كنيدي وهو يبتسم . 


121 


لم يكن يتحدث هذا المساء إلى رئيس الولايات المتحدة. بل إلى 
رجل ستيني مجهول التزم الصمت فجأة لدى رؤيته تيريزا. 

قال ا «هذه صديقة . 2 عا ثم 
00 

03 2 4 4 

اخبرت بأن ابن الرجل الستيني كان خلال أيام الاجتياح يراقب بمعية 
أصدقاء له مدخل أحد المبانى التى تمركزت أمامها وحدة تابعة للجيش 
البروسي.. :ممالا شك فيه أن« التشيكيين الذين كانوا يحرشون من المبض »: 
مخبرون لصالح الروس . كان يتعقبهم مع زملائه ويسجل الرقم العدائي 
لسيارتهم ويعطيها لمحرري محطة تشيكيّة سرية كانت تعمل على إنذار 
الشعب. وقد حدث له أن ضرب أحدهم بمساعدة أصدقائه . 

كان الستيني يقول: «استطاع إنكار كل التهم إلى أن أروه مذه 
الصورة. فهذه الصورة هي وحدها الدليل الحسّي». 
ثم أخرج من جيب سترته ورقة مقتطعة من إحدى الصحف وقال: 
«نشرت هذه الصورة في جريدة التايمز في خريف .)١958‏ 

كان هناك في الصورة شاب يمسك شخصاً من عنقه وحوله أناس 
يراقبون . وكتب في أسفل الصورة: عقاب لمتعاون مع العدو. 

أحست تيريزا بحمل ينزاح عنها. لاء لم تكن هي التي التقطت هذه 
الصورة . 

رجعت إلى بيتها مع كارينين عبر شوارع براغ السوداء . كانت تفكر في 
الأيام التي التقطت فيها صوراً للدبابات: لكم كانوا تدخا كلهم! كانوا 
يعضو أنهم ا بحياتهم من أجل :وطنهم» » فيما هم كانوا يعملون. 

وصلت إلى البيت في الساعة الود والنصف. كان توماس نائماً منذ 
وقت طويل. ومن تعره كانتا شرج رائسة القزية» رائحة فرج . 


]02 


8 


ماهو الإغراء؟ يمكننا أن نقول بأنه تصرف يلمّح إلى أن المقاربة 
الجنسية ممكنة. ولكن من دون أن يجعل هذه الإمكانية تبدو على أنها يقين. 
وبكلمة أخرى: الإغراء هو وعد غير مضمون بالجماع . 

ها إِنْ تيريزا واقفة وراء طاولة الشرب, والزبائن الذين تقدم لهم 
الشراب يتغزلون بها. أوَ تجدُ هذا السيل المتدفق من عبارات الإطراء 
والكلمات المبطنة والنكات الفاحشة والدعوات والابتسامات والنظرات» أمرا 
مستكرهاً؟ لا. إطلاقاً. بل تشعر برغبة لا تقاوم في منح جسدهاء (هذا 
الجسد الغريب الذي تود لو تطرده بعيدا) منحه لارتداد الأمواج هذا. 

يحاول توماس إقناعها دون توقف بأن الحب والجنس عالمان مختلفان . 
وهي كانت ترفض القبول بذلك. ها هي الآن محاطة برجال لا يثيرون فيها 
أي إعجاب . تُرى ماذا سيؤثر فيها لو أنها تضاجعهم؟ إنها تشعر برغبة في 
المحاولة حتى وإن كان هذا تحت شكل الوعد غير المضمون للإغراء. 

يجب ألا نسيء فهم الأمر: هي لا تفتش عن الإنتقام من توماس وإنما 
تفتش عن منفذ للخروج من المتاهة. وهي تعرف أنها حمل ثقيل عليه لأنها 
تأخذ الأمور كثيراً على محمل الجد وتحوّل كل شيء إلى مأساة» ولا تتوصل 
إلى فهم خفة العلاقات الجنسية وتفاهتها السعيدة. كانت تود أن تتعلم 
الخفة! كانت تود لو أن أحداً يعلّمها كيف لا تكون «مبطلة العهد!». 

إذا كان الأقراء بافسة كلساء الأغريات طبيعة ثانية وزوتينا دون 
معنى» فإنه بالنسبة لها حقل تجارب هام يجعلها تكتشف ما هي قادرة عليه. 
ولكن بما أنها تولي الإغراء أهمية وجدية كبيرتين» فإنه يفقد عندئذ كل خفة 
ليصير متكلفاً ومصطنعاً ومفرطاً. فيصير التوازن بين الإيحاء وبين غياب 
الضمانة مفقودا. (وهنا بالذات تكمن البراعة الحقيقية في فن الإغراء!). 
فهي من التسرع حين تَعِدُ بحيث تظهر بوضوح أن وعدها هذا لا يلزمها 
بشيء . وبكلمة اخرى, الجميع يعتبرونها سهلة للغاية. ثم إن الرجال يسعون 
وراء إكمال ما كانت أوحت لهم به.» فيصطدمون بمقاومة مفاجئة لا يمكنهم 
أن يفسروها إلا نابعة من قساوة تيريزا المرهفة. 


23 


0 

جلس مراهق في السادسة عشرة من عمره على مقعد فارع أمام طاولة 
الشرب. . ثم أخذ يتفوه بجمل مثيرة تنزل في الحديث كما ينزل خط مغلوط 
في في الرسم فلا يمكن متابعته ولا محوه. 

قال لها: «ساقاك جميلتان». 

فاعترضتٌ: «كأننا نراها عبر خشب طاولة الشرب!). 

وأوضح الفتى : «ولكني أعرفك . أراقبك في الشارع». 

ولكن تيريزا كانت ابتعدت للاهتمام بزبائن آخرين. أمرها بكأس 
كونياك فرفضت. 

فاعترض المراهق : «ولكني بلغت لتوى القمانيةا عشرة , 

أو :إذا لافتاف الشخصسة" 

فردٌ المراهق : 

لا مجال. 

ماحني! حل لمعو ناقية 1 

ثم دون أن ينبس بكلمة. نهض عن مقعذه وخرج . ثم رجع بعد زهاء 
نصف ساعة للجلوس أمام طاولة الشرب. أخذ يومىء بحركات كثيرة ورائحة 
الكحول تفوح من فمه عن بعد ثلاثة أمتار. 

«ليموناضة !). 

قالت: 

00 
0 النامة اعشرك 7 

ثم قال وهو يشير إلى تيريزا بحركة عظيمة من يده: ويُحظر عليك أن 


124 


أسكر) . 

أين فعلت بنفسك هذا؟ سألت تيريزا. 

فى الحانة المواجهة. ثم أطلق ضحكة طويلة» وطلب من جديد 

«ولماذا لم تبقّ هناك إذاً؟». 

قال المراهق : «لأنني أريد أن أنظر إليك. أحبك) . 

عق رولك :الشعن ويه يشكل عزبية الم تكن تقهم : أعوريهرا 
بها؟ أم يمهّد لصداقتها؟ هل فى الأمر ألعوبة ما؟ أم أنه ببساطة كان سكران 
ولا يعرف ماذا يقول؟ 
يبدو أن كلمة وأحبك» قد أنهكت المراهق. لأنه لم يقل شيئا بعذدها. بل 
وضع دون ضجة المال على الطاولة وانسحب دون أن تلاحظ تيريزا: 

ما إن خرج حتى بادر بالكلام رجل أصلع قصير كان يتشاول كأسه 
الثالثة: ويا سيدة. تعرفين أنه لا يحق لك تقديم الكحول لمن هم تحت 
السن؟). 

2 2 14 

«ولكنى لم اقدم له كحولا! أخذ كوبا من الليموناضة!). 

حدرافت يدا ناذا كتف له فى اللسودافنة! 

ماذا تقول! هتفت تيريزا. 

فأمرها الأصلع : «(كأس فودكا أخرى). ثم أضاف : «منل فترة طويلة وأنا 
أراقبك) . 

عندئذ تدخل رجل طويل القامة كان اقترب من طاولة الشرب ورأى 
المشهد بكامله: 

سينا اعد تفساف ميحخطرظا أنه قي لتك النظن إن اميادة 
جميلة واقفل فاك!). 


فصرخ الأصلع : «أنت ما دخلك فى الأمر! هذا شي ء لا يعنيك!). 


فسأل الرجل العملاق: «وهل تستطيع أن تشرح لي ما دخلك أنت في 
هذا؟). 


قدّمت تيريزا كأس الفودكا التي كان الأصلع قد أمرها بها. فشربها دفعة 
واحدة. ثم دفع الحساب وخرج. 

قالت تيريزا للرجل طويل القامة : «أشكرك) . 

فقال الرجل الطويل: «ليس هناك ما يستوجب الشكر». ثم خرج 
بدوره. 

10 000000 

بعد أيام قليلة» ظَهّر في الحانة من جديد. عندما رأته. ابتسمت له 
وكأنه صديق : «يجدر بي أن أشكرك مرة ثانية» ذاك الأصلع يأتي إلى هنا 
غالباء وهو ثقيل الدم بشكل لا يطاق». 

لا تفكري فيه . 

لماذا كان يريد الإساءة إلى في ذلك اليوم؟ 

حت لنت إلا سكير أطلت كنك مز فائية "لا لفكري: فيه: 

بما أنك تطلب مني ذلك. فلن أفكر فيه بعد الآن. 

نظر الرجل فارع الطول في عينيها: ((يجب أن تعديني بذلك». 

أعدك. 

فقال الرجل وهو لا يكف عن النظر في عينيها: «يسعدني أن أسمعك 
تعدينني بشيء مأ) . 

كان الموقف فى منتهى الإغراء: هذا التصرف الذي يوحي بإمكانية 
المقاربة الجنسية حتى ولو بقيت هذه الإمكانية نظرية بحتة ودون ضمانة . 


126 


«كيف حدث أنه أمكن الالتقاء بامرأة مثلك فى الحى الأكثر رداءة في 
براغ؟). 
-_- «وأنت؟ ماذا تفعل في الحي الأكثر رداعة في براغ؟). 


فقال لها إنه يسكن على مسافة ليست ببعيدة من هناءٍ وإنه يعمل 
مهكلشاء وإنه توقف هنا صدفة في المرة #الساقة عند كان زاجعا من عسلة: 


11 

كانت تنظر إلى توماس. لكن نظراتها لم تكن موجهة إلى عينيه. بل 
إلى فوق على مسافة عشرة سنتمترات» إلى شعره الذي كانت تفوح منه رائحة 
فرج امرأة أخرى. 

قالت: «توماس. لم أعد أقدر. أعرف أن لا حقٌّ لي في التشكي. مذ 
00 أحظر على نفسي الغيرة , الا أونك أن أكون غيورة. 
ولكني لا أستطيع أن أن أمنع نفسي عن ذلك. لا قدرة لي. ساعدني, أرجوك». 

فتأبط ذراعها واقتادها إلى حديقة صغيرة عامة حيث كاننا يذهبان مراراً 
من سنوات . كانت هناك فى هذه الحديقة مقاعد: زرقاء وصفراء وحمراء. 
عندما جلساء قال توماس لها: 

(الجداة:واعر ف اها ريدي لقددريث كز تنيت :غلك الآن أن 
تذهبي إلى «مون ‏ دو- بيير -)»). 

وللحال تآكلها القلق: «إلى «مون ‏ دو بيير»؟ لكن ماذا علي أن أفعل 
في «مون ‏ دو- بيير)؟). 

«ستصعدين إلئ 5 وعندها ستفهمين؟ )2 . 
على مغادرة المقعد. 50 4 د عا عل مخالفة ارقا 
فبذلت جهدها لتنهض . 


استدارت . كان لا يزال جالساً على المقعد ويبتسم لها بسعادة تقريباً. 


107 


ثم أشار لها بحركة من يده لكي يشجعهاء دون شك . 
يبكدم 
عندما وصلت إلى «مون ‏ دو- بيير») وهي تلة خضراء تنتصب في وسط 
براغ. لاحظت مذعورة أن لا أحد هناك. كان الأمر يثير الاستغراب فهناكء 
دائما جموع من براغ تتوافد عادة إلى المكان وفي أي ساعة كانتء للتنزه. 
أحست بالقلق ينهش قلبها. ولكن الممرات كانت ساكنة إلى حدٍ بعيد؛ وكاد 
هذا الصمت يبعث على الطمأنينة» فأقلعَتَ عن المقاومة واستسلمت بثئقة 
لذراعى التلة. كانت تصعد إلى فوق متوقفة من وقت لآخر لتستدير إلى 
الوراء. كانت ترى تحتها أبراجاً وجسوراً كثيرة. كان القديسون يلوّحون 
بقبضاتهم وعيونهم الحجرية محدقة في الغيوم. كانت هذه أجمل مدن 
العالم . 
بلغت أعلى التلة. وراء الأكشاك حيث يبيعون عادة مرايا ويطاقات 
تذكارية وخزفاً مبرغلاء (كان البائعون متغيبين فى ذلك اليوم) تمتد مرجة 
خضراء فسيحة الأرجاء ومغروسة بأشجار قليلة. . لمحت هناك بضعة رجال. 
كانوا يجمدون قليلاًء ثم يروحون ويجيئون ببطء متناو» أشبه بلاعبي غولف 
يتفحصون الحفرة ثم يرجحون العصا بأيديهم لكي يحضروا أنفسهم قبل 
الشروع في المباراة . 
وصلت في النهاية بمحاذاتهم. كانت واثقة من أنها تعرف ثلاثة من بين 
الرجال الستة. أتوا إلى هنا لكي يقوموا بالدور نفسه الذي تقوم به هي : كانوا 
مرتعبين. كانوا وكأنهم راغبون في طرح أسئلة لا تحصى ولكنهم آثسروا 
السكوت خشية الإزعاج ونظروا حولهم نظرات حائرة. 
أما الرجال الثلاثة الآخرون فكانوا يفيضون طيبة وتسامحاً. كان أحدهم 
يمسك بندقية في يده. حين لمح تيريزا أشار لها بابتسامة قائلا: «أجل. 
هنا . 


حيته بانحناءة من رأسها وأحست بضيق هائل . 


18 


أضاف الرجل : (احتى نتفادى الخطل هل هذه «رغبتك» فعلاً؟». 1 

كان سهاكٌ أن تقول له: ولا هذه ليست رغبتي»» ولكن خيانة ثقة 
توماس أمر غير وارد. إذ بأية حجة ستتذرع عندما تعود إلى البيت؟ فقالت 
عندئذ : : «أجلء, طبعاً. هذه رغبتي»). 

كان الرجل حامل البندقية يتابع: «يجب أن تفهمي لأية غاية أطرح 
عليك هذا السؤال. نحن لا نفعل هذا إلا إذا كنا واثقين من أن الذين يأتون 
إلينا قد قرروا بأنفسهم دفلا أن يموتوا. هذه خدمة نؤديها من أجلهم) . 

نظر إلى تيريزا نظرة حائرة» فتوجب عليها مرة أخرى أن تؤكد لهم : 

(نعم» اطمئن! هذه رغبتي). 

سألها: 

داهل تريدين أن تكوني البادئة؟) . 

فأرادت أن تؤجل الإعدام ولو للحظات قليلة . 

«لاء أرجوك. لا. أريد أن أكون الأخيرة. لق امت 

«كما تشائين). أجاب الرجل ثم مضى باتجاه الآخرين. لم يكن 
بعاؤتاة بخيلان احا بل كانا هناك للاهتمام بالناس الذين يريدون 
ال 000 من م اام 9 0 ا مساحة 


يختاروا 0 ة التي تعجيهم. و اي ل 
الاختيار. وفى النهاية اختار اثنان منهم شجرتي دلب لكن الشالث كان يبتعد 


اكثر فأكثر دون أن يعثر على أية شجرة تناسب موته. وكان المعاون الذي 
يتأبط ذراعه برقة. يرافقه بأناة دون أن ينفد صبره. ولكن الرجل في النهاية لم 
بعد يقوى على التقدم فتوقف أمام شجرة قيقب كثيفة الأوراق. 

عصب المعاونان أعين الرجال الثلاثة . 

كان هناك فوق المرجة إذاً ثلاثة رجال متكثين إلى ثلائة جذوع أشجار 
وكل واحد منهم معصوب العينين ورأسه باتجاه السماء. 


129 


سدّد الرجل حامل البندقية وأطلق النار. عدا أصوات العصافير لم تكن 
هناك أية ضجة . كانت البندقية مزودة بكاتم للصوت . كان بالإمكان فقط رؤية 
الرجل المتكىء إلى شجرة القيقب وقد بدأ يتهاوى . ْ 

ودون أن يبتعد الرجل حامل البندقية عن مكانه, استدار في اتجاه آخر 
فانهار الرجل المستند إلى شجرة الدلب بدوره وسط صمت : ولحظات 
قليلة (كان الرجل البندقية يدور على عقبيه ملازما مكانه) وسقط المرشح 
الثالث للإعدام هو أيضا على العشب. 


لللللسسسسمسميسشيمة 


13 





اقترب أحد المعاونين من تيريزا دون أن ينبس بكلمة. كان يحمل في 
يده عصبة زرقاء داكنة . 


فهمت أنه يريد عصب عينيها . هت رأسها وقالت: ولا أريد أن أرى 


كل شيء) . 


لكن لم يكن هذا هو السبب الحقيقي لرفضها. فهي لم تكن قط شبيه 
بالأبطال الذين صمموا بشجاعة على النظر في أعين مُعدِميهم. بل وإنمف 
كانت فقط محاولة منها لتأجيل موتها. إذ ميل إليها أنها ما إن تعصب عيناه 
حتى , تكون قد دخلت إلى غرفة انتظار الموت. من غير أمل في الرجوع . 


لم يحاول الرجل معارضتها ثم أخذها من ذراعها. كانا يمشيان على 
المرجة الفسيحة دون أن تتمكن تيريزا من أن تقرر أية شجرة ستختار. ثم أن 
لا أحد كان يجبرها على الاستعجال. لكنها كانت على يقين أنها لن تتمكز 
من الخلاص في جميع الأحوال. رأت أمامها شجرة كستناء مزهرة. 
فاقتربت. ثم استندت إلى الجذع ورفعت رأسها: فرأت الأوراق يخترقه 
شعاع الشمس». وسمعت في البعيد المدينة تدمدم بخفوت وعذوبة مثل 
صوت ألف كمان. 


رفع الرجل بندقيته . 


1030 


بدأت شجاعتها تخونها. كانت يائسة من ضعفها ولكحتها ام ب.. فح 
السيطرة عليها. فقالت: «لا! ليست هذه رغبتي». 

فأخفض الرجل للحال أستون البندقية وقال بهدوء كلي : «ما دامت هذه 
ليست رغبتك» لا يمكننا والحالة هذه أن نقوم بهذا. ليس لنا الحق في 
ذلك)». 

كان ضيوه ودودا وكأنه يريد أن يعتذر من تيريزا لعدام قدرته على التنفيذ 
ما لم تكن هله رغبتها. كان هذا اللطف يمزّق قلبها فألقت رأسها على جاع 
الشجرة وشهقت بالبكاء . 





14 





كانت تعانق الشجرة وجسدها يختلج من البكاء. ركان هذه التمجرة لم 
تعد شجرة وإنما صارت أباها الذي فقدته أوجدّها الذي لم تعرفه» أو أبا جذهاء 
اراق حدهاة رجل انا موعلا في القدم» آنياً من أعمق أعماق الزمن ليمد لها 
وجهه عبر قشرة الشجرة الخشنة . 

استدارت . كان الرجال الثلاثة قد ابتعدوا وهم يروحون ويجيئون على 
المرجة؛ شبيهين بلاعبي غولف . ذلك أن البندقية التي في يد الرجل المسلح 
تذكر كثيراً بعصا الغولف . 

هبطت ثانية ممرات «مون - دو- بيير» متحفظة في داخلها بالحنين إلى 
الرجل الذي كان سيُطلق عليها النار ولم يفعل. اشتاقت إليه. فهي كانت 
بحاجة لأحد ما يساعدهاء في نهاية الأمر! وماس لم يكن يود مساعدتها. 
توماس أرسلها إلى الموت . وحدَّه رجل آخر بإمكانه أن يساعدها! 

فنع كل وطن التزية تنم بالجحرن انق أجل هنذا الرجس» 
ويزداد خوفها من توماس . هو لن يغفر لها إخلالها بوعدهاء ولن يغفر لها 
تخاذلها وخيانتها له. كانت قد وصلت إلى الشارع حيث يسكنان» وكانت 
تعرف أنها سترآه بين دقيقة وأخرى ...وإذ فكرت بذلك» ذاهمهنا خوف ديه 
إلى درجة أحسّت معها بتشنح في معدتها وبرغبة في التقيؤ. 


] 31 


5 

كان المهندس قد دعاها إلى زيارته ورفضت لمرتين على التوالي. 
لككنها عذة المرة قيلت 

تناولت غداءها كالعادة واقفة فى المطبخ. ثم خحرجت. كانت الساعة 

كانت تقترب من مكان سكنه فأحسّت عندئذ بساقيها تبطآن من تلقاء 
ذاتهما. 

ثم فكرت أن توماس هو من أرسلها إلى هذا الرجل. ألم يكن يمضي 
بساطة أن تؤكد نظريته. كانت تسمع صوته يقول لها: «أفهمك وأعرف ماذا 
تريدين. لقد رتبت كل شيء. ستصعدين إلى فوق وستفهمين». 
قهوة. فقط الوقت لتكتشف ما معنى أن تتقدم حتى حدود الخيانة. كانت 
تريد أن تدفع بجسدها باتجاه هذه الحدود وأن تتركه هناك لحظة. كما على 
عمود التشهير. ثم حين يحاول المهندس أن يضمها بين ذراعيه ستقول له كما 
قالت للرجل صاحب البندقية في «المون ‏ دو بيير): (لاء لا! ليست هذه 
رغبتي ). 

وعندها سيّخفض الرجل أستون بندقيته ويقول بصوت عذب: «إذا لم 
تكن هذه رغبتك. لاي يمكننا والحالة هذه أن نقوم بهذا. ليس لنا الحق في 
ذلك». 

وستلتفت عندها إلى جذع الشجرة وتشهق بالبكاء . 


16 
كانت البناية تعود إلى بداية القرن وتقع في ضاحية عمالية في براغ. 


132 


الذي يحيط به درابزين حديدي. تؤدي إلى الطابق الأول. استدارت إلى 
الشمال» على الباب الثاني حيث لا يوجد لا اسم ولا جرس. قرعت . 


كان المسكن بكامله يتألف من غرفة واحدة تقسمها ستارة على بعد 
مترين من الباب لكي توحي بأن هذا مدخل. جييث يوك طاولة وموقد وبراد. 
ولجت إلى الداخل فلاحظت قبالتها مستطيل النافذة العمودي في نهاية الغرفة 
الضيقة والممتدة طول . في جهة. كانت هناك مكتبة. وفى جنهة أخرى سرياز 
وكنبة وحيدة. 

«بيتي متولضع للغاية» قال المهندس . آمل الا يُحِيّب هذا ظنك». 

ولآء إظلافأو 'قتالت تيريراوغيناعنا مسترتان إلى الحائط البذى 
تحجبه تمامأ رفوف مزدحمة بالكتب. لم يكن هذا الرجل يملك طاولة جديرة 
والقلق الذي رافقها وهي في طريقها إلى هناء أخذ يتلاشى . منذ طفولتهاء 
كانت ترى في الكتاب علامة على أخوة سرية. فمن يملك مكتبة كهذه. لبين 
في مستطاعه إذا أن يؤذيها. 

سألها ماذا بإمكانه أن يقدم لها: خمر؟ 


لا لا ٠»‏ لم 3 تكن راغبة في الخمر. إذا كان هناك شيء ترغب في 

به. فسيكون القهوة. 

اختفى وراء الستارة يوي استوقفها أحد الكتب وهو 
مسرحية مترجمة لسوفوكل: «أوديب»., أمر غريب أن تجد هذا الكتاب 
بالذات عند هذا الرجل الذي تجهله. كان توماس قد أهداه لتيريزا من 
سنوات متوسلا إليها أن تقرأه بانتباى وحدّثها عنه طويلا. لم نشر انطباعاته 
عن هذا الكتاب في إحدى الصحف. فقلب هذا المقال حياتهما رأسأ على 
عقب. كانت تنظر إلى ظهر الكتاب فتهدىء هذه الرؤية من روعها. كان الأمر 
الو أن تومادن ترك عن قفد أثره هنا بمثابة رسالة تبلغها اله رم 


1050 


شيء بنفسهة . أحذت الكتاب وفتحته . . عندما سير جع المهندس. فسوف 
م ا 0 الكتاب» 1 ا د 
بالمخاطر لمسكن المجهول. إلى العالم الأليف لأفكار توماس. 

ثم أحست بيده فوق كتفها. انتزع المهندس الكتاب من يدها وأرجعه 
دون أن يقول شيئا إلى المكتبة. ثم اقتادها إلى السرير. 

فكرت بالجملة التى كانت قالتها إلى مُنفْذ الإعدام في «مون - دو 
بيير)» فنطقت بها بصوت عال : «لاء لا! ليست هذه رغبتي!). 

كانت على اقتناع بأن هذه العبارة الساحرة ستغير الموقف ولكن هذه 
الكلمات كانت تفقد كل قدرة سحرية لها في هذه الغرفة . وفي اعتقادي حتى 
أنها حنّت الرجل على أن يتصرف بطريقة أكثر تصميما: : شدّها ناحيته ووضع 
يده على نهدها. 

أمر عجيب: فهذه الملامسة حررتها من قلقها في الحال. كما لو أن 
المهندس قد اظهر لها من خلال هذه الملامسة. جسدها. ففهمت عندئدذ أد 
الرهان لا يقع عليها (أي على روحها) بل على جسدهاء وعسدها دون عيرة, 
هذا الجسد الذي كان قد خانها والذي طردته 5 ليلتحق بالأجساد 
الأخرى . 


2 


فك زرًاً من قميصها منتظراً أن تكمل البقية بنفسها >ولكنينا سك 
توقعه . ل ان سجس يي عبار سه الت الت 
أمره على عهدتها. لم تتعرٌ لكنها في الوقت نفسه لم تقاوم . . وكأن روحها. 
بالرغم من أنها تستهجن ما يجري» قد اختارت مع ذلك أن تبقى على 
الحياد. 
عرّاها من ثيابهاء وبقيت خلال هذا الوقت جامدة تقريباً. وحين قبَّلهِ 
لم تتجاوب شفتاها معه. . ثم شعرت فجأة أن فرجها رطب فذُهلت لذلك. 


34 


كانتت كلما نورت أنها مهتاجة رغماً عن إرادتها. يزداد اهتياجها 3 
ها قد بدأت روحها الآن تمتثل بطريقة غامضة لمجريات الأمور. ولكنها كانت 
عارفة أيضاً أن موافقتها هذه يجب أن تبقى مضمرة من أجل إطالة هذا 
الاهتياج الشديد. فلو أنها قالت نعم بصوت عال. لو أنها قبلت أن تشترك 
بكامل إرادتها فى تمثيلية الحب. لاضمحلت الإثارة. ذلك أن الأمر الذي 
كان يثير روحها بالذات هو خيانة الجسد لها وتصرفه ضد إرادتهاء فيما هي 
اهمده علن هله الشيانة: ْ 

ثم انتزع لها «سلييها» فأصبحت الآن عارية ثماماً. كانت ريج تتأمل 
الجسد عاريا بين ذراعي رجل غريب. قيد| لها هذا المشهد عجيبا كمن .رتامل 
كوكب المريخ عن كثب. وتحت هذه الإضاءة العجيبة فقّد جسدها للمرة 
الأولى تفاهته. وللمرة الأولى نظرت إليه مفتونة: كان تفرد جسدها وتميزه 
الذي لا يضاهى يحتلان الصدارة. . إذ لم يعد جسدها ذلك الجسد الأكثر 
عادية بين الأجساد (كما بدا لها حتى الآن) ولكن الأكثر استثنائية بينها. لم 
دكن لاوج قاززة عل إخناضه بصرها عن شائية الولادة المستديرة السمراء فوق 
العانة تماماً؛ كانت الروح ترى في هذه الشائبة ختماً وسمت به الجسدء 
وكانت تجد أن تحرك عضو غريب على مقربة جداً من هذا الختم المقدس. 
أمر فيه تجديف. 

تذكرت تيريزا حين رفعت عينيها ورأت وجهه. أنها لم توافق قط على 
أن تجد الجسد. وبالتحديد في المكان الذي طبعت فيه الروح ختمهاء بين 
راغي رجل انباتك تعرقة ولااترغت فى معرفته. فاجتاحتها كراهية مدوخة. 

جمعت ريقها عند شفتيها مستعدة لأن تبصق في وجه الرجل الغريب. كانا 
يراقبان بعضهما بالنْهُم ذاته» يبدو أنه أحسٌ بغضبها فأخذ يعجّل في حركاته. 
وإذ أحسّت تيريزا بالنشوة تعتريها أخذت تصرخ: «لاء لاء لا!». كانت تقاوم 
المتعة التي تقترب . وبما أنها كانت تقاومهاء فإن المتعة المردوعة.كانت 
تعفر طويلا في حنايا جسدها دوق أن تجد مشذا لتهرب مته. كانت النشوة 
تسري في جسدها كما تسري حقنة المورفين في العرق. كانت تتخبط بين 
ذراعي الرجل وتضربه على غير هدى وتبصق في وجهه. 


]5 


8 


ترتفع المراحيض العصرية فوق الأرض مشل زهرة النيلوشر البيضاء . 
فالمهندس المعماري يفعل كل ما في وسعه كي ينسى الجسد بؤسه فلا يعرف 
الإنسان عما سيؤول إليه غائط أحشائه بعد أن تدفعه مياه الخوان مقرقرة. ومع 
أن قساطل المجارير تصل مجساتها حتى شققناء فإنها محجوبة بعناية عن 
أنظارنا ونجهل كل أمر عن «بندقية» البراز التي تقوم عليها غرف حماماتنا 
ونومنا وقاعات رقصنا ومجالسنا . 

أما مراحيض هذا المبنى القديم. الواقع في ضاحية عمالية من براغ. 
فكانت أقل خيثاً. كان المرحاض يرتفع 52 نينا فوق بلاط الأرض 
الرمادي. ومنظره لم يكن يذكر بزهرة النيلوقر بل بأنه مرحاض أي : الفوهة 
الواسعة للقسطل لم تكن عليه مقعدة خشبية فاضطرت تيريزا إلى الجلوس 
على الصفيحة المطلية بالميناء» فجعلتها ترتعش . 

كانت تيريزا جالسة فوق المرحاض وكانت الرغبة الي تملكتها فجأة 

في إفراع أمعائهاء يه في الذهاب حتى نهاية الذل. رغبة في أن تكون 

ةا كنذا فحسب. في أن تكون ذلك الجسد الذي كانت تقول أمها عنه 
أنه وجد ليهضم ويتغوط . تيريزا إذاً تفرغ أمعاءها وتشعر الآن بحزن ووحدة 
يفوقان الوصف. إذ لا شيء أكثر تعاسة من جسدٍ عار جالس فوق الفوهة 
العريضة لقسطل التفريغ . 

فقدت عندئذ روحها فضولية المشاهد وعدوانيتها وكبرياءها: فمن 
جديدٍ. غارت في قعر جسدهاء في تلافيفه الأكثر سرية وقبعت تنتظر هناك 
بيأس اقدعاءها ب جديد. 


19 
قامت عن المرحاض وشدّت على طرادة الماء. ثم رجعت إلى 


المدخل. كانت الروح ترتعش في الجسد المنبوذ العاري. كانت تيريزا تشعر 
أن الورقة التى مسحت بها مؤخرتها لا تزال عالقة هناك. 


]06 


فحدث ساعتها شيء لا يُنسى : رغبت في موافاته إلى الغرفة وسماع 
صوته وندائه . لو أنه يتكلم معها بصوت عذب وخفيض ريما ستستعيد روحها 
الجرأة للصعود إلى سطح جسدهاء وربما سوف يمكنها البكاء. ريما ستعائقه 
كما كانت عانقت في الحلمء الجذع العريض لشجرة الكستناء . 

كانت فى المدخل تحاول جاهدة أن تتمالك هذه الرغبة الجامحة في 
البكاء أمانه. كانت عارفة أنها لو لم تتمالك هذه الرغبة» فسوف يعد 
ترغب فيه ستقع في غرامه. 

في هذه اللحظة بالذات؛ تناهى إلى سمعها صوت من عمق المسكن . 
عندما سمعت هذا الصوت غير المجسّد (أي دون أن يترافق مع رؤية القامة 
الفارعة للمهندس)"أخذها العجب: كان الصوت خافتاً انا . كيف لم 
تلاحظ ذلك قبل الآن؟ 

ربما بسبب هذا الانطباع المُحيّر والمقيت الذي تركه هذا الصوت في 
داخلهاء استطاعت أن تقاوم التجربة.» فرجعت إلى الغرفة. حيث لملمت 
ملابسها ثم ارتدت ثيابها على عجل وغادرت . 


20 


كانت راجعة من جولاتها الشرائية بصحبة كارينين التي تحمل فطيرة في 
خطمها. كانت الصبيحة باردة ومتجلدة قليلا. كانت تسير بمحاذاة أرض 
مفرزة زة تتخلل مسافاة البيودت الكبيرة جنائنٌ مزروعة صغيرة جداً وحدائق 
صغيرة . توقفت كارينين بغتة. وحدّقت شات إلى هناك :انظزيتا هي أيضا 
إلى تلك الجهة دون أن يلفت نظرها شيء ما. كانت كارينين تجرها 
فاستسلمت لها بوأخيراء رأت فوق الصلصال المتجلد لمسكبة صغيرة رأس 
ذا أسود ذا منقار طويل . كان الرأ س الصغير دون جسد يتحرك ببطء ويرسل 
ود رقت لخر صرونا خزينا اشن 

كانت كارينين يضطرة إلى ترجه أنها تخلت عن الفطيرة. فاضطرت 
تيريزا لأن توثقها إلى * شجرة لثلا تسيء إلى الزاغ. ثم انحنت وحاولت أن 


17 


ل ل ل لت 
فأحد أظفارها انكسر ونزف الدم منه . 

في هذه اللحظة. سقط حجر قربها. رفعت بصرها فلمحت صبيين في 
لعاشرة من عمرهما عند زاوية أحد البيوت. نهضت. وإذ شاهدا ردّة فعلها 
والكلت المركوق: إلى! الشحرة ولي راكضين:. 

ركعت من جديد على الأرض لتحفر التراب الصلصالي وتمكنت أخيرا 
من تحرير الزاغ من قبره. لكن العصفور كان مشلولا وغير قادر على المشي 
أو على الطيران. فغطته بالمنديل الذي كانت تلفه حول عنقها وضمته بيدها 
اليسرى إلى صدرها. أفلتت باليد اليمنى وثاق كارينين عن الشجرة. 
واحتاجت إلى كل قوتها لتتحكم بها وتبقيها إلى جانب ساقها. 

وبما أن يدها لم تكن فارغة لتبحث عن المفتاخ في جيبهاء قرعت 
الجرس. فتح لها توماس . فناولته مقود كارينين وأمرته قائلة: «أمسكها!» 
وحملت الزاغ إلى غرفة الحمام. هناك. وضعته على الأرض تحت المغسلة. 
كان الزاغ يتخبط دون أن يقدر على الحركة. كان هناك سائل سميك أصفر 
ينزف من جسده. فنع لله ونوا محمة هرم حرق عنقت ووضعته عليها 
تحت المغشلة كيدلا تفل إليه برودة البلاط. كان العصفور يحرّك جناحه 
المشلول اتسنا وكان منقاره ناتعا وكأنه ملامة . 


21 
كانت جالسة على حافة المغطس غير قادرة على إشاحة بصرها عن 
الزاغ المحتضر. كانت ترى في وحدته صورة مصيرها الخاص ثم رددت: لا 
أحد لي في هذا العالم غير توماس . 
هل علّمتها الحلقة مع المهندس أن المغامرات العاطفية لا علاقة لها 
ا 0 أكثر 
هدوءا من ذي قبل؟ 


إطلاقا . 


136 


ثمة مشهد يلاحقها باستمرار: وهي خارجة لتوّها من المرحاض وكان 
جسدها واقفاً في المدخل 7 وتتزوكاء وكانت الروح المذعوزة ترتعش في 
أحشائها. أحسّت أن الرجل فيما لو خاطب روحها من عمق الغرفة في هذه 
اللحظة بالذات. فسوف تشهق بالبكاء مرتمية بين ذراعيه . ْ 

كانت تتخيل أن هناك صديقة لتوماس واقفة مكانها في المدخل أمام 
المرحاض» وتوماس فى الغرفة مكان المهندس. لو أن توماس قال عندها 
كلمة للمرأة الشابف كلمة والحلة لان] عفر لارتمت بين ذراعيه باكية . 

تعرف تيريزا جيداً أن هذه اللحظة تشبه تلك اللحظة التي يولد الحب 
فيها: حين لا تستطيع المرأة أن تقاوم الصوت الذي ادق تروسها المذعورة. 
والرجل لا يستطيع أن يقاوم المرأة التي تصير روحها متنبهة لصوته. وتيريزا 


تعرف أيضا أن وماص لو كتهو ا بذا من أفخاخ الحب وهي ليس في مقدورها 
إلا أن تخاف عليه كل ساعة وكل دقيقة . 


والحالة هذه. بأي سلاح يمكن لها أن تتزود؟ بوفائها فقط.. وفاؤها 
الذي منحته إياه منذ البداية ومنذ اليوم الأول. كما لو أنها كانت عارفة للحال 
أنها لاملك قينا ار لمتحة إيأه: فحوبا نناء غير تاوق إلى سد 
عجيب: لأنه يرتكز على اليقين المطلق بوفاء تيريزا كما يرتكز قصر عملاق 
على عمود واحد. 

الآنء لم يعد الزاغ يحرّك جناحيه تقريباً. ا لفاك يعر ف له 
الممزقة المكسورة. لم تكن تيريزا تريد أن تتركه كما لو أنها ساهرة قرب 
سرير أخت تحتضر. ومع ذلك ذهبت أخيراً إلى المطبخ لتتناول غداءها على 
عجل [عندما رجعت كان الزاغ قد مات] . 


22 

إنان السنة الأولى لعلاقتهما. كانت تيريزا تصرح كنا الجباع: وكان 

هذا الصراخ. كما سبق لي أن قلت» يحاول أن يعمي الحواس وأن يضمها: 
ا ءعل» 0 





] 10 


كانت تأخذ حمام السونا وكانت تقف من جديد أمام 1 أخحذت. 
العشيق » اكاك فى الحديقة تسن فائرة عل ودي» ل ل ا ا 
كانت هيئته وهو عار تماما. الشيء الوحيد الذي كانت تتذكره (والذي كانت 
تنظر إليه مستثارة عبر المرآة) هو جسدها وبالتحديد عانتها والشائبة المستديرة 
فوقها تماماً. هذه الشائية الى لم7 تكن ترى فيها حتى الآن إلا مجرد عيب 
جلدي. بدأت تنطبع في ذاكرتها. كانت تريد أن تنظر إليها وتنظر إليها من 
جديد وهي على مقربة لا توصف من قضيب الرجل الغريب. 

لا يمكنني إلا أن أشدد على هذا ثانية: هي لم تكن راغبة في رؤية 
قضيب الغريب. بل كانت تريد أن ترى عانتها وهي على مقربة من هذا 
القضين» وغانتها تحديدا. لم تكن ترغب في جسد الآأخرء بل في جسدها 
هي. الذي اكتشفت فجأة أنه كلّما كان أكثر قرباً وأكثر غرابة» كان أكشر 
إثارة . 


ها إنها تنظر إلى جسدها المتلألىء بقطرات ماء صغيرة من المرشة. 
وتفكر بأن المهندس سيمر بين يوم وآخر إلى الحانة . كانت راغبة في أن يأتي 
وفي أن يدعوها لزيارته! راغبة فى ذلك بشكل لا حدّ له! 


23 
كانت على مر الأيام تخشى ظهور المهندس ثانيةً أمام طاولة الحانة, 
فتكون غير قادرة على أن تقول لا. على مر الأيام. كانت خشيتها من أن 
تراه تخلي المكان لخشيتها من ألا يأتي . 
شهر قد مر والمهندس منقطعة أخباره. كانت تيريزا عاجزة عن فهم 
السبب. فأفسحت الرغبة الخائبة المكان للقلق: لماذا لا يأتي؟. 
كانت تقدّم الشراب للزبائن. ها قد رجع الأصلع القصير الذي كان 
اتهمها ذلك المساء بأنها تقدم الكحول لمن هم دون السن. كان يروي 
بصوتٍ عال قصة داعرة. القصة نفسها التي سمعتها مئات المرات من أفواء 


140 


السكارى الذين كانت تقدم لهم كؤوس جعة كبيرة في الريف. وإذ أحست 
ع 5 
بأن عالم امها ينقض عليها من جديد. قاطعت حديثه بفظاظة شديدة. 
تضايق : «ليس هناك أوامر تملينها علي ! اعتبري نفسك محظوظة لأننا 
نحن الذين نتركك تعملين فى هذه الحانة» . 
««نحن». ماذا تقصد ب «نحن)؟). 
ِ 5 4 
«نحن». قال الرجل ثم أمر بكأس اخرى من الفودكا. «وتذكري أي 
ثم أشار إلى عنق تيريزا التى كانت ترتدي عقا مؤلقا مز ند صترك 
من اللؤلؤ الرخيص. وقال: «من أين لك هذا اللؤلؤ؟ لا تقولي إنه هدية من 
زوجك الذي هو منظف بلاط . فهو لا يقدر على أن يشتري لك هذا اللؤلؤ مع 
الأجر الذي يكسبه! هل هم الزبائن الذين يعطونك هذا؟ ومقابل أي شىع. 
و9 
به اققل "كنكمت ل تم سن ريا : 
حاول الرجل أن يمسك العقد بين أصابعه: «تذكري أن الدعارة 
ممنوعة عندنا!). 
انتصبت كارينين وأستدت رجليها الأماميتين على طاولة الشتيرتت 
ودمدلمت متذمرة . 
24 
قال السفير: «هو شرطي !). 
فألمحت تيريزا: «لو كان شرطياً لكان أكثر تكتماً. فماذا تنفع شرطة 
جلس السفير مقرفصاً وكأنه تعلّم ذلك في جلسات لليوغا. على 
الحائط كان كينيدي يبتسم فيُضفي على كلمات السفير طابعا مقدسا. 
ثم قال بلهجة أبوية: «سيلة تيريزل للشرطة مهام عدة. المهمة 


الما 


الأولى كلاسيكية ومفادها أن يسمعوا ما يقوله الناس ويبلغوه لرؤسائهم . 

والمهمة الثانية هي التهديد. يُظهرون لنا أنهم يضعوننا تحت رحمتهم 
ومرادهم أن نخاف. هذا ما كان يبغيه رجلك الأصلع . 

والمهمة الثالثة تعنى بإعداد مواقف يمكنها توريطنا. ما من أحد عاد 
يهتم بأن نُنّهم بالتآمر على النظام لأن هذا يزيد من تعاطف الناس معنا 
لذلك. فهم يفضلون العثور على حشيشة في قعر جيوبنا أو أن يثبتوا بأننا 
اغتصبنا فتاة في الثانية عشرة. ويُحضرون صبية لتشهد على ذلك. 

فتذكرت تيريزا المهندس . .كيف يمكنها أن تفسر عدم رجوغه؟ 

كان السفير يتابع : «ينصبون للناس فخاخاً لدوم ويستغلوهم 
العبو قتا للد جرين. وهكذا دواليك». حتى يجعلوا شعبا بأكمله منظمة 
هائلة من المخبرين». 


لو كن رين سك زه وقر ام وشعط. 6ن المعلتق فرت لمان قر 
الشرطة. ولكن من يكون هذا الصبي الغريب الذي ذهب ليثمل في المقهى 
المقابل ومن ثم رجع ليعترف لها بالحب! فبسبب هذا الصبي خاصمها 
الشرطي وبادر المهند س إلى الدفاع عنها. ثلاثتهم إذا لعبوا دورا في سيناريم 
كينا مس كن لك اعد ل بل ان نطب ترج اتوت عي 
على أن يغويها 

كيف أنها لم تفكر بذلك؟ ثم أن ذاك المسكن كان يوحي بالارتياب ولا 
يتناسب إطلاقاً مع هذا الشخص. فلماذا يقيم مهندس أنيق في مسكن بهذه 
الحقارة؟ أهو حقا مهندس؟ كيف أمكنه إذا أن يتغيب عن عمله في الساعة 
الثانية من بعد الظهر؟ وهل في المستطاع تخيل مهندس يقرأ سوفوكل! لا لم 
تكن المكتبة تلك تخصٌ مهندسا . وهذه الغرفة كانت تشبه بالأحرى مسكنا 
بماك ا لمثقف معدم وموجود حالياً في السجن . عندما كانت في العاشرة من 
عمرها أوقفوا أباها وصادروا الشقة والمكتبة كلها. من يدري لأي مأرب 
العم نا" الشقة انين 


الآنء كانت تفهم بوضوح لماذا لم يعد ثانية. لأنه قد أنجز مهمته وأية 


]42 


مهمة؟ كان الشرطي الأصلع قل أوحى بها دون أن يدري عندما قال: 
الوقت الحاضر الدعارة ممنوعة عندناء لا تنسي هذا الأمر!» وذلك 0 
المزيف ربما سيشهد بأنها ضاجعته وأنها طلبّت منه مالاً! سيهةدونها بإثارة 
فضيحة ويبتزونها لتبلغ عن هؤلاء الذين يأتون إلى الحانة ليسكروا. 

كان السفير يحاول طمأنتها: «مغامرتك لا تبدو لي خطيرة إلى الحد 
الذي تتصورين». 

فقالت تيريزا بصوت مخنوق: «ممكن». وخرجت مع كارينين إلى 
شوراع براغ السوداء . 

25 

لكي نتحاشى العذاب نلجأ في أكثر الأحيان إلى المستقبل. فنتصور أن 
ثمة فاصلا ما على حلبة الزمن يتوقف بعد العذاب الحالي عن أن يكون 
موجودا. ولكن تيريزا لم تكن ترى أن هذا الفقاصا ل موجود إز اءها. . وكان 
الرجوع إلى الوراء مكدو يداي ليا عه ته المؤاساة . كان نهار تحن آخر. 
ركبا السيارة ليذهبا في نزهة بعيدأ عن براغ . 

كان اواو أمام المقود وتيريزا إل جانيه وكارتتت: ين على المقعد 
الخلفي . تمد أحياناً رأسها إلى الأمام لتلحس لهما آاذانهما. في زهاء ساعتين 
وصلا 'إلى مدينة صغيرة مليئة بالمياه المعدنية . كانا قد أمضيا بضعة أيام فيها 
لتحمين أوامية ستواث غلت: افأراد التؤقف انها 'لقضناء الليل». 

أوقفا السيّارة في الساحة. وترجلا منها. مازالت المدينة ك| 
كانت فى الجهة التقايلة الفتدق الذي نزلا فيه تلك السة وآيضا فجرة 
الزيزفون القديمة أمام المدخل. على يسار الفندق تصطف قناطر خشبية 
قديمة وفى نهايتها تنساب عينٌ ماء فى بركة رخامية. كان هناك أناس ينحئون 
فوقها. كما في السابق. والأكواب في أيديهم. 

كان توساين يو إل" الفغلاق تروك ب حتاف لعا ونا كني على الله 
حال. ء ففى السابق كاك الفندق يسمى «الفندق الكبيرااء والآن صما أسمة 


45 


استناداً إلى اللافتة «البيكال» . الم نظرت إلى اللائحة عند زاوية المبنى وقد 
كتب عليها: «ساحة موسكو). فجالا فعا (كانت كارينين تتبعهما لوحدها دون 
رسن) في كل الشوارع التي كانا يعرفانها وتفحصا الأسماء: شارع ستالينغراد 
وشارع لينينغراد.» وشارع روستوف. وشارع نوفوسبيرسك,. وشارع كييف. 
وشارع أوديسا. وهناك دار تشيكوفسكي للنقاهة. ودار تولستوي للنقاهة. 
ودار ريمسكي كورساكوف للنقاهة. وهناك أيشاً فندق سوفوروف وسيئنما 
غوركي ومقهى بوشكين. كانت كل الأسماء مأخوذة من روسيا ومن التاريخ 
الرإوضي.. 

أخذت تيريزا تتذكر أيام الاجتياح الأولى . كان الناس يُخفون آنذاك 
اللافتات في كل الشوارع. في كل المدن. ويقتلعون من الطرقات الألواح 
المشيرة إلى الاتجاه. فأصبح البلد غير معروف في ليلة واحدة. كان الجيش 
الروسي يتسكع في البلاد دون أن يعرف وجهته. وكان الضباط يفتشون عن 
مباني الإعلام والتلفزيون والراديو ليحتلوهاء لكن دون أن يتمكنوا 0 
عليها. وحين كانوا يسألون الناس عنها يهز هؤلاء الأخيرون أكتافهم أو 
يدلونهم على عناوين خاطئة وعلى اتجاه خاطىء. 

ومع مرور السنوات» يبدو أن هذا التستر عاد بالضرر على البلاد. فلا 
الشوارع ولا البيوت تمكنت بعد ذلك من استعادة أسمائها الأصلية. وهكذا 
تحولت منطقة حمامات معدنية في بوهيمياء بين يوم وآخر. إلى روسيا خيالية 
مصغرة. كانت تيريزا تكتشف إذاً أن الماضى الذي أتيا للتفتيش عنه هنا قد 
بك عصادزة... ركان رشح : عليه الضاء لإمشاء» الليلة 


26 


توجها من جديد إلى السيارة صامتين . كانت تيريزا تقول في نفسها إن 
الأشياء كلها والناس كلهم يعرّفون عن أنفسهم متنكرين: : كانت المدينة 
القديمة بوهيميا قد اكتست بأسماء روسية. والتشيكيون الذين كانوا يلتقطون 
صوراً عن الاجتياح» كانوا يعملون دون أن يدروا لمصلحة الشرطة السرية 
الروسية. فالرجل الذي أرسلها إلى الموت كان مُقئعاً بقناع توماس. 


دا 


والمهندس كان يريد أن يلعب دور رجل «مون ‏ دو - سبي را والكتاب في 
مسكنه كان رمزاً خادعاً وُجد هناك د لتضليلها. 


وإذ فكرت في الكتاب الذي أمسكته في يدهاء مرّت في خاطرها فكرة 
حمر لها "خداها حو كيف حدثت هذه الأمور؟ قال المهندس إنه ذاهب 
لإحضار القهوة. فاقتربت من المكتبة وانتزعت كتاب «أوديب» لسوفوكل. ثم 

كانت تقلّب الموقف في جميع الاتجاهات: ثرى. عندما ذهب متذرعاً 
لتحضير القهوة. كم من الوقت بقي هناك؟ لا شك في أنه بقي دقيقة على 
الأقل أو دقيقتين وربما ثلاثا. ماذا يمكن أن يكون قد فعل كل هذا الوقت في 
مدخل صغير؟ هل ذهب إلى المرحاض؟ كانت تيريزا تحاول أن تتذكر ما إذا 
ا ا ل 0 0 

وفجأة. انجلى الامو لهاع مافا؛ لم تكن شهادة المهندس لوحدها كافية 
لإيقاعها ذ في الفخ. . وإنما يجب إعطاؤهم دليلا قاطعاً . فخلال هذا الغياب 
الطويل المشبوه ذهب المهندس ليضع كاميرا في المدخل . أو بشكل أفضل. 
من المحتمل أن يكون قد أدخل شخصا يحمل آلة تصوير فاختب خلف 
الستارة وقام بتصويرهما. 

منذ أسابيع قليلة كانت متعجبة من أن بروشازكا لم يكن يعرف أنه 
يعيش في معسكر اعتقال لا مكان للمرء فيه لأن تكون له حياة خاصة. لكن 
ماذا عنها هى؟ عندما رحلت عن بيث أمهاً:' اعتفدات لسداحتها أنينا يدت 
من الآن فصاعدا سيدة حياتها الخاصة. ولكن البيت الأمومى كان يمتد ليطال 
العالم كله ويُدركها في كل مكان. كانت تيريزا غير قادرة على الإفلات منه 
أيئما ذهبت . 

نزلا الدرج وسط الحدائق ليبلغا الساحة حتى أوقفا السيارة. 

وما بك). سألها توماس . 


45 


وقبل أن يتسنى لها الوقت للإجابة» ألقى أحدهم التحية على توماس. 
27 


كان الرجل 2 0 وحيه:: ركان 0 
مسموج 7 5 الأماكن العامة ذهبت ا إذا كموق الشيارة: 
في خلال هذا الوقت جلس الرجلان في المقهى لانتظارها. عندما رجعت 
كان الفلاح يقول: «عندناء. ٠‏ كل شيء هادىء. حتى أنهم انتخبوني ركيسا 
للتعاونية من سنتين) . 

قال توماس : «تهانينا» . 

«كما تعرفون, هنالك الريف. والجميع يغادرونه. وفى الجبال. 
يعتبرون أنفسهم محظوظين فيما لو قبل أحد بالبقاء عندهم. ليس في إمكانهم 
السماح لأنفسهم بطردنا من عملنا». 

قالت تيريزا: «سيكون إذا المكان الأمثل لنا» . 


«ولكنك هناك ستضجرين يا سيدتي الصغيرة. . هناك لا شىء. لا 
شيء إطلاقا» . 


كانت تيريزا تنظر إلى الوجه الذي غضتته الريح . كانت تستلطف كثيراً 
هذا الفلاح. وأخيرا وبعد وقت طويل» وجدت أحدا ما تستلطفه! وللحال 
انبثقت لوحة ريفية أمام نظرها : : قرية وقبة جرس وحقول وغابات وأرنب بري 
ينسحب مسرعاً من أحد الأثلام وخفير للصيد لابس لبدة خضراء . لم يسبق 
لها أن عاشت في الريف. كان الريف صورة رسمها خيالها من خلال 
الأحاديث تفن خلال قراءاتها. أو ريما حفرها أجداد بعيدون في شعورها 
الباطن . ومع ذلك فإن 5 الصورة كانت واضحة في داخلها ونقية مثل صورة 
أم الجدة في ألبوم عائلي أو مثل محفورةٍ قديمة. 


146 


0 
الفقري وقال: أشعر أحانا بألم في هذا المكان. 

تحسس توماس المكان الذي أشار إليه مريضه القديمء دون أن ينهض 
عن كرسيه: طارحاً عليه بعض الأسئلة. ثم قال: «لم يعد يحق لي أن أكتب 
لك وصفات. ولع را الاك ل اراي وي أمرتك 
بأن تأحذ هذا الدواء» . ثم أخرج مذكرته من جيبه الداحلي وانتزع د ة منهاء 
ثم كتب عليها اسم الدواء بأحرف كبيرة . 


28 


كانا يسيران باتجاه براغ . 


كانت تبريرا فكر هن الصورة حيث كان جسدها عارياً ب ننخ تزاعن 
المهندس . فبدأت تخارل أن تتحرّر من قلقها: عد ولوسليتة بأن هذه 
العنوزة عوجحودة قملا. فلن تعبت" لشوماين نزؤينها - لأن الضنورة لا عدم 
هؤلاء الناس في شيء إلا إذا استعملوها كورقة ابتزاز لتيريزا. مما يعني أن 
هذه الصورة إن ارسلت إلى توماس تفقد كل قيمتها في الحال. 

وك مأذااسيحدت الو أن السوطيية قروا آلا يواتهوا لآم قزري | مظلقا؟ 
في هذه الحالة. ستصير الصورة وسيلة جيدة للمزاح. وإن عنَّ على بال 
أحدهم وضعها في ظرف وإرسالها على سبيل الضحك إلى عنوان توماس». 
فلن يمنعه أحد من ذلك . 

وماذا سيحصل لو أن توماس استلم مثل هذه الصورة. هل سيطردها 
خارجاً؟ ربما لا. أو على الأصح لا. ولكن صرح حبهما الهش سوف ينهار 
تماماً لأنه مرتكز على العمود الوحيد لوفائها. وعلاقات الحب هي مثل 
الأمبراطوريات, ما أن يختفي المبدأ الذي بنيت على أساسه حتى تختفي معه 
أيضاً. 


147 


كانت هناك صورة ماثلة أمام عينيها: صورة الأرنب البري وهو ينسحب 
مسرعاً من ثلم وخفير صيد بلبدة خضراء وجرس كنيسة في أعلى الغابة . 

كانت تود أن تقول لتوماس بأن عليهما ترك براغ بعيداًء بعيداً عن 
الأطفال الذين يدفنون طيور الزاغ أحياء. بعيداً عن الشحرطة. تكتذاعن 
الفتيات المسلّحات بالمظلات . كانت تود أن تقول له إنه يجب عليها الانتقال 
للعيش في الريف, وإن في هذا طريق خلاصهما الوحيد. 

التفتت نحوه. ولكن توماس كان صامتاً وعيناه شاخصتان إلى الطريق 
المكدّم الممتد أمامه. . كانت عاجزة عن اختراق سور الصمت الذي يعلو 
بينهما. وفي الحالة نفسها عندما كانت تنزل من «مون ‏ دو - بيير) من جديد: 
كانت تشعر بتشنج في معدتها وبرغبة في التقيؤ. كان توماس يثير فيها الذعر فهو 
أقوى منها بكثير وهي أضعف منه بكثير. وكان يملي عليهنا أوامر لا تفهمها. 
وهي تحاول جاهدة تنفيذها ولكنها لم تكن تعرف كيف تتصرف. 

كانت تريد الرجوع إلى «مون ‏ دو - بيير» والطلب من الرجل صاحب 
البندقية أن يسمح لها بعصب عينيهاء والاستناد إلى جذع شجرة الكستناء 
كانت راغبة فى الموت. 


209 


استيقظتٌ فوجدّت أنها لوحدها في البيت. 

خرجت ومشت باتجاه الشوارع التي تحاذي نهر الفلتافا. كانت راغية 
في رؤية ة النهر والتوقف عند الضفة والنظر طويلاً إلى الماء. لأن رؤية الماء 
الجاري تهدذىء ولشقون . النهر يجري عبر القرون وقصص الناس لا تنفك 
تحدث على ضفافه. ولكنها ما أن تحدث لتنسى في الغد والنهر لا يتوقف 

عن الجريان. 

كانت تنظر إلى الأسفل متكثئة إلى الدرابزين. كانت هذه أطراف براغ 
حين يجتاز النهر المدينة تاركاً وراءه روعة «هرادشين») والكنائس: : كان النهر 


148 


هناك يشبه ممثلة بعد انتهاء المسرحية منهكة من التعب وساهمة البال. كانت 
المياه تسيل وسط ضفاف متسخة محاطة بأسياج وبحيطان توجد خلفها مصانع 
وملاعب مهجورة. 

نلرت طوينلة إلى الماء الذي يبدو في هتنا المكان اك هري راكد 
قتامة . ثم لمحت فجأة شيئاً غريباً وسط النهرء » أحمرن نعم. إنه مقعد. مقعد 
خشبي أرجله معدنية كتلك المقاعد التي يوجد منها بكثرة في حدائق براغ 
العامة . كان يعوم ببطء في وسط نهر الفلثافا ويعوم خلفه مقعد ثانٍ. ثم مقعد 
ثالث ومقعد رابع . ففهمت تيريزا أخيرا أنها كانت ترى مقاعد الحدائق العامة 
في براغ تغادر المدينة منجرفة مع تيار المساء. كان هناك الكثير منها ودائماً 
بتزايد. كانت تسبح فوق الماء مثل أوراق الخريف حين تحملها المياه بعيداً 
عن الغابات. كان منها الأحمر والأصفر والأزرق. 

استدارت علها تسأل الناس ما معنى الذي يجري . تسألهم لماذا كانت 
مقاعد الحدائق العامة في براغ تغادر مع التيار؟ ولكن الناس كانوا يمرون 
أمامها لا مبالين. فسيّان عندهم أن يجري النهر عبر القرون في وسط مدينتهم 
الزائلة . 

أخذت تتأمل الماء من جديد. كانت تشعر بحزن لا متناو وتدرك أن 
هذا المشهد كان بمثابة وداع. وداع من الحياة التي تغادر مع موكب ألوانها . 

كانت المقاعد قد توارت عن مدى رؤيتها. لكنها رأت أيضاً بضعة 
مقاعد أخيرة متخلفة عن الأخرى . ثم رأت انها مقكدا اضفر وراسدا أزرق» 
كان الأخير. 


140 


القسم الخامس 
الخفة والثفل 


1 
عندما جاءت تيريزا إلى عند توماس في براغ » على غير انتظار. كانت 
قد مارست الحب للحال في اليوم نفسه. كما سبق أن قلت في القسم 
الأول» واخهواانهنا بعد أصابتها الحمى . كانت ممدّةة على سرره كان 
جالساً قربها وهو مة متديع بأنها طقل :وضع في شل وارسل :على افجرى الميأه . 
ذلك التدوه ,وسو بيو جور الوذ اللقط عتم وبنكر الما 
بالخرافات القديمة التى تظهر فيها هذه الصورة. ريما هنا يكمن الحافز 
الخفي الذي دفعه إلى الدهات للتفتيش عن ترجمة 50 لسوفوكل . 
قصة ا معروفة ا ومفادها أنْ راعياً عثر على لقيط رضيع 
فحمله إلى الملك بوليب فاحتضنه. عندما كبر «اوديت» صنادف على درب 
جبلية عربة كان يسافر فيها أمير مجهول. فتخاصما وقتل «اوديب» الأمير. فيما 
بعد. تزوج من الملكة جوكاست وأصبح ملكا على «الثيب». لم يكن يعلم 
أن الرجل الذي قتله في الماضي في الجبال كان أباه وأن المرأة التي 
يضاجعها كانت أمه . في غضون ذلك كانت المصائب تنزل بأبناء رعيته 


وتثقل كاهلهم بالأمراض . وعندما فهم 5 أنه كان هو نفسه المسؤول 
عن عذاباتهم . فقأ عينيه بالدبابيس وغادر «الثيب» إلى الأبد. 


2 


هؤلاء الذين يعتقدون أن الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية هي فقط 
سيك مجرمين » فإنهم يغفلون حقيقة أساسية : الأنظمة المجرمة لم 
ينشئها اا مجرمون وإنما انين متحمسود ومقتنعون بأنهم وجدوا الطريق 


الما 


0 الذي يؤدي 0" الجنة 0 يدافعون ببسالة عن ل 00 ومن 
ذل اليا أن الجنة ا موجودة وأن التي كانوا ! إذا مجرد سشاختيق. 


عندهاء أخذ كل واحد يقوم واي الشيوعين ناد «أنتم 
المسؤولون عن مصائب هذا البلد (فهو معورٌ ومفلس) وعن خسارته لاستقلاله 
(فهو واقع تحت سيطرة الروس) وعن الاغتياللات القضائية !» . 

أما المنّهمون فكانوا يجيبون: لم نكن عارفين! لقد خدعنا! كنا مؤمنين 
بالقضية! : نحن أبرياء في قرارة قلوبنا. 

ان الخرال شوو سيو هد البنوال "هل كان معييها انيم له 
يكونوا عارفين؟ أم أنهم كانوا يتظاهرون فقط بأنهم غير عارفين؟ 

كان توماس 000 هذا الجدال 1 حال عشرة ملايين من التشيكيين) 
الكلا, على الفظائع التي ارتكبت ولتي لذ يرال تركياني روسيا القند 
الثورة) . ولكن كان من المحتمل أيضا ألا تكون أغلبيتهم مطلعة فعلاً على 
مجريات الأمور. 

وكان يفكر أن السؤال الأساسي ليس : هل كانوا عارفين؟ بل: هل هم 
أبرياء لأنهم غير عارفين؟ إن غبيا جالسا على العرش, أهو منره عن كل 

00 جدلّ بأن القاضي التشيكي الذي كان يطالب» في بداية 
الخمسينات». بعقوبة الإعدام لرجل بريءع., مادام أنه كان وا 1 
الشرطة الروسية السرية ومن نظام بلاده . ولكن الآن. قد عرف الجميع أن 
التهم باطلة وأن المحكومين أبرياء. كيف بإمكان القاضى نفسه أن يحتشد 
للدفاع عن براءة ذمته وأن يلطم صذره قائل: صميري لا تشوبه شائبة. لم 


أكن أعرف هكذا كنت أعتقد! ولكن ألا تكمن غلطته التى تعوض هنا بقوله: 
«لم أكن عارفاء هكذا كنت أعتقد!)؟ . 


152 


يستطع تحمل مشهد الشقاء الذي سببه جهله ففقأً عينيه وغادر «ثيب) وهو 

كان توماس يسمع زعيق الشيوعيين وهم يدافعون عن براءة ذمتهم ١‏ 
ويفكر: بسبب جهلكم فقد هذا البلد حريته لقرون عديدة مقبلة وتزعقون 
قائلين بأنكم 00 كيف تجرؤود بعد على النظر حواليكم؟ كيف ألم 
تصابوا بالهلع؟ أو لا عيون لديكم لتبصروا! لو كانت عندكم عبيون حقا لكك 
فقأتموها وغادرتم «ثيب»! 

كان هذه المقازتة ترق .له إلى مد آنه كان ستعملها عرارا فى الحاديقة 
مع أصدقائه. وكان يعبّر عنها بعبارات أكثر لذعاً وأكثر فصاحة. 

كان يقرأ في تلك الفترة» مثل كل المتقمين: مجلة أسبوعية يطبع منها 
ثلاثمائة نسخة وينشرها اتحاد الكتاب التشيكيين الذي اكتسب استقلالاً ذاتيا 
لا يستهان به في ظلال النظام والذي كان يتكلم أشياء لا يجرؤ الآخرون على 
0 5 كانت المجلة الجا 0 0 يسألون 
خلال المحاكمات السياسية فى 0 3 للنظام الشيوعي»)؟ 


كان السؤال ذاته يتكرر دائماً في كل هذه المجادلات وهو: هل كانوا 
عارفين أم لم يكونوا عارفين؟ وبما أن توماس كان يعتبر هذه المسألة ثانوية. 
كتب في ذات يوم خواطره عن ال وأرسلها إلى المجلة الأسبوعية. بعد 
الجر كلل عوابا من فسؤولى المجلة يتوسلون إليه فيه أن يمر بمكتب 
التحرير. وعندما ذهب إلى هناك, استقبله صحافي قصير القامة وفي غاية 
الاستقامة. ثم اقترح عليه عليه أن يغيّر من تركيبة إحدى الجمل. وظهر المقال 
فيما بعد في الصفحة ما قبل الأخيرة في زاوية «رسائل القراء». 

لم يكن توماس راضياً إطلاقاً عن المقال. كانوا قد ارتأوا استدعاءه إلى 
المجلة لكي يجعلوه يوافق على تغيير في تركيبة إحدى الجملء ولكنهم 


]53 


اقتطعوا جزءاً كبيراً من المقال. فصارت خواطره تقتصر على فكرة رئيسية 
(مبسطة أكثر مما ينبغي وتعسفية) ولم تعد تعجبه إطلاقا . 

حدث ذلك أثناء ربيع .. كان ألكسندر دوبتشك فمقلها سند 
الحكم ومحاطاً بالشيوعيين الذين كانوا يحسون أنهم مذنبون ومستعدون لعمل 
شيء ما من أجل إصلاح خطتهم . ولكن الشيوعيين الآخرين الذين كانوا 
يزعقون بأنهم أبرياء» كانوا خائفين من أن يحيلهم الشعب الغاضب إلى 
المحاكمة. وكانوا يذهبون كل يوم ليشكوا أمرهم إلى السفير الروسي 
ويستمنحوا دعمه. وعندما 0 رسالة توماس. أطلق هؤلاء الصرخة: هل 
وصل الأمر إلى هذا الحد! يتجرأون على الكتابة علانية يجب فقء عيوننا! 

بعد شهرين أو ثلاثة قرر الروس عدم السماح بالجدال الحرّ في أريافهم 
واحتل جيشهم في غضون ليلة واحدة بلد توماس .' 


3 


كان توماس بعد رجوعه من زوريخ قد وجد وظيفة له في المستشفى 
نفسه الذي كان يعمل فيه في براغ. ولكن., بعد قليل من الوقت استدعاه 


ركس القسم: 
قال له : الل لم يو 0 


ورم عاها ولكنى أ أرى ا 
المقال الذي كتبته بخصوص «اوديب» . هل أنت متننمك به إلى حل بعيد؟ 
فقال 00 بو أن ثلث نصه قد اقتطع: «أستاذي , إنه آخر 
قال رئيس القسم : «هل لديك فكرة عن مجريات الأمور؟ » . 
كان يدرك أن هناك أمرين في الميزان: من جهة شرفه (الذي كان 
يقضي بألا يتراجع عما كتبه) ومن جهة ثانية هناك الأمر الذي تعود على 
اعتباره هدف حياته (أي عمله كرجل علمي وكطبيب). 


134 


أردف رئيس القسم : «تلك عادة قروسطية أن نفرض على رجل ما أن 
يرجع عن كلامه. لكن ماذا تعني عبارة «رجع عن كلامه)؟ في أيامنا هذه 
0 بل في إمكاننا فقط أن ننقضها من 
الأساس. وبما أن الرجوع عن الكلام أمر مستحيل يا زميلي العزيزء لا بل 
كلاميّ بحث وشكلي ووهمي وسحري» فإني لا أفهم لماذا لا تنفذ لهم ما 
يطلبون منك . ففي مجتمع يحكمه الإرهاب, ما فائدة البيانات عي 0 
إكراها! الذلك :حدر برحل شريف أل يعيرها اهتماماً وألا يصغي إليها. 


لك ذلك يا زميلي العزيز من أجل مصلحتي ومصلحة مرضاك. ب 0 
في وظيفتك» . 

فقال توماس والتعاسة تبدو على وجهه: «أستاذي » من المؤكد أنك 
محق في ما تقول». 


«ولكن؟» قال رئيس القسم وهو يجهد لقراءة أفكاره. 

«أنا خائف من أن أشعر بالخجل؟»). 

لكن مِنْ مّنْ؟ أتولي اعتباراً كبيراً للناس الذين يحيطون بك حتى 
تهتم لما يفكرون؟ 

لاء قال توماس . لا أولي اعتباراً كبيراً للناس . 

أضاف رئيس القسم: «على كل حال. لقد لقد أكدوا لي أن الإفادة لن 
تكون علنية. فهم بيروقراطيون ويحتاجون لأن يضعوا في ملفاتهم شيئاً . يثبت 


أنك لست ضد النظام . وهذا ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم في حال أَبِدَ 
000 لقد وعدوني بأن تبقى إفادتك سرأ بينك وبين 


السلطات. دود أن تكون لهم نية في نشرها». 
فقال توماس متها الحديث: «أعطني مهلة أسبوع لأفكر» . 


4 


كان توماس يُعدّ أفضل جراح في المستشفى . وكان يُشاع حينها أن 


]5 


رئيس الخدمة الذي كان يقترب من سن التقاعد. سيترك له منصبه عما 
قريب. وعندما سرى الخبر بأن السلطات العليا كانت تفرض عليه تقديم إفادة 
نقد ذاتية» لم يشك أحد في أنه سيمتثل للأمر. 
وهذا أول أمر فاجأه: أن يراهن الجميع على عدم استقامته مع أنه لم 
يقم بشيء يبرهن على صحة هذا الافتراض. بدل أن يراهنوا على استقامته . 
والشيء الآخر هو ردة فعلهم أمام تصرفه المفترض. ويمكنني 
بالإجمال أن أقسم ردة الفعل إلى فئتين: 
فالنموذج الأول لردة الفعل فين مولام الذين كانوا هم أنفسهم 1 
أو أقاربهم) قد تنكروا لشيء ء ماء والذين أجبروا على التصريح علانية أنهم 
على وفاق مع نظام الاحتلال. أو هؤلاء الذين كانوا يتحضرون للقيام بذلك 
(على مضض طبعاء لأن لا أحد يقوم بذلك عن طيبة خاطر). ‏ ' 
كان هؤلاء الناس بالذات يوجهون إليه ابتسامة غريبة لم يكن له عهد 
بها من قبل: الابتسامة الخجولة لتواطؤ سري. كمثل ابتسامة رجليّن يتلاقيان 
صدفة في المبغغى فيعتريهما في البداية شعور بالخجل . ولكنهما فيما بعد 
مرا لكون شسورهما بالتشكل شتبادلا » فينشا نينهما ما يسك زابطا أخويا: 
وكانوا يبتسمون له بتحبب متزايد لا سيما وأنه لم يكن يُعدّ امتثالياً في 
وقت من الأوقات. لذلك». ستكون موافقته المفترضة على عرض رئيس 
القسم شاهداً على أن الجبن آخذ في أن يتحول ببطء ولكن بيّقين إلى عادة 
0 ل ا 0 فأدرك توماس 
من الهلع أنه لو كتب حقاً هذه الإفادة التي يملونها عليه. لا شك في 
ل ده سيدعونه لتناول كأس في بيوتهم وسيسعون إلى اكتساب صداقته . 
أما النموذج الثاني لردة الفعل فيتضمن هؤلاء الذين كانوا هم أنفسهم 
(هم أو أقاربهم) مضطهدين والذين كانوا يرفضون الموافقة على 00 
مع السلطة المحتلة. أو هؤلاء الذين لم يكن أحد ليطالبهم بمساومة أو بإفادة 
(ربما لأنهم كانوًا أحذانا ولم يكونوا بعد قد تورطوا في شيء) لأن لا أحد كان 
مقتنعا بأنهم سيقبلون بذلك . 


156 


سأك توماس ذات يوم : «ماذاء مرك 3 رذاك الشيء ع؟). 

برعم م تتكلم. لو سمحت؟). 

و«عن رجوعك عما قلته». قادس... 0 

يق سق كان مسن : وكانت هذه 'لابتسامة مختلفة تماما عن أنواع 
الابتسامات الأخرى. ابتسامة الفوقية الأخلاقية الراضية عن نفسها. 

قال توماس: «إسمع. ماذا تعرف بشأن إفادة الرجوع عما قلته؟ هل 
قرأتها؟ 

«لا». أجاب س. . 

فقال رماس + راذا تقول 913 

كان س. . . يبتسم الابتسامة الراضية نفسها: «هياء نعرف كيف تجري 
الأمور. فهذه الإفادات تكتب على شكل رسالة موجهة إلى المدير أو إلى 
الوزير اد إلى تاريوة الندى له بأنالرهداك ال عير كي لا تعر كاتبها 
بالمذلة. هذه هى الحال.» أليس كذلك؟». 

«وبعد ذلك وضع الإف الإفادة ِ الملفء» 2 0 بعرت نَ 

00 ا أن إفااته ستنشر حيتظ وسيُفتضح 
أمره أمام لجبيع وفي نهاية الأمرء انها طرق لمن ترما فبالامكان 
تصور طرق أ سوأ منها بكثير. 

قال توماس: «أجل , تلك :طريقة لنطيفة ندا . ولكني متحرّق لأعرف 
من قال لك أنني 0 

رفع الزميل كتفيه هازئاً ولكن الابتسامة لم تتلاش عن وجهه. 


0 أقسرا ريسا لقد كان «الجميع» يبتسمولد له وكان 
«الجميع» يتمنون أن يكتب إفادته» لأنه لو رجع عن كلامه فسيدحل السرور 


ذا 


إلى فلوت الجتميعم سي 
الخاص ويرجع لهم الشرف المفقود. وكان آخرون قد اعتادوا على أن يجدوا 
شرفهم امتيازا خاصاً لا ينوون التخلي عنه مطلقاً. لذلك. ٠‏ فإنهم يكنون 
للجبناء محبة سرية» فلولاهم لما كانت شجاعتهم إلا مجرد جهدٍ غير مجد 
وغير مثير للإعجاب . 


لم يكن توماس قادراً على تحمل هذه الابتسامات؛, وكان يتخيل أنها 
5 وحتى على وجوه المارة المجهولين في الشارع . كما 

وأنه لم يعد قادراً على النوم . ماذا؟ هل كان يعير هؤلاء الناس أهمية إلى هذا 
الحد؟ إطلاقا . الم ا الى ا ا 
لنظراتهم بأن تشوش على أفكاره. فهل يمكن لمن كان لا يقيم أي اعتبار 
ل أن يجعل مصيره ه مرتبطاً إلى حدٍ بعيد بحكمهم عليه؟ 


ربما ارتيابه المتأصّل بالناس (أي شكه فيما يختص بحقهم في تقرير 
مصيره أو الحكم عليه) قد لعب دوراً في اختياره لمهنة تثنيه عن أن يكون قبلة 
ا فذلك الذي يختار مثلا مهنة الرجل السياسي يجعل عن طواعية من 
الجمهور حكماً له مؤمناً إيماناً ساذجاً وصريحاً بأن عليه أن يكسب ودّه. وكما 
3 احتمال معاداة الجموع له يحثه بالتالي على القيام بمآثر أكثر فأكثر تطلباًء 


كذلك فإن صعوبة تشخيص مرض مها تثير توماس بالطريقة نفسها 


إن الطبيب (بخلاف الرجل السياسي أو الممثل) لا يحكم عليه إلا 
مرضاه وزملاؤه المقربون. وهؤلاء يحكمون عليه مباشرة وصراحة ودون 
وسائط وبين أربعة حيطان. وهو يمكنه. في مواجهته لعيون هؤلاء الذين 
يحكمون عليه. أن يرد مباشرة وأن يوضح رأيه مدافعاً عن نفسه. ولكن 
توماس الآن (وللمرة الأولى فى حياته) كان يجد نفسه محط أنظار كثيرة لا عد 
لها ولا يستطيع إحصاءها. وهو حيالها لم يكن يستطيع أن يره .لا بنظراته وله 
بكلمات.. بل كان متروكا تحت رحمتها. كانوا يتحدثون عنه في كل مكان. 
في المستشفى وخارج المستشفى (قبّراْ كانت تعيش على أعصابهاء وكانت 
أخبار هؤلاء الذين يستسلمون ويُشون ويتعاونون مع النظام تنتشر بسرعة 
مدهشة مشابهة لسرعة مطنطنة أفريقية)» وكان يعرف هذا الأمر دون أن 


]55 


يستطيع القيام بشيء حياله. كان هو نفسه مدهوشاً من رؤيته إلى أي حدّ كان 
هذا غير محتملء وفي أي ذعر كان يغرقه. كان الاهتمام الذي يوليه إياه 
الجميع يجعله معتكر المزاج كمثل تدافع حشود أو كمثل التلامس مع أشخاص 
يقتلعون لنا ثيابنا في كابوس 

ذهب للقاء رئيس القسم وأبلغه أنه لن يوقع على شيء. 

شد رئيس القسم على يده بقوة أكبر من المعتاد بكثير» وقال إنه كان 
يتوقع أن يتخذ هذا القرار. 

لان كرهاين : وأسعادى وريه دإمكتاتك اا تقض نو نماك بسع ولت 

ِ كي ب 

لم أعطٍ إفادتي». وكأنه كان يود أن يلمح له بأنه يكفيى. في حال اجبر على 
الرحيل. أن ا بتقديم 0 
بوقت قصيرء م ا و أكبر مما في المرة السابقة, 
إلى درجة أن علق يله صا د رقا إلى ترك منصبه في المستشفى . 


5 


وجد, أُوّل الأمرء عملا له في عيادة ريفية تقع على بعد أربعة وعشرين 
كيلومتراً من براغ . كان يذهب إليها كل يوم في القطار ويعود منهكاً من 
التعب . ثم بعد مرور سنة. وُفْقَ إلى إيجاد عمل له أكثر راحة ولكن غير هام 
البتة» في مستوصف في الضواحي . هناك لم يعد يستطيع أن يكرس نفسه 
اللجراعة يل كان يفيل بعناقة طييا عنافا . كانت صالة الانتظار تكتظ 
بالمرضى . سل ال ل ا كان 
يصف لهم حبوبا من الإسبيرين أو يكتب شهادات مَرَضيّة ليقدموها لأرباب 
عملهم» أو يرسلهم لمشاورة أطباء في الأقسام المختصة. وهكذا لم يعد 
يعتبر نفسه طبيباً بل موظفاً في مكتب . 


ثم في ذات يوم وعندٍ انتهاء الخدمة. جاء لزيارته رجل وس 
كانت تمه ننه مطهرا جديا : 000 


159 


الإدارة في وزارة الداخلية. ثم دعا توماس للجلوس في المقهى المقابل. 
طلك قنيتة تبيد تاغتركن توعان افلا رأفرة مشارة ذا اوفقي 
الشرطة. ستأخذ مس رخصة السير». فابتسم عندها رجل وزارة الداخلية : «إذا 
حدث لك شيءء يمكن الاستشهاد بي». ثم أعطى توماس بطاقة كتب عليها 
اسمه (المزيف طبعا) ورقم هاتف الوزارة. 
ثم استفاض يشرح لتوماس عن مقدار الاحترام الذي يكنه له. فالجميع 
في الوزارة ليسوا راضين على أن تقتصر مهمة جراح في مثل مكانته. على 
وصف حبوب للأسبيرين في مستوصف الضاحية. وأفهمه أيضاً بطريقة غير 
مباشرة بأن الشرطة. وإن لم تكن تستطيع التصريح عن ذلك. كانت تأسف 
أن يُطرد الاختصاصيون من مناصبهم بمثل هذه الوقاحة. 
وم أن نيا طويلا قد مر ولم يسمع توماس أحداً يُحسن ٠‏ الثناء علي 
فإنه كان يستمع إذا بانتباه كلي إلى الرجل القصير المتكرش, ويكتشف 
لدهشته أنه كان مطلعاً كلياً وبالتفاصيل على نجاحاته في حقل الجراحة لَكُم 
نحن ضعفاء أمام المديح! لم يكن في مستطاع توماس إلا أن يأخذ على 
محمل الجدّ ما كان يقوله رجل الوزارة. 
ولكن ذلك لم يكن بسبب الغرور فقط بل لانعدام الخبرة خاصة. 
فحين يجد المرء نفسه في حضرة ة شخص متودد ومراع . ومؤدذب» يصعب عليه 
كثيرا جنكاب سي د ارم ب ار أن لا 
ء حقيقي . ولكي ينجح في «ألآ يصدّق» (بطريقة مستمرة وجذرية ومن 
فون دقيقة تردد) يلزمه جهد خارق وذربة 5 انها أي محاضر استجواب بوليسية 
متكررة. وهذه الدربة بالذات هي التي كان يفتقر إليها توماس . 
ثم تابع رجل الوزارة: «دكتور. نعرف أن مركزك كان رفيعاً في 
زوريخ. . ونحن نقدر كثيرا رجوعك إلى هنا. تلك مبادرة جيدة من قبلك . 
فأنت تعرف أن مكانك هنا . ثم أضاف وكأنه يريد توجيه ملامة لتوماس : 
«ولكن مكانك الحقيقي في غرفة العمليات!». 
فقال توماس : أشاطرك الرأي. 


160 


بعد صمت قليل» أردف الرجل بصوت يُدمي الفؤاد: «ولكن. كن 
يا دكتورء أفي اعتقادك حقاً أنه يجب فَنْءُ عيون الشيوعيين؟ الك تر انه مر 
مستغرب أن يكون هذا الكلام صادزا عنك أنت بالذات؟ أنت الذي أرجعت 


العافية لأناس كثيرين؟ 

فاعترض توماس قائلاً : ا ود ا 

قال رجل الوزارة بلهجة تفتعل الأسف: راث 

وهل عساي كتبت أنه يجب فقء عيون الشيوعيين؟ 

فقال رجل الوزارة وصوته يزداد تحسراً: «هذا ما فهمه الجميع». 

لو أنك قرأت النص كاملاء كما كنت قد كتبته. لما أمكنك قط أن 
تفكر بشتىء همائل لقن اختصر لضن فلبلا : 

فقال رجل الوزارة وقد أرهف السمع: «ماذا؟ ألم ينشروا مقالك كما 
كتبته؟ 

اختصروا منه. 

كثيراً؟ 

ت :الفلك تقرييا 

كان رجل الور ره ملاو كانه صادق في سخطه: «واضح م أن هذا لم 
يكن نزيهاً من قبلهم». 

هرّ توماس كتفيه هازثاً. 

«كان يفترض بك أن تدافع عن حقوقك! كان يفترض بك أن تطالب 

فوراً بتصويب ما!». 

فقال توماس: ماذا تريدين أن أفعل! قَدِمِ الروس بعد ذلك بوقت 

» فانشغل الجميع بهموم أخرى. 

- لكن لماذا تجعل الآخرين يعتقدون بأن طبيباً في مكانتك يتمنى أن 


161 


لكنْ مهلاً! لقد ظهر مقالي في مكان ما في آخر المجلة وسط رسائل 
أخرى . وهو لم يثر انتباه أن إلا السفارة الروسية. لعا لأنه كان يلائمهم . 


لا تقل هذا يا دكتور! لقد تجادلت بنفسي مع أناس كثيرين حدثوني 
عن مقالك وكانوا كلهم مدهوشين من أن تكون قادرا على كتابته . ولكن. 
عندما قلت لي بأن مقالك لم ينشر بالضبط كما كتبته. صار ك ' , شيء أكثر 
وضوحا بالنسبة لي. هل أوحوا لك إذا بكتابته؟ 


قال توماس : لاء أرسلته من تلقاء ذاتي . 

هل كنت على معرفة بهؤلاء الناس؟ 

عايف؟ 

هؤلاء الذين نشروا مقالك . 

الا 

حالم تعلد فين قبل؟ 

لم أرَهم سوى مرة واحدة. عندما طلبوا منى أن أمر بقسم التحرير. 

جد ولاق اغرضن ؟ 

بسبب ذاك المقال. 

ومع مَنْ تحدثت؟ 

مع صحافي . 

وما كان اسمه؟ 

أدرك توماس أخيراً أن هذا كان استجواباً. فقال في نفسه إن كلمة 
واحدة يقولها يمكنها أن تضع أحدهم في خطر. كان يعرف بكل تأكيد اسم 
الصحافي ولكنه أنكر: «لا أعرف». 


فقال الرجل بنبرة مفعمة بالسخط على انعدام الصدق هذا: «ولكن 


]62 


هيا يا دكتور! يفترض به أن يكون قد عرّف عن نفسه!». 

إققه لمن الك الع المكن: از#اتضيدر احلوقنا تاديد في 
صالح الشرطة؛, والسبب أننا لم نتعلم الكذب. فصيغة الأمر: «قل الحقيقة!» 
التي رسخها آباؤها وأمهاتنا في أذهانناء » تجعلنا نشعر بطريقةٍ آلية بالعار حين 
نكذب حتى ولو كنا أمام الشرطي الذي يستجوبنا. وإنه لأسهل علينا أن 
نتخاصم معه وأن نشتمه (وهذا لا معنى له) من أن نكذب عليه صراحة (فيما 
هذا هو الأمر الوحيد الذي يجدر القيام به). 

عندما سمع توماس رجل الوزارة يأخذ عليه انعدام الصدق. أحس بأنه 
مذنب تقريباً. ووجب عليه أن يقهر جداراً أخلاقياً لكي يتمكن من الاستمرار 
في كذبه: «لا شك في أنه قد عرف عن نفسه. ولكن بما أن اسمه لم يكن 
يعني لي شيئاًء فقد نسيته في الحال». 

كيف كان شكله؟ 

كان الصحافي الذي ذهب لمقابلته. آنذاك. قصير القامة. وكان شعره 
أشقر ترقفي ا عدا رتفي فحاول توماس أن يجد صفات مناقضة له تماماً 
فقال: «كان طويل القامة وكان شعره طوياد أسود) . 


قال رجل الوزارة : آه صحيح؟ وهل كانت ذقنه طويلة ومعقوفة؟ 
ومحني لهند 


ورذد توماس مرة الخو بعد ان تس اويل الوزارة كان يشتبه بشخص 
ما: وأجل كمامان:. إن توماس لم يش بصحافي تعيس فحسب بل إن وشايته 
كانت فوق ذلك كاذية . 


«ولكن لماذا استدعاك؟ وعم تحدلتم؟). 
كانوا يريدون أن أغيّر في تركيبة إحدى الجمل . 


بدا هذا الجواب وكأنه ذريعة تافهة. فاغتاظ رجل الوزارة من جديد لأن 


]03 


توماس يرفض أن يقول الحقيقة: «هيا يا دكتور! لقد أكدت لتوّك بأنهم حذفرا 
من النص ثلشه والآن تقول لي بأنكما تحدثتما بخصوص تغيير جملة! ألا 
ترى أن هذا ليس منطقياً البئّة!». 


الحقيقة عينها فقال وهو يضحك: «هذا ليس منطقياء ولكن هذا هو بالضبط 
ما حصل . لقد طلبوا مني أن أسمح لهم بالتغيير في تركيبة إحدى الجمل 
لكنهم فيما بعد اقتطعوا ثلث المقال». 

000 ل م ودر 
نيع ملك 

افرخ كآش:البيك مها : «دكتورء لقد كنت ضحية التلاعب إنه لأمر 
يدعو إلى الأسف أن تدفع الثمن أنت ومرضاك. نعرف تماما ما تتحلى به من 
مزايا يا دكتور. وسنرى ما في وسعنا أن نفعل». 

مد يده إلى توماس مصافحاً ثم استأذن بالانصراف بمحبة قلبية. ثم 
خرجا من المقهى وتوجّه كل منهما إلى سيارته. 


6 


عكر هذا اللقاء من مزاج توماس . فهو كان يأخذ على نفسه استسلامه 
للنبرة الجذلى للحديث. ما دام قد قبل بالتحدث مع الشرطي (لم يكن 
مستعدا في الأساس لموقف كهذا ولم يكن عارفا ماذا يبيح القانون وماذا 
يحظر) كان يجدر به على الأقل أن يرفض الذهاب معه إلى المقهى ومشاركته 
في شرب كأس وكأنه يشارك صديقا! ماذا لورآه أحد ماء أحد يعرف ذلك 
الرجل! الج سيكون على استعداد لأن يستنتج بأن اتوماس مستخدم لدى 
الشرطة! ثم لماذا قال لهذا الشرطي بأن مقاله قد اجتّزىء منه! لماذا أوقفه 
على هذا 2 هناك سبب يدعوه إلى ذلك؟ شعر عندها بأنه مستاء من 
نفسه كل الإستياء. 


164 


بعد مرور خمسة عشر يوماًء رجع رجل الوزارة. واقترح عليه الذهاب 
إلى المقهى المقابل كما في المرة السابقة. ولكن توماس فضل البقاء في 
حجرة المعاينة . 

فقال الآخر وهو يبتسم : «دكتورء أفهمك)». 

فصدمت توماس هذه الجملة. لأن رجل الوزارة كان يتكلم مثل لاعب 
شطرنج يؤكد لخصمه بأنه سجّل خطأ في النقلة السابقة. 

كانا جالسين على كرسيهما وجهاً لوجه تفصل بينهما طاولة توماس. ثم 
أخذا يتحدثان لمدة عشر دقائق عن انتشار وباء الزكام الذي كان يجتاح البلاد 
آنذاك ٠‏ ثم قال الرجل : «لقد فكرنا في وضعك يا دكتور. لو كان الأمر يتعلق 
بك وحدك, لكانت الأمور أكثر سهولة . ولكره علا ان تحمك خشانا للراق 
العام . إن مقالك. شئت أم أبيت» ساهم فى إحياء الهستيريا المعادية 
للشيوعية . ولا أخفيك القول إنهم أوحوا لنا بمقاضاتك سيب هذا المقال. 
فهناك شرعة قانونية تتعلق بذلك ومفادها تحريض الشعب على أعمال 
العنف). 


يوقت رجل وزارة الداخلية للحظة محدّقاً في عيني توماس. فرفع 
0 م 
القديم ل أنت اختصاصى كبير 
بادكون انك لأعد أن يطالب طنيدا باق تحال النياسة: لقن جغلت 
من نفسك هزأة يا دكتورء وعليك أن تصلح الأمر. من أجل هذا نود أن 
نقترح عليك نص لإفادة لكي تضعها حسب ,أينا في تصرف الصحافة. ٠‏ ثم 
بعد ذلك نبذل كل ما في وسعنا لكي تنشر في الوقت المناسب». ثم مذ ورقة 
إلى توماس . 


وعندما قرأ توماس ما جاء فيها. أصيب بالذهول. كان الأمر أسوأ بكثير 
مما التمس منه رئيس قسمه القديم أن يفعل منذ سنتين. إذ لم تكن الإفادة 


165 


وها 15 عن مقال 0 بل كانت تتضمن 00 عن حبّه للاتحاد 
السوفياتي ووفائه للحزب الشيوعي وتتضمن أيضاً اتهاماً للمثقفين الذين كانواء 
حسب ها جاء في الإفادة يريدون أن يقودوا البلاد إلى الحرب الأهلية. ولكنها 
كانت تتضمن على الأخص تشهيراً بمحرري المجلة الأسبوعية الخاصة 
بالكتات وباسم الصحافي طويل القامة والمحني الظهر (لم يكن توماس قد 
قايلة من قبل ب كان كرت احم رن لزاع صورم ع الل امع توقاي 
عن قصد فشوّه معنى المقال وجعل منه نداءً معادياً للشورة. والسبب أن هؤلاء 
كانواء استناداً ا اوري الو أجبن من أن يكتبوا بأنفسهم نل 
منائلا مفضلين الاختباء خلف طبيب ساذج . 


كان رجل الوزارة يقر أ الهلع في عيني توماس . انحنى إلى العام نت 
بمودة على ركبة اومان تخت الظاواة ‏ : «دكتور. هذه مجرد مسودة . ستفكر 
مليّا في الأمر وإذا ارتأيت أن تغيّر عبارة أو أخرى فسيكون بإمكاننا التفاهم 
بشأن ذلك. طبعا. فالنص «نصّك» بعد كل حساب». 

أعاد توماس الورقة إلى الشرطى وكأنه خاف أن يحتفظ بها في يده ثانية 
واحدة بعد. كان يتخيل» لوهلة. أنهم سيتحققون من بصمات أصابعه. 

وبدل أن يستردٌ رجل الوزارة الورقة» أبعد ذراعيه بدهشة مصطنعة (مثل 
إشارة البابا وهو يبارك الجموع من أعلى شرفته) ثم قال: «ولكن يا دكتور. 
لماذا تعيدها إليّ؟ يجب أن تحتفظ بها لتفكر في الأمر مليًا في البيت». 

هر توماس رأسه 0 ثم أمسك الورقة بصبرٍ في يذه الممدودة. وكفث 
رجل الوزارة عن تقليد البابا الأعظم وهو يبارك الجموع. واقتنع أخيراً بأخذ 
الورقة . 

كان توماس يريد أن يقول له بلهجة حازمة إنه لن يكتب شيئاً ولن يوقع 
على شيء. . ار اللحظة الأخيرة وقال بهدوء: «أنا لست 
أميا . لماذا ينبغي علي أ ن أوقع على شيء لم أكتبه؟ 

دعن عدا بامكون يقن أن سلكت طرينا نعافساة الى ول 
الأمر شيئا بنفسك ومن ثم نتباحث في شأنه سوية. أما الورقة التي قرأتها الآن 


1]66 


فيمكنك على الأقل أن تستخدمها كنموذج». 

لكنْ لماذا لم يرفض توماس حالاً وبشكل جذري اقتراح الشرطي؟ . 

لأنه اعتمد هذه الفكرة بأسرع ما يمكن: زد على أن إفادات من هذا 
النوع ترمي إلى إفساد أخلاق 3 بكاملها (فالتعبئة السوفياتية كانت تسير في 
هذا الاتجاه) فإن الشرطة كانت تلاحق في وضع كوضعه هدفاً محددا: إذ 
ريبما كانوا يستعدون لإقامة محاكمة ضد صحافيى المجلة الأسبوعية التي 
كان توماس بعث بمقاله لها. وفي هذه الحالة, ستكون إفادة توماس بمثابة 
وثيقة إثبات يستخدمونها في الحملة الصحافية التي ستشنْ على الصحافيين 
المذكورين. . لوأنه رفض حالاً وبطريقة حازمة لا رجوع فيها. فهو سيخاطر 
إذا بقيام الشرطة بنشر هذا النص المعدٌ مسبقا وترفقه بتوقيعه المزور. وعندها 
لن تنشر أية صحيفة إطلاقاً نفيه للخبر! ولن يصدق أحد من الناس أنه لم 
يكتب المقال بنفسه ولم يوقعه. ألم يسبق له أن فهم أن الناس هم شديدو 
التلذذ بتحقير الآخرين حتى يفسدوا هذه المتعة بالشروح والتفسيرات! 


وإذا كان قد أعطى الشرطة أملاً بأنه سيكتب النص بنفسهء فهذا 
لكسب الوقت لأنه كتب رسالة استقالته في اليوم التالي. كان يُفترض 
(وافتراضه في محله) أنه فيما لو هبط عن عمد إلى أسفل درجة في السلم 
الاجتماعي (والتي توجب حينها على آلاف المثقفين ومن مختلف الفئات. 
الهبوط إليها) فإن الشرطة لن يكون في مستطاعها أن تملك أي وسيلة للضغط 
عليه ٠»‏ فتكف عن الاهتمام بأمره . ولن يقدروا أيضا غلى "تكتن إفاذة تدعي أنها 
موقعة باسمه لأن الأمر ساعتّها لن يعود قابلاً للتصديق . والسبب أن الإفادات 
الدنيئة العلنية تترافق عادة مع ترقيات موقعيها وليس مع تدنيهم . 


ولكن الأطباء في بوهيميا هم مجرد موظفين وبإمكان الدولة تسر يحهم 
بن والانقهم ساعة تشاع ولكنها غير مضطرة إلى ذلك. حاول الموظف الذي 
قدّم له توماس استقالته أن يقنع توماس بالعدول عن ترك وظيفته. فهو كان 
مطلغا علق وسرت ويخترمه . ففهم توماس فجأة بأنه غير واثق من أنه قام 
بالاختيار المناسب . ولكنه شعر مع ذلك بأنه ملتزم بقراره هذا وكأنه عهد على 


167 


الوفاء . فأصر عليه يعناد. وهكذا أصبح مُنطفتَ زجاج . 
7 


لسنوات حَلَتَء عندما كان توماس يقود سيارته من زوريخ إلى براغ 
كان يردد قائلا: «ليس من ذلك بده وهو يفكر بحبه لتيريزا . وحين عبر 
ا اليد فقتو فيما إذا كان قرازه لآ ند متها فيل قفهم 

حينئذٍ أن سلسلة الصدف التافهة التي حصلت قبل سبع سنوات هي التي 
فمنه دأعماة قرزي |( عافت تقثه الصادف اقل يداك معرفضق ألم عرق النسا الذي 
أصاب رئيس القسم) واقتادته إلى قفص لا وسيلة للفرار منه. 


هل يجب الاستنتاج من هذا أنه لم يكن في حياته «ما ليس منه بدو 
نه لم يكن في حياته ما يُسمّى ضرورة قصوى؟ خسب رأبي» ثمة ضرورة 
قصوى في حياته. وهي لا تتمثل في الحب بل في المهنة. فالشيء الذي 
دفعه للطب لم يكن الصدفة ولا القرار المنطقي وإنما رغبة داخلية دفينة . 

لو وؤجدت وسيلة ما لتصنيف الكائنات إلى فئات فسيجري هذا 
التصنيف بالطبع وفقاً لتللك الرغبات الدفينة التي تقودهم باتجاه هذا النشاط أو 
ذاك؛ الذي يمارسونه طيلة حياتهم. 0 
ولكن جميع ممثلي العالم متشابهون سواء كانوا في باريس أم في براغ أم في 
المسرح الأكثر تواضعا في أحد الأرياف. لأن الممثل هو ذاك الذي يقتنع منذ 
الطفولة بأن يقدم 0 أمام الجمهور المجهول. فمن دون هذه 000 
الجوهرية التي لا علاقة لها بالموهبة. بل هي شيء أعمق من الموهية, لا 
يمكن للواحد أطي كذلك» فإن الطبيب هو ذلك الذي يقبل أن 
يكرس نفسه للجسد البشري متحملاً جميع العواقب» » طيلة حياته. إن هذا 
العهد الأساسي (لا الموهبة أو البراعة) هو الذي يسمح له. في خلال سنته 
الدراسية الأولى. بالدخول إلى غرفة التشريح ليتخرجٌ طبيباً بعد ذلك بسث 
سئوات . 

الجراحة ترفع المبدأ الإلزامي لمهنة الطب إلى حده الأقصى حيث 
يلامس البشريٌ الإلهيّ . عندما يُضرَبِ أحدهم بعنف على جمجمته بالهراوة. 


168 


فإنه ينهار ويتوقف عن التنفس إلى الأبد. ولكنه في جميع الأحوال سيتوقف 
يوماً عن التنفس . لا أهمية لهذه الجريمة سوى يي عن 
آجلا. فهولم يكن يشك في أن يجرؤ الإنسان يوماً على إدخال يده في : 
أحشاء الجسم التي خلقها مغلفة بعناية بالجلد ومختومة ومحجوبة عن 
الأنظار. عندما وضع توماس, لأول مرة» المبضع على جلد مريض خامد 
تحت تأثير المخدّر وعندما شق هذا الجلد بضربة قوية محكمة وفتقه تبعا 
لخط مستقيم ودقيق (كأنه قطعة لحم ميّتة أو كأنه رداء أو تنورة أو ستارة) 
أحسٌ حينئذ بشعور وجيز لكن حاد وبأنه يخرق المقدسات. وهذا الشعور 
بالضبط كان يشدّه في آن! هذه الضرورةء هذا الذي ولا بذ منه) المتجذر 
وي ألم عرق النّسا الذي 
أصاب رئيس القسم. ولا أي شيء خارجي . 

إذأ كي سكن قسنم الجالة تمن أن ارتهلمن يذه المدرهة بوبنا 
الإصرار وبهذه السهولة من شيء متجذر في أعماقه إلى هذا الحد؟ 

ربما سيكون جوابه بأنه تصرف على هذا النحو ليمنع الشرطة من 
استغلاله. ولكن» ولنكن صريحينء حتى ولو كان هذا الأمر ممكنا على 
الصعيد النظري (فهناك حالات من هذا النوع حصلت فعلا) فإنه قاما كان 
محتملا أن تقوم الشرطة بنشر إفادة مزورة مرفقة بتوقيعه. 

من البديهي أن يملك الواحد منا الحق في أن يخاف حتى من المخاطر 
القليلة الاحتمال. فلنقبل بذلك. ولنسلم أيضاً بأنه كان غاضباً من نفسه ومن 
رعونته بالذات وبأنه كان يريد أن يتحاشى علاقات جديدة مم الشرطة لا فائدة 
ُرجى منها سوى انها تريد من جدة عور الفعفه ولسلم أيضا بال قد 
خسر وظيفة فعلاً من زمان لأن عمله الآلي في المستوصف حيث كان يصف 
حبوباً من الأسبيرين لا علاقة له بالفكرة التي كان يكوّنها عن مهنة الطب. 
ومع ذلك كله. فإن فجاتية قرارة فل بدث لي غريبة , ألا تظنون معي أنها 
تخفي في طياتها شيئاً ما أكثر غموضاً. شيئاً يتعدى مجال تفكيره المنطقي؟ 


169 


8 


كان توماس قد شرع يحب بيتهوقن ليدخل السرور إلى قلب تيريزا. 
ولكنه لم يكن مولعاً بالموسيقى . لذا أشك في أن يكون عارفاً بالحكاية 
الحقيقية للازمة بيتهوفن ن الشهيرة : «أليس من ذلك بدّ؟ ليس من ذلك بِذّ». 


لقد جرت الحكاية على هذا النحو: كان هناك رجل يدعى دمبشز وكان 
مديناً لبيتهموفن بخمسيق فورانا: وذات يوم جاء المؤّف الذي 206 
باستمرار يطالب دمبشر بها فتنهد هذا المسكين قائلا : «أليس من ذلك بذّ؟» 
ورد عليه بيتهوفن وهو يضحك من كل قلبه: «ليس من ذلك يذ!» ٠‏ ثم دون 
هذه الكلمات مع أنغامها على مفكرة وألّف انطلاقاً من هذه اللآزمة الواقعية 
قطعة صغيرة من أربعة أصوات: ثلاثة أصوات فيها تغني «ليس من ذلك بدّء 
نعم» نعم. نعم6). ويضيف الصوت الراب بع : «أخرج صرة نقودك!». 

ثم بعد أربع سئوات. أصبحت اللأزمة ذاتها نواة العبارة الموسيقية 
الرابعة من الرباعية لاخر في مجموعة القطع الموسيقية رقم .1١١5‏ لم يعد 
بيتهوقن يفكر إطلاقاً في صرة نقود دمبشر. فصارت الكلمات «ليس من ذلك 
بد تتخذ طابعاً احتفالياً متزايداً» وكأن القدر كان يتقو يهنا خضي في لغة 
«كانت», حتى عبارة «صباح الخير» الملفوظة حسب الأصول ترتدي طابعاً 
ميتافيزيقياً. فاللغة الألمانية هي لغة الكلمات الثقيلة. «ليس من ذلك بدّعلم 
تعد مجرد مزحة بل صارت «القرار المفكر فيه فيه بخطورة). 

كان بيتهوقن قد حوّل إذاً إلهاماً فكهاً إلى رباعية جدية. ومزحة إلى 
حقيقة ميتافيزيقية. إنه لَمئل هام على الانتقال من الخفيف إلى الثقيل (إذاً 
مل على التبدل من الإيجابي إلى السلبي. حسب رأي بارمينيد). لكنّ 
الغريب في الأمر أن هذا التحول لا يفاجئنا. فلو أن بيتهوقن انتقل من رباعيته 
الجدية إلى اتباع المزحة الخفيفة للأصوات الأربعة المتعلقة بصرّة نقود 
دمبشر لكان الأمر يثير سخطنا. رمه اسه 
كقاما من وجنية رنكلن ويا رسكي : لكان انتقل إذا من الثقيل إلى الخفيف. 
السلبى إلى الويجابي ! ففي البداية. ستكون هناك حقيقة 0 
(تحت شكل عمل غير منجز) وفي النهاية مزحة ولا أخف! (على شكل 


170 


مقطوعة منجزة). ولكننا لم نعد نتقن التفكير مثل بارمينيد. 

أعْتَقِدُ أنَّ توماس كان. في صميم أعماقه. حانقاً منذ زمن بعيد على 
نغمة «ليس من ذلك بد لعدائيتها واحتفاليتها الصارمة. وكانت تراوده رغبة 
عميقة في أن يبدل تمشياً مع وجهة نظر بارمينيد» الثقيل إلى خفيف. فلنتذكر 
بهذه المناسبة أن لحظة واحدة كانت كافية في السابق ليمتنع إلى الأبد عن 
رؤية زوجته وابنه . وأنه قد تلقى بارتياح تام قطع علاقة والديه به. . فهل كان 
الأمر شيئاً آخر سوى ضربة عنيفة وقلّما كانت منطقية» » يدفع بها ما يفرض 
نفسه عليه كمثل واجب ثقيل» و كل الى مخ ذللك بود 

جِلَيّ أن الأمر حينئذاك كان يتعلق ب «ليس من ذلك بِدّ» خارجي تمليه 
الأعراف الاجتماعية, فيما «ليس من ذلك بد المتعلق بحبه للطبء» فكان 
ضرورة داخلية. لذلك. فإن الأمر الآن كان أسوأ من السابق. لأن الضرورة 
الداع اكور قر وقسك مكل أكدر هعشا على العمود: 


أن يكون المرء جرّاحاًء فمعنى ذلك أن يشرط ظاهر الأشياء ليرى ما 
الذي يختبىء داعليل ربسا هده الرقية فى الى عدت ماين للذهاب 
لرؤية «ما وراء» «الذي ليس منه بِذ). بل 5 للذهاب لرؤية ماذا 
يبقى من الحياة حين يتخلى الإنسان عن كل ما كان اعتبره حتى الآن رسالته. 
بيد أنه. حين جاء للمثول أمام المديرة اللطيفة لمؤسسات تنظيف 
الزجاج والزاجهاتك فين براغ. بدت له نتيجة قراره فجأة في كامل حقيقتها 
فكاد يرتعب منها. وعاش في جو الرعب هذل الأيام الأولى من تسلمه وظيفته 
الجديدة. ولكن بعدها اجتاز (في خلال أسبوع تقريباً) الغرابة المخذرة 
لحياته الجديدة. اكتشف أنه كان يجد نفسه فجأة في عطلة طويلة الأمد. 
كان يقوم بأعمال لا تعني له شيئاً وكان الأمر جميلاً. أخذ يتفهم شعور 
الناس (الذين كان دائما يشعر بالشفقة عواليم» حتى ذلك الحين) الذين 
يمارسون مهنة ة لم يدفعهم إليها «ما ليس منه بدي بل يقدرون على نسيانها ما 


أن ينتهوا من عملهم . لم يكن قد عرف هذه اللأمبالاة السعيدة ة من قبل. وهو 
من كان في السابق حين لا تنجح عملية جراحية كما يتمنى» يتملكه اليأس 


17/1 


ولا يعود قادراً على النومء ويفقد شهيته للنساء حتى كان «ما ليس منه بذ» 
المتعلق بمهنته أشبه بعلوق يمتص له دمه . 

أما الآن». نها عدر يجوب يران حاملا عضاء الطويلة التي ينظف بها 
الواجهات .كان متعجيا: مخ اكششافه أنه يكن نفسة اصعر بعد سعوات. 
كانت بائعات المخازن الكبرى ينادينه بالدكتور (فالمطنطنة ىِ براغ كانت 
تسير على الوجه الأكمل) ويستشرنه بشأن زكامهن أو آلامهن الحقوية أو تأخر 
عادنين الشهرية . كن يشعرن بالخجل وهن يرينه يرش الواجهات بالماء ومن 
ثم يُثبت فرشاة في نهاية عصاه ويشرع في التنظيف. لو كان في وسعهن ترك 
الزبائن في المخزن لكنّ بادرن إل أخذ الفرشاة من يده وتنظيف ألواح 
الزجاج بدلا عنه. 

كان توماس يعمل بخاصة في المخازن الكبرى. ولكن المؤسسة كانت 
ترسله أبقا إلى عتيل السحامن عم كان الناس في ذلك الحين يعيشون 
الاضطهادد الممارس على المثقفين التشيكيين في حالة من التضامن 
المتباهي . عندما عرف مرضى توماس القدامى بأنه كان يعمل منظفاً للزجاج. 
اتصلوا بالمؤسسة للبعث في طلبه. كانوا يستقبلونه بقنيدة شمبانيا أو قنينة من 
العرق ويسجلّون على ورقته أنه قام بتنظيف ثلاث عشرة نافذة. ٠‏ ثم يمضون 
برفقته ساعتين وهم يثرثرون أو يقرعون الكؤوس . وعندما كان يغادرهم ذاهبا 
إلى أشخاص آخرين أو مخزن آخر. كان يشعر أنه رائق المزاج كلياً. كانت 
عائلات الضباط الروس تتوافد للإقامة فى البلاد. كان الراديو ييث الخطابات 
الإركانة لموظطى ووارة التراخلية اليدين اموا بحرن محل الصيكا فين 
المسرّحين. أما هو فكان يترنح سكران عبر شوارع براغ وفي حالة رجل ينتقل 
من فرحة إلى فرحة. كانت هذه أيام عطلته الطويلة الأمد. 

كان يرجع إلى عهد حياته كرجل عازب. فهو وجد نفسه فجأة دون 
تيريزا التي لم يكن يراها سوى في الليل حين ترجع من الحانة» فيفتح عيناً 
في بداية نومه. وفي الصباح حين كانت هي غارقة في النوم فيما هو معجل 
للذهاب إلى عمله. كان يملك فى متناول يده ست عشرة ساعة وكانت هذه 
فسحة حرية منحت إليه بطريقة مباغتة. وفسحة الحرية تعني له مذ كان في 
تطلغ الضبا» الشساة: 1 


1/2 


ععصبحمة 

عندما كان أصدقاؤه يسألونه كم يبلغ عدد النساء اللواتي حظي بهن في 
حياته. كانت إجابته مراوغة. وحين كانوا يصرّون. كان يقول: «ما يقارب 
المئتين». كان بعض الحاسدين يؤكدون أنه يبالغ فيدافع عن نفسه قائلا: 
«هذا ليس بالعدد الكبير. إن علاقاتي بالنساء بدأت من خمسة وعشرين عاما 
تقريباً. أقسموا مثتين على خمس وعشرين فيكون الحاصل ثماني نساء 
جديدات كل عام. وهذا ليس بكثير». 

ولكنه مذ كان يعيش مع تيريزا ونشاطه الجنسي يصطدم بصعوبات في 
التنظيم . لم يكن في مستطاعه أن يخصص له (بين عمله في غرفة العمليات 
الجراحية وبين بيته) ا 0 
يعتني المزارع الجبلي بقطعة أرضه بدأب متواصل). ولكن لا يمكن مقارنة 
ذلك بفسحة الست عشرة ساعة التى نزلت عليه فجأة نعمتها غير المتوقعة 
(أقول ست عشرة لأن الساعات الثماني التي كان ينظف خلالها الزجاج» 
كانت هى أيضا تمنحه ألف فرصة للتعرف إلى بائعات جديدات أو إلى 
نوظفات ارال اراك لازي ولاخية فرعد منهن): 

عم كان يبحث لدى كل هؤلاء النساء؟ ما الذي كان يشدّه إليهن؟ 
أليست العلاقة الجنسية إعادة دائمة للشىء نفسه؟ 

إطلاقاً. تبقى هناك دائماً نسبة صغيرة من «المتعذّر تصوره» فهو حين 
كان يرى امرأة في كامل ثيابهاء كان في وسعه أن يتخيل تقريباً كيف ستبدو 
وهي عارية (هنا كانت خبرة الطبيب تكمل خبرة العاشق) . ولكن بسن مقاربة 
الفكرة ودقة الواقع تبقى دائما هناك ثغرة صغيرة» ثغرة ة المتعذّرٍ تضنوره: وهذه 
الثغرة بالذات هي التي لم تكن تتركه في سلام. ثم وأَنْ ملاحقة المتعذر 
تصوره لا تكتمل باكتشاف العري وحده بل تتعداه: كيف ستكون حركاتها 
وهي تخلع ملابسها؟ ماذا ستقول عندما يضاجعها؟ وكيف ستكون نغمة 
تنهداتها؟ وأي تكشيرة سترتسم على وجهها حين وصولها إلى لحظة النشوة؟ 

إَ تفرد الأنا يكمن بالذات في هذا الجزء من «المتعذر تصوره» الذي 
يملكه كل إنسان. ليس في الإمكان تخيل إلا ما هو مشترك بين الكائنات . 


1/3 


أما «الأنا» الفردية التي تتميز عن ما هو عام. فهي تلك التي لا تدعنا نتكهن 
بها أو نحدسها. وهي أول ما يجب نزع الحجاب عنه لاكتشافه وامتلاكه لدى 
الآخر. 

كان توماس قد اهتمّ في السنوات العشر الأخيرة من نشاطه الطبي 
بالدماغ الإنساني على وجه أخص . . كان يعرف أن لا شيء أكثر صعوبة من 
الاستحواذ على «الأنا». فبين هتلر وأينشتاين» أو بين بريجنيف وسولجنستين 
هناك تشابه أكثر مما هناك اختلاف. وإذا أردنا أن نعبّر عن ذلك حسابياً نقول 
إنه يوجد فيما بينهم جزء من المليون من الاختلاف. وتسعمائة وتسعة وتسعون 
ألفاً وتسعمائة وتسعة وتسعون بالمليون من التشابه . 

وتوماس يسكنه هاجس اكتشاف هذا الجزء من المليون والاستحواذ 
عله وهو كذ يهدة شد حرس 7النماة كير ليس مهؤوسا _التناف يل يمنا 
تملكه كل واحدة منهن من «المتعذّر تصوره» ونكلمة أسترئىء بهذا اسه 
من مليون من الاختلاف الذي ب يميّز امرأة عن سواها. 

(ربما كان شغفه بالجراحة يتلاقى وشغفه بالجري وراء النساء. لذلك 
لم يكن يحل عن السضخ الوعدى حت عنما يكودا كت متوعات . . كان 
يرغب في الاستحواذ على شيء ماء كان دفيناً في أعماقهن» شيء يجب أن 
تَمرّق في سبيله القشرة الخارجية) . 


يحق لنا بالطبع أن نتساءل لماذا لم يكن يفتش إلا من خلال الجنس 
عن هذا الجزء 0 ألم يكن قادراً مثلا على إيجاده في 
مشيتهن أو في ذوقهن في الماكل. أو في ميولهن الفنية؟ 
بطبيعة الحال. هذا الجزء من مليون من الاختلاف موجود في جميع 
مجالات الحياة الانسانية. ولكنه ظاهر علانية أينما كان ولا تدعو الحاجة إلى 
اكتشافه ولا يحتاج 3 إلى مبضع . فأن تفضّل امرأة الجبنة في الحلويات» 
أوألاً تحمل واحدة أخرى الأرضي الوق فهذه بالطبع علامة تمايز. 
ولكننا ندرك تلقائياً أن التمايز هذا تافه وغير مُجد وأن اهتمامنا به وتفتيشنا فيه 
عن قيمة ما إنما هو مضيعة للوقت. 


1/4 


ولكن في الجنس وحده يظهر هذا الجزء وكأنه شيء ثمين. لأنه لا 
يمكن إدراكه علانية بل يجب امتلاكه. منذ نصف قرن, كان هذا النوع من 
الامتلاك يتطلب الكثير من الوقت (أسابيع وربما أشهراً في بعض الأحيان!) 
لأن قيمة المحظية العاطفية كانت تقاس بالمدة التي اقتضاها امتلاكها. 
ولكن. اليوم» وبالرغم من أن المدة التي يستغرقها الامتلاك قد تقلصت 
بشكل محسوسء. فإن الجنس بنذو ذائياً وكأنه الخزينة التي يختبىء في 
داخلها سر «الأنا» الأنثوية . 

ذا ع الرغبة في المتعة الجنسية (مع أن المتعة تأتي تقريباً في 
الطليعة) هي التي تدفع توماس لمطاردة النساءء بل الرغبة في الانستيلاء على 
عالم (في شْرَطٍ حسد العالم المسجى بالمبضع). 

0 

في الإمكان قسم الرجال الذين يلاحقون النساء بكثرة إلى قسمين: 
القسم الأول يبحث لدى كل النساء عن حلمه الخاص وعن فكرته الذاتية عن 
لمرأة. والقسم الآخر تحركه رغبة الاستحواذ على الاختلاف اللامتناهي 
للعالم النسائي الموضوعي . 

هوس الأولين هوس رومنطيقي : فالشيء الذي يفتشون عنه عند النساء 

هو أنفسهم ومثالهم الأعلى . وهم دائماً وأبداً خائبون لأن المثال كما نعرف 
يستحيل إيجاده. وبما أن الخيبة هي التي تدفعهم للتنقل من امرأة إلى امرأة 
أخرىء. فإنها تعطي تقلبهم ذريعة ميلودرامية . وهناك الكثير من النساء 
العاطفيات اللواتي يجدن تعددية عشيقاتهن المستمرة مؤثّرة في 0 

أما الهوس الآخر فوس إباحي . والنساء لا يجدنه م ور إطلاقاً: 

بم أن الرجل في هذه الحالة لا يُسقط على النساء مث ذاتيا فإن كل شيء 
غندئل يبر اهتعامه ولا ليء يمكن الا يجعله نايا في آن .. وهذا العجز عن 
الخيبة بالذات يحمل في حدّ ذاته شيئاً مخزياً. فبالنسبة للجميع هوس المُقبّل 
الرومنطيقي لا يكل (لأنه لا يُكمْر عنه من خلال الخيبة) . 

وبما أن المُقبّل الرومنطيقي يلاحق دائماً النموذج عينه من النساء. فإننا 


]75 


لا نلاحظ أنه يغيّر عشيقاته. ويسبب له أصدقاؤه خلافات مستمرة لأنهم لا 
يلاحظون فرقا بين عشيقاته وينادونهن كلهن بالاسم نفسه. 

أها:التكلون الإباعئية (بالاتكان تصنت ماين طما لو عد 
الفئة) فإنهم يبتعدون. أثناء سعيهم وراء المعرفة. عن معايير الجمال الأنئوي 
المتعارف عليها (والتي يأنفونها سريعاً) ويتحولون في نهاية المطاف حتماً إلى 
هواة للغرائب . . وهم يعرفولن هذا الأمر ويشعرون بقليل من الخجل. لذا 
فإنهم لا يظهرون برفقة عشيقاتهم أمام الملأ لثلا يزعجوا أصدقاءهم . 

كان ينظف الزجاج منذ سنتين عندما استدعَتّه زبونة جديدة. ما أن رآها 
اولع عا وي الات وى لمرلا ااا ا ل 


بدك اله كعد أت الفلليني بالنساء المكيتات ببشاعتهن) : : كانت طويلة 
القامة قوق العادة؛: اطول فته يقن“ كان آنفها ناقيغا وظويلا جذا ووجها عونا 
جداً | إلى درجة يستحيل معها أن نقول إنها جميلة (فالجميع سوف يعارضون 
ذلك) ولكنها لم تكن خالية من أي جمال (على الأقل. حسب رأي توماس) . 
كانت تزتدى يتطلونا وقميضا بشناء . ويخيّل للناظر أنها مزيج عجيب من 
صبي ضامر وزرافة ولقلق. 

نانك ترفش هه :يبظر اك طنويلة متيفظة ونستفية :نولا تخلو أيضنا من 
شعاع سخرية ذكية. 

«أدخل ي| دكتور». 

ففهم عندئذ أن المرأة تعرف من يكون. فسأل دون أن يظهر أي 
تعجب : «أين بي يمكننو أن أ ستعمل الماء؟ 

فتحت باب غرفة الحمام. فرأى أمامه المغسلة والمغطس والمرحاض. 
وأمام المغطس والمغسلة والمرحاض كانت هناك سجادات صغيرة زهرية 
اللون ؛ 

كانت المرأة التي تشبه زرافة ولقلقاً تبتسم غامزة بعينهاء وكل ما كانت 
تقوله كان يلمح إلى معنى وسخرية خفيين. 


1/6 


قَالّتَ: «غرفة الحمّام هي تحت تصرفك يا دكتور. إفعل هناك ما يحلو 


دهل أستطيع أ ن أستحم أيضاً؟». 

فسألته : 

0 «هل تحب الاستحمام؟). 

ماذ ذلا فخ : المياه الساخنة ورجع إلى الصالون ثم قال: «من أين 
أبدأ؟) . 

قالت وهي ترفع كتفيها هازئة : 

(«هذا متوقف عليك). 

هل يمكننيرؤية نوافة الخرف الأخرى. 

هل ترغب في مشاهدة شقتي؟ كانت تبتسم كما لو أن تنظيف النوافذ 
إنما هو نروة من نزوات توماس » من غير أن تثير هذه النزوة اهتمامها إطلاقاً. 

دخل إلى ل 0 كانت دا 0 2 0 0 

٠‏ عندما رجع. كانت هناك على الطاولة قنينة نبيذ مفتوحة وكأسان. 
سألَت: «ألا لا تريد أن تشد من عزمك قليلاً قبل البدء بعملك المضني؟». 


قال توماس وهو يجلس: «بكل سرور». 

قالت: «لا بذ أنه أمر مثير للاهتمام أن تذهب إلى بيوت الناس؟» 
فقال توماس: «ليس بالأمر السيء» 

«تلتقي في كل مكان بنساء أزواجهن في العمل». 

فقال توماس : «ومرات كثيرة بجدّات وحموات». 


- «(وعملك القديم. ألا تحن إليه؟) . 


177 


«قولي لي 0 أين سمعتهم يتحدثون عن عملي السابق؟»). 

يقالت الخرلةة لتقل بلك فكو يلك جد 

الآن آيقاًة قال توفاس مععجيا . 

«اتصلت بهم ليرسلوا لي أحداً لتنظيف الزجاجء فسألونى هل كنت 
أزفسل في: طلبك أنث .يذو أنك كنت جتراحا كيرا طردوة من المستشفى. 
وأعتقد أن هذا يثير اهتمامى !). 

أنتِ فضولية بشكل غريب. 

وهل هذا واضح؟ 

نعم. من الطريقة التي تنظرين فيها. 

تطرفين بعينيك وتطرحين الأسئلة دون توقف. 

لماذا؟ ألا تحب الإجابة؟ 

كان الحديث يتحول بفضلها إلى دعابة . ولم تكن تكن أي كامة قالتها 
تتعلق بالعالم الخارجي. بل كانت كلماتها كلها تتوجه إليهما وحدهما. وبما 
الكلمات بالملامسات. فبينما كان توماس يتحدث عن عينيها اللتين تطرفان» 
أخذ يداعبهما. وكانت هي ترد على كل ملامسة منه بمداعبة منها. لم تكن 
تتصرف بطريقة عفوية وإنما بدأب متعمد. كانا وكأنهما يريدان أن يلعبا لعبة 
ل كاناتج السرم وتقها لرحة ويذا كر امتهم مرش كان 

ولكنها بدأت ت أخيراً تتمنع عندما حاول توماس أن يضع يده بين 
فخذيها. . لم يكن قادرا على التمييز فيما إذا كانت تتمنع بجدية. ولكنٌ وقتأ 
طؤيلة فداه ودقائق عشر تفصله عن موعده مع الزبون القادم . 

فتقض شارخا أن عليه الرغيل + كان اها محمريق: 


]/8 


ل 

قالت: «هذه غلطتي). ” ثم أضافت بلهجة رقيقة وبطيئة وبريئة: يجب 
الوك نوين مسقب لق ل يو رجا ا ل ني 
بسببي أنا». 

وبما أن توماس كان يرفض إعطاءها الوردة التوتبهاء قالت بعذوية 
ا : «أرجوك, أعطني هذه الورقة). ثم أضافت: وأنا 


لا أدفع بل زوجي. وأنت لا تقبض بل مؤسسة الدولة. 0 
تخصناء لا أنت ولا أنا». 


11 


كاف اللاتدانتق الحريي للسزاة الخبيهة بالؤرافةاواللذاق يكرا لمجيزه 
التفكير فيه : الدلال المقرون بالرعونة. والرغبة الجنسية المصرح بها بسذاجة 
نصحو بابتسامة ساخرة والتفاهة المبتذلة للشقة مقارنة مع تفرد صاحبتها. 
ثُرى كيف ستكون هيئتها وهما يمارسان الحب؟ كان يحاول أن ن يتخيل ذلك, 
ولكن الأمر لم يكن سهلا. وأصبح هذا شغله الشاغل لأيام عديدة. 

عندما دعته لزيارتها فى المرة الثانية» كانت هناك قنينة نبيذ تنتظر على 
الطاولة مع كأسين. ولك هله المرة حدث كل شيء بسرعة. وجدا نفسيهما 
بعد قليل متواجهين في الغرفة (كانت 0 
السندر البيضاء) فتعانقا . قال كعادته: «اخلعى ثيابك» ولكنها بدل أن تطيعه 
أمرته قائلة: «لا. أنت أولاً. ْ 

لم يكن معتاداً على ذلك فاضطرب قليلاً. أما هي فأخذت تزرر له 
ينطلونه . «اخلعي ثيابك!»». أمرها بذلك عدة مرات (ولكن بفشل ممضحك) 
فلم يجد من وسيلة عندئذ إلا القبول بتسوية» فمشى تبعاً لقوانين اللعبة التي 
فرضتها في المرة السابقة («أفعل لك ما تفعل لي)). نزعت عنه بنطلونه فتزع 
عنها تنورتها. ثم جردته من قميصه فجردها من قميصها. وهكذا حتى وجدا 


]/9 


يوبا اخ ا ارهن وجها ترجف وضع يده على فرجها الرطب ثم أنزل 
أصابعه باتجاه الثقب الشرجي وهو المكان الأحب عند النساء جميعهن. كان 
ثقبها ناتئاً للغاية مما يوحي بوضوح بأن الجهاز الهضمي الطويل ينتهي في 
هذا المكان بحدبة صغيرة. حي العلتد الصلبة السليمة. ذلك الخاتم 
الأجمل بين الخواتم جميعهاء والذي سم في لغة الطب «الصّارة») . 
عندهاء أحسٌ فجأة بأصابع المرأة تستقر في المكان نفسه من مؤخرته. فهي 
كانت تعيد حركاته كلها بدقة المرآة. 

ومع أنه. كما قلت آنفاً قد عرف في حياته مئتي امرأة» (ومذ أصبح 
منظف زجاج, كان عددهن قد زاد كثيراً) لم يحدث له من قبل أن رأى امرأة 
أطول منه تنتصب أمامه وتطرف بعينيها وتتحسس شرجه. فدفعها بقوة إلى 
السرير لكي يتغلب على إحساسه بالانزعاج . 

عَدَرَنها فجائية هذه الحركة فتهاوى جسدها الكبير على ظهره. كان 
وجهها المكسو بلطخات حمراء أشبه بالهيئة المذعورة لأحدٍ فقد التوزان. 
وبما أنه كان واقفاً أمامها أمسكها من تحت ركبتيها ورفع ساقيها المنفرجتين 
قليلاٌ عالياً. فبدت له ساقاها فجأة وكأنهما ذراعان مرفوعتان لجندي مذعور 
يستسلم أمام سلاح يُشهر عليه. 

كانت الرعونة المرفقة بالحماس والحماس المرفق بالرعونة» يثيران 
توماس بشكل رائع . تحابّا طويلاً جدا. كان يراقب وجهها المكسو 
بلطخات حمراء مفتشاً فيه عن الهيئة المرتعبة لامرأة يتعمد أحدهم إيقاعها 
فتسقط. كان هذا التعبير الذي لا يضاهى يُصعّد تيار الإثارة المتدفق إلى 
رامية. 

عندما انتهياء ذهب للاغتسال في غرفة الحمام . فلحقت به وشرحت له 
مطولاً عن مكان الصابون وكفٌ الحمّام وكيف عليه أن يتصرف للحصول على 
المياه الساخنة. فاستغرب أن تشرح له هذه الأمور البسيطة بهذا الإسهاب. 
ب ا حر 

قالت له بنبرة متوسلة: «ألا تريدني أن أشاهدك وأنت تغتسل؟». 

لكنه نجح أخيرا ؛ في إخراجها. كان يغتسل ويبول في المغسلة (وهذه 


180 


عادة شائعة عند الأطباء التشيكيين . كان يشعر أنها تتجول بنفاذ صبر أمام 

غرفة الحمام. مفتشة عن ذريعة تمكنها من الدخول إلى هناك. عندما سكر 

الحنفيات, لاحظ أن السكون تام في الشقة. فخيّل إليه أنها كانت تراقبه. 
كان شبه متأكد بأنها تلصق عينها الجميلة الطارفة فى ثقب الباب . 

عندنا غادر. شعر أنه رائق المزاج. كان يحاول أن يتذكر الأساسي. 

وأن يكثف هذه الذكرى في صيغة كيمائية تسمح له بتحديد التفرد (أي هذا 

الجزء من مليون من الاختلاف) الخاص بهذه المرأة. فتوصل في النهاية إلى 

الساقان المرفوعتان الشبيهتان بذراعي جندي يستسلم أمام سلاح 

عندما كان يتلو على نفسه هذه الصيغة. كان يغمره شعور مشرق» 

شعور بأنه تمكن مرة أخرى من الاستحواذ على جزء من عالم» بأنه اققتطع 


12 


هاكم ما جرى معه في الفترة نفسها تقريباً: كان يلتقي مراراً بامرأة شابة 
في شقة كان يعيره إياها صديق حميم كل يوم حتى منتصف الليل. بعد مرور 
شهر أو شهرين ذكرته بأحد لقاءاتهما: كانا يمارسان الحب فوق السججادة أمام 
النافذة.» وكانت البروق تلتمع والرعود تزمجر. مارسا الحب في أثناء هبوب 
العاصفة. . وكان الأمرء كما كانت تقول. حميات لا للم 

كان توماس يسمعها متعجباً: نعم, كان يتذكر أنهما تضاجعا فوق 
الجتحادة رإداقم يكن في شئة صديته الصيغيره ة سوى سرير واحد ضيق لا 
يشعره بالارتياح) ولكنه نسي تماماً مر العاطفة] يا للعست! فهو كان قادراً 


181 


على تذكر اللقاءات القليلة التي جمعته بهاء حتى أنه كان يتذكر بالضبط 
الطريقة التي كانا يتضاجعان فيها (فهي كانت ترفض أن يلجها من الخلف), 
وكان يتذكر أنضا الحمل القليلة التي تتفوه بها أثناء المواقعة (فهى كانت 
تطلب منه أن يضم وركيها بقوة. وكانت تعارض إذا نظر إليها» ويتذكر كذلك 
«تفصيلة» ثيابها الداحلية ‏ ولكنه لم يعد يتذكر إطلاقا العاصفة . 

لم تكن ذاكرنه تدخل من مقامراله الباطفية غير المي العين التوفز 
للامتلاك الجنسي : الكلام المثير الأول. والملامسة الأولى والعبارة الفاجرة 
الأولى التي قالها لها والتي قالتها له وكل الممارسات المتهتكة الصغيرة التي 
كان يفرضها عليها شيئاً فشيئاًء 0 أما 
البقية فكانت مستبعدة (وبعناية تقارب الادعاء) من ذاكرته. كان يتغافل أ يضا 
عن المكان الذي التقى فيه هذه المرأة أو تلك. لأن هذه اللحظة حدثت قبل 
الامتلاك الجنسي . 

كانت المرأ ة الشابة تتحدث عن العاصفة فيما تغمر وجهها ابتسامة 
حالمة . وكان هو ينظر إليها متعجباً وبشيء من الخجل : فون ناشين كينا 
جميلاً لم يشاركها فيه : كانت ردة الفعل الثنائية لذاكرتهما تجاه العاصفة 
الليلية تعبّر عن كل الاختلاف الذي يمكن أن يوجد ب نين اليضية:واللاحت»: 

لا أقصد باللاحب» أن توماس قد تصرف ببذاءة مع المرأة الشابة» أو 

أنه لم يكن يرى فيها إلا أداة جنسية . على العكس. فهو كان يحبها وكأنها 

صديقة ويقدّر شخصيتها وذكاءهاء لأ جل كان تعدا لمساعدتهنا كلما 
احتاجت لذلك. لم يكن هو الذي يتصرف معها بسوء وإنما ذاكرته التي 
أقصَنّها بعيداً عن دائرة الحب دون أن يكون له هو دخل في الأمر. 

يبدو أن في الدماغ طفن خنا ضيةة لماه 0 تسميتها ب «الذاكرة 
الشعرية). وهي التي تسجل كل الأشياء التي سحرتنا أو التي جعلتنا ننتفعل 
أمامهاء وكل ما يعطي لحياتنا جمالها. مذ تعرّف توماس إلى تيريزاء لم يعد 
لأي امرأة الحق في أن تترك أثراً ولو عابراً في هذه المنطقة من دماغه. 

كانت تيريزا تحتل ذاكرته الشعرية باستبداد مكنسةً منها كل أثر للنسا 
الأخريات. لم يكن هذا عادلاً لأن المرأة الشابة التي مارس الحب معها مثلاً 


]82 


فوق السجادة أثناء العاصفة لم تكن أقل جدارة من تيريزا بذاكرته الشعرية. 
تسن لزيا مرك براح تي بو ررك ل مط يقزر لم 
تكن تستطيع أن تتحمل عيني توماس مفتوحتين» ومتيقظتين ومتفحصتين أثناء 
الجماع . ولم تكن تتحمل أيضا أن يكون جسده الذي يعتلى جسدها غير 
ملتشين ندا تماما. لم تكن تريد أن يتفحصها توماس بل كانت تريد أن تجذبه 
سا لي م يد كانت ترفض 
أن تدبٌ على الأربع لأن جسديهما في هذه الوضعية يتلامسان بالكاد. ولأنه 
كان يستطيع مراقبتها عن مسافة تقارب الخمسين ستتمتراً. . وهي كانت تكره 
هذه المسافة. لذلك, كانت تؤكد أمامه بأصرارء وهي تنظر إلى عينيه. أنها 
لم تكن تستمتع بذلك. مع أنْ السجادة كلها تبللت من متعتها. كانت تقول: 
ولا أفتش عن المتعة بل أفتش عن السعادة. والمتعة دون السعادة ليست 
بمتعة). وبكلمة 0 كانت تدق على باب ذاكرته الشعرية ولكن الباب 
كان مقفلا. لم يكن هناك من مكان لها في ذاكرة ة توماس الشعرية. لم يكن 
هناك من مكان لها إلا فوق السجادة . 

ابتدأت مغامرة توماس مع تيريزا في المكان الذي تنتهي عنده بالضبط 
مغامراته الأخرى مع النساء. كانت المغامرة مع تيريزا تجري في الجهة 
الأخرى من الضرورة التي تدفعه لامتلاك النساء. فهو لم يكن ينوي نزع أي 
حجاب عند تيريزا. لقد وجدها منزوعة الحجاب. ومارس معها الحب دون 
أن يصرف وقتاً في الأخذ بمبضعه الوهمي الذي كان يشرط به جسد العالم 
المسجى . وقع في حبها دون أن يصرف وقتاً في التساؤل كيف ستكون أثناء 
الجماع . 

حكاية الحب بدأت فيما بعد: كانت الحمى تنتابها ولم يكن يستطيع 
أن يرجعها إلى بيتها كما كان يفعل مع النساء الأخريات. كان راكعاً أمام 
سريرها عندما خطرت له فكرة #بانها ارسلك اليه ف سل مع مجر الفياة. 
سبق لي أن قُلْتَ آنفاً إن الاستعارات خطيرة وإن الحب يبدأ من استعارة. 
وكلف ار الحب يبدأ في اللحظة التي تسبل فيها امرأة دخولها في 
ذاكرتنا الشعرية من خلال عبارة . 


183 


13 
ما لبثت تيريزا أن جدّدت مكانتها في حياته: ذهبت لشراء الحليب كما 
في كل صباح. وعندما فتح لها اه 10 و موقا بالمنديل 
الأحمر إلى صدرهاء كما تحمل الغجريات أطفالهن بين أذرعتهن. لن يكون 
في إمكانه أن ينسى أبدأ منقار الزاغ الضخم البازغ من وجهه وكأنه اتهام . 
وجدته شبه مدفون كما كان يعامل القوزاقيون أعداءهم قديماً. «إنهم 
أطفال» الذين فعلوا به هذاى. كان في هذه الجملة شيء أكثر من مجرد 
تقرير. كانت التعبير عن القرف الذي تملكها فجأة من الجنس البشري. 
فتذكر أنها قالت له مؤخراً: «وصرت أشعر بالامتنان لك لأنك لم ترغب قط في 
إنجاب الأطفال». : 


000 عبس امو ور م 0 
الدعارة. ا تماماً. الم ينبغي ١‏ اوم 5 

كانت تراوده هذه 0 هو ذاهب تاها إلى المكتب ليأخذ 

من الموظفة برنامج عمله اليومي . فوجد أن را قد طلب استدعاءه 0 

بالتحديد لينظف له النوافق. ذهب إلى العنوان المكتوب معتكر المزاج خائفاً 
من أن يكون الزبون امرأة اخرى تبعث في طلبه. كان الآن مستغرقاً كلياً في 
أفكاره عن تيريزا ولم تكن المغامرات تستهويه . 

00 الباب. أحسس بالارتياح. رأى أمامه رجلا طويل القامة محني 
الظهر. ثم أن ذقن الرجل طويل ومعقوف يذكره بأحدهم . 

ثم قال مبتسماً: «تفضل يا دكتور» وأدخله إلى الصالون. 


كان هناك شاب في انتظارهم . كان واقفاً محمرٌ الوجه. ينظر إلى 


4 


قال الرجل : لا أرى هناك من داع لأن أعرفكما بعضكما على بعض . 

قال توماس دون أن يبتسم : ولاى ثم مذ يده إلى الشاب ناته 
كان ابنه. 

ثم عرّف الرجلُ ذو الذقن الطويل المعقوف عن نفسه. 

فقال توماس: كنت واثقاً من أنك تذكرني بأحدٍ ما. كيف لا! بالطبع 

تورّعوا على كنبات تفصل بينها طاولة واطئة. فكر توماس بأن الرجلين 
الجالسين قبالته كانا من صنيعه هو دون أن ينوي ذلك أو يرغب فيه: فهو قد 
صنع طفلاً تحت ضغط زوجته وصوره ة هذا الرجل الطويل المحني الظهر 
تحت ضغط الشرطي . 

ولكي يبعد عنه هذه الأفكار قال: «طيب بأية نافذة على أن أبدأ؟) . 

فضحك الرجلان قبالته دون تردد. 

نعم كان الأمر واضحاً وهو لا يتعلق إطلاقاً بتنظيف النوافذ. فهو لم 
يُستدعٌ إلى هنا من أجل تنظيفها بل ليُجتذب إلى كمين. لم يكن قد تحدث 
مع ابنه من قبل . وهذه هى المرة الأولى التي يصافحه فيها. 0 
إلا بالنظر ولا نية له في أذ يطرفه سكل أل وهو لم يكن يريد أن يعرف عنه 
شيئاً آملاً أن يعامله ابنه بالمثل. 

ثم قال الصحافي وهو يشير إلى رسم كبير مؤطر معلق على الجدار 
قبالة توماس : «ملصق جميل» أليس كذلك؟». 

رفع توماس عينيه للمرة الأولى مذ دخل. كانت الجدران مكسوة 
بلوحات مُلفتَة للنظر وبصور وملصقات كتثيرة. كان الرسم الذي أشار إليه 
الصحافي قد ظهر في أحد الأعداد الأخيرة من المجلة الأسبوعية قبل أن 


يمنعها الروس من الصدور. كان الملصق اقتباساً عن ملصق شهير ظهر سنة 
١1541‏ خلال الحرب الأهلية الروسية, وكان يدعو الشعب للانضمام إلى 


الجيش الأحمر. كان يمثل جندياً يرتدي قبعة ة مزدانة بنجمة حمراء. ونظرته 


105 


المفرطة في الصرامة تنظر إليك مباشرة» 00 يصوت يده تحوك باهرا 
سبابته. كان النص الروسي الأصلي يقول: «أيها المواطن ألم تنضم بعد إلى 
ل الأحمر؟» فاستبدل بالجملة التشيكية التالية: «أيها المواطن. ألم توقع 

نت أيضاً على «الألفي كلمة)؟). 

كانت فلك منحة موققة جذا! فالألا كلمة هي أول بيان كبير ظهر في 
ربيع 1974 وكان يطالب بنشر جذري للديمقراطية في النظام الشيوعي ٠‏ وقع 
هذا البيان حشد من المثقفين ثم وقع عليه أناس عاديون. وبدأت تتدفق 
التواقيع حتى لم يعد بالإمكان إحصاؤها. وعندما اجتاح الجيش الروسي 
بوهيميا وبدأت عمليات التطهير السياسية. كان هناك سؤال موجه إلى 
المواطن يقول: «هل وفعت أنت أيضاً على بيان الألفي كلمة؟) فصَرِفَ هؤلاء 
الذين اعترفوا بأنهم وقعد) هخ كي في الحال. 

قال توماس : رسم جميل. أتذكره . 

ابتسم الصحافي قائلاً: «لنأمل ألا يكون جندي الجيش الأحمر سامعاً 
ما نقول). 

ثم أضاف بنبرة جادة: «لكي يكون كل شيء وافيياً من اليداية يا 
دكتور. هذا البيث ليس بيتي بل هذه شقة لصديق. إذأء لست أكيداً من أن 
تكون الشرطة تسمعنا الآن. الأمر محتمل فقط. ولكن. لو أني دعوتك إلى 
بيتي ) لكان الأمر أكيداً . 

ثم تابع من جديد بلهجة أكثر مرحاً: «ولكني أنطلق من مبدأ أنه ليس 
هناك ما يستوجب أن نخفيه على أحد. على أية حال. تصور المنفعة التي 
ستعود على المؤرخين التشيكيين في المستقبل! سيج دون حياة المثقفين 
كلهم موضوعة في ملفات الشرطة ومسجلة على شرائط كاسيت! هل عندك 
فكرة عن الجهد الذي يقوم به المؤرخ الأدبي لو أراد مثلاً إعادة كتابة الحياة 
الجنسية لفولتير أو بلزاك أو تولستوي؟ أمّا في حالة الكتاب التشيكيين» فلن 
يكون لديهم أدنى شك. فكل شيء مسجّل. حتى وأقل تنهيدة. 

ثم التفت ناحية آلات التسجيل الوهمية المخفية في الجدران. وقال 


1656 


0000 أيها السادة» أريد في مناسبة كهذه أن أشجعكم كالعادة على 
عملكم. وأن أقدّم لكم الشكر باسمي وباسم مؤرخي المستقبل». 

فضحك ثلاثتهم. ثم أخذ الصحافي يتكلم بإسهاب عن الظروف التي 
أحاطت بمنع مجلته من الصدور. وأخذ يتكلم أيضاً عمًا يفعله الآن الرسام 
الذي خطرت له الفكرة بأن يرسم هذا الكاريكاتور. وعمًا يفعله الآن غيره من 
الرسامين والفلاسفة والأدباء التشيكيين . فبعد الاجتياح الروسي» سرّحوا 
جميعاً من أعمالهم وصاروا ابعل ا رد ابه ل كوايت لسرارات اد 
خراها ليليين» وإما وقادين للمراجل في الأبنية الشعبية» أو كانوا وفي أحسن 
الحالات. سائقي تاكسي, لأن هذا الأمر بالذات يحتاج إلى دعم مسبق . 

لم يكن ما يقوله الصحافي غير مثير للاهتمام؛ ولكن توماس كان عاجزاً 
عن التركيز في معنى كلماته. كان يفكر في ابنه ويتذكر أنه التقاه في الشارع 
منذ بضعة أشهر. ولم يكن الأمر صدفة بالطبع . ولكن ما يفاجئه الآن هو أن 
يراه برفقة صحافي مضطهد من قبل السلطات . وهو من كان يحسب أن ابنه 
واقع لا بدّ تحت تأثير زوجته الأولى التي كانت شيوعية متصلبة. كان بإمكانه 
الآن أن يسأله كيف تسير الأحوال مع أمه. ولكن السؤال بدا له في غير 
موضعه خصوصاً في حضرة رجل غريب. 

ثم وصل الصحافي ا إلى صلب الموضوع . فقال إن عدد الناس 
الموقوفين بسبب تمسكهم بآرائهم يتزايد باطراد. ثم أنهى حديثه هذه 
الكلمات : : «فقررنا أخيراً أن نقوم بعمل ما». 

فسأل توماس : «وماذا تريدون أن تفعلوا؟». 

في هذه اللحظة, تدخل ابنه. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمعه 
يتكلم فيها. فتعجب من اكتشافه بأنه كان يتأتىء. 

فقال: «استناداً إلى ما نعرفه » فإن المساجين السياسيين يعامّلون معاملة 
سيئة» وإن وضع بعضهم خطير فعلاً. لذا قرّرنا أن كتتابة عريضة موقّعة من 
المثقفين التشيكيين» والذين لا يزال لاسمهم وزن معيّن. ستكون مرا حيدا: 

لا» لم تكن هذه تأتأة وإنما حازوقة تجعل كلماته أكثر بطئاء بحيث إن 


دا 


كل كلمة يلفظها قدو ؤكاتها موقعة :وموه يهنا رقم عن لا شك في أنه كان 
متنبها لهذا الأمرى لأنْ خديه بعد أن كان رجع إليهما لونهما الطبيعي » عادا 

سأل توماس: هل تريدون أن أدلكم على أناس ينتمون إلى حقلٍ 

ضحك الصحافي قائلاً: لاء لا نريد منك نصيحة. بل توقيعك!». 

ور عر أن أنه موضع مديح ! مر اقترى كان ميعييذا لأن “اسن هم 
لم ينس بعد أنه كان جرّاحا! فَمَانمَ من باب التواضع : «اشوترا سيدا إذا 
كانوا قد طردوني فهذا لا يعني أنني طبيب مشهور!)». 

قال الصحافي وهو يبتسم لتوماس: «لم ننس المقال الذي كتبته في 
مجلتنا الأسبوعية» . 

وبحماس لم يفهمه توماس ربماء هتف ابنه : : «نعم!). 

قال توماس: ولا أفهم ماذا يستطيع أ حي ان سل إذا كان علي 
عريضة من أجل المساجين السياسيين . فهؤلاء الذين يُفترض بهم أن يوقو 

يجب ألا يكون مغضوباً عليهم, وأن يكونوا قد حافظوا على حدّ أدنى من 
التأثير على الناس المتسلمين زمام السلطة. ألا تعتقدون ذلك؟». 

رآ بالطبع, يفترض بهؤلاء أن يوقعوا!). قال الصحافي وهو 
يضحك). 

ثم أطلق ابن توماس ‏ ضحكة رجل عارف الكثير من الأشياء. وقال: 

رإلا ل أبداً!». 

وأضاف الصحافي قائلا : «لكن هذا لا يعنى أننا لن نسعى 00 
فنحن لسنا طيبين إلى درجة ا وأود 
لو تسمع اعتذاراتهم. فهي رائعة)». 

فضحك الابن ضحكة مستصوية. 

وأضاف الصحافي : «بالطبع. سيؤكدون جميعاً أنهم مُتفقون معنا على 


058 


جميع النقاط . ولكننا لو أصغينا إلى قولهم فعلينا أن نتصرف بطريقة أخرى: 
علينا أن نكون خبراء بالتعبئة بطريقة ا فهم خائفون من 

التوقيع وخائفون في الوقت نفسه من أن نفكر عنهم بالسوء إن لم يوقعوا». 
ضحك الابن والصحافي معاً. 


قدّم الصحافي ورقة لتوماس كتب عليها نص وجيز حيث يُطلب من 
رئيس الجمهورية» وبلهجة مؤدبة نشبا أن بقيدز عنوا قشابلا ع العستا جين 
النياسيين 


حاول توماس أن يجول الأمر في رأسه ريا : العفو عن المساجين 
السياسيين؟ جيد جدا . ولكن هل سيتم العفو عنهم فقط لآن أناساً ينبذهم 
النظام (إذا متنناء ء سياسيين محتملين) يطالبون به رئيس 500 النتيجة 
ل ل 1 7 


ا 0 00 064 أنه لا 
من . راد اقول ليذ لمعن الوزانة 
السياسيين! فهناك أمر من أمرين: إِما الأمر يتعلق بالحصول على العفو. وإما 
يتعلق بفصل القمح الجيد عن الزؤان. والأمران مختلفان. 

سأل الصحافي : هل أنت متردد يا دكتور؟ 


نعم. كان متردداً. ولكنه كان خائفاً من أن يقول هذا. كانت هناك على 
الحائط قبالته صورة الجندي الذي يشهر إصبعه مهددا وهو يقول: «هل ما 
زلت متردداً للانضمام إلى الجيش 2 أو يقول : «ألم توقع بعد على 
الألفي كلمة؟) أو بالأحرى: «هل وقعت أ نت أيفجا على الألفي كلمة؟ أو 
أيضاً: «ألا تريد أن توقع على العريضة لالتماس العفو؟». وأياً يكن جوابه. 
كان الجندي يهدده. 


159 


كان الصحافي يشرح لتوه عمًا كان يفكر بشأن هؤلاء الناس الذين على 
الرغم من أنهم كانوا مقتنعين بضرورة العفو عن المساجين السياسيين» 
يتذرعون في الوقت نفسه بألف حجة لكي لا يوقعوا على العريضة. وتلك 
الحجج كانت» حسب ما يقوله الصحافي» مجرد ذرائع يخفون خلفها 
جبانتهم . ماذا بإمكانه إذا أن يقول عن توماس؟ 

امتدٌ الصمت طويلاً ولكن توماس قطعه هذه المرة ضاحكاً. ثم أشار 
إلى الرسم المعلق على الجدار وقال: «انظروا إلى هذا الرجل الذي يهددني 
سائلاً هل سأوقع أم لا. يصعب علينا التفكير تحت وطأة نظرته) . 

ضحك ثلاثتهم طويلة: 

ثم قال توماس: حسناً. سأفكر في الأمر. ألا يمكننا أن نلتفي في 
دا المقبلة؟ 
الوقت لإنجاز هذه اليم 0 ادا 0 رئيس الجمهورية. 

ا 

كان توساس يفكر في لحري السمين الذي أعطاه الورقة حيث كان 
ان اي إذا يريدون ل ا 

قال ابنه: «في هذه الحالة لن يكون هناك داع للتفكير» . 

كانت الكلمات فظة ولكن النبرة يشوبها شيء من التوسل . نظرا هذه 
المرة بعضهما إلى بعض مباشرة. فلاحظ توماس أن ابنه كان يرفع قليلاً 
الزاوية اليسرى من شفته العلياء حين يمعن النظر. كانت هذه التكشيرة تشبه 
تكشيرته هو حين كان يتحقق بدقة أمام المرآة ما إذا كانت حلاقة لحيته جيدة . 
لذلك فإنه لم يستطع أن يكبت شعوره بالانزعاج لدى رؤيته هذه التكشيرة 

عندما يعيش المرء باستمرار مع أولاده فإنه يعتاد إذاً على مثل هذه 


100 


الخصال وتجدنها امرا عيبا وذ حيدق له ولاحظينا كان" الأمي فك تمه 
ربما. ولكن» كانت هذه المرة الأولى في حياته التي يرى توماس ابنه! ولم 
يكن معتادا على الجلوس قبالة تكشيرته هو بالذات . 

افرضوا أن يدا 0 تجري زراعتها لشخص آخر. ثم جاء 
أحدهم ذات يوم. وجلس قبالتكم وأخذ يشور بهذه اليد بالذات ا لوجه. 
لا شك أنكم ستخالونها فزاعة. مع أنكم تعرفون هذه اليد حقٌّ المعرفة. 
وستخافون من .لمسها مع أن هذه يدكم . 

أخذ الابن يتابع قائلاً: «أنت. كما آمل. في جانب المضطهدين!». 

طيلة الحوار؛ كان توماس يتساءل هل سيخاطبه ابنه مع رفع الكلفة أو 
دونها؟ 0 كان تصبوخ جمله بتطريقة تجنيه هذا الاختيار. ولكنه 
هذه المرة اختار أخيرا. كان يخاطبه دون كلفة, وتيقن توماس فجأة من أن 
هذه السجية الها لم نكن تاق إطلاقاً ب اساي امشو لجن 
السياسيين» بل كان موضوع الرهان يتعلق بابنه: لو أنه يوقع على العريضة 
فإن مصيرهما سيتلاقيان وسيُضطر توماس إلى التقرب منه. أما إذا لم يوقع 
فإن علاقتهما بعضهما ببعض ستكون معدومة كما سبق لها أن كانت على 
الدوام . . ولكن الفرق هذه المرة أنها لن تكون معدومة بإرادته هو. بل بإرادة 
ابنه ان 


كانت حاله كمثل حال لاعب الشطرنج ج الذي لم يعد يستطيع فعل شيء 
لينجو من الهزيمة فيجد نفسه مضطراً للانسحاب من المباراة؛ على كل 
حال» إن وقّع أو لم يوقّع فالأمران سيّان تماماً. وهذا لن يغير شيئاً في مصيره 
ولا في مصير السجناء © اشنا سيين:: 


ثم قال: «أعطنى هذه الورقة). وأحذها. 
14 
وكما لو أنه أراد أن يكافئه على اتخاذه هذا القرارء قال الصحافي : 
«المقال الذي كتبته عن واقنت كان ممتازاً» . 


1 


ناوله ابئه قلماً وقال: «مِنّ الأفكار ما يشبه جريمة اعتداء». 

كآن كام تماق مطرية زتعن المتغارة "انح ندك لنه مالقيا فنها وق 
غير موضعها. فقال: «لسوء الحظ. فإن هذه الجريمة لم توقع إلا ضحية 
واحدة: أنا. فبسبب هذا المقال لم أعد أستطيع القيام بعمليات جراحية 
لمرضاي)». 

كان لهذه الكلمات وقع بارد يشوبه شىء من العدائية . 

ولكى يمحو الصحافى هذا النشاز الصغير» استدرك (بدا أشبه بأحد 
يقدّم اعتذاره) قائلا : «ولكن مقالك ساعد أناساً كثيرين». 

كانت غبازة وساغدة الناس» تف التوماض عند الطفولة. تشاظا واسندا ؛ 
الطب. ثم هل حدث لمقال في صحيفة أن ساعد أناساً من قبل؟ ماذا كان 
هذان الإثنان يريدان إفهامه؟ أنهما يردان حياته كلها إلى خواطر تعيسة كتبها 
عن ي» لا بل إلى أقل من هذا أيضا ؛ إلى كلمة «لا) وحيدة ساذجة 
كان تلفظ بها في وجه النظام ! 


ثم قال (ودائماً بالنبرة الباردة نفسها ولكن دون أن يتعمد ذلك): «لا 
أغرف حقاً ما إذا كان هذا المقال قنن ساعتد أحدا ما ولكني خلال عملي 
كجرّاح أنقذت حياة أناس كثيرين». 

أساد صمت جديد ثم تمه فاكتاف؟ والأنكياز اهما ممكفينا انق 
الحياة) . 

كان توماشن يرى فمه هو بإللات افى .وجنه أبنهءقائلا في “نفس وآمر 
مضحك أن نرى فمنا يتأتىء أمامنا» . ْ 

وتابع الابن بجهد ملحوظ: «ثمة أمر رائع في مقالك وهو رفضص 
المساومة. فهذه القدرة. والتي نحن في طريقنا إلى خسارتهاء هي التي 
تميّز بوضوح الخير من الشر. . لم نعد نعرف ما معنى أن نكون مذنبين. 
فالشيوعيون وجدوا لأنفسهم ذريعة يناده أن ستالين هو الذي خدعهم. كما 
عندما يبرر القاتل نفسه متذرعاً بأن أمه لم تكن تحبه وأنه 0 
الغطف . ولكنك جثت أنث فجأة وقلت: لا مكان للتبرير. إذ لم يكن أحد 


102 


ع 
في روحه وضميره أكثر براءة من «اوديب». ومع ذلك فقد عاقب نفسه بعد أن 
رأى فعلته». 


حاول توماس جاهداً أن يشيح ببصره عن الشفة التي كان يراها في وجه 
ابنه. فأخذل يولي انتباهه للصحافي . كان تفيايق ويشعر برغبة في 
0 فقال: «كما تعلمون. كل هذا لم يكن إلا سوء تفاهم . فالحدود 

بين الخير والشر حدود ملتبسة بشكل لا يوصف. + لع أفن أطالب بالعقاب 
لأحد ولم يكن هذا هدفي الا 0 مر بربري. 
أسطورة [ارديية لبور خط جميلة. ولكن استخدامها بتلك الطريقة. . 
كان على وشك أن يفيف كيشا نا ولكمه تذكز أنه من المحتمل انبر 
قوله . وهو لم تكن لديه أدنى رغبة في أن يستشهد به مؤرّخو العصور المقبلة. 
أو أنه كان يخاف بالأحرى من أن تستشهد به الشرطة. 'فالأمر الذي كانت 
طالبته به هو بالضبط هذه الإدانة لمقاله. فأن يتمكن قير "ف سجاعة هن فيه 
هو بالذات أمر يقززه. فهو يدرك أن كل جملة يتلفظ بها المرء في هذا البلد 
يمكن أن تبثُ ذات يوم على الراديو. فصّمت. 

سأل الصحافي : «ما الذي دفعك إلى تغيير رأيك؟) . 

فقال توماس : «بل إني أتساءل بالأحرى ما الذي دفعني إلى كتابة هذا 
المقال». ثم تذكر على الفور: كانت قد جنحت إلى ضفة سريره مثل طفل 
متروك داخل سلة في مجرى المياه. نعم. هذا هوالسبب الذي دفعه 
للتفتيش عن هذا الكتاب. راجعاً إلى عهد حكايات روميلوس وموسى 
راي وفجأة رآها أمامه تضم إلى صدرها الزاغ الملفوف بالمنديل 
الأحمر. كانت هذه الصورة تريحه وكأنها تريد أن تقول له إن تيريزا لا تزال 
حية وإنها كانت في هذه اللحظة فى المدينة نفسها التى يقطن هر فيها. وأن 
لاشىء عي ذلك يهنم: ُ ْ 

قطع الصحافي الصمت قائلاً: «أتفهم موقفك يا دكتور. أنا أيضاً لا 
أحب أن يجازيني أحد. ولكننا لا نطالب بالعقاب لأحد بل نحن نطالب 
بتوقف العقاب»). 

«أعرف» قال توماس . كان يتقبل الفكرة بأنه سيقوم في خلال ثُوانٍ 


]043 


بعمل نبيل ربّما ولكن بالتأكيد غير مجدٍ إطلاقاً (لأنه لن يساعد بشيء 
المساجين السياسيين)؛ بعمل كان يستكرهه شخصياً (فهو كان يتصرف وفق 
شروط مفروضة عليه). 

قال ابنه مرةَ أخرى (وبلهجة شبه متوسلة: «إنه لمن واجبك أن 
توقع !). 

واجبه؟ وهل سيكون ابنه من يذكره بواجبه؟ لاء هذا أسوأ ما يمكن أن 
يقال له! مثلّث أمام عينيه من ججديد صورة تيريزا وهي تحمل بين ذراعيها 
الزاغ . فتذكر أنها قالت له: إن شرطياً جاء البارحة إلى الحانة وراح يضايقها . 
كانت يداها تبدآن بالارتجاف من جديد. لقد كبرت. لا شيء كان ذا أهمية 
بالنسبة له. عداها. هى وحدها تهمه. هى المتحدرة من صَدَفٍ ستء. هى 
الزهرة النابتة ام الذي أصاب رئيس القسم» هي التي كانت في 
الجانب الآخر من كل أنواع «المحتمات»). هي هي الشيء الوحيد الذي كان 
ا 


فلماذا عليه إذاً أن يتساءل بعد هل يجدر به أن يوقع أم لا؟ فهناك معيار 
واحد يزين به جميع قراراته وهو: اا لم 
يكن توماس قادرا على إنقاذ المساجين السياسيين ولكنه كان قادرا على إسعاد 
تيريزا. لكن لاء كان غير قادر أيضاً على تحقيق هذا الأمر. ولكنه كان على 
يقين من أنه في حال وقّع على العريضة فستأتي الشرطة لمضايقته أكثر من 
ذي قبل. وستبدأ يدا تيريزا بالارتجاف أكثر من ذي قبل . 

قال: «إن إنقاذ زاغ مدفون حياً لَهُو أكثر أهمية بكثير من إرسال عريضة 
إلى رئيس الجمهورية»). 

كان يعرف أن لا أحد سيفهم حرفاً مما يقوله. وكان هذا الأمر خاصة 
يزيده رضى. كان يشعر بنشوة مفاجئة وغير متوقعة. تلك النشوة السوداء 
نفسها حين أعلن لزوجته بأنه لم يعد راغباً في رؤيتهاء لا هي ولا ابنها. تلك 
النشوة السوداء نفسها حين رمى الرسالة التي ضمّنها تخليه إلى الأبد عن مهنة 
الطبيب» في صندوق البريد. لم يعد وائقاً إطلاقاً من أنه يتصرف بشكل 


1904 


حسن ».2 إنما كان انما من أنه يتصرف حسب ما كان يرغب. 

فقال: «أعذراني » لن أوقع». 

15 

بالطبع » 0”_ 0 
لم ترد في ا 0 و > د عاق المي 
ستتحدث مطولاً وبعبارات غامضة ومتوعدة عن دعوة مخربة لا بل أنها تشكل 
ذريعة لإشعال فتيل حرب جديدة ضد الاشتراكية. كانت أسماء الموقعين 
منشورة بحذافيرها ومصحوبة بشتائم وكلمات لاذعة تقشعر لها الأبدان. 

كان الأمر متوقعاً بالطبع . فكل نشاط علني (تجمعاً كان أو عريضة أو 
تظاهرة في الشارع) لا ينظمه الحزب الشيوعي يُعتبر غير قانوني ويعرض 
للخطر كل من يشارك فيه. الجميع كانوا على علم بهذا الأمر. وربما هذا هو 
العريضة. فما الذي منعه بجدّ من توقيعها؟ ما عاد يفهم بوضوح الحوافز 
الكامنة وراء هذا الرفض 

وها إنى أراه مرة ثانية كما بدا لي في أول هبله الرواية: أمام النافذة. 
ينظر عبر الباحة إلى حائط البناية المقابل . 

إنه وليد هذه الصورة . فكما سبق وقلت لكم. أشخاصي لا يولدون من 
أجساد أمهاتهم كما تولد الكائنات الحية. ولكنهم يولدون من حالة أو من 


0 تحوي في داخلها برعم احتمال إنساني صميم يُخْيّل 
للكاتب أ نه لم ابسن له اكتشافه يعد أو أنه لو كك عنه دنا يمدق الذكر 
حتى الآن. 


ولكنء ألا يجري التأكيد دائماً على أن الكاتب :لا يسعه أن يتحذث إلا 
عن ذاته؟ 


فالنظر بعجز عبر الباحة وعدم التوصل إلى قرار» وسماع القرقرة 
المعاندة للبطن أثناء لحظة احتدام عاطفي, والخيانة والعجز عن التوقف على 
متابعة الطريق الرائعة للخيانات» ورفع القبضة في موكب المسيرة الكبرى» 
وعرض النكات أمام آلات التسجيل التي أخفتها الشرطة؛. كل هذه الحالات 
عرفتها وعشتها بنفسي . لكنّ أيا من هذه الشخصيات لا تتحدر من هذه 
الشخصية التي هي أنا والموجودة في بيان سيرتي . فشخصيات روايتي هي 
إمكاناتي الشخصية التي لم تتحقق . هذا ما يدفعني لأن أحبهم كلهم ولأن 
أرتعب منهم في الوقت نفسه. ذلك أ ن كل واحد منهم عَبّر حدودا ليس في 
مستطاعي سوى الالتفاف حولها. وهذه الحدود التي عبروها (والتي بعدها 
تنتهي «أناي») هي ما يشدني إليهم . لأن في هذا الجانب الآخر وحله يبدأ 
السر الذي تسبر غوره الرواية. فالرواية ليست اعترافاً ذاتا للكاتت: وانما 
تنقيب عمًا تصيره الحياة الإنسانية في الفخ الذي ب يسمى العالم . ولكن هذا 
يكفي . فلنعدٌ إلى توماس . 

توماس أمام النافذة ينظر عبر الباحة إلى الحائط المتسخ للبناية 
المقابلة» ويشعر بنوع من الحنين إلى ذلك الرجل طويل القامة ذي الذقن 
الطويل والمعقوف. وإلى أصدقائه الذين لم يعرفهم والذين لا ينتمي إليهم . 
كمن يلتقي بجميلة مجهولة على رصيف المحطة وقبل أن يتسنى له الوقت 
للدنو منهاء تكون قد صعدت إلى عربة ‏ نوم في قطار متجه نحو ليشبونة أو 
إسطنبول . 

أخذ يفكر من جديد: ماذا كان يجدر به أن يفعل. حتى عندما كان 
بطرح انا كل ماله علاقة بالمشاعر. (مثلا الإعجاب الذي كان يبديه 
بالصحافي والغضب بسبب ابنه) فهو لم يكن يتوصل إلى معرفة هل كان عليه 
أن يوقع على النص الذي عُرض عليه أم لا. 

هل صحيح أنه يجب علينا أن نرفع صوتنا حين يُسكت أحدهم رجلا؟ 
نعم . 

ولكن من جهة ثانية : لماذا كانت الصحف تعلق أهمية كبيرة على هذه 
العريضة. ألم يكن بإمكان الصحافة (وهي تقع بأكملها تحت إشراف الدولة) 


106 


ألا تدب ابن كلع نما تمان ببالفق مل صابن فا يمام تين عنهيا؟ إذا 
كانت قد تحدثت م فهذا , يعني أن الأمر 0 أسياد البلاد! وأن هذه أعطية 


7 ماذا كان يجدر به أن يفعل؟ التوقيع أو عدمه؟ 


بالإمكان أيضاً صوغ السؤال على الشكل التالي: أيهما أفضل. 
الصراخ والتبجيل في نهايتناء أم السكوت والحوز على احتضار أكثر بطئا؟ 


أيوجد جوات واحد لهذه الأسئلة؟ 


ومن جديد خطرت له فكرة سبق لنا أن عرفناها وهى : الحياة الإنسانية 
لا تحدث إلا مرة واحدة. ولن يكون فى وسعنا أبداً أن نتحقق أي قرار هو 
الجيددواى قراء هو لتر لأنا فى ل الخالاك يكنا إلا آنا ترز ميرة 
واحدة. لأنه لم تعطّ لنا حياة ثانية أو ثالثة أو رابعة حتى نستطيع أن نقارن بين 
قرارات مخختلفة . 
وحال التاريخ كحال الإنسان. فالتشيكيون يملكون حكاية تاريخ 
واحدة. وذات يوم ستنتهي هذه الحكاية مثل حياة توماس دون أن يقدّر لها أن 
تتكرر مرة ثانية . 
ففي سنة 21714 تشجع نبلاء بوهيميا وقرروا أن يدافعوا عن حرياتهم 
الدينية . ومن شدة حنقهم على الأمبراطور الجالس على عرشه في قييناء ألقوا 
من نافذة هرادشين باثنين من ممثليه الرفيعى المستوى. وهكذا ابتدأت حرب 
الشلاثي ثين عاماً التي اذك رق إناحة كبورحانة الشهي ادي . فهل كان 
التشيكيون يحتاجون آنذاك إلى الحذر أكثر مما كانوا فى حاجة إلى الشجاعة؟ 
فك يبدو الحزات هل ونكية لسن كذلات: ْ 
بعد ثلاثمائة وعشرين سنة من هذا التاريخ. أي في سنة ١97‏ وعلى 
ا ا إِذْ هل من 
المعقول ‏ أن يقاتلوا آنذاك لوحدهم عدوا يفوقهم عددا بثماني مرات؟ لقد 
أظهروا إذاء خلافاً لما فعلوا في سنة 1514ء من الحذر أكثر مما أظهروا من 
الشجاعة. إن استسلامهم هذا أرخ لبداية الحرب العالمية الثانية التي انتهت 


107 


بخسارتهم الكاملة لحريتهم كأمة مستقلة لعشرات السنين ولعدة قرون ربما.ء 
فهل كانوا عندها يحتاجون إلى الشجاعة أكثر مما كانوا في حاجة إلى الحذر؟ 
ماذا كان عليهم أن يفعلوا؟ 
لو كان بإمكان التاريخ التشيكى أن يعيد نفسه, لكانت التجربة 
للاحتمال الآخر أمراً مهماً بالطبع, لأنه إذ ذاك يمكن المقارنة بين النتيجتين. 
ولكن. بانعدام وجود هذه التجربة. فإن هذه البراهين كلها تبقى لعبة 
اإفتراضات . 
مرة واحدة ليست في الحسبان. مرة هي أبداً . تاريخ بوهيميا لن يتاح 
له أن يتكرر مرة ثانية ولا تاريخ أوروبا أيضاً. فتاريخ بوهيميا وتاريخ أورويا 
هما محاولتان خطهما انعدام الخبرة المحتم للبشرية. فالتاريخ خفيف بقدر ما 
هي الحياة الإنسانية خفيفة, خفيفة بشكل لا يطاق. خفيفة مثل الوبرء مثل 
واه و ا 
القامة والمحني 0 كان ذلك ل 
يتكرر مرات لا عد لها في سياق العود الأبدي كاد ترا لاسن 1لا 
يشك في أعماله ومقتنعاً بأنه كان على حق . وهو لا يرى في ية يقين الرجل 
هذا دليلاً على بلادة الذهن بل علامة على فضيلة. كان سس ف ا 
مختلفة عن حكاية توماس. في حكاية لم تكن محاولة أولية (أو لم تكن تعي 
نفسها على أنها كذلك) . 
16-0 
بعد ذلك بوقت قصيرء 0 ور . ووه بها لالفي 


د ل ا ل الت شك تام ها يقل لثيا في 
حياتنا السابقة على الأرض وكل التجربة التي اكتسبناها في هذه الدنيا. 


ولنفرض أن هناك ربما كوكباً ثالثاً حيث يستطيع كل منا أن ب ييصر النور 


108 


مرة ثالثة مزوداً بالخبرة التي اكتسبها خلال الحياتين السابقتين اللتين عاشهما. 

وأن هناك أيضاً وأيضاً كواكب أخرى حيث يمكن للجنس البشري أن 
يلد من جديد مرتقياً في كل مرة درجة (أي حياة) على سُلّم الكمال. 

تلك هي الفكرة التي يكونها توماس عن العود الأبدي . 

تحن أيضا سكان هذه الأرض (أي الكوكب رقم واحدى كوكب اتعدام 
الخبرة) » ٠‏ ليس في إمكاننا طبعاً إلا أن نكوّن فكرة غامضة جداً عما سيصير 
بحال الإنسان في الكواكب الأخرى. ترى هل سيكون أكثر ثقلً؟ هل 
سيكون الكمال في متناول يده؟ وهل سيتمكن من الوصول إليه بواسطة 
التكرار؟ 

ضمن أفق هذه اليوطوبيا وحجده يمكن لمفهومي التشاؤم والتفاؤل أن 
يكون لهما معنى : فالمتفائل هوذلك الذي يتصور أن التاريخ الإنساني 
سيكون أقل ديمومة على الكوكب رقم 0. والمتشائم هو ذلك الذي لا يصدّق 
هذا الآ 

مر. 


17 


لجول فيرن رواية شهيرة كان يحبها توماس كثيراً عندما كان طفلاٌ 
وتدعى «سنتان من العطلة). وهذا صحيح ء فإن الحد الأقصى لعطلة ما هو 
سنتان . وها قد انقضت ثلاث سنوات تقريبا وتوماس لا يزال منظفا للزجاج . 

خلال هذه الأسابيع الأخيرة» أخذ يكتشف (بحزن ولكن أيضاً بفرح 
غامض) أنه بدأ يتعب جسدياً (كان يشن كل يوم يشركة واخيانا يع عون 
جنسيتين) وأنه. دون أن يفقد شيئاً من شهيته للنساءء لم يكن في استطاعته 
ممارسة الجنس معهرّ إلا لقاء شحن كامل لقواه كلها (لا أعني قواه الجنسية 
وإنما قواه الجسدية؛ فهو لم يكن يعاني صعوبات مع قضيبه بل مع نفسه. 
وهذا بالضبط ما كان يبدو له مضحكا) . 

كان يحاول ذات يوم أن يعيّن موعداً لفترة ما بعد الظهر. ولكن, وكما 


109 


يحدث اانا لم ترد أي صديقة من صديقاته على الهاتف فأوشك ما بعد 
الظهر أن يكون قاحلا. كان يشعر باليأس . حاول أن يتصل عشرات المرات 
بامرأة شابة كانت طالبة في معهد التمثيل وجميلة جدا. كان جسدها الذي 
ذهبته الشمس على أحد شواطىء ل ل ل 
شعيرة تشيقة ناما ركان لسن عار لد شيش يدور بحركة عجيبة دقتها. 

خابرها من كل المخازن حيث كان يعمل ولكن دون جدوى. ونحو 
الساعة الزابعةء عندما كان راجعاً بعد انتهاء جولته إلى المكتب ليقدم لوائح 
العنانب اريم نادته واحدة في شارع وسط براغ . .كانت تبتسم له قائلة: 
«دكتور. أين كنت تختبىء! لقد سهوت عن بالي تهاماً!: 

كان توماس يبذل جهداً ليتذكر من أين كان يعرفها. هل هي إحدى 
مريضاته القديمات؟ ا را 
بحمها تظويقنة له تظيكر انالا يكرت كن كوو مكرما كان سخاءل كيب 
سيقنعها بمرافقته إلى شقة صديقه الصغيرة والتى يملك مفتاحها في جيبه. 
عبنت له نحط متافة عب كرة هته الدرأة: اننا الطائية فى ميد 
التمثيل. صاحبة الجسد البرونزي الرائع التي كان يخابرها دون توقف طيلة 
النهار. 

أمتعه هذا الحادث المزعج وأرعبه في الوقت نفسه : و 
خا محبيناتل عفلا ابض فا القطره لمكن إظالتهما إلى تير 


سمي 

كانت العظلة53 طاولة العسملتات عطلة اهبا دون مريدا :فإن أانا 
بكاملها كانت تمر دون أن يتقابلا. وحين يجتمعان أخيراً في يوم الأحد. كانا 
يمثلان رغبة واحدهما للآخر ولكن يظلان بعيدين كما في ذلك المساء حين 
رجع توماس من زوريخ وتوجّب عليهما أن يجتازا طريقاً طويلة قبل أن يقدرا 
على التلامس أو المعانقة. كانت العلاقة الجنسية تمنحهما المتعة ولكنها لا 
تمنحهما أية مؤاساة. فهي لم تعد تصرخ كما كانت تفعل من قبل حين كانت 
تصل إلى لحظة النشوة. بل كانت تبدو تكشيرتها وكأنها تعبّر عن الألم وعر, 


200 


غياب غريب. لم يكونا متحدين بحنان إلا في الليل أثناء النوم . كانا يمسكان 
دائما بأيديهما فتنسى عندئذ الهاوية (هاوية ضوء النهار) التي كانتا تفصل 
بينهما. ولكن هذه الليالي لم تكن تعطي توماس لا الوقت ولا الوسيلة 
لحمايتها والاعتناء بها. لذلك فهو عندما كان يراها في الصباح ينقبض قلبه 
وويك شونا عن ابيلها: كانت تبدو حزينة ومتوعكة . 

ذات يوم اقترحت عليه أن يركبا السيارة وينطلقا إلى مكان ما في 
الريف. ذهبا إلى مدينة المياه المعدنية حيث اكتشفا أن جميع الشوارع هناك 
قد تغيرت أسماؤها وأصبحت روسية, وحيث التقيا بأحد مرضى توماس 
القدامى . أَثَّر فيه هذا اللقاء. فها إن أحداً يتحدث معه فجأة كما يجري 
التحدث مع طبيب. لقد اعتقد لوهلة أنه استعاد حياته السابقة بنظاميتها 
المريحة ة وساعات المعاينة ونظرات المرضى الوائقة التي كان يتظاهر بأنه لا 
يعيرها اهتماماً فيما هي تمنحه حقاً الرضى الذي يفتقر إليه. 

أخذ توماس إذا يردد في نفسه. وهو يقود الفبيارة أثناء عودتهماء أن 
رجوعهما من زوريخ إلى براغ كان خطأ فادحاً. كان يُبقي عينيه مسمرتين 
باتجاه الطريق كي يتحاشى رؤية تيريزا . كان حضورها إلى جانبه يتكشف له 
في كل احتماليته التي لا تطاق. فلماذا كانت .إلى جانبه؟ ومن ذا الذي 
وضعها في سلة وتركها لتجري مع المياه؟ ولماذا قُدّر لها أن ترسو على سرير 
توماس؟ ولماذا هي د! لات دون سواها؟ 

كانا يسيران في السيارة ممتنعين من الكلام طيلة الطريق. 

كان الصمت ينتصب بينهما كالشقاء. ويثقل في كل دقيقة. ولكي 
يتخلصا منه ذهبا بعجل إلى النوم . وأثناء اليل أيقظها ليخلصها من نحيبها 
فأخبرته: «كنت مدفونة. منذ زمن بعيد. وكنت تأتي لزيارتي كل أسبوع . 
كنت تقرع على السرداب فأخرج . كانت عيناي ممتلئتين را 

كنت تقول : «أنت لا تستطيعين أن تري شيئاً» . لم أخذت تزيل التراب 
عن عيني . 

وكنتٌ أرد عليك: لكني في جميع الأنقواك ثن آرى شيعا د ميتك 
فجوات مكان العينين. 


201 


ثم ذهِبْتَ مدة طويلة وكنتٌ أعرف أنك برفقة امرأة أخخرى . انك 
الأشابيع تمر وأنت لا تعود. وأنا لم أعد أنام إطلاقاء لأنني ك: كنت أخاف من 
أن افوت عودتك. وذات يوم رجعت أخيرا وقرعت على السرداب» ولكني 
كنت منهكة لأنني لم أنم من شهر كامل, فبالكاد كانت لي القوة لأخرج من 
السرداب. زعتل سكت ع ذللقا حيرا كنت تبدو وكأنك خائب. كنت 
أعرف أنني لا أروق لك وأن خحديٌ متجوفان وأننى يي أقوم بحركات فظة وغير 


فقلْتَ لي بصوت مطمئن. لكن خادع : أرأيتِ. يجب أن ترتاحي. أن 
تأخذي عطلة شهر. 

وتنك" أغرف نيد ماذا تقضد"وانت تحدت عن العظلة1 كنت أعترك 
أنك تريد أن تبقى شهراً كاملا دون أن تراني لأنك ستكون برفقة واحدة 
أخرى . كنود لك آنا عزن ديف إل عنمن القدره كنت أعرف أننى سأبقى 
شهرا آخو دون توم لأني لا أريد أن أفوت عودتك. وأعوقك يفا انلك جين 
مكدو نهد شير ماكر اك نينا وييتكون أكثر خيبة من قبل» . 

ان رم م ا ه الحكاية. أخذ 
بصبد بزء ابوحيدها برتعض: بين ذراعيه: كان يفكر أنه لم تعد لديه القوة 
ليتحمل الحب الذي يكنه لها. 

بإمكان الكوكب أن يتهاوى على أثر تفجير القنابل. ويمكن للوطن أن 
بنهبه كل يوم مختلس جديد. ويمكن لسكان الحي جميعهم أن يُساقوا إلى 
كتيبة الإعدام. يمكنه أن يتحمل كل هذا بسهولة أكبر مما يجرؤ على القول. 
لامرلا عل تعيل ادن التي سيا حلم و سام 1 روا ٠‏ 

كان يرجع إلى داخل الحلم الذي أخبرته به لتوها: كان يراها أمامه 
كان يداعب وجنتيها ثم يزيل التراب. بحذرٍ شديد لثلا تلاحظ شيئء من 
فجوتي عينيها. ويسمعها تقول هذه الجملة. الجملة الأكثر إيلاماً , بين الجمل 

كلها: «لكني في جميع الأحوال لن أرى شيئاً. هناك فجوات مكان العينين». 


300 


كان قلبه ينقبض ويشعر أنه على شفير أن يصاب بالسكتة القلبية. 


مقاب ني وى اعمارمة :لد يكن ي امعط إساته لاني 
تعمء هذا هو الموت: أن تنام تيريزا وترى أحلاماً فظيعة دون ن أن يتمكن من 
إيقاظها . 


19 


خمس سنوات قد مرّت على اجتياح الجيش الروسي لبلاد توماس 
وبراغ كانت تتغير كثيرا: لم يكن الناس الذين يصادفهم توماس في الشارع 
هم أنفسهم الذين كان يراهم في السابق وكان نصف أصدقائه قد هاجروا 
والنصف الآخر الذين لم يهاجرواء ماتوا. وهذا الحدث لن يدونه أي 00 
كانت السنوات التي أعقبت الاجتياح الروسي. سنوات مآثم. إذ لم يسبق أن 
حدثت وفيات د الكثرة ا م ال (وهي نادرة على كل 
حال) حيث طورد انان حتى الموت كما حصل ليان بروشازكا. فبعد مرور 
خميية ة عشر عاماً على إذاعة أحاديثه الخاصة المسجلة عبر الراديو وما 
أدخل إلى المستشفى . لا شك أن السرطان الذي كان يرقد سراً داخل جسده 
منذ فترة طويلة بدأ يتفتح مثل وردة. أجريت العملية له بحضور الشرطة . 
وعندما اكتشفت هذه الأخيرة بأن ليس هناك من أمل في شفائه. كفت عن 
الاهتمام به وتركته يموت بين ذراعي زوجته . ولكن الموت كان ينزل أيضا 
بهؤلاء الذين لم يكونوا مضطهدين مباشرة. كان اليأس الذي ضرب البلاد 
مستأثرا بالأجساد وزارعا الذعر فيها ينفذ أيفيا إلى الروح. . كان البعض 
يتهربون من البِعَم التي كان النظام يريد أن يغدقها عليهم لإجبارهم علانية 
على الظهور إلى جوار القادة الجدد. هكذا حصل مع الشاعر فرانتزك هروبين 
الذي مات وهو يتهرب من محبة الحزب. فلحقه وزير الثقافة. وهو الذي كان 
حاول بكل ما أوتي من قوة الفرار منه. حتى النعش وألقى على قبره خطبة 
ضَمّنها محبة الشاعر للاتحاد السوفياتي. ربما تلفظ بهذا الكلام الشنيع لعل 
يُقيم الميت من رقاد. ولكن العالم كان من البشاعة بحيث أن لا أحد كان يريد 


003 


أن يبعث من بين الآفوات. 


ذهب توماس إلى محرقة الجثث لحضور مأتم 2 إحياء شهير كان قد 
طَرِدَ من الجامعة ومن أكاديمية العلوم . ولكي يتجنبوا أن تنقل الجنازة إلى 
تظاهرة. كانوا يحطرون الإشارة إلى ساعة الدفن على أوراق النعي ولم ملكو 
الأقارب إلا عند آخر لحظة بأن الفقيد سيتم إحراقه في الساعة السادسة 
والتضي صناحا. 

عندما دخل توماس إلى صالة مُخحرقة الجثث. وجد صعوبة في فهم 
ماذا كان يجري . كانت الصالة مضاءة وكأنها صالة أستوديو. نظر حواليه 
مدهوشاً فلمح آلات التصوير في ثلاث زوايا من الصالة. لاء ليس موظفو 
التلفزيون هم الذين يقومون بالتصوير. بل كانت الشرطة رل ل لحار 
لكي تتحقق من هوية المشتركين فيه. ثم اجترأ زميل قديم للفقيد. وهو كان 

لا يزال عضوا في أكاديمية العلوم , على إلقاء بضع كلمات أمام النعش. لم 

يكن يفكر أنه سيصيزن بهذه السهولة نيجما سيتمائيا. 

بعد الجنازة وبعد أن صافح الجميع عائلة الفقيد, لمح توماس في 
إحدى زوايا الصالة جماعة صغيرة فتعرّف فيها إلى الصحافي صاحب القامة 
الطويلة والمحنية. شعر من جديد بالحنين إلى هؤلاء الناس الذين لا يهابود 

شيئا والذين تربطهم بعضهم ببعض صداقة قوية. اقترب منه وابتسم له هاما 
بأن يقول صباح الخير ولكن الرجل ذا الجسد الفارع والمنحني قال له: 
«احذر يا دكتور. من الأفضل أ تقترب)» . 

كثانت هذه الجملة ضرية :فهو كان نر يها إتذازا ستادقا رمحا 
(«احترس» إنهم يصورونناء لو توجهت إلينا بالكلام ستكون عندها نافعاً في 
استجواب جديد»). ولكنة لم يكو يسجعدا ف الوقت نفسه أنها كانت تتضمن 
نبرة ساخرة («لم تتسنّ لك الشجاعة لتوقع على العريضة. كن منطقياً إذا ولا 
تتعاط معنا»). أيَاّ كان التأويل الصائب لهذه الجملة. فإن توماس امتشل 
وانسحب. كان يشعر أن تلك الجميلة المجهولة التى صادفها على رصيف 
المحطة كانت تصعد إلى عربة نوم في قطار سريع. ثم في اللمحظة. التي أراد 
أن يسرٌ لها بإعجابه. وضعت إصبعها على شفتيها لتمنعه من الكلام . 


204 


20 

وفي فترة ما بعد الظهر أيضاً جرى له لقاء هام . كان يقوم بتنظيف 
واجهة أحد محلات الأحذية عندما توقف رجل شاب على بعد خطوتين منه. 
انحنى الرجل فوق الواجهة ليتفحص الأسعار. 

«كل شيء يزداد ا قال توماس دون أن يكف عن تمرير اسفنجته 
على الزجاج المبلل. 

التفت الرجل. كان ذلك الزميل في المستشفى الذي دعوته س 
والذي كان يبتسم ساخطا على توماس معتقدا أن هذا الأخير كتب رسالة النقد 
الذاتية. سُرَّ توماس لهذا اللقاء (إنها المتعة الساذجة التي تجلبها لنا الصدفة) 
ولكنه ما لبث أن لمح في نظرة زميله (فهو لم يتسن له في الثانية الأولى الوقت 
ليتحكم بردة فعله) تعبيرا عن مفاجأة لا تروق له. 

كيف الحال؟ سأل س. . 

وقبل أن يصوغ جوابه فهم توماس أن س . ركان لبد من ببزالنس + 
كان جلياً أنه تصرف أحمق قى أن يبادر طبيب لا يزال يمارس مهنته إلى أن يسأل 
طدا رلته الواجينات ١‏ عن اله 


«في أحسن ما يكون». أجاب توماس وهو يتصنع المرح لكي يخفف 
عن الطبيب انزعاجه. لكته احين أقورا أن غيارة «في أحسن ما يكون» يمكن 
أن تؤول رغماً عنه (وبسبب النبرة الفكهة التي لجأ إليها بالذات). 


لذلك استعجل يقول: هل هناك من جديد في المستشفى ؟ 

فأجاب س. . . : لاء كل شيء» لما يزلٌ على حاله. 

ولكن هذا الجواب والذي كان يتظاهر بأنه محايد كلياًء كان في غير 
اتنوقيعة كماما .«وكل نيما يعرقه ذللكة ويمرقه أن الآخر يرف إد كين 
بإمكان كل شيء أن يكون على حاله فيما أحد الطبيبيّن منظف زجاج؟ 

ثم قال توماس متحرياً : «ورئيس القسم؟». 


205 


ألا تراه؟ سأل س 

فقال توماس: «لا). 

كان هذا صحيحاً. فهو منذ رحيله عن المستشفى لم ير قط رئيس 
القسم ثانية. ا معاونين ممتازين وحتى أنهما كانا 
يميلان تقريباً إلى أن يعدا نفسيهما صديقين. ومهما يكن. فإن «اللا» التي 
تلظ بها لتوه كان فيها شيء من الحزن. فأخذ توماس يشك بأن س. . . قد 
استاء منه لأنه طرح عليه هذا السؤال ذلك أن س. . . بالذات ورئيس ل 
لم يأتيا قط إلى زيارة توماس والسؤال عن الحرالتة ار مي ذا عا 
لشيء . 

كان الكرار بين الزميلين ا 0 ل اد كلهت 

0-6 لسوه. وكان في ا يشرح شرل الحال إلى الطبيب 
الشاب . كان راغباً في أن يقول له : لا تكلف نفسك هذا الانزعاج. ا 
طبيعي أنك لم تحاول التردد لزيارتي, فهذا يسير وفق المجرى المعروف 
للأمور لا داعي لأن تحمل نفسك أي شعور بالخجل! فهذا من دواعي 
سروري أن ن ألتقيك!» ولكنه لم يجرؤ على هذا القول, لأن أيَا من كلماته لم 
يتضمن هذا المعنى الذي يحملها إياه الآن. وفوق ذلك. يمكن لزميله القديم 
ساعتها أن يشتبه بأنه يُضمر سخرية وراء جملة صادقة على كل حال. 


وأا قال س. . . «اعذرني, إني مستعجل». ثم صافحه وقال: 
«سأتصل بك). 

في السابق, حين كان زملاؤه يحتقرونه بسبب جبانته المفترضة كانوا 
ييتسمون له كلهم . أما الآن. وفيما لم يعودوا قادرين على احتقاره. لد بل 
صاروا مرغمين على احترامه, فقد بدأوا يتحاشونه . 

وفضلاً عن ذلك. فإن مرضاه القدامى لم يعودوا يدعونه إلى عبّ 
الشمبانيا احتفالاً به. والسبب أن وضع المثقفين المبعدين لم يعد استثنائياً بل 
صار حالة مستمرة وغير مستحية . 


206 


21 


لتر ام يا ا ديه أله اسح الى 
يعاوده في لحظات الإحباط. فتح خزانة صيدليته. لا توجد هناك أدوية. 
ع . لقد نسي أن يتزود منهاء فحاول أن يخمد نوبة الألم بقوة الإرادة 
ووفق إلى ذلك تقريبا. ولكنه لم يستطع الرجوع إلى النوم. عندما عادت 
تيوو عند الواحلة والضف) عناحاء :زعت ل أن يتحداث إلبها: اسرهااعن 
الدفن وعن الصحافي الذي رفض التحدث معه وعن لقائه بزميله س 

فالنقاتبريز اد بزاح تضين يشلغة. 

قال توماس : هذا صحيح . 

بعد فترة قصيرة» قالت تيريزا بصوت منخفض : الأفضل هو أن ترحل 

قال توماس: أجل . لكن ليس في إمكاننا الذهاب إلى أي مكان. 

كان يجلس على السرير مرتدياً بيجامته. جاءت وجلست قربه ثم 
طوقته بذراعها. 

قالت تيريزا: إلى الريف. 

قال مدهوشاً: إلى الريف؟ 

هناك سنكون لوحدنا. لن نلتقي لا الصحافي ولا زملاءك القدامى . 
هناك سنلتقى أناسا مختلفين والطبيعة التى ما زالت على عهدها. 
عجون وأن لا رغبة له في شيء آخر عدا قليل من الطمأنينة والسلام . 

ثم قال بعد جهدء لأنه يتنفس بصعوبة عندما يكون مريضاً: «ربما أنت 
على حق). 


أردفت تيريزا: سيكون عندنا كوخ وحديقة صغيرة وستمضي كارينين 


207 


هناك أوقاتاً ممتعة جداً. 

نعم. قال توماس . 

ثم حاول أن يتصور ماذا سيحدث لو أنهما ذهبا حقاً للعيش في 
الريف. هناك سيجد صعوبة في أن يحظى بامرأة جديدة كل ثمانية أيام . 
هناك سيتكون إذا قاتية متام انه الحشيية. 

كان الألم يزداد, ولم يعد في استطاعته الكلام . فكر أن مطاردته للنساء 
كانت هي أيضاً «ما ليس منه بد وضرورة تستعبده. كان راغباً حقاً في أن 
يأخذ عطلة . ولكن عطلة تامة وتسريحاً من الفضرورات كلها. إذا كان قد 
0 في ل اي المعات لي ' 
حك كان بن ل حزنة «الأنا» الأنثوية فيكتشف هذا الجزء من 
مليون من الاختلاف؟ 

وأخيراً لاحظت تيريزا: هل معدتك تؤلمك؟ 

رد بالإيجاب . 

هل حقنت نفسك بإبرة؟ 

أجاب ا زاف ثم أضاف : نسيت أن أشتري أدوية . 

لامته على إهماله وداعبت جبينه العرق. 

قال : أنا:الآن احسين عحال, 

قالت: «تمدد» ثم دثّرته بالعطاء. ذهبت إلى غرفة الحمام ثم عادت 
بعد قليل لتتمدد إلى جانبه . 

أدار رأسه نحوها على الوسادة فأصيب بالذهول: كان الحزن المنبعث 
من عيني تيريزا غير محتمل . 

قال: اسمعيني يا تيريزا! ماذا بك؟ أنتٍ غريبة الأطوار منذ فترة. أشعر 
بذلك وأعرفه 


208 


هزت رأسها: لاء ليس بي شيء. 

لا تنكري! 

قالت: إنه الأمر نفسه دائماً . 

«الأمر نفسه دائما». هذا يعني إذا انيت كانت تكبو اانه كان 
اننا باجم رار 

ولكن تومامن كان يضر الا يا تيريزاة هذه المسرة» الآمر سكيلف فانا 
لم أركِ في مثل هذه الحالة من قبل . 

اعدف عرزيزا فائلة : سنا نادت زيل أن اقرل لنف: قم واغسل 
رأسك! 


لم يكن يفهم . 

قالت بحزن ودون عدائية وبشيء لساري ل ل 0 
عدة أشهر. تفوح منه رائحة فرج. لم أكن أريد أن أقول لك ذلك. ولكن ها 
إني لا أعرف كم من الليالي جعلتني أتنشق رائحة فرج إحدى عشيقاتك . 

وعلى إثر هذه الكلمات. عاودته تشنجات معدته. كان الأمر وي 
منه . فهو كان يغتسل بإفراط ويفرك جسمه كله يديه ووجهه بعناية فائقة كى لا 
يترك أي أثر لرائحة غريبة . كان يتحاشى في حمامات النساء العريات ا 
يستعمل الصابون المعطر. بل كان يتزود دائماً بصابونه الخاص المستورد من 
مرسيليا. لكن غاب عن باله أن يغسل شعره. أما الشعر فلاء لم يكن يفكر 
في الأمر! 

تذك عند المرأة التى كانت تترشح قوق راسه واف سآن يقناجمه 
بواسطة وجهه وأعلى جمجمته. كما كان يكرهها الآن! ويكره هذه الأفكار 
البلهاء! كان يجد أنه لا توجد وسيلة لأن ينكر. فهو لا يسعه إلا أن يضحك 
بسذاجة ويتحضر للذهاب إلى غرفة الحمام ليغسل رأسه 

أخذت تداعب جبينه من جديد. «إبقّ فى سريرك. لا تحمل نفسك 
هذا العناء. لقد تعودت الآن على الأمر) . ْ 


20092 


كانت معدته تؤلمه ولم يكن راغياً إلا في الهدوء والسلام . 

قال: سأكتب رسالة إلى ذلك المريض الذي التقيناه في مدينة المياه 
المعدنية . هل تتذكرين فى أي منطقة توجد قريته؟ 

قالت تيريزا: لا. 

كان توتائن بشع بمشقة في الكلام. كان يوفق فقط إلى تلفظ بعض 
الكلمات : «غابات . . . تلال. ..). 


«أجل. هذا ما عنيت. فلنرحل عن هنا» . ولكن توقف عن الكلام 
ا ل عاب ا 


22 


الاعف قن زاغ تناع من الليل 'معيضا من اكتقانه أثه راق الخلاما 
جنسية في منامه. كان لا يتذكر بوضوح إلا الحلم الأخير: كانت هناك امرأة 
عملاقة تسبح عارية في بركة للسباحة. كانت أطول منه بخمس مرات وبطنها 
مكسوا بشعر كثيف يمتد من بين فخذيها وحتى السرة. كان يراقبها من عند 
الحافة وهو فى أشد الهياج . 

كيف أمكنه أن يكون مهتاجاً فى الوقت الذي كانت تهدٌ جسذه آلامْ 
ننه كف دكن ايها تمجه رود اما الأينعها إلا أن تعره بالقترف 
فيما لو كان مستيقظاً؟ 

فقال فى نفسه : هناك عجلتان مسئنتان تدوران في اتجاه مخالف داخل 
آلات ساعة الدماغ . على واحدة منهما الرؤى وعلى العجلة الثانية ردّات فعل 
الجسد. فالسن الذي انطبعت عليه صورة امرأة عارية يتشابك في الجهة 
المقابلة مع السن الذي سبلت عليه ضرورة الانتصاب. فلنفترض أن العجلة 
م لآخر. وأن سنّ التهيّج اتصل صدفة بالسن الذي 
رسمت عليه صورة لسنونوة في عر طيرانهاء عندها سينتصب قضيبنا لموأى 
هذه السنونوة . 


210 


من جهة ثانية» كان توماس قد اطلع على على دراسة أجراها أحد زملائه 
وهوااختصاضي في متجال النوم . كان يؤكد فيها أن الرجل الذي يحلم. هو 
في حالة انتصاب دائمة أيا يكن حلمهء ارتباط الانتصاب بصورة امرأة عارية 
لسن إذا إلا طريقة تعيير اختارها الخالق من بين آلاف الاحتمالات ليضبط بها 
حركة آلاات الساعة في رأ س الرجل . 

أما ما علاقة كل ذلك بالحب؟ فلا شيء. إذا دارت عجلة سنا واحدة 
في رأس توماس فتهيج لمرأى سنونوة» فهذالن يغيّر شيئا في حبه لتيريزا. 

إذا كان الهياج الجنسي آلية يتسلى بها الخالق؛ فإن الحب. خلافاً 
لذلك لا يحمى إلا إلينا ويمكها من خلاله. الافلات من قبضة الخالق. 'قالمذن 
هو حريتنا. الح هيما واه كل ذما ا لمدر صنه يناف 

ولكن هذا أيضاً لا يعطي فكرة كاملة عن الحقيقة . و 
مختلفاً عن آلية ساعة الجنس التي ابتدعها الخالق ليتسلّى. ٠‏ فهو مع ذلك 
موثوق إلى الجنس كما توثق امرأة غضة عارية إلى رقاص ساعة هائلة . 

قال توماس في نفسه: إن ربط الحب بالجنس هو إحدى الأفكار الأكثر 
واه للكالني ٠”‏ 

وكال ان اكفنية أنفا جاتناو الرسيلة التضينة لاتقاة للع مه غاء 
اللعسن. قة تكووا ع مدير الناعلة بطردركة حداف في رانك ليدع لرروية 
النووء 

وعلى هذه الفكرة العذبة. أخذه النعاس. وإذ هو على عتبة النوم, 
هناك في المساحة الساحرة للرؤى المشوشة. تيقن فجأة من أنه كان يكتشف 
حل الألغاز كلها ومفتاح السرٌ ويوطوبيا جديدة» بل الجنة: ع ار 
حيث نتهيج لرؤية سنونوة وحيث بإمكانه أن يحب تيريزا دون أن يضايقه الغباء 


25 

كان وسط نساء شبه عاريات يحمنّ حوله وكان يشعر بالتعب. ثم 

لكي يتمكن من الإفلات منهن. فتح بابا يؤدي إلى غرفة مجاورة. رأى قبالته 
امرأة شابة مستلقية على أريكة. كانت هي أيضا شبه عارية وفي سروال 
اقترب منها فانتشرت سعادة قصوى في حنايا جسده. فها قد عثر عليها 

يرا وأصبح في مستطاعه الاختلاء بها. جلس قربها وهمس لها بضع 
كلمات فأسرت له بدورها ببضع كلمات. كانت تشع هدوءا وحركات يديها 
بطيئة ناعمة اع سس طيلة حياته افتقد 


ولكن. في هذه اللحظة, انزلق من النعاس إلى الوعي الجزئي. كان 
في تلك المنطقة المحايدة حيث لا نكون في حالة النوم ولا في حالة اليقظة 
أشنا . كان يائساً من أنه رأى تلك المرأة تختفي. وكان يقول في نفسه: يأ 
إلهي ! يجدر ألا أفقدها. كان يحاول أن يستجمع قواه ليتذكر أين التقى بها 
ا هل من المعقول أن يتذكر هذا وهويعرفها حق 
20000 ن يتصل بها باكرا ولكنة ارتحف وا لساعته عندما فكز 
ا ل اع بي أنه لا يتذكر اسمها. كيف أمكنه أن 

ا ل ا 
زقال فى نغة أن انا عر فك أنا في براغ . ولكن تلك المرأة ة هل هي من 
براغ أيضاً؟ م أو لعلني تعرفت إليها عندما كنت في 
سويسرا؟ لزمه بعض الوقت ليفهم أنه لم يكن يعرف هذه المرأة وأنها لم تكن 
لمن زوريخ ولا من براغ. بل من منطقة الحلمء ؛ من لا مكان آخر غير 


الحلم . 


دما فد إن رار لي حلمه الشابة لا 


212 


تشبه أي امرأة من النساء اللواتي عرفهن في حياته. تلك المرأة الشابة التي 
0 ولكنها هي من رغب بها على 
الدوام . لو أنه وجد ذات يوم جنته الخاصة. هذا فيما لو افترضنا أن هناك 
جنة. لا بد أنه كان سيعيش فيها إلى جانب هذه المرأة. كانت المرأة الشابة 
لحلمه هي «ما ليس منه بدّ» لحبه! 


تذكر عندها أسطورة أفلاطون الشهيرة «المأدبة»: ففي السابق كان 
البشر مزدوجي الجنس فقسّمهم الله إلى أنصاف تهيم عبر العالم مفتشة بعضها 
عن بعض . الحب هو تلك الرغبة فى إيجاد النصف الآخر المفقود من 
قينا ْ 

فلنفترض أن هذا صحيح و أن كل واحد منا يملك في مكان ما من 
العالم شريكاً كان يؤلف معة فيما مضى جسداً واحداً. إذاء النضف الآخبر 


لتوماس هو المرأة الشابة التي رآها في منامه. ولكن لن يتسنى لأحد أن 
يصادف النصف الآخر من ذاته. لقد أرسلت له تيريزا عوضاً عن المرأة في 
وله عير ميعرى العناء.. يي 
لاحق المرأة التى مدويةة لف أي بالنصف الآخر من ذاته؟ لمن ستكون 
الأفضلية؟ للمرأة التي وجدها في سلة أم للمرأة الطالعة من أسطورة 
أفلاطون؟ 


أخذ يتصور بأنه يعيش في عالم مثالي إلى جوار امرأة حلمه. وها إن 
تيريزا تمر بالقرب من الشبابيك المفتوحة لدارتهما. ها إنها تتوقف وحيدة 
على الرصيف وتلق نحوه من بعيد نظرة حزينة حزينة. عندهاء سوف يشعر 
مرة أخرى بألم تيريزا في قلبه! مرة أخرى سيكون فريسة الشعور بالشفقة 
وسيغور في روخ تيريزا . * وعندهاء سوف يقفز من النافذة فيُفاجاأ بأنها تقول 
تعرانةما عليه إلا ادديق عدف يع بالسهادة: ثم تقوم بتلك الحركات 
العصبية وغير المتماسكة التي أثارت حنقه على الدوام والتىي وجدها مزعجة 
على الدوام. فيمسك بيديها المرتجفتين ويضمهما إلى يديه بقوة ليهدّىء من 
روعهما. هاما سين انا ميد انسور ار إل الجن ياتا باللا 
وأنه مستعد لأن يدرك في أية لحظة الجنة التي يعيش فيها مع امرأ ة حلمه. 


213 


وأنه سيخون «ما ليس منه بذ لحبّه في سبيل الرحيل مع تيريزاء هذه المرأة 
المولودة من ست صَدَّفٍ مضحكة. 


كان جالساً على السرير ينظر إلى المرأة النائمة إلى جواره والتي كانت 
تمسك بيده أثناء نومها: كان يشعر نحوها بحب لا يفسر. لا شك أنها في 
هذه اللحظة غارقة في نوم هش جداً لأنها فتحت عينيها وألقت نحوه نظرات 
مذعورة . 

ثم سألته : إلام تنظر؟». 

كان يعرف أنه لا ينبغي عليه أن يوقظها بل أن يعيدها إلى النوم من 
جديد. حاول أن يجيبها بكلمات يمكن أن تبعث في فكرها شرارة حلم 


جديد. 
فقال: أنظر إلى النجوم . 
لا تكذب, أنت لا تنظر إلى النجوم بل تنظر أرضا 
ولكن بما أننا في الطائرة» فإن النجوم تحتنا 


حزاء: عستا فالس ثريا . كانت تشد على يد توماس بقوة أكبر» ثم ما 
لبثت أن استرسلت في النوم . كان توماس يعرف أن تيريزا كانت تنظر الآن 
عبر كوة #طائرة تخلن عالياً جدا :قوق الجوم. 


214 


القسم السادس 
المسيرة الكبرى 





مقال نشرته مجلة والسانداي تايمز) عام و١‏ ا ا الألمات خلال 
الحرب العالميه. امل :قن مستكز الاعتفال الس هم شاط إتكليز أسرى. 
كانت مراحيضهم مشتركة في المعسكر وكان ابن ستالين دركيا ذاتما محبهة 
والإنكليز ؛ لم يكونوا يحبون رؤية مراحيضهم ملطخة بالبراز. حتى ولو كان 
ذلك البراز يخص ابن الرجل الأكثر نفوذا في العالم آنذاك. كانوا يلومونه 
على ذلك فاستاء منهم . ثم عاودوا تأنيبه وأجبروه على تنظيف المراحيض . 
فغخضب ثم تخاصم وتعارك وإياهم. وطلب في النهاية مقابلة آمر المعسكر. 
كان يريده ارصم لي 0 0 ا كان اكرعر سوس 
3 الأسلاك الشائكة المحيطة لعي والمزوةة ري العو العالي . 
ترك نفسه يتهاوى فوق الأسلاك. وجسذده الذي لن يلوث المراحيض 
البريطانية بعد الآن. بقى معلقا هناك . 


ك2 
لم تكن حياة ابن ستالين سهلة. فلقد أنجبه والده من امرأة كان كل 
شي ء يؤكد بأنه سيقتلها يوما. كان ستالين الوبن إذا [نعنا للإله (لأن أباه كان 


جليِفٌ وكأنه 2 زملعيوة في 0 نفسه من الاله . كان الناس د 


215 


اليه ويعذافية زان الك كان يك مفابية العمديق بدلا من الاب 
المنبوذ) . 

النفكة والتعيية الستكادة والعقات لا العق انمل ميل فعلا إلى اف ند 
هذه التناقضات قابلة للتبادل فيما بينهاء وإلى أي حد ضيّقة هي الحافة التي 
تفصل بين قطبي الوجود البشري . 

في بداية الحرب أسره الألمان وسجنوه إلى جناب اسرى اخرين 
ينتمون إلى أمة كان يشعر نحوها دائما بكره عميق وجامح سبب تحفظها 
الغريب. وفوق ذلك كانوا يتهمونه بأنه وسخ . هو الذي كان يحمل فوق كتفيه 
المأساة الأكثر عظمة التي قُدّر لها أن توجد (كان في الوقت نفسه كأنه ابن إله 
وملاكاً ساقطا) فهل يجب أن يُدان بسبب أشياء غير عظيمة (لا تخص الله 
والملائكة) وإنما بسبب البراز؟ هل المأساة الأكثر عظمة والمأساة الأكثر 
ابتذالاً هما قريبتان بهذا الشكل المدوخ؟ قريبتان بشكل مدوخ؟ هل يمكن 
للتقارب إذا أن يسبب الدوار؟ 

بالطبع» غداً عندما سيقترب القطب الشمالي من القطب الجنوبي إلى 
حد التلامس تقريباً» فسيختفي الكوكب حينها وسيجد الإنسان نفسه في فراغ 
مدوخ مما يجعله يستسلم لإغواء السقوط . 

كنذا كانك اللقنة والتعسة قيقا واخنداء *إذ لم يكن سباك فرق بين 
يفقد معناه ويصبح ذا خحفة لا تطاق. عندها ينقض ابن ستالين باتجاه الأسلاك 
الشائكة المكهربة» لكى يرمى هناك بجسده. كأنما على كفة ميزان. فتصعد 
الكفة مدفوعة بالخفة غير المتناهية لعالم صار دون أبعاد. 

ابن ستالين قضى في سبيل البراز. ولكن الموت في سبيل البراز ليس 

موتاً مجرداً من المعنى . فالألمان الذين ضحًوا بحياتهم من أجل توسيع 
أمبراطوريتهم أكثر باتجاه الشرق» والروس الذين ماتوا لكي تمتد سلطة 
بلادهم أكثر صوب الغرب. أجل كل هؤلاء ماتوا من أجل بلاهة. وموتهم 
الموت الميتافيزيقى الوحيد وسط البلاهة العالمية للحرب. 


216 


3 


عندما كنت صغيرأًء وفيما كنت أتصفح كتاب العهد القديم الذي أعدّ 
للأطفال والمزيّن بصور رسمها غوستاف دوريه. كنت أرى الوب ها طائرا 
فوق غيمة . كان رجلاً عجوزاً له عينان وأنف ولحية طويلة . وكنت أقول في 
نفسي إنه ما دام له فم فيُفترض به إذاً أن يأكل. وإذا كان يأكل فهذا يعني أن 
لديه أمعاء. ولكن هذه الفكرة كانت ترعبني في الحال. ومع أني كه 
عائلة ملحدة. فإننى كنت أشعر بأن هذه الفكرة المتعلقة ا الله فكرة 
تجديفية . ٠‏ 

ومن دون أي إعداد لاهوتي . كان الطفل الذي كنته آنذاك يفهم بشكل 
عفوي أن هناك تشاقضا ين التدونياك والله . وكنت أفهم بالتالي هشاشة 
الفرضية الأساسية لعلم الإناسة المسيحي والتي تقول ناف الا سان لق على 
صورة الله ومثاله . 

كان الغنوصيون القدامى يعون هذه المسألة بالوضوح ذاته الذي كنت 
أراها فيه لما كنت في الخامسة من عمري . ولكي تحسم هذه المسألة 
اللعينة. كان قالنتين» وهو أستاذ كبير للغنوصية في القرن الثاني » يؤكد أن 
المسيح «كان يأكل ويشرب ولكنه لم يكن يتغوط» . 

البراز إذا هو مسألة لاهوتية أكثر صعوبة من مسألة الشر. فالله قد أعطى 
الحرية للإنسان وبذلك يمكننا أن نسلّم بأن الله ليس مسؤولاً عن جرائم 
البشر. 


4 


في القرن الرابع؛ كان القديس جيروم يرفض جذرياً أن يكون آدم 
كوا ند مكتاين جمارنة النكي عددنا كانا .قن ,الجن خلافا لذلك» كان 
لاير ل رع لو ام ال ا 
الفكرة ا ع و أن يجعل عضوه ينتصب بالطريقة 
نفسها تقريبا التي يرفع فيها ذراعه أ وساقه. إذا عناعة وناء وكفمنا قاف ولا 


217 


درن إلى أذهاننا أن هذه الفكرة تخفي وراءها الحلم الأبدي للرجل 
المسكون بهاجس العجز الجنسي . إن لفكرة سكوت إريجين معنى آخر. إذا 
كان عضو الذكر يقوى على الانتصاب بمجرد إيعاز من الدماغ. ينتج عن 
ذلك أن بإمكانه الاستغناء عن الإثارة. ذلك أن العضو لا ينتصب نتيجة 
لاهتياج المرء بل لأنه يأمره بذلك. كان هذا اللاهوتي الكبير يعتقد أن الشيء 
الذي لا يتفق والجنة لين الجماع ولا اللذة التي تعقبه. إنما الشيء الذي لا 
يتفق والجنة هو الإثارة . فلتحفظ هذا وا : كانت اللذة موجودة في الجنة لا 
الاثارة . 


ا ل ا 
أخرى مفتاحا لربانيّة) للبراز. طيلة الفترة التي سمح للإنسان فيها أن يسكن 
البحةاإنا أنه (تماماً كالمسيح حسب نظرية قالنتين) لم يكن يتغوط, وإما أن 
البراز لم يكن يعتبر شيئاً كريهاً. وهذه الفرضية أكثر قابلية للتصديق. حين 
طرد الله الإنسان من الجنة» أوحى له بطبيعته النجسة وبالقرف. وأخذ الإنسان 
يستر ما كان يُشعره بالعار. وما أن أزاح الحجاب حتى بهره ضوء ععظيم . إذاً 
بعد أن اكتشف الإنسان الدنس. اكتشف فى الوقت ذاته الإثارة. فمن دون 
اليزاز (بالتعت: الحرفئ:واليجازي للكتهة). لما كان البحب التعسي كما 
نعرفه: تصحبه دقات في القلب وعمى في الحواس 

كنت قد أشرت في القسم الثالث من الرواية إلى سابينا عندما كانت 
تقف نصف عارية مرتدية قبعتها الرجالية وإلى جانبها توماس وهو في كامل 
ثيابه. بَيْدَ أن هناك شيئاً لم أتطرق إليه. عندما كانا يراقبان بعضهما في المرآة 
وحين أحست بتفاهة الموقف تثيرهاء تصوّرت أن توماس سيُجلسها كما 
كانت. أي معتمرة القبعة الرجالية» فوق المرحاضء. وأنها ستفرغ أمعاءها في 
حضرته. أخذ قلبها يضرب مثل الطبل واختلطت عليها أفكارها فقلبت توماس 
على السجادة. في اللحظة التي تلت, كانت تزعق من فرط اللذة. 


إن الجدال بين هؤلاء الذين يؤكدون بأن الكون قد خلقه الله. وبين 


216 


هؤلاء الذين يعتقدون بأنه وُجد لوحده يتناول أمراً يتجاوز إدراكنا وتجربتنا. 
هنالك فرق كبير بين هؤلاء الذين يشكون بالكينونة على النحو الذي أعطيت 
به للإنسان (قلّما يهم كيف وبواسطة مَنْ) وبين هؤلاء الذين يتبنونها من غير 

في أساس المعتقدات الأوروبية كلها سواء كانت دينية أم سياسية. 
هناك دائما الفصل الأول من سفر التكوين والذي يتفرع منه أن العالم خلق 
كما كان يفترض به أن يكونء. وأن الكائن طيب. وأن التناسل أمر محمود. 
فلنسمٌ هذا الاعتقاد الجوهري (الوفاق التام مع الكائن). 

إذا كانت كلمة براز يُستعاض حالياً عنها في الكتب بنقطء فهذا ليس 
لأسباب أخلاقية. يجب ألا نذهب إلى حل الادعاء بأن البراز شيء منافٍ 
للأخلاق! فالخلاف مع البراز خلاف ميتافيزيقي . هناك أمر من أمرين: إن أن 
ل يي ل ام سي 
المراحيض!)» وإما أن الطريقة التي خلقنا ئها كير جدل. 

ينتج عن ذلك أن الوفاق التام مع الكائن يتخذ مثاله الأعلى عالماً يُنتفى 
منه البراز» ويتصرف كل واحد فيه وكأن البراز غير موجود. هذا المشال 
الجمالي يدعى «الكيتش». 

«كيتش» هي كلمة ألمانية ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر 
العاطفي . ثم انتشرت بعد ذلك في جميع اللغات. ولكن استعمالها بكثرة 
أزال دلالتها الميتافيزيقية الأصلية وهي : كلمة كيتش في الأساس نفي مطلق 
للبراز. وبالمعنى الحرفي كما بالمعنى المجازي «الكيتش» تطرح حانا كل نا 
هو غير مقبول في الوجود الونساني . 


6000 

العؤوةة الداتخلية الأولق السايتنا غلل الشيوعينة لم كن ترقدى طتايسا 
أخلاقياً بل طابعاً جمالياً. فالشيء الذي كان ينفرها خاصة لم يكن بشاعة 
العالم الشيوعي أي (القصور التي تحولت إلى زرائب) وإنما قناع الجمال 


219 


الذي يتستر به. وبكلمة أخصرى «الكيتش» الشيوعي . ونموذج هذا الكيتش 
يتمثل في العيد الذي يسمى الأول من أيار. 

كانت قد شاهدت مواكب الأول من أيار في تلك الحقبة حيث كان 
الناس لا يزالون متحمسين أو يواظبون على أن يظهروا كذلك. كانت النساء 
يرتدين قمصاناً حمراء أو بيضاء أو زرقاء. ولكن يعرضن من على الشرفات 
والنوافذ الزخارف من كل 3 نجوم بخمس شعب وقلوب وأحرف. كانت 
تتقدم فصائل الموكب فرق أوركسترا صغيرة لتوقع المشي المنتظم. وحين 
كان 000 ريام المنصة كانت" السو الأكر قط) ترق فاده 
وكأنها تريد أن تثبت أنها راضية كما ينبغي. وبطريقة أصح. أنها موافقة كما 
ينبغي . وهذا الوفاق لا يتعلق بوفاق سياسي بسيط مع الشيوعية بل بوفاق مع 
الكائن فى حد ذاته. كان عيد الأول من أيار يرتوي من المنهل العميق للوفاق 
التام مع الكائن. ولم يكن شعار الموكب المضمر واللامكتوب «فلتحي 
الشيوعية» بل كان «فلتحيَّ الحياة)! قوة السياسة الشيوعية ودهاؤها يكمنان في 
أنهما استأثرا بهذا الشعار. وهذا الحشو التافه بالذات («فلتحيّ الحياة») هو 
ما كان يدفع للالتحاق بالموكب الشبوعي حتى هؤلاء الأشخاص الذين كانت 
تتركهم الأفكار الشيوعية غير مبالين تماماً. 


بعد انقضاء عشر سنوات», (كانت تعيش فى أميركا آنذاك) كان أحد 
أصدقائها وهو سناتور أميركي يجول بها في سيارة ضخمة. كان أربعة صبية 
يجلسون متلاصقين على المقعد الخلفي . أوقف السناتور سيارته فنزل الأولاد 
واندفعوا عبر مرجة كبيرة باتجاه ملعب يوجد فيه ميدان للتزلج . كان السناتور 
قد بقي أمام المقود يراقب بعين حالمة القامات الصغيرة الأربع التي تندفع 
راكضة. ثم التفنت إلن سابينا وقال وهو يرسم دائرة بيذه 0 الملعب 
والمرجة والأولاد: «هذا ما أدعوه السعادة» . 

لم تكن هذه الكلمات تعبيراً عن فرحه بالأطفال الذين يجبرون 
وبالعشب الذي يطلع فحسب. بل كانت لفتة تفهم لامرأة آتية من بلد 


220 


شيوعي » من بلدٍ كان السناتور مقتنعاً بأن العشب لا ينبت هناك ولا الأطفال 
يجرود. 

ولكن سابينا تخيّلت للتوّ هذا السيناتور واقفاً فوق منصة في إحدى 
ساحات براغ وعلى وجهه الابتسامة ذاتها التي يتوجه بها القادة الشيوعيون من 
أعلى منصاتهم إلى المواطنين المبتسمين بدورهم السائرين في مواكب. عند 
أسفل أقدامهم . 


السعادة؟ هل كان يقر ذلك في ا لكن ماذا 07 ثللاثة ميم 
أن يبتعدوا عن ناظريه» على الرابع وأخذوا يضر بونه ضريا شديداً متواتراً؟ 
لم يكن السناتور يملك سوى حجة واحدة في صالح تأكيده: عاطفته. 
حين يتكلم القلب لا يعود لائقاً أن يصدر العقل اعتراضات. ففي مملكة 
«الكيتش» تسود ديكتاتورية القلب. 
من الجلي أنه يجب أن يشارك أكبر عدد ممكن من الناس. الأحاسيس 
التي يثيرها «الكيتش». من هنا لا حاجة تدعو «الكيتش» لأن يخالف ماهو 
مألوف . بل هو يستعين بصور أساسية متجذرة عميقاً في ذاكرة الناس: الفتاة 


العاقة, والوالد المهجور. والصبية الراكضون على مرجة. والوطن الذي 
جرت خيانته» وذكرى الحب الأول. 


«الكيتش» سيل دون انقطاع دمعتي ثائر. الدمعة الأولى تقول: ما 


أجمل أن يُهرول صبية فوق مرجة . 
والدمعة الثانية تقول: ما أجمل أن تتأثر الإنسانية جمعاء لدى رؤية 


صبية يركضون على مرجة! 

وحدها الدمعة الثانية تجعل «الكيتش كيتشأ». 

ذلك أن ن أخوة الناس - عتننيي انك أن الى إلا مياق انيتنا 
«الكيتش» . 


221 


9 


لا أحد يعرف ذلك بصورة أفضل مما يعرفه السياسيون. فما أن يروا 
آلة تصوير على مقربة منهم حتى يهبوا راكضين إثر أول طفل يصادفونه 
فيحملونه في أذرعتهم ويقبلونه في خده. «الكيتش» هو المثال الأعلى لكل 
الساسييق ولك الشركات السنياسية, 

في مجتمع تتعايش فيه تيارات شتى وحيث يمكن لتأثير هذه التيارات 
أن يُمحى أو يحدٌ بشكل متناوب». يبقى في المستطاع الافلات تقريباً من 
محاكم «الكيتش». ويمكن للفرد عندئذ أن يحافظ على تميزه» وللفنان أن 
يخلق أعمالاً فنيّة مدهشة. ولكن في البلدان التي يستأثر فيها حزب سياسي 
بالسلطة كلها. نجد أنفسنا حالا في مملكة «الكيتش» الديكتاتورية . 

ذا عفق :نوق كوف نتوين فاق لمعه لتك 51 كح عا يط 
ب «الكيتش» ملغىّ من الحياة: كل إظهار للفردية, (لأن أي نشاز هو بصقة 
في وجه الأخوّة الباسمة) وكلّ شك (لأن من يبدأ بالشك في التفاصيل 
الصغيرة يتوصل فى نهاية المطاف لأن يشك في الحياة بحد ذاتها). كذلك 
السخرية (لأن كل شيء في مملكة «الكيتش» يؤخذ على محمل الجد). 
وأيضاً الأم التي هجرت عائلتهاء أو الرجل الذي يفضل الرجال على النساء 
مهددا بذلك الشعار المقدس «تناسلوا واملاؤا الأرض». 


انطلاقاً من وجهة النظر هذهء فإن ما يسمى ب «الغولاغ» يمكن اعتباره 
غرة عفنة يرمي فيها «الكيتش» التوتاليتاري بأوساخه. 


10 

كانت السنوات العشر الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية هي 
الفترة الأكثر هولاً للرعب الستاليني . ففي تلك الحقبة بالذات اعتقل والد 
تيريزا لسبب تافه وطردت الفتاة التى كانت تيريزا والتي كان لها من العمر 
عق رتراك سن لبيك "اق 15ل الترقعء كانت انيد في العمشسرين من 
عمرها تتابع دراستها في معهد الفنون الجميلة . كان أستاذ الماركسية يشرح 


202 


لها ولزملائها في الدراسة تلك المسلّمة البديهية 3 الاشتراكي التي تقول 
بأن المجتمع السوقياتي قد وصل به الرقي إلق درجة أن الصراع الجوهري لم 
زغد ضيراعا بيرق الكين والشن بل بين الجيد والأفضل . لم يكن البراز (أي ما 
هو غير مقبول في الأساس) موجودا إلا في الجهة الأخرى من العالم (في 
أميركا مثلاً) وانطلاقاً من هناء أي من الخارج, يمكن له أن يدخل تحت 
شكل جسم غريب (الجواسيس مثلا) إلى عالم «الأخيار والنخية» . 

2 تلك الحقبة؛ الأفظع بين الحقبات كلهاء كانت الأفلام السوقياتية 
التي تغص بها صالات 00 الفتبوغينة متشيعة ببراءة غريينة: 
فالصراع الأكثر خطورة الذي يمكن له أن 0 هو سوء 
التفاهم العاطفي : كأن يتوهم البطل مثلاً بأن البطلة لم تعد تحبه أ وأن تفكر 

هي هي الشيء نفسه حياله . وفي النهاية يرتمي كل منهما في ذراع الآخر وعبرات 
السعادة تقطر من أعينهما. 

التفسير المتفق عليه اليوم لهذه الأفلام هو على النحو التالي: كانت 
هذه الأفلام تصف المثال الشيوعي فيما الواقع الشيوعي كان أكثر قتامة بكثير. 

كان هذا الشرح يثير حنق سابينا: ففكرة أن عالم «الكيتش» السوفياتي 
يمكن أن يصير حقيقة ؛ وإمكانية أن تجبر على العيش فيه أمر يجعل شعر 
بدنها مقشعرا كاتف تنص[ :دون ادن تردد العيش في النظام الشيوعي 
الواقعي على الرغم من كل الاضطهادات والصفوف أمام المذابح. ففي ففي 
العالم الشيوعي الواقعي, العيش ممكن. أما في عالم المثال الشيوعي 
المتحقق, في هذا العالم المؤلف من البلهاء المبتسمين الذين لا يمكن للمرء 
أن يتوجه إليهم بأية كلمة, فإنها قد تموت ذعراً في فترة لا تتعدى الثمانية 
أيافه. 

يبدو لي أن الشعور الذي كان «الكيتش» السوقياتي يوقظه في نفس 
سابينا يشبه الذعر الذي عائعة كبري ا« أثلكاء عليه" الى تبر فيه وباط ابيا 
العارياك ستول البرك وضية كانف عر قمة عل إتحاة أغان فرعةد كانف 
هناك جثث عائمة على وجه الماء. ولم تكن تيريزا تستطييع أن تتوجه لأية 
امرأة بكلمة أو أن تطرح عليها سؤالاً واحدا . كانت تسمع جواباً واحداً فقط 


2-0 


وهو المقطع التالي من الأغنية. ولم يكن بإمكانها أن ترمق أية واحدة منهن 
بنظرة متحفظة وإلا كن سيشين بها مشيرات إلى الرجل الواقف في السلة فوق 
البركة؛ بأن يطلق عليها النار. 

إن ن حلم تيريزا يفضح المهمة الحقيقية ل «الكيتش» وهي أن «الكيتش» 
قناع يخفي وراءه 5-0 


الآ 


فى مملكة «الكيتش» التوتاليتارية تعطى الإجابات مسبقاً محرّمة بذلك 
أي سؤال جديد. ينتج عن ذلك أن الإنسان الذي يتساءل هو العدو الحقيقي 
معنى لوحاتها: من الأمام الكذب الصارخ. ومن الخلف الحقيقة التي لا 
يدرك كنهها. 

إلا أن هؤلاء الذين ل الأنظمة الفينناة قو الساوية دنا 
يمكنهم النضال من خلال أسئلة وشكوك . فهُم أيضاً بحاجة إلى قناعتهم وإلى 
حقيقتهم البسيطة التي يمترضن أن يفهمها 0 ر عدد ممكن من الناس وأن 
تحدث إفرازا دمعيا جماعياً. 

ذات يومء نظم حزب سياسي معرضاً للوحات سابينا في ألمائيا 
أفسكت سابينا بالكتيب الذى يعرف بها: أمام صورتها رسمت أسلاك شائكة 
وفي الداخل كانت هناك ذه عن خياتها تشبه سيره القديسين والشهداء: 
تعذيت» وناضلت ضد الظلم, وارغمت على ترك بلادها الفعدتي» وها هي 
الآن تتابع النضال. وكانت الجملة الأخيرة من النص تقول: «من خلال 
لوحاتها تقاتل من أجل الحرية». 

اعترضت ولكنْ 0 لم يكن يفهمها. 

© اليس صحيحاً أن الشيوعية تضطهد الفن الحديث؟ 
56 بغضب : «عدوي ليس الشيوعية. بل هو الكيتش!). 


24 


ومقة ذف النعه اسائلت ع ماتيا بالكيدرفىو بر ريسا مدعي 
وجدت نفسها في أميركاء تنوفلت ىال إخفاء هويتها التشيكية. كان 
ذلك يدا يائساً من قبلها لتهرب من «الكيتش» الذي أراد الناس أن يصنعوه 
من حياتها . 


12 


0 

كانت تقف أمام الحمالة التى اسندت إليها لوحة غير مكتملة بعد. كان 
هناك رجل عجوز جالس وراءها على كنبة يراقب كل خط تخطه بريشتها. 

ثم نظر إلى ساعته وقال: «أظن أنه قد حان وقت الذهاب للعشاء» 

وضعت مجموعة ألوانها جانباً وذهبت لتستحم قليلاً في غرفة الحمام. 

نهض الرجل عن كنبته وانحنى ليتناول عصاه المسندة إلى الطاولة, كان باب 
المحترف يؤدي مباشرة 0 المرجة دالج سن 
أبيض . نوافذ طبقته الأرضية مضاءة. كانت مشاعر سابينا تهنز لرؤية هاتين 
النافذتين تسطعان في المغيب. 


كانت قد أككدت طيلة حياتها عداءها ل «الكيتش» . ولكن ألم تكن 
تحمله هي أيضاً في أعماق نفسها؟ «كيتشها» تمثل في رؤية بيت هادىء 
عذب متناغم تشولاه ام لحا راب عقي كي : نشأت هذه الصورة في 
داخلها بعد موت أهلها. ويما أن مسار حياتها كان مختلفاً تماماً عن هذا 
الحلم الجميل», فإن إحساسها إذا بسحره كان يزداد. كانت تُحس أكثر من 
مرة بأن عينيها تدمعان حين تشاهد على التلفزيون فيلماً عاطفياً تعانق ابنة عاقة 
فيه والذا بيخورا اواج ماحد عند المشي شرافل مول تعن عاق 
سعيدة . 

كانت قد تعرفت إلى الرجبل: العصوز في تبريورك.. كان اغليا ومحبا 
للرسم . كان يعيش لوحده في قيللا في الريف مع زوجته التي كانت في 
العمر نفسه. كانت هناك ضمن ملكيته قبالة القيللا زريبة قديمة فسحولها إلى 


2-25 


كرف نودها إلبهنانابينا . :وس ذلك الرقك وهل يمضئ آياما كافلة يتانع 
حركات ريشتها. 

الآن. كان ثلاثتهم يتناولون العشاء. المرأة العجوز تنادي سابينا 
ب «ابنتي الصغيرة»!» ولكن خلافا للمظاهرء العكس هو الصحيح : فسابينا 
هنا كأمّ يتشبّث ولداها بتنورتهاء معجبين بها ومستعدين لإطاعتها في حال 
شاءت أن تصدر الأوامر 

هل تكون قد وجدت يي وهي على مشارف الشيخوخحة الأبوين 
اللذين انسلخت منهما وهي لا تزال شابة؟ هل وجدت اقييرا الأطفال الذين 
لو قسن لها أن تنجبهم؟ 

تعرف جيداً أن هذا وهم . فإقامتها عند هذين العجوزين الرائعين ليست 
إلا محطة مؤقتة. الرجل العجوز مصاب بمرض خطير. وزوجته حين تجد 
نفسها من دونه ستذهب للاقامة عند ابنها في كنذا. وعندها ستستأنف سابينا 
فق جَدِيد طريق اللخيانات» :وتقرع فى أعماق تفسهاء تي حفة الكائن انيلا 
تطاق. أغنية عاطفية مضحكة تتحدث عن نافذتين مضيئتين تعيش خلفهما 
عائلة سعيدة . 

هذه الأغنية تهز كيانهاء ولكنها لا تأخذ انفعالها على محمل الجد. 
تعرف جيداً أن هذه الأغنية هي مجرد كذبة جميلة. وفي اللحظة التي يعرّف 

فيها «الكيتش» عن نفسه بصفته كذبة. يصير موقعه إذا في جانب 
الك . وإذ يفقد مقدرته السلطوية يصبح ا ككل ضعف بشري. 
ذلك أن لا أحد منا إنسان متفوق ولا أحد منا يستطيع 00 


قبضة «الكيتش». أيا يكن الاحتقار الذي برلده فينا «الكيتش). فهو مع ذلك 
يؤلف جزءاً من الوضع البشري . 
3 
مصدر «الكيتش» هو الوفاق التام مع الكائن . 
ولكن ما هو أساس الكائن؟ هل هو الله؟ أم الأنسانية؟ أم النضال؟ أم 


226 


الحب؟ أم الرجل؟ أم المرأة؟ 

فيما يخص هذا الموضوع هناك نظريات عدة تقابلها أنواع عدة من 
«الكيتش» فهناك «الكيتش» الكاثوليكي والبروتستانتي واليهودي والشيوعي 
والفاشي والديمقراطي والنسوي والأوروبي والأميركي والقومي والأممي . 


منذ عهد الثورة الفرنسية وأوروبا مقسومة إلى نصفين» النصف الأول 
يدعى اليسار» والنصف الثاني يسمى باليمين» سعحي عملي تحديد هذا 
الحزب أو ذاك استناداً إلى مبادىء نظرية معينة. ليس هناك مايدعو 
البسي» 0 الأسرابه ليان له تسعد أبناها إلى حزافنية مقتلؤقة ولكنهنا 
ترتكز إلى تشخيصات أو صور أو كلمات أو إلى نماذج أولية تؤلف في 
مجموعها هذا «الكيتش» السياسي أو ذاك . 

فكرة المسيرة الكبرى التى يتعشقها فرانز حتى الثمالة» هى «الكيتش» 
انواس .الدى يحي تاس السار فق كل الايد وين كل الاتسافقات: 
فالمسيرة الكبرى هي هذا المشي الرائع المتقدم إلى 2 هي هذا المشي 
باتجاه الأخوة والمساواء والعدالة والسعادة وإلى ما هو أبعد بعد انها 0 من 
الحواجز كلها لأنه , يفترض أن تكون هناك حواجز لكي تكون المسيرة مسير 
كبرى. 

دكتاتورية البروليتاريا أم الديموقراطية؟ رفض المجتمع الاستهلاكي أم 
0 الانتاج؟ المقصلة أم إبطال عقوبة الإعدام؟ كل هذه الأمور ليست 0 
أقمية؟ نما يح ل السارى ساريا لبن عاد النظرية أ وتلك بل مقدرته 
على إدخال أية نظرية كانت إلى «الكيتش» الذي يسمى بالمسيرة الكبرى. 


14 

لا أعني بقولي هذا إن فرانز هو نموذج «الكيتش». فكرة المسيرة 
الكبرى تلعب في حياته الدور نفسه الذي تلعبه في حياة سابينا الأغنية 
العاطفية 3 ار 0 أي 8- يصوت فرائز ؟ ا خحتق 


227 


00 الجبل. هذا لا يعني أن المسيرة الكبرى قد كفت 
عن التأثير عليه : أنه جميلٌ أن تحلم بأن نكون في عداد جماعة تمشي 
ل 


ذات يوم اتصل به أصحاب من باريس . كانوا ينظمون مسيرة تأييداً 
لكمبوديا ودعوه للانضام إليهم . 

في ذلك الوقت. كانت كمبوديا تجر وراءها الحرب الأهلية والقتصف 
الأميركي والفظائع التي ارتكبها الشيوعيون المحليون فجعلوا عدد سكان هذا 
البلد الصغير يتقلص إلى الحو ايا احتلال الفيتنام المجاورة لها والتي 
كانت مجرد أداة في يد روسيا في كمبودياء كان هناك الجوع وكان الناس 
يموتون دون أية عناية طبية. طالبّتٌ المنظمات العالمية للأطباء مراراً بأن 
يسمح لها بالدخول إلى البلاد. ولكن القيتناميين كانوا يعارضون . فقرر عندئذ 
مثقفون غربيون كبار تنظيم مسيرة عند الحدود الكبودية علّهم يفرضون, من 
خلال هذا العرض العظيم الذي يجري أمام أنظار العالم بأسره قبول الأطباء 
في البلد المحتل . 

كان الصديق الذي اتصل بفرائز واحداً من أولئك الذين كان يمشي إلى 
جانبهم في المسيرات عبر شوارع باريس . تحمّس أول الأمر لاقتراحه لكنه 
عاد وألقى بنظره إلى الطالبة. كانت جالسة قبالته على الكنبة وعيناها تبدوان 
أكبر مما هما في الحقيقة خلف نظارتها التي كانت «على الموضة». فاحسٌ 
فرانز أن عينيها كانتا تتوسلان إليه كي لا يذهب. فقدّم اعتذاره لصديقه . 

لكنه ما إن أقفل السماعة حتى ندم . كان يستجيب لرغبات حبيبته 
الأرضية مهملاً حبه السماوي. ألم تكن كمبوديا نسخة مختلفة عن وطن 
سابينا؟ أي بلدا امتعاورا احتله الجيش الشيوعي ! بلدا واقعاً في قبضة روسيا! 
فكر فجأة أن صديقه شبه المنسي قد اتصل به بناء على إيعاز سري من 
سابينا . 

فالمخلوقات السماوية تعرف كل شيء وترى كل شيء, وسابينا ستراه 
فيما لوم اشترك في هذه المسيرة وستسر لذلك وستفهم أنه بقي على وفائه 
لها. 


228 


فسأل صديقته صاحبة النظارة التي كانت تتحسر على كل يوم تمضيه 
من دونه لكن دون أن تكون أيضاً قادرة على أن ترفض له طلباً: «هل 
حنمن ل لراتي نهيت إلى التنئرة مع الك 1ه 
بعد أيام معدودة وجد نفسه في طائرة كبيرة في مطار باريس . كان هناك 
تبر عدرين يا بين المسافرين يواكبهم سر خببين مكلا (أمتائدة وادناء 
ونوابا ومغنين وممثلين وعمدة). ويرافقهم أربعمائة صحفي ومصور. 


15 


عطق الطاف ال كلد #رسيه الأروياتة ستسوة طييا ويفا 
وصحافياً إلى الصالة الكبيرة حيث كان هناك في انتظارهم أطباء آخرون 
وممثلون ومغنون وفقهاء لغويون, يرافقهم مئات من الصحافيين المزودين 
بمفكراتهم وبآلات التسجيل وآلات التصوير. في عمق الصالة منصة تعلوها 
طاولة عريضة كان يتحلق حولها عشرون أميركيا باشروا بإدارة الاجتماع . 


كان المثقفون الفرنسيون ومن بينهم فرانز يشعرون بأنهم مذلولون وعلى 
هامش تت . كانوا هم من اقترحوا فكرة ة القيام بمسيرة ة تأبيداً لكميوديا. 
ومع ذلك, فها هم الأميركيون يمسكون. وبطبيعة مثيرة 0 بزمام 
الأمور. . وزيادة في المصيبة؛ كانوا يتكلمون الإنكليزية دون أن يكلفوا 
أنفسهم عناء التساؤل هل بإمكان فرنسي ا ا 
يقولونه . بطبيعة الحال. كان الهالمركيون قد نسوا منذ زمن طويل أن نهم كانوا 
يشكلون هه نري . وهكذا فإن الأوروبيين الوحيدين الذين عر 
المعارضة هم الفرنسيون. وبما أنهم أناس مبدئيون» فإنهم كانوا رفقفيون 
الاعتراض باللغة الإنكليزية متوجهين بلغتهم الأم إلى الأميركيين الجالسين 
فوق المنصة. لم يكن الأميركيون يفهمون حرفا مما يتفوه به الفرنسيون فكانوا 
يردون على كلماتهم بابتسامات لطيفة ومستصوبة. وفي نهاية المطاف لم يعد 
أمام الفرنسيين من حيلة أخرى سوى صياغة اعتراضاتهم بالإنكليزية. «لماذا 


اه 


لا يجري التكلم إلا باللغة الإنكليزية في هذا الاجتماع؟ ألا يوجد أيضاً 
فرنسيون هنا!). 

دهش الأميركيون دهشة كبيرة من هذا الاعتراض الغريب العجيب 
ولكنهم لم يتوقفوا عن الابتسام ثم وافقوا على أن تترجم جميع الطب : 
واستغرق البحث عن مترجم. لكي يكون في المستطاع متابعة الاجتماع . وقتا 
طويلاً. . ثم» وبما أن الأمر كان يقتضي بأن يجري الاستماع 0 
في الإنكليزية ثم في الفرنسية فإن الاجتماع دام وقتاً مضاعفا إن لم يكن أكثر 
من مضاعف لأن الفرنسيين بأجمعهم كانوا يتقنون الإنكليزية مما يضطرهم 
لمقاطعة المترجم وتصحيح أخطائه والتجادل معه في شأن كل كلمة. 

وتنا :ظهون تجمنة افيركية على اللمنطة ضويجاً للاجتتاع. من اجلها 
أخذ مصورون يتدفقون في الصالة مؤكدين على كل حرف تتفوه به الممثلة 
بقعقعة من آلات التصوير. كانت الممثلة تتحدث عن الأطفال الذين يتعذبون 
وعن الوحشية الشيوعية ودكتاتوريتها وعن حق الإنسان في العيش بأمان. 
والتهديدات التي تضغط على القيم التقليدية للمجتمع الراقي» والحرية 
الفردية» والرئيس كارتر الذي تن فؤاده الأحداث في كمبوديا. قالت هذه 
الكلمات الأخيرة وهي تبكي . 

عند هذه اللحظة نهض طبيب فرنسي شاب ذو شاربين حمراوين وأخذ 
يزعق: «نحن هنا من أجل إنقاذ أناس يحتضرون! لسنا هنا من أجل إحياء 
مجد الرئيس كارتر! يجب ألا تنحط هذه التظاهرة إلى مستوى مهرجان 
للدعاية الأميركية! لم نأتِ إلى هنا لكي نعارض الشيوعية بل من أجل العناية 
بمرضى !). 

انضم فرنسيون آخرون تأبيداً للطبيب المشورب. كان المترجم خحائفاً 
ولم يجرؤ على ترجمة ما كانوا يقولونه. وكما منذ قليل. كان الأميركيون 
العشرون الجالسون على المنصة يرمقونهم بابتسامات مفعمة بالود. وكثيرون 
20 يوافقون على ما يقولونه بإشارات من رؤوسهم. ثم خطرت 
لأحدهم فكرة أن يرفع قبضته فهو يعرف أن الأوروبيين يقومون بهذه الحركة 
تلقائيا في لحظات الابتهاج الجماعي . 


230 


16 


كيف يحدث أن يوافق مثقفون يساريون (لأن الطبيب المشورب كان 
واحداً منهم) على السير في تظاهرة تعادي مصالح بلد شيوعي » في الوقت 
الذي ألفت فيه الشيوعية جزءاً لا ينفصم من اليسار حتى هذا التاريخ؟ 


حين تصير جرائم البلد المسمى بالاتحاد السوفياتي فاضحة للعيان» 
يجد اليساريٌ نفسه أمام خيارين : ا ا 
المشي في المسيرات وإما (وهذا أمر محرج تقريبا) أن يجعل الاتحاد 
السوقياتي أحد العوائق ق التي تحول دون المسيرة الكبرى؛ وأن يتابع طريقه في 
السير مع الموكب. 


قلت في السابق: إن ها يجسل اليسار يسساراً هو وكيتشن) المسيسرة 
الكبرى. هوية «الكيتش» لا تحدد من خلال استراتيجية سياسية بل من خلال 
صور واستعارات ولغة معينة. في الإمكان إذاً خرق العادة ومعاداة مصالح بلد 
شيوعي . ولكن ليس من الممكن تبديل الشعارات بشعارات أخرى. نستطيع 
أن نرفع قبضاتنا في وجه الجيش القيتنامي. ولكن لا يمكن لنا أن نصرخ في 
وجهه قائلين «فلتسقط الشيوعية)., لأن الشعار «فلتسقط الشيوعية) شعار أعداء 
المسيرة الكبرى. ومن لا يريد أن يفقد ماء الوجه عليه أن يبقى وفياً لطهارة 
«كيتشه» الخاص . 

لا أقول هذا لأشرح سورء التفاهم الكامن بين الطبيب الفرنسي والنجمة 
الأميركية التي حسبت أنها بسبب من أنانيتهاء ضحية الحساد ومبغضي 
النساء . كان الطبيب الفرنسي في الواقع يبرهن عن حساسية جمالية كبيرة: 
فالكلمات «الرئيس كارتر»). «قيمنا التقليدية». «الوحشية الشيوعية»).» تشكل 
عا من لغة «الكيتش» الأميركي ولا علاقة لها «بكيتش» المسيرة الكبرى. 


17 


في صباح اليوم التالي صعدوا جميعاً في الباصات ليعبروا تايلندا باتجاه 


م 


الحدود الكمبودية. فى المساء. وصلوا إلى قرية صغيرة حيث خصصت لهم 


231 


بضعة بيوت صغيرة موتّدة. كان النهر بفيضاناته المرعبة يرغم الناس على 
السكن في الطبقات العليا. أما عند أسفل الأوتاد فكانت تحتشد الخنازير. 
كان فرانز ينام في غرفة يشاركه فيها أربعة أساتذة جامعيين . وكان يتوانى إلى 

سمعه أثناء نومه نخير الخنازير في الأسفل وشخير أستاذ رياضيات شهير إلى 
جانبه . 


عند الصباح. ركب الجميع في الباص. على بعد كيلومترين من 
الحدود كان العرور همتوعا: كانت هناك فقط طريق ضيقة تؤدي إلى المركز 
العسكري الرابض على الحدود. توقفت الباصات. حين نزل الفرنسيون 
اكتشفوا أن الأميركيين قد تقدموهم مرة أخرى وتصدروا طليعة الموكب. 
كانت هذه اللحظة هي الأكثر حرجاء لأنها اقتضت أن يتدخل المترجم من 
جديد فحمي وطيس الجدال. ولكن في النهاية توصل الجميع إلى تسوية 
تقضي بأن يتصدر أميركي وفرنسي ومترجمة كمبودية طليعة الموكب. ويتبعهم 
الأطباء وجميع الآخرين. فوجدت الممثلة الأميركية نفسها في المؤخرة. 

كانت الطريق ضيقة ومحفوفة بحقول الألغام. كانوا يقعون في كل 
دقيقتين على ممر متعرج مؤلف من كتلتي باطون تعلوهما أسلاك شائكة. 
وبين الكتلتين ممر صغيرء مما اضطرهم للمشي الواحد خلف الآخر. 

كان يتقدم فرانز على مسافة خمسة أمتار شاعر ألماني شهير ومغن 
شعبي كان قد كتب تسعمائة وثلاثين أغنية من أجل السلام وضد الحرب. 
كان يحمل في نهاية عصا طويلة علماً أبيض يتلاءم للغاية ولحيته الكثيفة 
السوداء ويميزه عن الآخرين. 


كان المصوّرون يروحون ويجيئون عدواً حول هذا الموكب الطويل. 
كانوا يلتقطون الصور فيركضون إلى الأمام ثم يتوقفون فيتراجعون ويقرفصون 
ثم يعودون للجري من جديد باتجاه الأمام. من وقت لآخر كانوا يهتفون باسم 
رجل أو امرأة شهيرين فيلتفت المدعو بطريقة آلية في اتجاههم ويبدأون في 
هذه اللحظة بالذات بالتقاط الصور. 


نم 
دم 
م 


بدا أن هناك حادثاً وشيك الوقوع فخمّف الناس الخطى والتفتوا إلى 
الوراء. 

0 النجمة الأميركية التق جُعل مكانها في مؤخرة الموكب. أن 
تتحمل وقتا أطول هذا الذل فقررت أن تهاجم . أخذت تركض وكان ركضها كما 
يفعل الراكض في سباق الخمسة آلاف متر حين يرى أنه لا يزال في مؤخرة 
الفريق» فيجمع قواه مندفعاً إلى الأمام ومتيجاوراً جميع المتبارين. 

كان الرجال يبتسموكن بانزعاج ويفسحولد المجال للراكضة المنتصصسرة 
الشهيرة» ولكن هناك نساء بدأن بالصراخ قائلات: «في الصف! هذه ليست 
مسيرة لنجوم السينما!). 

لم تدع الممثلة مكاناً للخجل بل تابعت تقدمها راكضة يتبءها خمسة 
مصورين وكاميرامان اثنان. 

أمسكت امرأة فرنسية وهي أستاذة في الألسنية الممثلة من معصمها 
وقالت لها (بلغة إنكليزية شنيعة ) : رهذه المسيرة أقيمت للا طياء كن ينقذوا 
الكمبوديين المرضى من الموت. نحن لا نقيم هنا البتعواكا للنجوم !0). 

كان معصم الفتكلة مكنا داخحل يد أستاذة الألسنية وكأنه دا حل 
كماشة. لم تكن لديها القوة اللازمة للتملص منها. 

فانك زنع زليه عنقم ازعةا لسن :امن شانك | قدا كما 
مات المواكب! فى كل كان يجنا غلى النان آنا دروا يوسا اذه 
رسالتنا! هذا واجبنا الأخلاقى . 

«طُرّ!». قالت أستاذة الألسنية (وفي فرنسية ممتازة) . 

فهمت النجمة الأميركية قولها وذرفت دموعها بغزارة. 

«ابقى كما أنت»)» هتف لها كاميرامان. 

حدّقت الممثلة طويلاً في العدسة ودموعها تنساب على وجتتيها 


00 


19 


أفلتت أمستاذة الألسنية أخيراً معصم النجمة الأميركية. هتف المغني 
الألماني ذو اللحية السوداء والذي كان يحمل العلم الأبيض باسم الممثلة. 

حت امف ب بوه بل كرات رس 
هذه حسّاسة أكثر من العادة لكل مبادرات التعاطف قم كان عنهدة إلا أن 
انطلقت في اتجاهه . نقل الشاعر ‏ المغني سارية علمه إلى يده اليسرى لكي 
يتمكن من إحاطة كتفي الممثلة بذراعه اليمنى . 

أخذ المصورون والكاميرامان ينطنطون حول الممثلة والمغني. ثمة 
مصور أميركي شهير أراد أن يُظهرٌ وجهيهما والعلم ضمن إطار عدسته. لم 
تكن هذه اللقطة سهلة نظراً لارتفاع السارية. أخذ يركض متراجعاً في حقل 
للرز.ء فوضع قدمه على لغم وحصل انفجار. تناثر جسده المهشم أشلاةءً 
وأمطر بوّابل من الدم جموع المثقفين العالميين. 

ارتعب المغني والممثلة وبقيا مسمرين في مكانهما. رفع كلاهما نظره 
صوب العلم. كان ملطخا بالدم. في البداية كان هذا المنظر يزيد من 

هلعهما. ولكن فيما بعد رَفعا بخجل عدة مرات أعينهما وأخذا في الابتسام . 
كان يعتريهما شعور غريب بالاعتزاز. شعور لا عهد لهما به من قبل وهمأ 
يفكران أن العلم الذي كانا يحملانه قد طهره الدم واستأنفا المسير. 


20 


كانت الحدود مؤلفة من جدول صغير لا تمكن رؤيته لأنه على طول 
الحدود كان يمتد حائط ارتفاعه متر وخمسون ستتمتراً تعلوه أكياس رمل مُعدّة 
للقناصين التايلنديين . 0 
مقبب يتجاوز النهر. لم يكن مسموحاً لأحد أن يتقدم. كانت هناك فصائل 
احتلال فيتنامية تتمركز على الجانب الآخر من النهر ولكن من غير أن يكون 
في الإمكان رؤيتها كانت عراكوها مجرهة تماما . ولكن لا شك أن فيتناميين 


234 


محتجبين سوف يطلقون النار إن حاول أحدهم اجتياز الجسر. 

اقترب بعض عناصر التظاهرة من الحائط ووقفوا على رؤوس أصابعهم . 
اتكأ فرانز إلى متراس بين كيسي رمل وأخذ يراقب. لم يتمكن من رؤية شيء 
لأن مصوّراً دفعه إلى الخلف معتبراً أن له الحق في أن يأخذ مكانه . 

التفت إلى الوراء. على أغصان شجرة منفردة شبيهة بسرب من طيور 
الزاغ الضخمة. كان يجلس سبعة مصورين وأعينهم محدقة بالجهة الأخرى 
من النهر. 


في هذا الوقت أدنى المترجم. الذي كان يمشي في طليعة التظاهرة, 
شفتيه من قمع ضخم وأخذ يزعق في لغة الخمير باتجاه النهر: ثمة أطباء هنا 
يطلبون بأن يسمح لهم بالدخول إلى الأرض الكمبودية من أجل توزيع 
مساعداتهم الطبية. ونشاطهم هذا لا دخل له بالسياسة. دافعهم الوحيد 
الاهتمام بالحياة الإنسانية . 


كان الحرات الدى وافاهم :من الجهة المقابلة صمتاً لا يُصدّقء صمتا 
كلياً إلى حدّ أن الجميع بدأ ينهشهم القلق. وحدها قعقعة الكاميرات كانت 
تتردد وسط هذا الصمت العظيم مثل طنين حشرة غريبة . 


أحسٌ فرانز فجأة أن المسيرة الكبرى قد شارفت على نهايتها. كانت 
الحدود تضيق على أوروبا لتصير المساحة التي تجري فيها المسيرة الكبرى 
مجرد منصة صغيرة وسط الكوكب. كانت الجموع التي تحتشد في الماضي 
عند أسفل المنصة قد أشاحت بوجهها منذ زمن طويل. وكانت المسيرة 
الكبرى تتابع تقدمها وحيدة ودون مشاهدين. نعم. كان فرانز يفكر أن 
المسيرة الكبرى تتابع طريقها بالرغم من لا مبالاة العالم ولكنها تصير متوترة 
ومضطرية . فأوروبا قد سارت بالأمس ضد الاحتلال الأميركي لفيتنام . واليوم 
تسير ضد الاحتلال الفيتنامي لكمبوديا. بالأمس تأييدا لإسرائيل واليوم من 
أجل الفلسطينيين, بالأمس من أجل كوبا وغدا ضد كوباء ودائماً ضد أميركاء 
وكل مرة ضد المجازر. وكل مرة دعما لمتحازز اخرى: ولكي تتمكن أوروبا 
من اللحاق بإيقاع الأحداث من غير أن يفوتها أي منهاء تزداد خطاها تسارعا 


235 


بحيث أن المسيرة الكبرى صارت موكباً لأناس معجلين يسيرود قفزاء 
وبحيث أن الحلبة تتقلص يوما بعد يوم إلى أن تصبح مجرد نقطة صغيرة. 


21 


هتف المترجم ثانية بندائه عبر مكبر الصوت. ولكن. كما في المرة 
الأوا » كان الجوابت الما 0 
وجوههم تين ركاه صفعة . . حتى أن المغني الذي يخمل يحمل العلم والممثلة 
الأميركية بَدَوا منرعجين ومترددين . 


فهم فرانز فجأة كم أنهم كانوا مضحكين. هو والآخرين. ومع ذلك فإن 
إدراكه لهذه الحقيقة لم يكن يبعده عنهم ولا يثير فيه أي شعور بالسخرية 
نشعر بها تجاه المحكومين بالإعدام . المسيرة الكبرى تشارف على نهايتهاء 
ع سدع . ولكن هل هذا سبب كافٍ لكي يخونها فران نز؟ ألم تكن حياته 
رام تقترب من نهايتها؟ هل عليه إذا أن يستهتر بتظاهرة هؤلاء الذين 
واكبوا حتى الحدود أطباءً شجعانا؟ هل في مستطاع هؤلاء الناس أن يقدموا 
بشيء آخر غير العرض؟ وهل في حيلتهم شيء أفضل من هذا؟ 


كان فرانز على حق. أفكُرُ في الصحافي الذي كان ينظم في براغ 
حملة تواقيع لالتماس العفو للمساجين السياسيين. كان يعرف جيدا أن هذه 
الحملة لن تساعد المساجين. فالهدف الحقيقي منها لم يكن تحرير 
المشاجين واثما التأكيد على أنه لا يزال هناك أناس لا يهابون شيئاً. كان 
العمل الذي يقوم به من باب العرض. ولكن لم تكن في يده حيلة أخرى. 
لم يكن مخيّرا بين الفعل والعرض . كا اوعدن م 
بعرض أو عدم القيام بشيء. ثمة ظروف يكون الإنسان فيها «محكوما عليه» 
بأن يقوم بعرض . نضاله ضد السلطة الصامتة (سواء كانت السلطة الصامتة 
للضفة الأخرى من النهر أم الشرطة التي تحولت إلى آلات تسجيل صامتة 


2316 


مخفية داخل الجدران) يشبه نضال فرقة مسرحية تستعد لمهاجمة جيش. 


رأى فرائز صديقه في جامعة السوربون يرفع قبضته مهدداً صمت الضفة 
الأخرى . 


22 


للمرة الثالثة هتف المترجم بندائه عبر مكبّر الصوت . 
كان على بُعد بضع خطوات من الجسد الذي يفصل تايلندا عن كمبودياء 
الموت وسط الضجة الهائلة لطلقات البنادق. 

هذه الرغبة المباغتة لفرانز تذكرنا ب* بشىء ماء نعم تذكرنا بابن ستالين 
عندما انطلق راكضاً للتعلق بالأسلاك الشائكة لأنه لم يعد في استطاعته أن 
يتحمل رؤية قطبيّ الوجود البشري يقتربان إلى درجة التلامس. إلى درجة أنه 

لم يكن فرانز يستطيع التسليم بأن مجد المسيرة الكبرى صار مقتصراً 
على غرور مضحك لأناس يسيرون بانتظام. وبأن تختفي ضجة التاريخ 
العظيمة وسط صمت لا ينتهي بحيث أنه لا يعود هنالك فرق بين التاريخ 
والصمت. كان راغباً في أن يضع حياته في الميزان ليثبت أن كفة المسيرة 
الكبرى ستكون أكثر رجحاناً من كفة البراز. 

ولكن ليس في الإمكان إثبات شيء من هذا القبيل. كان البراز في كفة 
ميزان. وجسد ابن ستالين كله في كفة الميزان الأخرى. ولكن الميزان لم 


0 الآخرى ليستقلّ الياص من جديد. 


237 


23 


نحتاج جميعاً إلى أحد ما يراقبنا. ويمكن تصنيفنا إلى أربع فئات تبعاً 
لنوع النظرة التي نرغب العيش في ظلّها . 

الففة الأولى تفتش عن نظرات لا تحصى من العيون المجهولة. 
وبكلمة أخرى تفتش عن عيون الجماهير. هذه هي حال الفغني الألماني 
والنجمة الأميركية. وهذه هي ينا حال الصحافي ذي الذقن الطويل 
المعقوف: 'لقد كان معتاداً على قرّائهع وحين حظر الروس صدور مجلته 
الأسبوعية» أحس أنه يعيش في جو هواؤه أقل كقانة وق عرق إذا لاحن 
يمكن أن يقوم عنده مقام العيون المجهولة. كان لديه شعور حينذاك بأنه 
يختنق . ثم أدرك ذات يوم أن الشرطة تلاحق كل خطوة من خطواته وأنها 
كانت تتنصت على كل مخابراته الهاتفية» وأنه كان يصور بطريقة سرية حتى 
عندما يكون في الشارع . عند ذلك أخذت عيون مجهولة تصحبه إلى كل 
مكان فتمكن أخيراً من استعادة أنفاسه! وشعر بالغبطة! كان يخاطب آلات 
التسجيل المخفية داخل الجدران بلهجة مفخمة. وكان يجد في البوليس 
جمهوره المفقود. 

الفئة الثانية تتضمن هؤلاء الذين ليس في إمكانهم أن يعيشوا دون 
نظرات كثيرة مألوفة, هؤلاء الذين لا يتعبون من إقامة الحفلات ومادب 
العشاء. إنهم أكثر سعادة من الناس المنتمين إلى الفئة الأولى الذين يحسبون 
أن الأضواء. حينٍ يفقدون جمهورهم, قد اطفئت في قاعة حياتهم. وهذا ما 
يحدث لهم جميعاً بين يوم وآخر .. أما ناس الفئة الثانية فيظل في إمكانهم 


التوصل إلى العثور على نظرات ما. وماري كلود وابنتها تنتميان إلى هذه 
الفئة . 


ومن ثم تأتي الفئة الثالثة, فئة هؤلاء الذين هم بحاجة للعيش في ظلّ 
عيون أحبائهم. ظروفهم الحياتية خطرة قدر ما هي خطرة الظروف الحياتية 
لناس الفئة الأولى . ما إن تغمض عينا الحبيب حتى تغرق القاعة في ظلام 
دامس . بالإمكان تصنيف تيريزا وتوماس ضمن هذه الفئة. 


238 


وأخيرا هناك الفئة الرابعة وهي الأقل ندرة» وتتضمن أولئكك الذين 
يعيشون في كنف أنظار موهومة لكائنات غائبة. هم الحالمون. الور 
إذا كان قد ذهب إلى الحدود الكمبودية وهذا فقط بسبب سابينا. كان يشعر 
وهو يترجرج في الباص على الطريق إلى كمبودياء بأنها تحدّق إليه بنظراتها 
الثابتة . 

ابن توماس ينتمي إلى هذه الكة أرقيا ١‏ سوك العو نكر زرو 
ب لأعطلاتة انيما توراتياً مثل اسم أبيه). كانت النظرة التي يتوق إليها هي 
نظرة توماس . كان قد طرد من الجامعة لاشتباهه بأنه كان من ضمن أصحاب 
حملة التواقيع . كانت الفتاة التي يعاشرها ابنة شقيق كاهن ريفي . تزوجها 
وأصبح سائق شاحنة زراعية في تعاونية. أصبح كاثوليكياً جعارت) آنا لحكل 
علم أن توماس كان يسكن ا في الريف. وهذا أدخل السعادة إلى 
قلبه . لقد جعل القدر حياتهما متعادلتين . هذا ما دفعه لأن يكتب رسالة. لم 
يكن ايطلت ردا بل كان يريك شينا وانجداً : أن يُلقي توماس نظرته على حياته . 


بتسطاك 
فرانز وسيمون هما الحالمان في هذه الرواية. 00 سيمون 
لم يكن يحب والدته. بل كان يفتش منذ الطفولة عن أبيه كان سعدا 
للإيمان بأن إهانة العف ايه تكرح السمانه رح : . لم يحقد عليه قط 
ورفض أن يكون حليف أمه التي كانت تمضي وقتها في الذم بتوماس . 
عاش معها حتى الثامنة عشرة ثم ذهب بعد حصوله على شهادة 
البكالوريا لتحصيل علومه في براغ. في ذلك الحين كان توماس منظف 
زجاج. انتظره سيمون مرات عدة لكي يحضه للقاء مفاجىء في الشارع» 
ولكن أباه لم يكن يتوقف مطلقا. 
إن كان قد تعلّق بالصحافي القديم ذي الذقن الطويل والمعقوف فهذا 
لأنه كان يذكره بمصير والده. لم يكن الصحافي يعرف اسم توماس فالمقال 
عن اوديب كان منسياء فنبهه سيمون إلى وجوده وطلب منه أن يرافقه لرؤية 
توماس ويعرضا عليه التوقيع على عريضة. ولم يكن امتثال الصحافي إلا من 


239 


نا ]ذخال الجروو إلل :فلب الشان الى كالعيسسا جما 
عندما كان 0 
من المؤكد أنه لم يُعجب أباه. أما هو فاعجب بأبيه . كان يتذكر كل كلمة تفوه 
بها مستصوبا مواقفه أكثر فأكثر. هناك جملة على الأخص علقت بذاكرته: 
«إدانة هؤلاء الذين لا يعرفون ماذا يفعلون. عمل بربري». وعندما وضع عم 
صديقته كتاب التوراة بين يديه. تأثر بكلمات يسوع التي تقول: «إغفر لهم 
لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون». كان يعرف أن أباه ملحد ولكن التشابه بين 
الجملتين كان بالنسبة له وكأنه رمز خفي يعني أن أباه يستحسن الطريق التي 
اختارها. 
كان يعيش في القرية منذ ما يزيد على سنتين عندما تسلّم رسالة دعاه 
فيها توماس لزيارته . كان اللقاء وديا وأحس سيمون بأنه على: سجيته فما عاد 
يتاتىء إطلاقاً. لا شك في أنه لم يلاحظ أنهما ليسا متفاهمين إلى الحد الذي 
تصوّر. بعد نحو أربعة أشهر تلقى برقية جاء فيها أن توماس وزوجته ماتا 
مهشمين في حادث شاحنة . 
في ذلك الوقت سمعهم يتحدثون عن امرأة ة كانت في السابق عشيقة 
أبيه وتعيش حالياً في فرنسا. فحصل على عنوانها. وبما أنه كان في حاجة 
ماسة إلى عين وهمية تتابع مراقبة حياته. أخذ يكتب لها إذاً من وقت لآخر 


رسائل مطولة . 
25 


حتى آخر حياتها ظلّت سابينا تتلقى الرسائل من ذلك المراسل الريفي 
التعيس. كثير من هذه الرسائل لم يُفتح. لأن اهتمامها بالبلد الذي هو مسقط 
رأسهاء أخلذ يتناقص مع الأيام . 

مات الرجل العجوز وذهبت سابينا للإقامة في كاليفورنيا. أكثر فأكثر 
الا لفرت را دا لامو بوي ْ 

كانت لوحاتها تباع بشكل بيد وكانت تحب أميركا ولكن فقط حباً 


24) 


سكا ير ا إذالم يكن تديها بجت 
الأرض جدّ أ وعم. . كانت تخاف من أن يُغلق عليها داخل نعش وأن تَدلّى في 
أرقن أميركا: 

لذلك كتبت وصية اشترطت فيها أن تُحرق جثتها بعد موتهاء وأن يُنشر 
رمادها في الهواء. تيريزا وتوماس ماتا تحت شعار الثقل. أما هي فأرادت أن 
تسوت بحت عار الخفة. سوف تصير أخف من الهواء. وحسب رأي 
بارمينيد. فإن موتها هو تحول من السلبي إلى الإيجابي . 


26 


توقف الباص أمام فندق في بانكوك. لم يعد أحد راغباً في تنظيم 
اجتماع. فتفرق الجمع إلى جماعات صغيرة وانطلقوا عبر المدينة؛ بعضهم 
ذهب لزيارة المعابد وبعضهم الآخر لزيارة المبغى . اقترح الصديق في جامعة 
السوربون على فرانز أن يمضيا السهرة فعا ولكنه كن القاء وعها: 

كان المساء قد حل عندما خرج. كان يفكر في سابينا باستمرار ويشعر 
أنها تحدق إليه بنظرتها الثابتة» التي كان يشعر أن الشك يأخذ في ادر 
ا ل ا ا ا : 
المرة أيضاً رمته تلك النظرة في الحييرة ا 
قد الحاة التي يخصها بها 000 ألم تكن تريد إفهامه أنه آن الأوان 
ليتصرف تصرف إنسان ناضج وا أن كرس نفسية كلا ليقت التي أرسلته 
بنفسها إلى هناك ! 

حاول أن يتخيل الوجه الذي يرتدي نظارة كبيرة . 0 
مدى السعادة التي كان يشعر بها بصحبة طالبته فبدا له سفره إلى كمبوديا أفرا 
مضحكاً ودون معنى . في الواقع؛ ما الذي أتى به إلى هنا؟ الآن. بدأ يعرف 
السيبه قام بهذه الرعخلة اليعرف أخيرا أن حياته الحقتقية . أن 'حيناته الراقنة 
الوحيدة لا تتمثل في التظاهرات ولا في سابينا وإنما في طالبته صاحبة 
النظارة ! قام بهذه الرحلة ليقنع نفسه أن الحقيقة شيء أكثر من الحلم. شي ء 
أفضل بكثير من الحلم ! 


ثم فجأة. انبثقت من الظلام هيئة وخاطبته ببضع كلمات في لغة لم 
يفهمها. نظر إلى الهيئة بدهشة ممزوجة بالتعاطف. كان المجهول ينحني 
ويبتسم ولا يكف عن الرطن بلهجة ملحة. ماذا كان يقول له؟ اعتقد لأول 
وهلة أنه كان كوسل إلية للحاق ريه أمسكه الرجل من يده وجذبه . فقال فرانز 
في نفسه إنه يحتاج لمساعدة ربما. أكون ترات لم نات لاعن عي أيكون 
مجيئه إلى هنا من أجل إسعاف أحد ما؟ 

وفجأة انبثق شخصان آخران إلى جانب الرجل الذي كان يرطن بلغة 
غير مفهومة. ثم أمر أحدهما فرانز ز بأن يعطيهم مالاً. 

عندها اختفت الفتاة الشابة صاحبة النظارة من مجال تفكيره. أخذت 
سابينا من جديد تراقبهء سابينا اللاحقيقية بقدرها العظيمء سابينا التي كان 
يشعر في حضرتها أنه صبي صغير. ها هي عيناها تراقبانه بنظرات تعبر عن 
الغضب وعدم الرضى . لماذء هل ترك نفسه تنخدع مرة أخرى؟ هل كان يدع 
طيبته الحمقاء 2 رع 

وبضربة واحدة أفلت من قبضة الرجل الذي كان يتشبث بكمّه. كان 
فرق أن سانا ف اعتسيت دائما يقرت : . فأمسك الذراع التي شهرها الرجل 
الآخر نحوه. أمسكها بقوة وقام بلقطة جودو موفقة تماما فجعله يدور من فوق 
رأسه . 

الآن. كان فخوراً بنفسه, عينا سابينا لم تكونا تفارقانه. لن تراه بعد 
اليوم مهاناً! لن تراه متراجعاً بعد الآن! ولن يعود فرانز ز الضعيف والعاطفي بعد 
اليوم ! 

كان يحس بحقد ممزوج بالسعادة حيال هؤلاء الرجال الذين يودون 
استغلال سذاجته. كان يقف محنياً قليلاً دون أن يشيح بنظره عنهم. ولكن 
0 رأسه فتهاوى على الأرض . كان يشعر وهو نصف 
1 أنه يتم نقله إلى مكان ماء ثم بدأ يسقط ف في الفراغ . أحس بضربة عنيفة 
أشرى: وفقد وعيه كلياً. 


2142 


كلود تنحني فوق سريره. فأراد أن يقول لها إنه لا يرغب في رؤيتها هنا. كان 
يريدهم أن يعلموا الطالبة ذات النظارة الكبيرة ة بوجوده في المستشفى . فهو 
0 كان يريد أن يزعق في وجهها قائلاً إنه لا 
يحتمل وجود أحد قرب سريره. لكنه اكتشف مذعوراً بأنه غير قادر على 
الكلام . كان ينظر إلى ماري كلود بحق لا متناوء وأراد أن يستدير ناحية 
الحائط كي لا يراها. ولكنه لم يكن في استطاعته تحريك جسده. فحاول أن 
يشيح على الأقل بوجهه. ولكنه حتى لم يستطع القيام بأدنى حركة؛ أغمض 
عندئذ عينيه كي لا يراها. 


27 


ها قد انتسب فرانز الميت أخيراً إلى زوجته الشرعية كما لم ينتتسب 
إليها من قبل. ها إن ماري ا 
وترسل أوراق النعي وتبعث في طلب الأكاليل, وتخيط لنفسها ثوباً أ سود الذي 
هو في الحقيقة ثوب زفاف. نعم إن دفْنَ الزوج أغيرا سوعرين الازوحة 
الحقيقية, ٠‏ وهو تتويج لحياتها ومكافأة تكفر عن كل عذاباتها. 

على أية حال الكاهن يفهم ذلك جيداً ويعظ فوق القبر عن الحب 
الزوجي السرمدي الذي توجب عليه أن يتجاوز محناً كثيرة ولكنه بقي للفقيدء 
وحنى آخر أيامه, ملجأ ملينا أننا يستطيع الرجوع إليه في اللحظة الحرجة. حتى 
أن زميل فرائز الذي طلبت منه ماري - كلود أن يقول كلمة صغيرة ة فوق النعش 
حافيها خصوضا دوحة الققيد الفساءة” 

في مكان ما في الخلف. كانت هناك الفتاة الشابة صاحبة النظارة 
الكبيرة متقوقعة تستند إلى صديقة . كانت مختنقة من فرط البكاء وكانت قد 
ابتلعت أقراصاً كبيرة فأصيبت بتشجنات قبل نهاية الجنازة. كانت تتلوى من 


الألم وتمسك بطنهاء فما كان من صديقتها إلا أن ساعدتها فخرجت من 
الجنازة . 
0 


243 


28 


ما أن تلقّى برقية رئيس التعاونية» ركب على دراجته وانطلق. تكفل 
القيام بمراسم الدفن. وحفر على شاهدة القبر تحت اسم أبيه الكتابة التالية: 
وأراد مملكة الله على الأرض». 

كان يعرف جيداً أن والده لم كن لنتعيل هذه الكلماك طلقا . 
ولكنه كان متأكدا من أن الكتابة تعبر بدقة كما كان يريده أبوه. فمملكة الله 
تعنى العدالة وتوماس كان متعطشا إلى عالم تسوده العدالة. ألا يحق لسيمون 
إذاً أن يعبر عن حياة أبيه بلغته هو؟ ألا يتوارث جميع الأبناء هذا الحق منذ 


عصور سحيقة؟ 


بعد ضلال طويلء. العودة. يمكننا أن كرا على خاهيدة قر اقراتبر 
يمكن أن تؤول هذه الي م : الضلال فى الحياة 
الأرضية والعودة بين ن ذراعي الله . ولكن المطلعين على "١‏ ره 
لبداين اللجدة اننا سس امدونيا انها من جهة أخرىء ماري - كلود 
تتحدث بهذا الخصوص كل يوم : 

فرائزء ذاك العزيزء فرانز ذاك الشجاع» لم يستطع أن يتحمل وطأة سن 
العيي حرق بين جرائن اريت كينة 1 ل لحرو حي جني . . (أما لاحظتم 

نظارتها الكبيرة التي بالكاد ترى خلفها؟) ولكن رجلا في الخمسين 00 

ذلك جميعاً) يبيع روحه لقاء قطعة لحم فتية. . ووحدها زوجته تستطيع أن 
تدرك عمق ألمه. كان كزاثر يعيش غذابا روجيا حقيتبا! ففرانز في أعماقه 
رجل شريف وطيب. وإلا فكيف نفسّر هذا السفر السخيف اليائس إلى بلد 
بعيد في آسيا؟ لقد ذهب يبحث عن موته . نعم. ماري كلود متأكدة من هذا 
الأمر: من أن فرانز اختار موته بعد طول تبصر. وخلال أيامه الأخيرة وفيما 
كان يشارف على الاحتضار ولم يعد حينئذ بحاجة للكذب, لم يعد يومها 
راغباً إلا في رؤيتها هي . لم يكن قادراً على الكلام ولكنه كان يوجه شكره 
لها على الأقل عبر نظراته. كانت عيناه تطلبان المغفرة منهاء وها قد غفرت 
له. 


214 


“0 
ماذا بقي من محتضري كمبوديا؟ 

منورة كنيرة اليه الأمرزعية تحمل .ريق اذراعيها ظفلا اسه 

ماذا بقي من توماس؟ 

كتابةٌ : أراد مملكة الله على الأرض. 

ماذا بقي من بيتهوقفن؟ 


رجل مقطب الوجه. مشعث الشعر كمجنون ويلنطق بصوت مكتئب 
«لزأء5 5كنادم185» «ليس من ذلك بذع . 


ماذا بقي من فرائر؟ 
كارة يد :طول شتلذق م الخوكة: 


وهكذا دواليك» وهكذا دواليك. قبل أن ننسَى نتحول إلى «كيتش». 
والكيتش» هو محطة اتصال بين الكائن والنسيان. 


215 


القسم السابع 
ابتسامة كارينين 


كانت النافذة تطل على تلة توشيها قامات ملتوية من أشجار التفاح. في 
أعلى التلة» كانت الغابة تغطي الأفق وكانت استدارة التلال تمتد إلى 
البعيد. . عند المساء. كان قمر أبيض يزغ في السماء الشاحبة وكان هذا هو 
الوقت الذي تظهر فيه تيريزا على العتبة. كان الغمر المعلق فن 7السيضاء التي 
لم تقتع بعد عثل .لمبة سيت أن تُطفا في الصباح» وبقيت مضاءة طيلة النهار 
في غرفة الموتى . 

كانت أشجار التفاح الملتوية تنبت على التلة ولا أحد يستطيع أن يترك 
المكان الذي نمت فيه جذوره. كذلك فإن تيريزا وتوماس لم يعودا قادرين 
إطلاقاً على مغادرة هذه القرية. كانا قد باعا سيارتهما وجهازَيُ التلفزيون 
والراديو ليتمكنا من شراء بيت صغير مع حديقة. مِنْ فلاح ذاهب للإقامة في 
المدينة . 

الذهاب للعيش في الريف كان إمكانية الفرار الوحيدة التي تبقت لهما. 
لأن الريف الذي كان يفتقد إلى السواعد باستمرار ما كانت تنقصه المساكن. 
ثم أن لا أحد يهتم بالماضي السياسي لهؤلاء الذين يقبلون بالذهاب للعمل 
في الحقول أو في الغابات. ولا أحد كان يحسدهم. 

كانت تيريزا سعيدة لأنها تركت المدينة وصارت بعيدة عن الحانة 
وزبائنها السكارى. وصارت بعيدة عن النساء المجهولات اللواتي يتركن 
روائح فروجهن في شعر توماس . ها إن الشرطة قد أقلعت عن الاهتمام 


217 


بهما. وبما أن قصة المهندس كانت تتماثل في ذاكرتها مع مشهد «مون دو 
بيير) فإنها بالكاد كانت تلاحظ الفرق بين الحلم والحقيقة. (على أية حال» 
هل المهندس هو حقاً في خدمة الشرطة السرية؟ ربما نعم وربما لا. ثم إن 
الغرامية, أو هؤلاء الذين لا يحبون مضاجعة المرأة نفسها أكثر من مرة 
واحدة) . 

كانت تبروا ستعيدة:إذا تقد آنا وسنت إل دفي كانا ميا عي 
وتوماس وحدهماء وحدهما؟ علي أن أكون أكثر دقة: إن ما أدعوه الوحدة 
يعني أن يقطعا كل علاقة بأصدقائهما القدامى وبمعارفهماء أن يقتطعا 
حياتهما السابقة كما يُقطع: شريط بالمقص . ولكنهما كانا يشعران بالسعادة في 
صحبة المزارعين حيث يعملان معهم 2 وحيث كانا يقومان بزيارتهم من وقت 
لآخر أو يدعوانهم لزيارتهما. 

يوم تعرّفت تيريزا إلى رئيس التعاونية في مدينة المياه المعدنية التي 
تغيرت أسماء شوارعها لتصبح روسية, اكتشفت فجأة في داخلها صورة 
الريف التى خلّفتها ذكريات قراءاتها أو أجدادها: عالم متناغم حيث تتحد فيه 
جميع العناصر لتؤلف عائلة كبيرة تتقاسم الاهتمامات ذاتها والعادات ذاتها: 
في أيام الآحاد الذهاب لسماع القداس فى الكنيسة, والنزل حيث يتلاقفى 
سبت وحيث يأتي أهالي القرية جميعاً للرقص . 

ولكن القرية فى ظل الشيوعية لم تعد تشبه هذه الصورة القديمة . كانت 
الكنيسة موجودة في مجمع مجاور ولا أحد يذهب إليها أما النزل فقد تحول 
إلى مكاتب ولم يعد الرجال يعرفون أين يستطيعون التلاقي ولم يعد في 
الإمكان الاحتفال بأعياد دينية». والأعياد الرسمية لم تعد تثير اهتمام أحد . 
كانت أقرب سينما إلى المديئة تقع على مسافة عشرين كيلومترا. وكان الناس 
بعد انتهائهم من العمل حيث كانوا يتنادون سعادة مغتنمين فترة الاستراحة 
للثرثرة فيما بينهم» يعودون للانزواء داخل جدران بيوتهم الصغيرة بأثاثها 
العصري ولكن المختار بذوق رديء يعصف فيها مثل تيار هوائي . كانوا 


248 


يقبعون هناك ٠»‏ أعينهم مسمرة إلى جهاز التلفريون. لم يكونوا يذهبون للزيارة 
بعضهم لبعض . ونالكاد كانوا هبون اليبانا للدردشة مع الجار قبل تناول 
العشاء. كان الجميع يحلم بالذهاب إلى المدينة. إذ إن القرية لم تكن تمنح 
أي شيء من شأنه أن يثير قليلا من الاهتمام بالحياة. 

وبسبب أن لا أحد عاد يريد الإقامة في القرية فإن الدولة فقدت سلطتها 

عليها. المزارع الذي لم يعد مالكا لأرضه صار يعمل في الحقول جيرا وم 
يعدن تتهلما لا بالطيفة ول بعمله: لم يعد لديه هناك ما يخشى فقدانه. 
وبفضل هذه اللامبالاة حافظت القرية على فسحة لا يستهان بها من الاستقلال 
والحرية. لم يكن رئيس التعاونية يُعيّن من الخارج (كما هو حال جميع 
المسؤولين في المدن) بل كان منتخباً من قبل المزارعين» وواحداً منهم . 

وبما أن الجميع كان راغباً في الرحيل فإن وضع تيريزا وتوماس يصير إذ 
ذاك استثنائياً: لقد أتيا بكامل إرادتهما. كان الآخرون يغتنمون الفرصة من 
أجل قضاء النهار في البلدان المجاورة. أما تيريزا وتوماس فلا يطلبان سوى 
البقاء حيث كانا: ولم يلبثا أن تعرّفا إلى القرويين أفضل مما يعرف القرويون 
أنفسهم . 

أصبح رئيس التعاونية صديقهما المخلص . كانت لديه زوجة وأربعة 
أولاد وخنزير رَبِيَ كأنه كلب. كان الخنزير يدعى مفيستو وكان مفخرة ة القرية 
ومحط إعجابها. كان يلبي النداء ما أن يسمعه. وكان 0 للغاية. زهري 
اللون يجري بسرعة وبخطى صغيرة على كعابه الصغيرة» كما تجري امرأة 
ذات ربلات ضخمة على كعبيها العاليين. 

. كانت كارينين متحييرة حين رأت مفيستو للمرة الأولى وأمضت وقتاً 
طويلا تدور حوله ثم أخذت تستنشقه. ولكنها ما لبئت أن ارتبطت بصداقة 
وثيقة معه مفضّلة إياه على كلاب القرية التى كانت تكرهها وكانت مربوطة 
إلى بيوتها تنبح ببلاهة طيلة الوقت دون سبب. كانت كارينين تقدر الندرة حق 
قدرها. وكانت متعلقة بهذه الصداقة مع الخنزير. 


كان رئيس التعاونية سعيداً لتمكنه من مساعدة جرّاحه القديم وتعيساً في 


249 


الوقت نفسه لأنه لا يستطيع أن يفعل له أكثر من ذلك. كان توماس سائق 
شاحنة يقود المزارعين إلى حقولهم. يقوم بنقل المعدات الزراعية . 

كانت التعاونية مؤلفة من أربعة مبانٍ كبيرة لتربية الماشية. وإلى ذلك 
زريبة صغيرة تحوي أربعين بقرة عُهد بها إلى تيريزا لتصطحبها إلى الحقل 
مرتين في النهار. كانت الحقول المجاورة والتي يمكن الوصول إليها بسهولة 
مخصصة لحصاد الكلا . كان على تيريزا اصطحاب قطيعها إذا إلى التلال 
المجاورة. كانت البقرات ترعى العشب من المراعي البعيدة» وكانت تيريزا 
تلحق بها خلال السنة. في طول المنطقة الفسيحة التي تحيط بالقرية. وكما 
في المدينة الصغيرة» كانت تمسك دائماً كتاباً في يدها تفتحه حين تصل إلى 
الحقول وتبدا بالقراءة. 

كانت كارينين تصحبها دائماً إلى هناك. كانت قد تعلّمت النباح خلف 
البقرات الصغيرات حين يكن بطرات ويئوين الابتعاد عن الأخريات. كانت 
كارينين تشعر بمتعة بديهية» من بين الثلاثة كانت هي الأكثر سعادة إطلاقاًء 
إذ لم تكن وظيفتها «كمستشارة الساعة» محترمة إلى هذا الحد حتى اليوم. 
دون أن يكون فيها مكان للارتجال. فالزمن الذي كانت تعيش فيه تيريزا 
وتوماس. كان يتقرب من انتظام زمن كارينين. 

ذات يوم بعدما تناولا الإفطار (كانا يملكان ساعة فراغ في هذا الوقت 
كل يوم) قاما بنزهة برفقة كارينين إلى منحدر التلة خلف البيت. 

قالت تيريزا: «لا تعجبني الطريقة التي تمشي فيها». 

كانت كاركين تعر هن ريكلها اليسرى. انحنى توماس متلمساً رجلهاء 
فاكتشف تورماً صغيراً في فخذها. 

في صباح اليوم التالي أجلسها قربه على مقعد الشاحنة وتوقف في 
القرية المجاورة حيث يقطن بيطري . ذهب لزيارته خلال أسبوع وعاد معلنا 
أن كازيية مضانة بالبترطان”. 

بعد ثلاثة أيام. أجرى لها الطبيب البيطري عملية جراحية عندما 
اصطحب كارينين إلى البيت» لم تكن قد أفاقت من المخدر بعد. كانت 


220 


نائمة على السجادة» عيناها مفتوحتان وتنوح. كان شعرها محلوقاً عند فخذها 
وجرحها مخاطا بست قطب إلحام . 

بعد قليل. حاولت أن تنهض. لكن دون جدوى. 

خافت تيريزا: وماذا لو لم يعد في استطاعتها السير من جديد؟ 

دلا تخافي » قال توماس, لا تزال تحت تأثير المخدر) . 

حاولت أن ترفعها ولكنها بدأت تصفق بفكيها. كانت هذه المرة الأولى 
التي تريد فيها إلعض ! 

لا تعرف من أنتِ. قال توماس . لم تتعرف إليك بعد). 

مدّداها قرب سريرهما فغفت بسرعة. وغَفُوا بدورهماء ثم أيقظتهما 
فحاة عل «الساعة العالة هناها كارف تيد ذلنها وتدوسن اتدريزا وتؤماش 
متمرغة بهما بشراسة ودون توقف. 

هذه المرة لم تستطع أن تسيطر على نفسها وقتٌ بدأت تستعيد وعيها 
كابلا خلال اللل. .تن بعرفامن آنه مبكانات يعينده كتاقت راجمتة ١‏ من 
يعرف أية ية أشباح واجهت! الآن وقد اكتشفت أنها في بيتها وتعرفت إلى 
الكائئين الأحب | إلى قلبهاء لم تستطع الامتناع عن إشاعة فرحتها التي لا 
توصف. تلك الفرصة التي شعرت بها عند رجوعها وولادتها الجديدة. 


2 
جاء في بداية سفر التكوين أن الله خلق الإنسان وجعله يتسلط على 


الطيور والأسماك والماشية. بطبيعة الحال. الحق في سفك دم أيّل أو بقرة 


الحروب الأكثر دموية . 
ا ل ل ل ولكن 
يكفي أن يتدخل * شخص ثالث في اللعبة» زائر آتِ مثلا من كوكب آخر وقد 


أمره الله : «سوف تكون لك سلطة على كائنات الكواكب الأخرى كافة». 
فتصبح عندئذ بداهة التكوين موضع شك في الحال. فلنتتصور الإنسان وقد 


251 


وثقه أحد سكان المريخ بعربة ثم قلّبه أحد سكان المجرة على سيخ ليشويه. 
ربما سيتذكر حتما حينئذ ضلع العجل الذي اعتاد على تقطيعه في صحنه. 


وسيقدم اعتذاره (ولو متأخرا جدا) للبقرة . 


تيريزا تقدم قطيع بقراتها وتدفعهن أمامها. ينبغي عليها دائما أن تزجر 
إحداهن لأن البقرات الصغيرات لعوبات, ويبتعدن عن الطريق المرسوم 
ليذهبن للعب في الحقول. ها قد مرت سنتان وكارينين ترافق البقرات 
وتتعهن كنل يوم إلى المرعى كان" لاخدا أن تكون صارمة معهن. كأن 
تنبح في إثرهن أو أن تزجرهن. (فالله قد أعطاها حق السيادة على البقرات 
وهي فخورة بذلك). ولكنها اليوم تمشي بصعوبة كبيرة وتقفز على ثلاثة أرجل 
لأن في رجلها الرابعة جرحا ينزف. 0 لتداعب 
ظهرها. خمسة عشر يوماً مرت على إجراء العملية» ومن الجلي أن السرطان 
لا يتوقف عن الانتشار. وأن كارينين تسير من سيء إلى أسوأ 


انان المسين)» القن بنقناره تدرو الانتظل مكلة سترميهاالمطاطة: 
توقفت الجارة وسألت: «ما بها كلبتك؟ كأنها تعرج!). أجابت تيريزا: «إنها 
مصابة بالسرطان ومحكوم عليها بالموت». فأحسّت عندها بأن حلقها منقبض 
وبأنها تجد صعوبة في الكلام. شاهدت الجارة دموع تيريزا فغضبت: «ماذا 
دهاك. مهما يكن., لا يجدر بك أن تبكي من أجل كلبة!» . لم تقل ذلك عن 
سوء نية. فهي طيبة القلب ولكنها قالت ذلك لتؤاسي تيريزا وتيريزا تعرف. 
فهى: تسكن في القرية متل وقت طويل وتعرف يدا أن المزارغين إذا كاتوا 
يحبون أرانبهم كما تحب هي كارينين فإنهم لا يعودون قادرين على قتل أي 
منهاء ولن يلبثوا حتى أن يقضوا وحيواناتهم في الوقت نفسه. وبالرغم من 
هذا الأمر فقد بدت لها ملاحظة الجارة عدائية 0 أجابت دون 
اعتراض» ولكنها استدارت على عجلة متابعة طريقها. أحست أنها وحيدة 
بحبها لكلبتها. كانت تفكر وهي تبتسم بأسى أن عليها أن تخفي هذا الحب 
بعناية قصوى كمن يُخفي خيانة ما فالحب الذي نحمله لكلبة مثير 
للاستنكار. لو علمتٍ الجارة بأنها تخون توماس لربتت ربما على ظهرها 
مشجعة ولابتسمت لها بشكل متواطىء! . 


فآ 
ال 


ها هي تتابع طريقها برفقة بقراتها اللواتى يتصادمن , قائلة في نفسها إن 
هذه البهائم غذية عدا هادئة. دون مكر زاجنا فرحة ة فرحاً لقيوليا: تخالها 
سيدات سمينات في الخمسين من عمرهن يتظاهرن بأنهن في سن الرابعة 
عشرة. لا يوجد شيء أكثر إثارة للعطف من منظر بقرات يلعبن. تيريزا تنظر 
إليهن بمحبة وتفكر (وهذه الفكرة تعاودها دون توقف من سنتين) إن البشرية 
تعيش متطفلة على البقرة كما تعيش الدودة الوحيدة متطفْلة على الإنسان: 
البشرية تتشبث بضروعها تشبت العلق. الإنسان هو طفيلي البقرة. ومما لا 
شك فيه أن هذا هو التعريف الذي يمكن أن يعطيه لا إنسان للإنسان في علم 
الحيوان. 


يمكن أن نرى في هذا التعريف مجرد مزحة ونبتسم لها بتسامح . ولكن 
إذا كانت تيريزا تأخذها على محمل الجد فإنها تدب والحالة هذه بنفسها في 
منزلق خطر: هذه الأفكار خطيرة وتبعدها عن الإنسانية. ففي سفر التكوين. 
عهد الله إلى الإنسان بالسيادة على الحيوانات. وبإمكاننا أن شين ذلك قائلين 
إن الله قد أعار هذه السلطة له. الإنسان ليس مالك الكوكب بل وكيله وعليه 
ذات يوم أن يقدم كشفاً لحسابه. ديكارت ذهب أبعد من ذلك في هذا 
المنحى : جعل الإنسان «سيد الطبيعة ومالكها)». وهو منطقي 07 بالتأكيد 
فيما يتعلق بنفيه لوجود الروح عند الحيوانات . فحسب ما يقول ديكارت». 
الإنسان هو المالك والسيد فيما الحيوان ليس لفت !ا ؤالة ةع أزنها شيعه 
بال «ماشينا ‏ أنيماتا». عندما يئن الحيوان فالأمر لا يتعلق بشكوى بل بصرير 
تطلقه آلة تسير بشكل ميء. لل 0 أن العربة 
تتألم بل لأنها تحتاج إلى تشحيم . وبالطريقة ذاتها يجب أن يُفسّر نحيب 
الحيوان. ويجب ألا نشفق على كلب يُشرّح وهو حي في مختبر. 


البقرات ترعى في أحد الحقول وتيريزا جالسة على أرومة شجرة وعند 
قدميها كارينين تضطجع مسندة رأسها إلى ركبتيها. تتذكر تيريزا خبراً صغيراً 
من سطرين قرأنه في جريدة جاء فيه أن جميع الكلاب قتلت في إحدى 
المدن الروسية. هذا الخبر الصغير المتكتم وغير المهم ظاهريا جعلها تشعر 
للمرة الأولى بفظاعة هذا البلد الكبير المجاور. 


253 


كان هذا استباقاً لكل ما حصل فيما بعدء ففي أول سنتين أعقبتا 
الاجتياح الروسي » لم يكن في الأمكان بس التحلثة ففليا عن الرعي: بما 
أن الأمة بأجمعها تقريبا كانت تشجب نظام الاحتلال» اقتضى بالروس أن 
ينتقوا من بين التشيكيين رجالا يضعونهم في سلة السلطة. ولكن كيف 
نجدهم خضوضا وأن الإيمان بالشيوعية وحب روسيا باتا أمرين مفروغ منهما؟ 
ذهبوا للبحث عنهم بين هؤلاء الذين يغذون في داخلهم الرغبة الحقودة في 
تسديد حساباتهم مع الحياة. . كان الأمر يتطلب بأن يُشد أزر هذه العدائية 
وتغذيتها وجعلها فى حالة تأهب,. وتدريبها فى أول الأمر ضدٌ أي خطر 
حمل :زه الخطر يكم فنا الوا التي ٠‏ 

أخذت الصحف تنشر آنذاك سلسلة مقاللات وتنظم حملات في كن 
رسائل للقراء. على سبيل المثال. المطاليبة بإبادة الحمام في المدن. فتمت 
إبادة الحمام كلياً. ولكن الحملة كانت متوجهة على الأخصٌ ضد الكلاب. 
كان الناس لا يزالون يعيشون الصدمة الناتجة عن كارثة الاحتلال» أما 
الصحف والراديو والتلفزيون فكانت تتحدث فقط عن الكلاب ملوثة الأرصفة 
والحدائق العامة, والمهددة لصحة الأطفال. والتي لا تنفع لشيء والتي يجب 
إطعامها. إلى ذلك كان يجري خلق جو من الهوس الفعلي وكانت تيريزا 
تخاف من أن يُسىء السفلة إلى كارينين. بعد مرور سنة على ذلك 6 
الحقد المتراكم (المجرب في البدء على الحيوانات) على هدفه الفعلي أي 
الإنسان. وبدأت التساريح وحملات التوقيف والمحاكمات. ودرا 
استطاعت الحيوانات أخيرا أن تستعيد أنفاسها . 


داعبت تيريزا رأس كارينين المستند بهدوء إلى ركبتيها. كانت متمسكة 
تقرنا هذه الفكرة : لا فَصْلَ لمن يتصرف جيداً مع أمثاله. تيريزا مضطرة لأن 
تكون مستقيمة مع القرويين وإلا لما كان بإمكانها أن تعيش في جوارهم. 
وحتى مع توماس هي مجبرة على أن تتصرف كامرأة محبة لأنها بحاجة إليه. 
ليس فى الإمكان قط أن نحدد بدقة إلى أي مدى تكون علاقاتنا بالآخرين هي 
حصيلة مشاعرناء حيّنا أولا حيّناء رقتنا أو كراهيتنا؛ وإلى أي مدى تكون 
علاقاتنا مشروطة مسبقاً بامتحان القوى فيما بين الأفراد. 


2534 


الطيبة الحقيقية للإنسان لا يمكن أن تظهر فى كلّ نقائها وحريتها إلآ 
حيال هؤلاء الذين لا يمثلون أية قوة. فالامتحان الأخلاقى للإنسانية 
(الامتحان الأكثر جذرية والذي يقع في مستوى أكثر عمقاً بحيث أنه يخفى 
عن أبصارنا) هو في تلك العلاقات التي تقيمها مع من هم تحت رحمتهاء أي 
الحيوانات. وهنا بالذات يكمن الإخفاق الجوهري للإنسان, الإخفاق الذي 
تنتج عنه كل الإخفاقات الأخرى. 

اقتربت بقرة من تيريزاء ثم توقفت وأمعنت النظر فيها طويلا بعينيها 
الكبيرتين البنيتين . تيريزا تعرفها وتدعوها مارغريت. كان في ودها أن تعطي 
اسما لكل بقراتها ولكنها لا تستطيع لأنهن كثيرات. ولا 
نشنة :كان أكيدا أن نقرات القرية كلها كانت تملك أسما . (وإذا كان الاسم 
هو دلالة على الروح» فأستطيع القول إذاً ل حتى ولو 
كان هذا الأمر لا يعجب ديكارت). ولكن القرية للد وفيت قتا ب مما 
تعاونيا كبيرأء وصارت البقرات تمضين حياتهن في العيش بين مشرين مربعين 
في الزريبة. لم يعد لديها أسماء ولم تعد سوى «آلات حية». وهكذا جعل 
العالم ديكارت على حق . 

أمام عينيّ مائلة أبداً تيريزا الجالسة على أرومة شجرة وهي تداعب 
ر س كارينين وتفكر في إخفاق الإنسانية وفي الوقت ذاته تنبثق صورة ة أخرى 
أمام عينيّ : صورة نيتشة وهو يرى أمامه وهو خارج من فندق في توران» حوذياً 
ينهال على حصانه بالسوط. فيقترب نيتشه من الحصان ويحيط برقبته أمام 
ناظري الحوذي. ويشهق في البكاء. 

حدث هذا في عام 1884 عندما كان نيتشه قد تنحى كلياً عن الناس 
وبكلمة أخرى في تلك الفترة بالذات انتشر خبر مرضه العقلي. ولكن هذا 
الأمر بالتحديد عو يعطى. حسب رأيى», هذا التصرف دلالته العميقة. جاء 
شه فلل لديكارس: النفز من الحصساة: وحدونه ولق الفسالته عن 
البشرية) يبدأ في اللحظة التي بكى فيها من أجل الحصان. 


وهذا «النيتشه» بالذات هوالذي أحبه. كما أحب تماماً تيريزا التى 


255 


يبتعدان عن الطريق حيث تتابع الإنسانية «سيدة الطبيعة ومالكتها» تقدمها إلى 
الأمام . 


3 


أنجبت كارينين فطيرتين هلاليّتين ونحلة ناظرة بدهشة إلى ذريتها الغريبة. 
كانت الفطيرتان تركنان ساكنتين أما النحلة المذهولة فكانت تترنح . وبعد قليل 
طارت واختفت. 

عندما استفاقت تيريزاء أخبرت توماس هذا الحلم الذي رأته. ووجد 
كلاهما تعزية فيه : كان هذا الحلم يُحيل مرض كارينين إلى حَبْلء و 
الولآادة كان متقد | مشتجكا ومؤثرا فنعا - فطيرتان ونحلة. 


شع في داخلها من جديد أمل غامض» فقامت وارتدت ملابسها. كان 
نهارها يبتدىء فى القرية أيضاً بالجولات الشرائية. كانت تذهب إلى السمان 
لتهرى عليا رخيرا وقطات. ولكن حين نادت كارينين في ذلك اليوم 
لتصحبهاء بالكاد رفعت الكلبة رأسها. وكانت هذه هى المرة الأولى التى 
ترفض فيها المشاركة بالاحتفال الذي نصر عليه دائماً بعناد. ْ 


ذهبت إذاً من دونها. «أين كارينين؟» سألت البائعة وقد جهزت فطيرة 
لها. هذه المرّة تيريزا حملت بنفسها الفطيرة في قفْتها. ما أن صارت على 
العتبة حتى أخرجتها لتريها لكارينين. كانت تريد أن تأتي بنفسها لتأخذها 
ولكن الكلبة بقيت نائمة دون حراك . 

كان توماس يدرك مدى حزن تيريزاء فأخذ الفطيرة بنفسه من فمه 
وزحف قبالة كارينين» ثم اقترب منها ببطء. 

كانت كارينين تنظر إليه وشعاع من الاهتمام بدأ يلتمع في عينيها. 
ولكنها لم تنهض . قرب توماس وجهه على مسافة قريبة جدا من خطمها. 
ودون أن تحرّك جسدهاء أخذت الكلبة في خطمها القطعة التي تبرز من فم 
توماس . ثم أفلت توماس الفطيرة ليتركها كاملة لكارينين. 


236 


وهي مه 0 ل عادت 0 ال 
اللعب! لا يزال لدى كارينين حب الحياة! 

هذه الدمدمة كانت ابتسامة كارينين. كان في نيتهما أن يجعلا هذه 
الابتسامة تدوم أطول وقت ممكن. من جديد اقرب توماين وأخنا نحو الكلبة 
وأمسك طرف الفطيرة التي تبرز من خطمها. كان وحيناهها قريبين جد 
الواحد من الآخر وأحس توماس بلهاث الكلبة., وبالوبرات الطويلة النابتة 
حولة خطمها تدغدغ وجهه. أرسلةة الكلبة دمدمة وهرّت خطمها فجأة. كان 
اكرطييا مت هار الاين انان الكت كاري سلاها التنيم 
كانت فد نيت كالغادة أن توما لين علا اي . ل يغلت توماين 
الفطيرة ة التي كانت في فمه وتناول النصف الذي سقط على الأرض بيده. 

هتفت تيريزا: «توماس لا تأحذ لها فطيرتها) . 


أفلت توماس نصفيٌ الفطيرة أمام كارينين. فالتهمت النصف الأول 
بسرعة . ولكنها احتفظت بالنصف الآخر طويلا في فمها وبإصرار. لكي تثبت 
لسيديها أنها ربحت المعركة. 

كانا ينظران إليها مرددين أن كارينين كانت تبتسم. وأنها مادامت 
تبتسم ‏ فإن هناك أملا في الحياة. حتى ولو كان محكوما عليها بالموت. 

في صباح اليوم التالي بدا وكأن حالتها تحسنت. تناولا إفطارهما. في 
ا ع ا او و 
هذا وتبد أ بالقفز عادة من حولهما بلجاجة قبل لحظات الشروع في النزهة. 
ولكن هذه المرة. حين وضعت تيريزا لها الرسن والطوق, نظرت إليهما 
طويلاً ودون حراك. كان مين أمامها ويجهدان لأن يتظاهرا بأنهما سعيدان 
(بفضلها ومن أجلها) لكي يبنا فيها بعضاً من المزاج الطيّب. بعد قليل. 
اقتربت الكلبة منهما وكأنها أشفقت عليهما. اقتربت تعرج على أرجلها 
الثلاث لكي يضعا لها الطوق. 


257 


قال توماس : «تيريزاء أعرف أنك على خصام مع آلتك الفوتوغرافية. 

أذعنت تيريزا وفتحت الخزانة لتفتش عن آلة التصوير المخفية والمنسية 
في إحدى الزوايا. أضاف توماس: «سوف نكون سعيدين دا ذات يوم 
لالتقاطنا هذه الصور. كارينين كانت جزءا من عياتناء.. 

«هل قَلْتَ كانت؟». قالت تيريزا وكأن أفعى لسعتها. كانت الآلة 
أمامها في عمق الخزانة ولكنها لم تقم بحركة. «لن آخذ الآلة معي . لا أريد 
الماضي !2 . 

لا تغضبي ٠‏ مني ! قال توماس . 

عد وال 0 قالت تيريزا بهدوء, أنا ا 
نفسي وأنا أفكر فيها وكأنها صارت جزءاً من الماضي . ومراتٍ كثيرة لمت 
0 من أجل هذاء لن آخذ الكاميرا معي». 

كانا يمشيان على الطريق دون أن ينبسا بكلمة. كان الصمت الطريقة 
الوحيدة كي يتجنبا التفكير بكارينين وكأنها جزء من الماضي . لم يكونا 
يشيحان ببصرهما عنها وكانا معها باستمرارء متحينين الفرصة التي قد تبتسم 
فيها. ولكنها لم تكن تبتسم بل تمشي فقط ودائما على أرجلها الثلاث. 

«إنها تقوم بذلك فقط من أجلناء قالت تيريزا. لم تكن راغبة في 

ما قالَيّه كان محزناً. ولكن. على الرغم من ذلك كانا سعيدين دون أن 
يدريا. ل ا ل 0 كانا يمسكان 
بأيديهما ويرياك أمام أ عينهما الصورة ذاتها: كل اعوجاء تحن عش مشراك 
من عمرهما. 

رغبا القيام أيضاً بجولة تير . ولكن كارينين خيبت آمالهما عندما 
توقفت فجأة لتعود على أعقابها . وَجَبَتَ العودة إذا. 


2058 


د 


ربما في اليوم ذاته أو بعده. رأت تيريزا عندما دخلت | ار 
على حين بغتة أنه كان يقرأ رسالة . حين سمع الباب يصفق. أ خفى الرسالة 

بين الأوراق الأخرى فلاحظتٌ ذلك. وحين خرج من الغرفة رأته يدس رسالة 
في جيبه . ولكنه كان قد نسي الغلاف. عندما صارت لوحدها في البيت, 
تفحصته. كان العنوان مكتوباً بخط مجهول ولكنّهُ واضح عدا وبدا لها وكأنه 
خط امرأة. 

فيما بعد. حين تلاقيا ثانية» سألته متظاهرة بأن شيئاً لم يكن. هل 
يتلقى رسائل في البريد. 

«لا». قال توماس. فتولى اليأس قلب تيريزا؛ يأس قاتل لأنها فقدت 
الاعتياد عليه. لا لم تكن تعتقد أن بإمكان توماس أن يعاشر امرأة ة هنا في 
الخفاء. فهذا مستحيل عملياً. كانت على بِيّنة من جميع أوقات فراغه. ولكن 
ربما هناك امرأة ة في براغ لا يزال متعلقاً بها حتى ولولم يكن في مستطاعها أن 
تترك رائحة فرجها في شعره. لم تكن تعتقد أن توماس يمكن أن يتركها 
بسبب هذه المرأة. ومع ذلك فقد أحسّت بأن سعادة السنتين الأخيرتين اللتين 
عاشتهما في القرية قد شوههما الكذب, كما حدث في السابق. 


عاودتها فكرة قديمة: سكناها لم يكن توماس. بل كارينين. من سوف 
يعبىء ساعة أيامهما من جديد عندما لن تعود هنا؟ 

كانت تيريزا تفكر في | لمستقبل. في مستقبز دون كارينين وكانت تشعر 
أنها متروكة فيه . 

كانت كاراين مسعيةا إلينت الزوايا اونمت 7 إلى 
دقان ارين هنا عووث ها نر لحرا لخر في 0 
مستطيلا . ستكون هذه مساحة قبرها. 


«ماذا تفعلين؟» سألها توماس الذي باغتها بالشكل الذي باغتته فيه منذ 
ساعات معدودات عندما كان يقرأ الرسالة . 


2259 


لم تجب. كان يرى يديها ترتجفان: كانت هذه هي المرة الأولى منذ 

وهل هذا قبر كارينين؟» 

ل الي 
فيها في زمن الماضي . وأنتِ ماذا تفعلين؟ تريدين دفنها من الآن!». 

أدارت ظهرها ورجعت إلى البيت. 

ذهب توماس إلى غرفته وصفق الباب وراءه. 

فتحت تيريزا الباب من جديد وهي تقول: «لا تفكر إلا في نفسك. 
يمكنك على الأقل أن تفكر فيها في هذه المحنة .كانت تنام وأيقظتها. ستبدأ 
بالنحيب من جديد). 

كانت تعلم أنها غير عادلة (فالكلبة لم تكن نائمة) وأنها تتصرف مثلما 
تتصرف المرأة الساذجة الأكثر ابتذالا حين ترغب في الإيذاء وتتقنه . 

دخل توماس على رؤوس أصابعه إلى الغرفة 0 
فيها . لكنها لم تشأ أن تتركه وحيداً معها. انحنى كلاهما فوق الكلبة» م 
0 كان كل 

حت مع بون لياش ادع 
منفصلَيّن وكل لوحده 


لما عبارة «الحب البريء» هي على هذه الأهمية بالنسبة لتيريزا؟ 


نحن الذين تربينا في أجواء أساطير العهد القديم. يمكننا أن نقول إن 
(الحب الريء» هو الصورة الت انتكخة ينا عقابة اذ قرز نين الي : لم تكن الحياة 
فى الجنة تشبه الرحلة ذات الخط المستقيم التى تقودنا فى المجهول. ولم 


26) 


تكن مغامرة. بل كانت تتحرك في سير دائري وسط أشيا ء معروفة. ولم تكن 
رتابتها ضجرا بل سعادة 

ما دام الإنسان يعيش ة في الريف في قلب الطبيعة محاطاً بالحيوانات 
الأليفة يعانق الفصول وتكرارهاء فإنه سيظل يُحتفظ. وإن كان الأمر مجرد 
صدئ. بشىء من ذلك الحب البريء الفردوسى . حين التقت تيريزا رئيس التعاونية 
في مدينة المياه المعدنية» انبجست أمام عينيها صورة الريف «(الريف الذي 
لم تعش فيه من قبل والذي لم تكن تعرفه) وشعرت بالغبطة. كان الأمر وكأنها 


في الجنة. حين كان آدم ينحني فوق النبع. ؛ لم يكن يعرف بعد أن 
الصورة التي يراها كانت تمثله . ولم يكن قادرا على أن يفهم معنى وقفات 
تيريزا المطولة أمام المرآة عندما كانت صغيرة أو جهدها لأن ترى روحها عبر 
جسدها. كان آدم مثل كارينين. فعندما كانت تيريزا تقود كارينين أمام المرآة 
لتتسلّى. كانت كارينين لا تتعرف إلى صورتها بل تنظر إلى نفسها ساهمة وبلا 
مبالاة كلية 


المقارنة بين كارينين وآدم تجعلني أفكر بأن الإنسان في الجدة لم يكن 
عبان سانا بعت وبطريقة أصح. لم يكن الإنسان قد قذف بعد إلى مدار 
الإنسان. أما نحن الذين قذفنا منذ زمن بعيد محلقين في نزاع الوقت الذي 
يسير في خط مستقيم. فلا تزال في داخلنا بقية من خيط رفيع يشدنا إلى 
الجنة البعيدة المغبشة. حيث كان آدم ينحني فوق النبع من غير أن يفكر, 
علو الفكمنثماما من ترسيين: بأن هذه البقعة الصفراء الشاحبة التي تتراءى 
له هي صورته. الحنين إلى الجنة إذاً هو رغبة الإنسان في الا.يكرن سانا : 

عندما كانت صغيرة وتعثر على فوط أمها الصحية الملطخة بدم العادة 
كانت تشعر بالقرف والكراهية نحو أمها التي لم تكلف نفسها حشمة أن 
تخفيها عن الأنظار. ولكن كارينين كانت كلبة ويأتيها الطمث أيضاً مر في 
كل ستة أشهر ويدوم خمسة عشر يوماً. ولكي لا توسّخ الشقة. كانت تيريزا 
تضع بين رجليها قطعة ضخمة من القطن وتلبسها أحد سراويلها العتيقة وتشته 


61 


حول جسدها بواسطة شريطٍ طويل. كان يسرها أن ترى هذا الزي. المضحك 
خلال حي اعت يرا . 

كيف يمكن أن نفسر بان طمث كلبة يثير فيها حناناً فرحاً فيما عادتها 
الشهرية كانت تنفرها؟ يبدو لي الجواب سهلاً: الكلبة لم تطرد من الجنة. 
و ل ا 
لذلك كانت تيريزا ت* تعر أنهنا جيذة وفادة جدا قربينا زوسن أجل عيدا من 
الخطورة بمكان أن نحول الحيوان إلى آلة حية وأن نجعل من البقرة آلة 
لإنتاج الحليب: فبهذه الطريقة يقطع الإنسان الخيط الذي كان يصله بالجنة» 
ولا شيء يستطيع عندها إيقافه أو تعزيته خلال طيرانه عبر فراغ الزمن) . 

من خلال الفوضى المشوشة لهذه الأفكارء تبرعمّت فكرة دنسة في 
روح تيريزا دون أن تستطيع التخلص منها: الحب الذي يربطها -0 
أفضل من الحب الموجود بينها وبين توماس. أفضل منه لكن ليس أكبر 
تيريزا لا تنوي اتهام أحد. لا هي ولا توماس. ولا تريد أن تؤكد أن بإمكانهما 
أن يتحابًا أكثر. وإنما يبدو لها أن الحب (في أفضل حالاته على الأقل) 
كارف امنا كن موتطيفة الى اليفك الكو السو و الإنبنان 
والكلب. وهنا بالذات تكمن غرابة التاريخ الإنساني الذي لم يخطط له 
الخالق على الأرجح . 

إن هذا الحب لمترفع : تيريزا لا تريد شيئاً من كارينين ولا تطلب منها 
أن تبادلها الحب. هي لم يخطر ببالها قط ا 5 
تعذّب عادة العشاق البشر: هل يحبني؟ هل أ حب أحداً من قبل أكثر مني؟ 
هل حبه لي أكبر من حبي له؟ كل تلك الأشئلة التي تساور الخب والثي 
مد وخكدسة و تححنة وتدكزة ريما وهوالها انول كينا إذا كنا غير قادرين 
غلن لحن نهذ وبا للأنا رهبي فى ان كن مسوبيق» أ لائنا تربيدا شبيكا 

من الآخر (الحب) بدل أن نجيئه دون شرط وألا نرغب في شيء آخر سوى 
حضوره. 

وهناك ث شيء آخر: تيريزا قبلت كارينين كما هي . لم تسع في تغييرها 
فصي لس غنها: بل أذعنت مسبقاً لعالمها ككلبة ولم نشأ مصادرته. فهي 


262 


َه 


لا تشعر بالحسد من ميولها السرية. وإذا كانت قد سهرت على تربيتها فهذا 
ليس من أجل أن نغيرهاء (كما يريد رجل أن يغير زوجته أو كما تغير امرأة 
زوجها) ولكن فقط لكي تعلمها اللغة البدائية التي تسمح لها بأن يتفاهما وبأن 
يعيشا سوية . 

وهناك أيضاً شيء آخر: حبها لكلبتها إرادي ولم يجبرها أحد عليه. 
(مرة أخرى. تفكر تيريزا بأمها وتشعر بأسى كبير نحوها. لو كانت أمها إحدى 
نساء القرية غير المعروفات لكان بإمكانها أن تجد فظاظتها المرحة أمرا 
ع1 1:1 لك فقظ الردكاتة انها طايه عن الستدينة | مد الطفولة وتتريزا 
شح :داتها من أن تحتل أمها تقاسيم وجهها وأن 0 والأسوأ 
من ذلك أن الوصية الموغلة في القدم والتي تقول: «أحببٌ أباك وأمك» كانت 
تجبرها على الفبول بهذا الاحتلال وعلى أن تصف بلحت هذا الاعتداء! هذه 
ليست غلطة أمها إن كانت تيريزا قاد قطعت علاقتها بها. لم تقطع علاقتها 
بأمينا لأن :امه كانت كنا كاكه :بل لانها كانت أمها: 


ولكن تجدر الإشارة خصوها إلى هذا الأمر: لا يمكن لأي إنسان أن 
يقدم للآخر قربان الحب البريء. وحده الحيوان يستطيع ذلك لأنه لم يطرد 
من الحنة.. الحب بين الإنسان والكلب حب بريء. حب دوك صراع ودونث 
مشاهد ممرّقة ودون تطور. حول تيريزا وتوماس كانت كارينين تخط دائرة 

لقانت كارينية إنساناً يدل مسي ا أن تقول رين 
منذ زمن بعيد: «اسمعي » » لم يعد يعجبني أ ن أحمل كل يوم فطيرة في فمي . 
ألا يمكنك أن تقدمي لي شيئاً آخر جديداً؟». ولكانت إدانة الإنسان كلها 


متمثلة في هذه الجملة. الوقت الإنساني لا يسير في شكل دائري بل يتقدم 
في خط مستقيم . من هناء لا يمكن للإنسان أن كوك سعييدا لأن. المتعاذة 


رغبة في التكرار. 
نعم. السعادة رغبة في التكرارء تفكر تيريزا. 


03ظ2 


العمل. ويلتقي بتيريزاء لم يكن ينسى قط أن يقول: «سيدتي لو أنني 
التقيته من قبل! كنا ذهبنا لمغازلة البنات معا. فليست هناك أية امرأة ا 


ل اد سا كا فهو ربي 
ا فالتكرار ل امع 
حتى الفكاهة في سياق الحب البريء تخضع لشريعة التكرار العذبة. 


5 





بالمقارنة مع الإنسان., لا يتمتع الكلب بأية امتيازات؛ إلا أنه يملك 
البازا يمك تكمينه: القتل رحمةً به لا يحرمه القانون. والحيوان يملك الحق 
في ميتة رؤوفة. كانت كارينين تمشي على ثلاث أرجل وتمضي أوقاتاً متزايدة 
وهي تنوح مضطجعة في الزاوية كان تتوماشس ور يذ متا همي تناباء إذ 
ليس لهما الحق في أن يتركاها تشقى دون جدوى. ولكن اتفاقهما على هذا 
المبدأ لم يكن يجنبهما قلق الشك: 0 
مجد؟ وكيف نحدد اللحظة التي لا تعود الحياة فيها جديرة بأن تعاش؟ 

لوأن تؤساين له :يكن طبييا! كان بإمكانه عندها أن يختبىء وراء 
شخص ثالث. وكان بإمكانه عندها أن يذهب لزيارة الطبيب البيطري وأن 
يطلب منه حقن الكلبة بالابرة. 

إنه لأمر شاق أن يقوم المرء بنفسه بمهام الموت. كان توماس قد أعلن 
مراراً وبحزم أنه لن يغرز الحقنة بنفسه وأنه سوف يستدعي الطبيب البيطري . 
ولكنه فهم في النهاية أن بإمكانه أن يمنحها امتيازاً ليس في متناول أي كائن 
بشري : سيوافيها الموت في هيئة من يحبونها. 

كانت كارينين قد أمضت الليلة تتأوه. عند الصباح. فحصها توماس ثم 
قال لتيريزا: «لم يعد بالإمكان الانتظار» . 

كان عليهما أن يذهبا إلى عملهما بعد قليل. ذهبت تيريزا لإحضار 
كارينين من الغرفة. حتى هذا الوقت. بقيت ممددة بلا مبالاة» (وحتى قبل 


204 


قليل» حين كانت تيريزا تتفحصهاء لم تَبدٍ أي اهتمام) ولكن عندما سمعت 
الباب يفتح , رفعت رأسها ونظرت إلى تيريزا. 

لم تقو تيريزا على تحمل هذه النظرة» وكادت أن تخيفها. لم تكن قط 
تنظر إلى توماس بهذه الطريقة بل إليها وحدهاء ولكن ليس بالحدّة نفسها كما 
الآن. لم تكن نظرتها يشوبها اليأس أو الحزن, لا. كانت نظرة ثقة مرعبة 
وغير محتملة. كانت هذه النظرة سؤالاً لجوجاً وكأن كارينين قد انتظرت طيلة 
حياتها جواب تيريزا. كانت تحاول أن تفهمها الآن (وبإلحاح أكثر من ذي قبل) 
أنها لا تزال مستعدة لتلقي الحقيقة منها (لآن كل ما كان يصدر عن تيريزا 
يمثل الضفيقة بالنسية لها: كأن تقول لها مثلاً «أجلسي»! أو «نامي». كل هذه 
الأوامر هي بمثابة حقائق تتمائل معها وتعطي لحياتها معنى). 

كانت هذه النظرة ذات الثقة المرعبة خاطفة . عادت بعد قليل وأسندت 
رأسها فوق أرجلها. كانت تيريزا تعرف أن لا أحد خد أبدا مينظر إلنهنا بالطريقة 


هذه. 


لم يقدّما لها قط السكاكر من قبل. ولكن منذ بضعة أيام. اشترت لها 
ألواحاً من الشوكولا. ترعتعنها المورقة الفضية وقطعتها قطعا صغيرة ثم 
وضعتها أمام الكلبة. ووضعت أيضاً قطعة مليئة بالماء كي لا تحتاج كارينين 
إلى شيء طول الساعات القليلة التي تبقى فيها وحدها في البيت. ولكن يبدو 
أن النظرة التي ألقتها عليها قد أتعبتها. فلم ترفع رأسها ثانية بالرغم من أنها 
كانت محاطة بقطع من الشوكولا. 

اضطحعَتٌ على الأرض قربها وحملتها بين ذراعيها فتشمِّمتها ببطء 
كبير» ولعقتها بلسانها مرة أو مرتين بتعب كبير. استسلمت لهذه المداعبة 
رلب أدارت رأسها 


52000000 لن ترجع إلا بعد 
الغداء . وتوماس لم يعد بعد. كانت كارينين لا تزال نائمة وهي محاطة بقطع 
الشوكولا. ولم ترفع رأسها عندما سمعت تيريزا تقترب. كانت ساقها المريضة 


205 


متورمة» وانة نتشر الورم في أماكن أخرى. ظهرت نقطة حمراء شاحبة (لا تشبه 
الدم إطلاقاً) بين الشعرات. 

وكما في الصباح. تمددت على الأرض قربها وأحاطتها بذراعيها 
مغمضة عينيها. ثم سمعت قرعا على الباب. «دكتور! دكتور! » ها قد أتاك 
الخنزير ورئيسه!). كانت غير قادرة على الكلام مع لحن . لم تقم بحركة 
وأبقت عينيها مغمضتين . ثم سمعت مرة أخحرى: «دكتور. الخنازير أتت 
لتراك). ثم سإد الصمت من جديد. 

ركع ياك ةسام ذهب إلى المطبخ من غير أن ينبس 
بكلمة لتحضير الحقنة . عندما رجع إلى الغرفة. كانت تيريزا واقفة وكارينين 
تبلل كيدا للنهوض . عندما رأت توماس» حرّكت ذنبها بخفة. 

«انظر! قالت تيريزاء لا تزال تبتسم». 

قالت ذلك بلهجة يشوبها التوسل وكأنها أرادت من خلال هذه الكلمات 
د ل 8 
ار ا 
كل شيء وفكرت بكل الأمور وكأنها تصورت موت كارينين منذ أيام عديدة. 
(آه! أي هول! نحلم مسبقاً بموث مَنّْ نحبهم). 
ٍ لم تكن لديها القوة لتقفز على السرير فحملاها بين أذرعتهما ورفعاها 
معا. وضعها توماس على جنبها وفحص لها رجلها. كان يبحث عن مكان 
حيك يكون العرق باززا ومرئياً يوضوح: قصّ لها الشعرات بمقص في هذا 
المكان. 

كانت كارينين راكعة أمام السرير وتحمل في يديها رأس كارينين 
ملاصقا لوجهها. 


طلب منها توماس أن تمسك الرجل الخلفية بحرم 2 تناف فوق العرق 
الذي كان رفيعا (ارضعت أن تخوة الانرة قي أمسكت برجل كارينين من دود 


266 


أن تبعد وجهها عن رأسها. ثم أخذت تتحدث إليها دون توقف بصوت ناعم 
فيما تيريزا همست لها: «لا تخافي, لا تخافي. هناك لن تشعري بالألم. 
هناك ستحلمين بسناجب وبأرانب برية. وستكون هناك بقرات ومفيستو أيضاء 
لا تخافي . . . ) 

غرز توماس الابرة في الشرف وانزل المكبسس اعد كل 
0 أمام سريرها وتلصق حا راض 

وجب عليهما أن يعودا إلى العمل. وبقيت الكلبة ممددة على السرير 
فوق الشرشف الأبيض المزين بأزهار بنفسجية . 

ين يه ران إلى الحديقة رادي إلى 0 
وأخذ ران بدقة المقاييس ا كان يريد 0 

حسب رغبة تيريزا. 
0 نت نه خط ميل إيها بها صم لقنا عمق 
بالذات بطريقة غير مرئية» وفي ظنها أن صدر الكلبة هو الذي كان يتحرّك!). 

عثرت على مرأةٍ في حقيبتها فألصقتها بخطم الكلبة. . كانت المرأة 
متسخة جداً فحسبَتٌ أنها ترى البخار المتصاعد من نفس الكلبة . فصرخت 
بتوماس الذي كان العا بن الحديقة وحذاؤه مكسو بالوحل : «توماس لا تزال 
على قيد الحياة!). 

انحنى فوق الكلبة وأشار برأسه أن لا. 

أ يبك 5 من تاسته طرف الشرشف ضيف كانه كاري مهد 


267 


تيريزا من جهة الأرجل وتوماس من جهة الرأس. ثم رفعاها وحملاها إلى 
الحديقة . 

شعرت تيريزا بأن الشرشف كان مبتلاً تحت يديها. ففكرت أنَّ الكلبة 
بمجيئها إلى العالم جلبت معها بركة ماء صغيرة وبرحيلها منه تركت لنا بركة 
صغيرة. كانت سعيدة بهذه الرطوبة تحت أصابعها وكأنها وداع أخير من 
الكلبة. 

حملاها إلى ما بين شجرتي التفاح وأنزلاها في قعر الحفرة. انحنت 
لتسوّي الشرشف بشكل يلفٌ جسد الكلبة كله. لم تكن تقوى على تحمل 
فكرة أن التراب الذي سيّلقيانه فوقها سيلامس جسدها العاري . 

توجهت بعد ذلك إلى البيت لتعود بالطوق والرسن وحفنة من قطع 
الشوكولا التي بقيت على الأرض لم تمس منذ الصباح. ثم ألقت بكل هذا 

إلى جانب الحفرة كومة من التراب المقلوب حديثاً. أمسك توماس 
بالرفش . 
ا ل فج أ مله جل ثيه كابة على ريح . ا 
تذكارياً قد أقيم بين شجرتي التفاح مرفوقا بهذه الكتابة : : «هنا ترقد كاريئنين. 
أنجبت فطيرتين هلاليتين ونحلة). 

بدأ الظلام يشتد في الحديقة . كان الوقت لا نهاراً ولا ليللا وظهر قمر 
شاحب في السماء ء مثل لمبة قد سيت مضاءة في غرفة الموتى. . 


كان حذاؤعما:مغظنى: بالثراب: أرجها المرّ» والرفكن إلى اللحيقة الت 





(#) آلة للحفر. 


208 


6 


عندما كان توماس يجلس أمام ا 0 يطالع كتباً 
كانت تيريزا تأتي لموافاته وتنحني فوقه ضاغطة وجهها على رأسه. عندما 
قامت بهذه الحركة في ذاك اليوم ع لاحظت أن توماس لم يكن يقرأ كتاباً . بل 
كانت هناك رسالة موضوعة أمامه وكان توماس شاخصا إليها بنظرة طويلة 
جامدة مع أنها لا تحوي خمسة أسطر مطبوعة . 

قالت تيريزا بقلق : وما هذا؟). 

ودون أن يستديرء أخذ تؤماس الرسالة وأعطاها إياها. جاء فيها أن عليه 
أن يذهب فى هذا النهار إلى مطار المدينة المجاورة. 

عندما أدار أخيراً رأسه ناحية تيريزاء قرأت في عينيه الذعر نفسه الذي 
أحسّت به لتوه. 

قالت: «سأرافقك). 

هر رأسه نفياً : «هذه الدعوة لا تخصنى إلا أنا» . 

0 

رددت : «لاء اريد أن أصطحبك» ثم صعدا في شاحنة توماس . 

بعد وقت قليل وصلا إلى مدرج المطار. كان الضباب يلف المكان. 
كانت تتوالى أمامهما وبطريقة مبهمة أشباح طائرات. كانا ينتقلان من طائرة 
إلى اخرى ولكن ابواجاعده الظاقريض كلها مقفلة ولم يكن رعداك من بوينولة 
للدخول. وأغديرا وجذدا طائرة بابها الأمامي مفتوح واليلم منزل. صعدا 
اريت ا يٍِ إطار اباب مشيرا 6 اوتاه . كانت 0 
الجاعة هما لاا ادن ب عن يمشتكية يقاس رود أن يهتما إطلاقاً لما 
يجري حولهما. جلسا جنباً إلى جنب على مقعدين وألقت تيريزا رأسها على 
كتف توماس . تبدد الهلع الأولى ليحل مكانه الحزن. 

ا ار له اه ا م لا 


209 


الحرة: بترن سيق آنا تسرفة ,كان تومنامن وتيريوا يعرفتآن مناذا نان 
ينتظرهما. أخذ بريق الهلع يحتجب لينكشف العالم في إضاءة مغبشة وعذبة 
تجعل الأشياء أكثر جمالاً من ذي قبل. 

لحظة قرأت تيريزا الرسالة» لم تكن تشعر بحب لتوماس. كانت تفكر 
فقط بأنه يجب ألا تتركه ثانية واحدة. كان الهلع يخنق كل المشاعر الأخرى 
وكل الانطباعات الأخرى. الآن وقد التصقت به (كانت الطائرة تحلق وسط 
الغيوم) زال الخوف وأحست بالحب. كانت تعرف أن هذا الحب لا قياس له 
ولا حدٌ. 

حطت الطائرة أخخيرا . نهضا وتوجها نحو الباب الذي فتحه المضيف. 
كانا يقفان متعانقين على الدرجات في أعلى السلم. شاهدا في الأسفل ثلاثة 
رجال يضعون كاغولياث”" فوق وجوههم ويحملون بنادق فني أيديهم. . كان 
التردد غير مجد لأن لا وسيلة للفرار. نزلا الدرج ببطء. وعدا وعد 
أقدامهما على المدرج» رفع أحد الرجال بندقيته وصوبها. لم تحدث ضِونا 
ولكن تيريزا أحست بأن توماس الذي كان يلتصق بها منذ دقيقة ويحيطها 
بذراعيها قد تهاوى ساقطاً على الأرض. 

أرادت أن تضمه إليها ولكنها لم تستطع إمساكه. سقط على باطون 
المدرج. انحنت راغبة في أن ترتمي فوقه لتغمره بجسدهاء ولكن حدث في 
هذه اللحظة شيء غريب: أخذ جسله يتضاءل أمام عينيها بسرعة» بسرعة 
عجيبة لدرجة أنها بقيت جامدة ومسمرة في مكانها. كان جسد توماس يتقلص 
أكثر فأكثر حتى لم يعد يشبه توماس بشيء. لم يبق من توماس سوى شيء 
صغير للغاية. وهذا الشيء الطفيف أخذ يتحرك ثم بدأ يركض فارا على 
مدرج الطائرات . 

نزع الرجل الذي أطلق د طلق الرصاص قناعه وابتسم بطريقة لطيفة لتيريزا. 
ثم التفت وأخذ يلاحق هذا الشيء الصغير الذي كان يركض متعرجا من هنا 
وهناك وكأنه يتحاشى ادا نا و عق اعنا ع مكنا . دارت المطاردة بضع 





(1) الكاغولية: جُبّة للرأس لا يبرز منها إلا العينان يلبسها أعضاء الكاغول الإرهابيون. 


2/0 


لحظات, ثم ألقى الرجل بنفسه فجأة على الأرض فانتهت المطاردة. 

ثم نهض وجاء إلى تيريزا . كان يحمل لها الشيء ء في يديه. وكان هذا 
الشيء ء يرتجف خوفا . كان الشيء أريا يزيا فقدمة إلى تبرينزا . عندها اختفى 
الرعب والحزن. سرت لأنها أمسكت بهذا الحيوان الصغير بين يديهاء حيوان 
صغير لتمتلكه وتضمه إلى صدرها . . ذرفت الدموع من السعادة . كانت تبكي 
دون أن تتوقف عن البكاء ولا ترى شيئاً من خلال دموعها. ثم حملت الأرنب 
البري إلى بيتها وهي تقول في نفسها إنها اقتربت أخيراً من مبتغاهاء وإنها 
كانت حيث ترغب في أن تكون وحيث لم يعد هناك داع للهرب . 

اتجهت عبر شوارع براغ وبلغت بيتها بسهولة. بيتها الذي عاشت فيه 
مذ كانت صغيرة . لم يعد أخوها وانينا كان تند استقبلها عجوزان لم 
ترهما من قبل ولكنها كانت تعرف أنهما والد جدتها وأم جدها. كان وجه 
00 ة شجرة؛ وكانت تيريزا سعيدة لأنها تسكن معهما. ولكنها 
الآنء رغبت في أن تكون لوحدها مع حيوانها الصغير. اهتدت دون صعوبة 
إلى الغرفة التي كانت تسكن فيها منذ سن الخامسة. حين قرّر والدها أنها 
بابك مف :أن كوه لها حرف عام ييا : 

كانت الغرفة مؤئثة بسرير وطاولة صغيرة وكرسي. على الطاولة كان 
هناك مصباح مضاء ينتظرها منذ ذلك الوقت. وفوق هذا المصباح كانت 
تستلقي فراشة جناحاها مفتوحان مزينان بعينين كبيرتين ملونتين. كانت تيريزا 
تدرك "انها توشك أن تلامس الهدف. فتمددت على السرير وألصقت الأرنب 
البري إلى وجهها. 


7 


كان جالساً أمام الطاولة التي كان يركن إليها دائماً لقراءة الكتب. . كان 
أمامه ظرف مفتوح ورسالة . . قال لتيريزا: أتلقى من وقت لآخر رسالة. . لم 
أكن أنوي أن ن أتحدث بشأنها إليك. وهي من ابني ..فعلت كل هاء في وشعي 
لأتحاشى أي اتصال لحياتي بحياته. وانظري بأي طريقة انتقم القدر مني . 


2/1 


ار ا 00 

فالتا تيريزا :وكان جملا قد أزيح عنها: ولماذا لم تشأ أن تخبرني عن 
هذه الرشان ا 

لا أعرف. كان الأمر ينفرني . 

من وقت لآخر. 

عن نفسه. 

وهل مهم ما يقوله؟ 

نعم. أمه كما تعرفين كانت شيوعية مسعورة. قطع علاقته بها منذ 
وقت طويل . وارتبط بأشخاص كانوا في مثل وضعنا. حاولوا أن يقوموا بنشاط 
سياسي . . بعضهم موجود الآن في السجن. ولكنه خاصمهم أيضاً وابتعد 
عنهم . يصفهم «بالثوار الأبديين»؟ . 

هل تصالح وهذا النظام؟ 
د ا ا ا ا 0 
عليها الدين. دون أن يقيم أي اعتبار للنظام . يجب أن نتجاهل النظام . 
ا ذا كنا مؤمنين بلله فنحن قادرون بالتابي على أن رسي في أي 
الفا 0 5 الاخيارية 00 المتة من رقابة 
ان أن عل عر زم ييا 

بعنا! إطرح عليه هذا السؤال! . 


302 


تابع توماس: كنت دائماً من المعجبين بالمؤمنين. كنت أعتقد أنهم 

يملكون الموهة الخاصة للودراك الخارجٍ عن النطاق 5 والذي امتنع 
على . ولكني أدرك الآن. يداد باب ان كون المرء مؤمناً أمر سهل للغاية . 
فعندما وجد ابني نفسه فى موقع حرج اهتم به امل كاثوليكيون فاكتشف 
فجأة الإيمان. ربما قرر ذلك كعرفان للجميل. فالقرارات الإنسانية سهلة 

ألم تُجب قط على رسائله؟ 

لم يكتب عنوانه . 

ثم أضاف: «يوجد بالطبع عنوان القرية على ختم البريد. يكفي أن 

كانت تيريزا تشعر بالذنب لشكوكها بتوماس . وأرادت أن تصلح خطأها 
باندفاعة كريمة مباغتة نحو ابنه: «لماذا لا تكتب له إذا؟ لماذ لا تدعوه؟»). 


قال توماس : إنه يشبهني . عندما يتكلم يقوم تماماً بالتكشيرة ذاتها رافعاً 
شفته العليا. أنْ ن أرى فمي بالذات يتكلم من مملكة الله دون أفيرا عرينا 
للغاية . 

الفحرية رن ١‏ ماك 

قالت تيريزا: «توماس لا تكن صبياني التفكير. . إنها حكاية قديمة أنت 
وزوجتك الأولى . بماذا تعنيهة هو هذه الحكاية؟ ما هو الشيء المشترك ٍ بينه 


وبينها! | إذا كان ذوقك كا في شبابك. فهل هذا سبب كاف لكي تؤذي أحداً 
ما؟). 


لكي أكون ضلاقا ملك هذا اللقاء يجعلني متهيباً. 00 
خاصة لا رغبة لي في رؤيته . لا أعرف لماذا كنت عنيداً إلى هذا الحد. ذ 
يوم نأخذ قراراً لا نعرف كيف, فيضع هذا القرار قوة استمراره. ا 
تمر يصعب علينا تغييره أكثر. 


3/3 


قالت له: «ادعه لزيارتك !). 

عي كارا راجعاً بعد الظهر من الإسطكل» م عر 
أحد الدرائية را جماعة تراقبه منتظرة ا 0 

كانت جامدة» شاخعضية+ كان 00 -00- كان تعره ارماديا 
ةبج لم بعد ل 
الشكوى. ا بداقلقاً. و ااه ات يدرت 
مما يتألف الجسم البشري أكثر مما يعرف مما يتألف المخرّك). 0 ثم أسرٌ لها 
بأنه 0 بعذة 000 6 0 لكي 0 وماس من ممارسة 0 في 


اختفت خلف جذع شجرة كي لا يراها الرجال المحيطون بالشاحنة 
ولكنها لم نَشِحُ ببصرها عنهم . كان قلبها مثقلاً بالندم : لقد ترك زوريخ 
بسببها ليرجع إلى براغ. وحتى في براغ لم تكف هي عن مناكدته. وحتى 
أمام كارينين المحتضرة, كانت قد عذبته بشكوكها. 

في صميم أعماقها كانت لامته دائماً على عدم محبته لها بما فيه 
الكفاية. كانت تعتبر حبها له فوق كل ملامة ولكن حبه لها كان تنازلاً بسيطاً. 

هاه ترى الآن كه كانت طالمنة بعنقه: لو انها كانت تكن فد 
توماس هذا الحب الكبيرء لبقيت معه في الخارج! هناك كان توماس سعيداً 
وكانت حياة جديدة تفتح أمامه! وهي تركته وذهبت! بالطبع كانت مقتنعة 
آنذاك بأنها تتصرف بمروءة لكي لا تكون عبئاً عليه. ولكن هذه المروءة؛ هل 


كانت شيئاً آخر سوى خدعة؟ فهي كانت تعرف أنه سيعود لموافاتها! استدعته 
لتجذبه أكثر فأكثر نحو الأسفل كما تجذب الساحرات المزارعين إلى 


214 


المخنات” وتتركهم يغرقون هناك . . ثم استغلت لحظة مغص أصيب به في 
معدته لكي تبتز منه وعدا بالذهاب سوية للعيش في الريف! كم كانت 
مخالة! كانت قد كالاته لتلحق ها وها إنها فق كل مرة تضعة قيد'التجرية لكي 
عاك ون اه هي دادند ان أن كط شو مهنا ضرف العسياا يعم 
أصابعه المتصلبة لم تعد باستطاعتها قط أن تمسك بمبضع الجراح . 

ها قد وصلا إلى نهاية المطاف. إلى أين بإمكانهما الذهاب بعد؟ لن 
يُسمح لهما أبداً بالذهاب إلى الخارج. وليس في إمكانهما أيضا ١‏ الرجوع إلى 
براغ لأن لا كن سيحيما عمد وماذا يفيد الذهاب إلى قرية أخرى! 


يا إهي , هل كان الأمر يقتضي فعلا المجيء ء حتى هنا لكي يتيقّن من أنه 
يحبها! 

نجح توماس أخيراً في معالجة دولاب الشاحنة. فقفز الصبية على 
جوانب الشاحنة ودوؤى المحرك . 

رجعت إلى البيت واستحمت . كانت تتمدد في المياه الساخنة وتفكر 
بأنها استغلت طوال حياتها ضعفها لتواجه توماس . كلنا نميل لأن نرى في 
القوة مذنباً وفي الضعف ضحية بريئة. ولكن تيريزا فهمت الآن: كان العكس 

هو الصحيح في مثل وضعها. حتى أحلامها كانت. وكأنها عارفة بنقطة 
الضعف الوحيدة عند هذا الرجل القوي. تعرض له مشاهد عن عذاب تيريزا 
لتجبره على التراجع ! كان ضعف تيريزا ضعفاً عدائياً يجبره في كل مرة على 
الرضوخ . إلى أن جاء الوقت الذي كف فيه عن أن يكون قرفا وجول إلى 
أرنب بين يديها. كانت تفكر طيلة الوقت بهذا الحلم. 

خرجت من المغطس وذهبت لترتدي فستان سهرة. كانت تريد أن 
تكون في أبهى حلة لتعجبه وتُدخل المسرة إلى قلبه. 


كانت تبكل زرّها الأخير عندما ظهر توماس فجأة في البيت يتبعه رئيس 


)١(‏ الخث: تراب عضوي قابل للاشتعال يتكون من الانحلال البطيء لبعض النباتات 
الطحلبية . 


لا 
ل- 
و 


التعاونية ومزارحٌ شاب شحوب الوجه بشكل واضح . 

قال توماس : «قليلاً من العرق. بسرعة! قليلاً من مشروب قوي!». 

ركضت تيريزا لكي تفتش عن قنينة من مشروب الخوخ. سكبت من 
هذا المشروب في قدح. فأفرغه الرجل الشاب دفعة واحدة. 

في أثناء ذلك كان يشرح له ما حدث: خلع الرجل الشاب كتفه أثناء 
العمل فصرخ زاعقا من الألم. لم يكن أحد يعرف ماذا يفعل. ثم نودي على 
توماس الذي أرجع بضربة واحدة ذراعه إلى مكانها. 

ابتلع الرجل الشاب قدحاً آخرء ثم قال لتوماس: 

«زوجتك رائعة جداًء اليوم!». 

قال الرئيس : «أيها الغبي » سيدة تيريزا هي دائماً جميلة». 

قال الشاب: «أعرف أنها جميلة دائماً. ولكنها اليوم وضعت ثوباً جميلاً 
فصارت أجمل من كل الأيام. لم نركِ من قبل في هذا الشوب. هل أنت 
ذاهبة فى زيارة؟) . 

لاء ارتديته من أجل توماس. 

قال الرئيس: «أنت محظوظ يا دكتور. زوجتي ليست تلك السيدة 
البورجوازية التي تلبس أزهى الثياب لكي تسرّني». 

قال الشاب: بإذاء من أجل هذا تخرج مع خنزير بدل أن تخرج مع 
زوجتك». وضحك طويلا. 

قال توماس: كيف حال ب مفيستو. لم أره مند على الأقل... (بدا 
وكأنه يفكر) ساعة . 

قال الرئيس: أخذ يضجر مني . 

قال الرجل الشاب لتيريزا: عندما أراك في هذا الثوب الجميل أشعر 
برغبة في الرقص معك. هل ستتركني أرقص معها يا دكتور؟ 


26 


فقالت تيريزا: جميعنا سنذهب إلى الرقص. 

قال الفتى لتوماس: هل تأتي معنا؟ 

أشار الفتى إلى بلدة في الجوار يوجد فيها فندق وحانة وحلبة للرقص . 

تقال الرجل اناك للرندين اراح لال «تأتي معنا . وبما أنه كان 

يشرب 2 الثالئة من مشروب الخوخ. أضاف: «إذا كان مفيستو كثيباًء 
فلنصطحيبه معنا! وهكذا سلنذهب برفقة خنزريرين! !إوكل الجميلات سيقعن 
أرفا لدى:رزهين حتزيرين قادنين باشجاههين | !». ثم انطلق بضحكة طويلة . 

قال الرئيس : «إذا كان مفيستو لا يزعجكم. سآتي برفقته). ثم صعد 
الجميع في الشاحنة. 

جلس توماس أمام المقود. وجلست قربه تيريزا. أما الرجلان الآخران 
فأحذا مكانيهما في الخلف. مع قنينة عرق نصف فارغة. كانا قد غادرا القرية 
عندما تذكر الرئيس فجأة أنه نسي مفيستو في البيت. فصاح بتوماس ليقفل 
راجعاً. 

فقال الرجل الشاب: «لا داعي لهذا العناء» خنزير واحد يكفي) . فهداً 
الرئيس . 

كان النهار يشرف على الانتهاء . وكانت الطريق تبدو متعرجة . 

وصلوا إلى المدينة وتوقفوا أمام الفندق. لم يكن توماس وتيريزا قد 
قصداه من قبل. كان هناك درج يؤدي إلى تحت الأرض حيث توجد حانة 
وحلية رقص وبضصع طاوللات. كان هناك رجل ستيني يعزف على بيانو ترافقه 
سيدة في مثل عمره ة في العزف على الكمان. كانا يعزفان أنغاماً تعود إلى 
أربعين سنة. . وكان هناك أربعة أو خمسة أزواج يرقصون على الحلبة . 

حال الرجل الشاب الصالة كلها بعينيه ثم قال: «ليست هناك أية يه واحدة 

من أجلي هنا!» . ودعا حالاً تيريزا إلى الرقص . 


27 


اعترض توماس : لا يمكنني أن أشرب . فأنا أقود! 

قال الرئيس : وماذا بعد؟ سنمضي الليلة هنا. سأحجز غرفتين. 

عندما رجعت تيريزا مع الشاب من الحلبة؛ دعاها الرئيس للرقص. ثم 
رقصت أخيرا مع توماس . 

قالت له وهما يرقصان: «توماس أنا السبب في كل سوء لحق بك. 
بسببي أنا جئت إلى هنا. أنا التي أنزلتك إلى هذا المستوى المنحطء 
لا يوجد هناك ما هو أحطٌ منه». 


فاعترض توماس قائلا : لا بد أنك تهذين. ثم ماذا تعنين بقولك «ما هو 
أحطّ منه؟) . 


لو أننا بقينا في زوريخ لكنتّ الآن تجري العمليات لمرضاك. 
ولكنت أنت تلتقطين الصور. 
فقالت تيريزا: لا ا 0 عملك 00 1 
كانت رسالتك أن تقوم بإجراء العمليات. 
يملك رسالة. إنها لتعزية لا تقدّر بأن تشعر بأننا أحرار وأن لا رسالة لدينا. 
استناداً إلى لهجته بدا مستحيلاً أن نشك في صدقه. استعادّت مشهد 
بعد الظهر: كان يعالج الشاحنة فاكتشفت أنه صار عجوزاً. مامد زميات :ذا 
إلى مبتغاها: كانت قد رغبت دائماً في أن يصير عجوزاً . وفكرت مرة أخرى 
بالأرنب الذي ألصقته إلى وجهها في غرفتها التي كانت تعيش فيها عندما 
كانت صغيرة. 
لكن ماذا يعنى هذا؟ ماذا يعنى أن نتحول إلى أرنب؟ هذا يعنى أن 


216 


ننسى قوتنا . هذا يعني أنه لم تعد لدينا القوة. لا نحن ولا الآخر. 

كانا يروحان ويجيئان قائمين بحركات راقصة على أنغام البيانو 
والكمان. كانت تيريزا تلقي رأسها فوق كتفه. وكما في الطائرة التي حملتهما 
عبر الضباب. كانت تشعر الآن بالسعادة الغريبة نفسهاء وبالحزن الغريب 
نفسه , وهذا الحزن, كان يعنى : لقد أصبحنا عند المحطة الأخيرة. وهذه 
السعادة تعنى : إلا أننا ما زلنا سوية. كان الحزن هو القالب والسعادة هى 
المحتوى. والسعادة تملأ مساحة الحزن. 

رجعا إلى طاولتهم . ثم رقصت أيضاً مرتين مع الرئيمس ومرة مع الشاب 
الذي كان ثملا إلى درجة أنه تهاوى على الحلبة. 

ثم صعد الأربعة ودخلوا إلى غرفهم . 
ببعض وقربهما طاولة سرير وفوقها مصباح. طارت فراشة ليلية كبيرة مذعورة 


تحبا تن .. ىن مودو 


2010 


ميلان كونديرا 
كائن لا 00 أ 2 ث 


العود الأبدي فكرة ة يكتنفها الفنموض. وما أرنك نيتشه الكثيرين 

من الفلاسفة : أن نتصور أن كل شيء 0 
اسايق وأن : هذا التكرار بالذات سيتكرر بلا نهاية! ماذا تعنى هذه 
الخرافة المجنونة؟ 

تكد خرافة العود الأبديئ. سنا نالحد التي تختفي ائياً. والقى 
لا ترجع . إغا هي أشبه بظلٍ ا ومها تكن هذه 
الحياة فظيعة أو جميلة أو رائعة. فإن هذه الفظاعة وهذا الال وهذه 
الروعة لا تعتى شيئا. ٠‏ هي غبر ذات أهميّة مثل حرب وقعت فى القرن 
الرابع عشر بان ملكتين أل يتين (قيا عربت طيناً يبوجم كتين .مع 
أن ثلائائة آلف نجي لاقوا ذيها حتفهم وفي عذابات تفوق الوصف. 
فهل كان سيتغير شيء لو أن هذه الخرب بين المملكتين الأفر يقيتن قِ 
القرن الرابع عشر قد تكرّرت مرات لا خصر طافى سياق العود 
الأبدي؟ 

لنقل إن فكرة ة العود الأبدي غدد أفقاً لا بدو فِه الأشياء كا 
نعرفها: تظهر لنا من دون الظروف التخفيفيّة لعرضيتهاء هذه 
الظروف التخفيفية تنعنا في الحقيقة من إصدار حكم مُعَينَ. هل 
بالإإمكان إدانة ما هو زائل»؟ إن غيوم المغيب البرتقالية تضفي على كل 
شىء الى الحنين. حتى عل المقصلة. 


تطاق. . وهذا ما جعل نيتشه يقول: إن فكرة العود الأبدي .هي الحمل 
الأكز ثقلا. 

إذا كان العود الأبدي هو الحمل الأثقل. يمكن الحيواتنا عندئذ أن 
تظهر على هذه القماشة الخلفية بكل خفتها الرائعة. 1 

لكن هل الثقل حقا فظيع ؟وججيلة هي الخفة؟ 

إن أكز الأحمال ثقلاً يسحقنا. 0 
الأرض. ولكن لو ألقينا مثلاً نظرة على شعر الحب خلال العصور 
لرأبنا أن المرأة ترغب فى أن تتلقى حمل جسد الذكر. إذاء 0 
الأكز ثقلاً هو في الوقت ذاته صورة للاكتال الحموي في ذروته. فكلا 
كان الخمل ثقيلا. كانت حياتنا أقرب إلى الأرض. وكانت واقعية أكز 
وحقيقية أكثز. 

وبالمقابل. فإن الكائن الإنساني عند الغياب التام للحمل يصير أكزر 
خفة من الطواء محلقا بعيدا عن الأرض وعن الكائن الأرضى. بصير 
شبه واقعي وتصبح حركاته حرّة قدر ما هي تافهة. : 

إذا ماذا علينا أن نختار. الفة أم الشقل؟ 


وا ادركز الشقافي ارين ص ب )0 


ص .ب 4006 - الدار 


أتشحكائن لا تحتمل خفته 
جح 2.0 


7 |الالاتااالا 


لميصاء -المغرب 


8 رواية 


! 
1 


| 
| 


1 














م 


“لعزا ا سام كروي اشوا به 12 با 02و 0